الجناة

لا يمكن لطاغية أن يفرض طغيانه على بلدٍ كاملٍ بمفرده فهو بحاجة إلى من يساعده في تنفيذ ممارساته القمعية حتى ولو تسبب هذا في الإضرار بمصالح مواطنيه. هؤلاء الموظفون كثيرا ما يعملون في الظل حيث يقومون بإخفاء تواطئهم تحت غطاء مهنيين يؤدون واجباتهم في المكاتب وقاعات المحاكم ومراكز الشرطة وغرف الاستجواب.

يبذل بعض هؤلاء الموظفين جهودا كبيرة لإخفاء هوياتهم حتى عندما يتطلب القانون المحلي الكشف عنها، بما في ذلك انتحال هويات وهمية، وهم يبررون ذلك أحيانا بالحفاظ على أمنهم، لكنهم، وفي كثيرٍ من الحالات، يسعون إلى إخفاء وظائفهم المسيئة لتجنب الإذلال العلني، لا سيما بين زملائهم أو أصدقائهم الذين يعتقدون أنهم مسؤولون محترمون.

تسعى منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي "DAWN" إلى الكشف عن هوية موظفي الدولة الذين يساعدون في تكريس القمع، وجعل مسألة التعرف عليهم سهلة في الداخل والخارج. يشمل هؤلاء موظفي وزارة الداخلية الذين يعتبرون المواطنين المطالبين بالإصلاح تهديدا يجب التخلص منه؛ وقوات الشرطة والأمن الوطني التي تقوم باعتقال المواطنين وضربهم؛ والمحققين الذين يمارسون أعمال التعذيب والترهيب؛ ووكلاء النيابة الذين يوجهون اتهامات تعسفية بشكلٍ واضح نظير سلوكات محمية بموجب قانون حقوق الإنسان وأحيانًا دون تقديم أدلة عليها؛ وموظفي الدولة الذين يؤدون دور الشهود ويحلفون اليمين كذبا مقابل مكاسب تافهة؛ والقضاة الذين يطبقون قوانين جائرة؛ والسجّانين الذين يؤذون المعتقلين المحتجزين لديهم وتحت رحمتهم؛ والبروباغنديين الذين يقذفون السجناء ويشوهن سمعتهم.

نحن نعرف بالأشخاص الذين تم توثيق تورطهم في الانتهاكات من خلال أبحاثنا، كما تسعى منظمة "DAWN" إلى الحيلولة دون وقوع المزيد من الانتهاكات من خلال كشف حقيقة المنتهكين وحصولهم على السمعة السيئة التي يستحقونها، بما في ذلك عندما يستخدمون وسائل الراحة والتي توفرها لهم رواتبهم من أجل السفر إلى الخارج دون الكشف عن هوياتهم.

إن تحديد هويات الأشخاص الذين يرتكبون انتهاكات ضد حقوق الإنسان أو يشاركون فيها يمكن أيضا أن يساعد في زيادة البحث عن الحقيقة داخل
المجتمع وأن يساهم في عمليات الفحص أو التدقيق في المشاركة في البرامج الأجنبية أو الدولية، وأن يساعد على تحديد الأهداف المناسبة للعقوبات الفردية، وإذا لزم الأمر، تسهيل المحاكمات الجنائية كذلك.

إن الأشخاص الذين قمنا بتسليط الضوء على سلوكياتهم قد تصرفوا في ذلك الوقت باعتبارهم موظفين من موظفي الدولة أو كانوا يتصرفون بموافقة الدولة وبرضاها، حيث يمكن لتصرفاتهم أن تورط الدولة وتجعلها مسؤولة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي. إننا نحدد هويات الموظفين المتورطين بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك أولئك الذين تقاعسوا عن أداء مهامهم عندما كانوا ملزمين بالقيام بها لأنهم كانوا يعرفون أو كان ينبغي أن يعرفوا حقيقة الانتهاكات التي قمنا بتوثيقها.

يشمل هؤلاء، وفقًا لتوجيهات مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان:
– الشخص العامل لدى أجهزة الدولة أو المخول له ممارسة اختصاصات الدولة.
– إحدى وكالات الدولة (كالإدارات والوزارات والوحدات إلى آخره)
– إحدى قواتها المسلحة (كالأجهزة الأمنية والقوات الجوية إلى آخره)
– الأشخاص أو الجماعات التي تتصرف في الواقع بناءً على تعليمات الدولة أو تحت إشرافها أو سيطرتها.
– الأشخاص العاديون أو الجماعات الذين قاموا بسلوكات اعترفت بها الدولة وأقرتها باعتبارها صادرة عنها.
وفي كثيرٍ من الحالات، فإن الانتهاكات التي نقوم بتوثيقها تشمل موظفين لدى الدولة والذين ينتهكون كلا من الالتزامات الإنسانية والدولية لحقوق الإنسان للدولة، والقوانين المحلية في الدولة أيضا. وتشمل هذه الانتهاكات الإيذاء البدني والنفسي للمعتقلين، مثل التعذيب والحرمان من الحقوق الأساسية للمعتقلين المحتجزين لدى الحكومة، والحرمان من الحقوق ذات الصلة بمراعاة الأصول القانونية المتعلقة بالسجن والمقاضاة والمحاكمة.

وفي حالات أخرى، تنطوي الانتهاكات على تجاوزات لحقوق الإنسان الدولية التي تجيزها القوانين المحلية التي يطبقها الموظفون الحكوميون ويدعمونها. فكما أوضح مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان: "في الحالات
التي يتضمن فيها الإطار القانوني للدولة، مثلا، قيودًا غير مقبولة على حق الإنسان في حرية التعبير، فإن الأشخاص الذين يضعون السياسات أو ينفذونها يمكن تحديد هوياتهم، وكذلك رؤسائهم وأي شخص يساهم بشكلٍ كبير في الانتهاكات".

يشمل هؤلاء وكلاء النيابة الذين يوجهون اتهامات جنائية لمن يمارسون حقهم في حرية التعبير والقضاة الذين يطبقون قوانين تجرم حرية التعبير أو حرية تأسيس الجمعيات. من الأمثلة على ذلك القوانين التي تجرم "سب" الدولة أو مسؤوليها، أو تلك الني تصنف العضوية بمنظمة سياسية أو اجتماعية لا تدعو للعنف على أنها، وبشكلٍ قطعي، "إرهاب".

يتحمل الأفراد الذين تحددهم منظمة "DAWN" المسؤولية الإدارية أو المدنية أو الأخلاقية أو السياسية عن انتهاكات حقوق الإنسان والقوانين الإنسانية الدولية. يجب التحقيق في أي ادعاءات بالمسؤولية الجنائية من قبل هيئة دولية أو محلية انشئت بصورة قانونية بموجب الأصول القانونية الواجبة المتعلقة بهؤلاء المشتبه فيهم أو المتهمين بهذه الجرائم.

"عندما أستخدم مصطلح "الديمقراطية"، فإنني أحيل إلى المعنى الأوسع للمصطلح الذي يتداخل مع قيم من قبيل الحرية والضوابط والتوازنات والمساءلة والشفافية. لقد كان مرادنا تحقيق هذه الأهداف في شكل الحكم الرشيد والمساواة والعدالة في العالم العربي".

نيويورك تايمز، 22 أكتوبر / تشرين الأول 2018 جمال خاشقجي