أفراح ناصر هي زميلة غير مقيمة في المركز العربي بواشنطن العاصمة. حصلت على جائزة حرية الصحافة الدولية من لجنة حماية الصحفيين وعملت سابقًا كباحثة يمنية في منظمة هيومن رايتس ووتش.
في أغسطس/آب الماضي، انقلب عالمي رأسًا على عقب عندما تم تشخيص إصابة والدتي بالسرطان. في ذلك الوقت، كنت أعمل مع زميل يمني على إعداد مقال استقصائي حول ارتفاع حالات السرطان في اليمن المرتبطة بالملوثات الناتجة عن صناعة النفط. ولم تغب عن ذهني المفارقة، حيث كانت التقارير الإعلامية تؤرخ لكيفية انتهاك شركات الوقود في اليمن بشكل صارخ لحماية البيئة. بعد أن أثقلني خبر مرض والدتي، شُلت قدرتي على الكتابة لعدة أشهر. لقد أغرقني الخبر في محنة مرهقة ومتعبة عاطفيًا كانت بمثابة ماراثون طبي وزوبعة مالية.
وبعد عشرة أشهر، اليوم، أستطيع أن أكتب ليس فقط لأروي معركة والدتي الشجاعة وانتصارها في نهاية المطاف على السرطان، بل للتطرق لأزمة أوسع نطاقًا. لقد أدت هذه الرحلة من المرض والتعافي إلى إعادة تشكيل حياتي، وتركت ندوبًا لا تمحى. وأنا أعلم الآن، أكثر من أي وقت مضى، التكاليف البشرية المذهلة الناجمة عن انهيار نظام الرعاية الصحية في اليمن.
لقد دمرت سنوات الصراع في اليمن، الذي أججته قوى داخلية وخارجية، من استيلاء الحوثيين على صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014 إلى التدخل العسكري بقيادة السعودية في عام 2015، كل جانب من جوانب حياة الشعب اليمني تقريبًا. أحدث البيانات، التي تعتبر قديمة الآن حيث تعود إلى عام 2021، تأتي من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي قدّر ما يقرب من وجود 377,000 حالة وفاة بسبب تأثير الحرب—وهو رقم يعتبره العديد من الخبراء متحفظًا. وقد يكون عدد القتلى الفعلي أعلى بكثير. بالنسبة لأولئك الذين لقوا حتفهم، ربما كان الموت بمثابة راحة لهم. يواجه الناجون ظروفًا صعبة، حيث يتصارعون مع نظام الرعاية الصحية المدمر من قبل جميع أطراف النزاع. وفي الوقت الحالي، من بين سكان اليمن البالغ عددهم 35 مليون نسمة، يحتاج حوالي 20 مليون شخص إلى المساعدة الطبية بشكل عاجل. وفي فبراير/شباط 2023، أفادت منظمة الصحة العالمية أن 46 في المئة من المرافق الصحية في اليمن كانت إما عاملة جزئيًا أو معطلة تمامًا، ويعوقها نقص الموظفين والتمويل والكهرباء والأدوية واللوازم والمعدات الأساسية الأخرى. إنّ العمل في مجال الرعاية الصحية في اليمن هو أمر خطير، بل ومميت. ففي عام 2022، قُتل ما لا يقل عن سبعة عاملين صحيين في هجمات على المستشفيات وغيرها من مرافق الرعاية الصحية، وتم اختطاف خمسة آخرين.
وأنا أعلم الآن، أكثر من أي وقت مضى، بعد معركة امي مع مرض السرطان، التكاليف البشرية المذهلة الناجمة عن انهيار نظام الرعاية الصحية في اليمن.
- أفراح ناصر
بالنسبة لليمنيين العاديين، فإن نظام الرعاية الصحية المدمر يعني عقوبة الإعدام شبه المؤكدة عند مواجهة مرض خطير، وهذا يشمل جميع الطبقات الاجتماعية والاقتصادية. تتفشى حالات السرطان، لكن رعاية مرضى السرطان على وجه الخصوص باهظة الثمن ونادرة. اضطرت العديد من عيادات السرطان إلى الإغلاق بسبب الحرب، لذلك لا يمكن للمرضى العثور على علاج السرطان إلا في عدد قليل من المستشفيات في مدن مثل صنعاء وتعز وعدن وإب وحضرموت. ومع ذلك، فحتى هذه المرافق غالبًا ما تفتقر إلى الموارد الطبية الكافية. بعض المرضى لا يستطيعون حتى تحمل تكاليف التنقل من وإلى مراكز علاج السرطان القليلة.
من ناحية أخرى، بالنسبة لبعض اليمنيين المحظوظين، فإن الملاذ الوحيد هو طلب العلاج الطبي في الخارج، عادة في مصر أو الأردن، والذي ينطوي إما على اقتراض مبالغ كبيرة من المال أو إنفاق مدخرات حياتهم. إنّ المشاهد في المطارات، من صنعاء إلى القاهرة وعمّان، هي شهادات تفطر القلب على انهيار الدولة، حيث يتجمع اليمنيون اليائسون—الأطفال والرجال والنساء على حد سواء—لطلب الرعاية الطبية في الخارج. عندما كنتُ في الأردن لعلاج والدتي، أخبرني أصدقاء أردنيون أنه خلال فترة الإغلاق بسبب فيروس كورونا، أدى انخفاض عدد اليمنيين الذين يبحثون عن رعاية طبية هامة في الأردن إلى إجهاد قطاع الرعاية الصحية الأردني. لسنوات عديدة، يشكل اليمنيون نسبة كبيرة من المرضى في المستشفيات المصرية والأردنية.
وتؤدي التحديات اللوجستية إلى تفاقم التحديات المالية. فالحصول على تأشيرات لكل من المرضى ومرافقيهم أمر محفوف بالصعوبات، وتضيف تكاليف العلاج والعيش في الخارج طبقة أخرى من المشقة. إنّ علاج السرطان هو رحلة طويلة، مع ضغوط جسدية ومالية.
ووفقًا لمسؤول في وزارة الصحة اليمنية، تحدث معي شريطة عدم الكشف عن هويته، فإن عدد مرضى السرطان يتراوح بين 25,000 إلى 30,000 سنويًا. ومن المؤسف أن ما يقرب من 60 في المئة من هؤلاء المرضى يموتون بسبب نقص الموارد والأدوات والخدمات الطبية وندرة الأدوية في مراكز علاج السرطان. في بعض الحالات، تأخذ بعض العائلات مرضاها إلى المنزل وتنتظر الموت بشكل مؤلم.
لم تكن هذه الأزمة الصحية ناجمة عن الحرب وحدها فحسب، بل يمكن إرجاعها إلى ثلاث كوارث بيئية كبرى يشتبه على نطاق واسع في أنها أدت إلى الارتفاع الصارخ في حالات السرطان: انهيار شبكات الصرف الصحي، والانتهاكات البيئية من قبل شركات النفط والغاز، والاستخدام المتفشي للمبيدات القاتلة.
أولًا، بسبب الإهمال واسع النطاق من قبل الجهات الحكومية، هناك فشل في أنظمة الصرف الصحي في اليمن في العديد من مناطق البلاد، ما أدى إلى تلوث مياه الشرب. ولا يؤدي هذا الانهيار إلى زيادة مخاطر الإصابة بالسرطان من خلال التعرض للمواد الكيميائية المسببة للسرطان والمعادن الثقيلة في الماء والتربة فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى نشر مسببات الأمراض وتعطيل النظم البيئية. مثل هذه الظروف قد تزيد بشكل غير مباشر من مخاطر الإصابة بالسرطان عن طريق الالتهاب المزمن والتعرض المستمر للسموم البيئية.
ثانيًا، إنّ صناعة النفط في اليمن، التي كانت تعمل دون رقابة تنظيمية كافية قبل الحرب وأثناء النزاع، كثيرًا ما تنخرط في ممارسات مدمرة للبيئة. فقد أفاد القادة المحليون والمسؤولون السابقون أن التلوث النفطي أدى إلى انخفاض المحاصيل الزراعية وتصاعد معدلات الأمراض، بما في ذلك السرطان واضطرابات الكلى، داخل مجتمعاتهم.
وأخيرًا، أصبح الاستخدام غير المنظم لمبيدات الآفات المحظورة دوليًا والمميتة منتشرًا بشكل مثير للقلق. ففي عام 2023، استوردت المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين حوالي 14.5 مليون لتر من المبيدات الحشرية، وهي زيادة هائلة عن السنوات السابقة. وإلى جانب الكميات المستوردة رسميًا، يؤدي تدفق المبيدات المهربة والمحظورة إلى تفاقم الأزمة الصحية والبيئية، ما يشكل مخاطر إضافية للإصابة بالسرطان بين اليمنيين.
بالنسبة لليمنيين العاديين، فإن نظام الرعاية الصحية المدمر يعني عقوبة الإعدام شبه المؤكدة عند مواجهة مرض خطير، وهذا يشمل جميع الطبقات الاجتماعية والاقتصادية.
- أفراح ناصر
تتحمل جميع أطراف النزاع الطويل والوحشي في اليمن، بما في ذلك الحوثيون والسعودية والإمارات، المسؤولية عن معاناة مرضى السرطان في اليمن بسبب الدمار الذي لحق بنظام الرعاية الصحية في البلاد. ويجب عليهم جميعًا أن يتحملوا مسؤولية إعادة بناء ذلك النظام، وهو ما دعا إليه فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن. علاوة على ذلك، فإن الوضع الحالي غير المستقر في اليمن، العالق في حالة من عدم الحرب، ولكن عدم السلام كذلك، يجب أن ينتهي. لقد حان الوقت أخيرًا للانتقال إلى اتفاق سلام دائم يتضمن سبل إعادة بناء وتعزيز نظام الرعاية الصحية في اليمن. ولا يمكن للخدمات الطبية أن تتعافى بينما يواجه العاملون في المجال الطبي تهديدات على حياتهم.
وبعيدًا عن الحرب نفسها، يتعين على السلطات اليمنية أخيرًا أن تمارس رقابة أكثر صرامة على استيراد واستخدام المبيدات الحشرية وصناعة النفط في البلاد، نظرًا لارتباطاتها المشتبه بها بالارتفاع الحاد في حالات السرطان. فهناك أزمة بيئية أكبر تلوح في الأفق. فكما كتبت هيلين لاكنر وعبد الرحمن الإرياني في عام 2020، فإن "الحرب الأهلية الحالية في اليمن تهدد البلاد كدولة، لكن الأزمة البيئية التي تلاقي اهتمام أقل تهدد وجود اليمن ذاته كأرض صالحة للسكن".
يصادف شهر سبتمبر/أيلول المقبل مرور عقد من الزمن منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء والحرب التي تلت ذلك من قبل التحالف الذي تقوده السعودية. عندما نتأمل السنوات العشر الماضية من الدمار والمعاناة في اليمن، فمن الصعب أن نفهم عمق المأساة. كثيرًا ما يسألني الناس: "أين اختفيتِ يا أفراح؟" مثل الكثير من اليمنيين، وبالنظر إلى كل ما حدث، كنتُ أحاول فهم ما أصبحت عليه بلادي.