عندما كنت أتابع دراستي لنيل شهادة الدكتوراه في جامعة برلين الحرة، تم قبولي في جامعة برينستون كأستاذ زائر بين عامي 2017 و2018. لقد درست تاريخ الأقلية اليهودية وتجربتهم في مصر بين 1915-1952.
تم دعم الدكتوراه عن طريق منحة دراسية من جامعتي في مصر في بداية الأمر. لكن هذا الدعم ما فتئ أن تعطل ثم تم إنهاؤه نظرا لكون عملي الأكاديمي له تداعيات سياسية على نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي. لقد وصلتني مضايقاتهم، برعاية من الدولة، إلى داخل المكتب الثقافي للسفارة المصرية في برلين. فقد تم تعيين السيد أحمد فاروق حامد غنيم (الملحق الثقافي السابق بالسفارة المصرية في ألمانيا) تم تعيينه لهذا المنصب حيث نفذ تهديدات شفهية وكتابية ضدي بشكل منتظم، وحاول مرارا وتكرارا تخويفي، كما حاول أيضا مصادرة جواز سفري بشكل غير قانوني. إنه يعكس الثقافة المصرية للدولة البوليسية.
لقد وبخني السيد غنيم بشكل متكرر وكأنني طفل تتم معاقبته وذلك لكي أسلمه جواز سفري. وعلى الرغم من تقديمي لنسخة رسمية واحدة مصادق عليها لجميع صفحات جواز سفري عن طريق قسم التاريخ والدراسات الثقافية في جامعة برلين الحرة إلا أن السيد غنيم واصل تهديداته وتخويفه اتجاهي لعدم إرسالي جواز السفر الأصلي. أنا مواطن وأعرف حقوقي القانونية ولهذا فإنني لن أتخلى أبدا عن أي مستندات تتعلق بهويتي. أنا أيضًا باحث في التاريخ وأعبر عن آرائي إلى أقصى حد ممكن من الحرية الأكاديمية الحديثة والتي يبدو أنها تزعج بل وربما تعطل نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي.
لقد بدأت تهديدات النظام اتجاهي يوم الجمعة 2017.06.26 خلال موعد تم تحديده مسبقا لدى مكتب السيد غنيم، الملحق الثقافي المصري بالسفارة المصرية هنا في برلين. كان السيد غنيم شديد الفضول حيال طبيعة دراساتي الأكاديمية حيث طرح علي أسئلة لا حصر لها حول سبب اختيار دراسة تاريخ اليهود في مصر بالإضافة إلى العديد من الأسئلة الأخرى المتعلقة بمعرفتي باللغة العبرية. لقد جعلتني أسئلته العدوانية والمريبة حول المكون اليهودي في دراستي أشعر وكأنني كنت مستجوبًا من قبل ضابط شرطة سيئ ومتوسط الرتبة في القاهرة، وليس دبلوماسيا ثقافيا في برلين.
إن هذا النمط من الأسئلة التي وجهت لي هو نمط معروف ومتجاوز من الاستجوابات العسكرية التي أدخلها جنرالات الجيش المصري بعد انقلابهم في أوائل الخمسينيات والذين كانوا يشتبهون في جميع الأقليات في مصر، مثل الأقلية اليهودية، وكانوا يحاولون اعتقالهم أو احتجازهم أو طردهم على أساس اتهامات لا أساس لها بالتجسس أو التآمر. بعد ذلك، واصل السيد غنيم أسئلته الاستجوابية العدوانية حول نشاطي السياسي الشخصي، حيث أعرب أن أبحاثي وانتقاداتي حول عملية المفاوضات بشأن جزيرتي تيران وصنافير في عام 2016، واللتان تنازل عنهما السيسي كنوع من التذكار في نهاية زيارة الملك السعودي سلمان الأولى لمصر، كانت عاملاً مهمًا في انفعاله اتجاهي.
عقب ذلك، شرع السيد غنيم في عرض شيء ما على شاشة حاسوبه حيث يبدو أنه كان يحتفظ بمقطعين أو ثلاثة مقاطع فيديو لمداخلات تلفزية لي على شبكات إخبارية كبرى مثل دي دبليو و بي بي سي، والذين طلبوا مني التعليق على قضية جزيرتي تيران وصنافير وموضوع الحرية الأكاديمية في مصر، ثم واصل أسلوبه الاستقصائي العدواني في طرح الأسئلة حول تعليقاتي خلال هذه المقابلات.
بعد ذلك، حاول السيد غنيم مصادرة جواز سفري لكنه فشل في ذلك، مستفسرا مجددا حول مداخلاتي المتلفزة. بعدها قام بمحاولة تهديدية أخيرة لمعرفة كلمة السر الخاصة بحسابي على وسائل التواصل الاجتماعي لكنني رفضت تسليمها إياه كذلك. وبذلك انتهى الموعد.
عند عودتي إلى مصر، خلال الأحداث المتعلقة بقضية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، اتصلت بخالد علي – المرشح الرئاسي السابق في انتخابات 2012 في مصر – وأخبرته أنني وجدت الكثير من الخرائط المفيدة فيما يتعلق بالسيادة المصرية التاريخية على هاتين الجزيرتين ضمن قسم الخرائط في مكتبة برلين. بعد ذلك، قمت بتجميع كل الخرائط والوثائق المفيدة التي استطعت أن أجدها وأرسلتها إليه. خالد علي محامٍ بالتدريب وكان المحامي الرئيسي في فريق الدفاع القانوني الذي ترافع أمام دائرة المحكمة المصرية العليا التي حكمت في قضية سيادة جزيرتي تيران وصنافير.
لقد حكمت المحكمة لصالح فريق الدفاع برئاسة خالد علي، حيث ساعدت جميع الخرائط والوثائق التي تم تجميعها في الحسم بشأن تيران وصنافير والحكم بأنهما جزيرتان مصريتان.
لقد أدى هذا الحكم الاستثنائي والذي تحدى سياسات الجنرال السيسي علانية إلى اندلاع موجة جديدة من التهديدات والمضايقات العدائية من طرف المكاتب الدبلوماسية لدى السفارة في برلين والتي مازالت مستمرة في مضايقتي ومحاولة مصادرة جواز سفري وانتهاك حريتي الأكاديمية وقدرتي على السفر بحرية.