من هو جمال خاشقجي؟

كان جمال خاشقجي من أشد المدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون وكان يرى أن احترام الحقوق السياسية والمدنية لجميع الأفراد من شأنه أن يوفر حلولا لمشاكل الحروب وعدم الاستقرار التي يعاني منها العالم العربي.

كصحفي ومستشار لأعضاء من النخبة الحاكمة، حاول خاشقجي العمل من داخل النظام والدعوة إلى إصلاحات ديمقراطية، وعندما لم يعد العمل من داخل النظام ممكنًا، واصل خاشقجي النضال من خارجه حيث أصبح ناقدًا صريحًا لقوى القمع المعادية للديمقراطية من داخل منفاه الاختياري في الولايات المتحدة. وفي النهاية، لم تعد قوى القمع قادرة على الالتزام بما يدعو له نصير الديمقراطية خاشقجي فتم قتله لقوة أفكاره ولأنه رفض أن يبقى صامتًا حتى في مواجهة الخطر المميت.

ولد جمال خاشقجي في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 1958 في عائلة ثرية وذات علاقات جيدة تعيش في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية. كان محمد خاشقجي، جد جمال خاشقجي، الطبيب الشخصي للملك عبد العزيز مؤسس المملكة في حين أصبح عمه عدنان خاشقجي مليونيرا وتاجر أسلحة مشهور.

التحق خاشقجي بالمدرسة الابتدائية والثانوية في المملكة العربية السعودية قبل سفره إلى الولايات المتحدة والالتحاق بجامعة ولاية إنديانا حيث حصل على شهادة في إدارة الأعمال عام ،1982 وعاد بعدها إلى بلده وبدأ حياته المهنية في مجال الصحافة و أصبح مراسلاً للعديد من الصحف الصادرة باللغتين الإنجليزية والعربية بما في ذلك صحيفة "سعودي غازيت" و"الشرق الأوسط" و"المجلة" و"المسلمون".

كان خاشقجي صحفيا شابا ومسلما متدينا في العشرينات من عمره حين انجذب إلى الإسلام السياسي، حيث حضر اجتماعات للإخوان المسلمين وطور منظور إسلاميا ومعاديا للغرب. سافر خاشقجي في أواخر الثمانينيات وحتى أوائل التسعينيات إلى مناطق مختلفة في الشرق الأوسط بصفته مراسلا أجنبيا حيث قدم تقاريرا من الجزائر والسودان وأفغانستان خلال الغزو السوفيتي، ومن الكويت خلال حرب الخليج عام 1991، كما أجرى مقابلات مع أسامة بن لادن عدة مرات وكان متعاطفًا مع قضية المجاهدين الذين يقاتلون السوفييت.

تدرج خاشقجي بسرعة في المناصب حيث أصبح في عام 1991 مدير تحرير ثم رئيس تحرير بالإنابة بصحيفة "المدينة المنورة" وهي أقدم صحيفة في المملكة العربية السعودية. وفي عام 1999، أصبح خاشقجي نائب رئيس تحرير صحيفة "عرب نيوز". كان لكل من صحيفة "المدينة المنورة" وصحيفة "عرب نيوز" علاقات وثيقة مع النخبة الملكية الحاكمة التي كانت بدورها ذات علاقات وثيقة مع المؤسسات الدينية الوهابية المحافظة، كما هو الحال مع معظم الصحف البارزة في المملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذي قيد نطاق الآراء التي يمكن التعبير عنها وأدى إلى فصل خاشقجي أكثر من مرة.

غير أنه، وبعد هجوم تنظيم القاعدة على مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر/ أيلول، أصبح خاشقجي أكثر اهتماما بالمخاطر التي يشكلها التطرف الإسلامي. فبالرغم من أنه كان يدعم مقاومة بن لادن للسوفييت في أفغانستان، إلا أنه كان يعارض بشدة تحول بن لادن إلى الهجمات الإرهابية ضد المدنيين. بعد مرور عام واحد من أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، كتب خاشقجي: "إن طائرات أسامة بن لادن المختطفة لم تهاجم البرجين التوأمين لمركز التجارة العالمي والبنتاغون فقط، لكنها هاجمت الإسلام كعقيدة أيضا، لقد قاموا بمهاجمة قيم التسامح والتعايش التي يدعو إليها الإسلام أيضا".

لقد حث خاشقجي السعوديين على تحمل مسؤوليتهم عن الثقافة التي غذت إرهابيي القاعدة حيث قال: "منذ 11 سبتمبر/ أيلول، انشغلنا بمحاولة تقديم المشورة للأمريكيين والإشارة إلى أخطائهم … لماذا لا نحاول معالجة أوجه القصور في مجتمعنا؟ لماذا لا نحاول الإجابة على السؤال الذي يطرحه علينا الأمريكيون باستمرار وهو: لماذا شارك 15 من شبابكم في هذه الهجمات؟".

عامين بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، وبالضبط في عام 2003، أصبح خاشقجي رئيس تحرير لصحيفة "الوطن" وهي واحدة من أكثر الصحف قراءة في المملكة العربية السعودية، لكن سرعان ما تم فصله منها بعد أقل من شهرين وذلك بسبب معارضته للمؤسسات الوهابية المحافظة السعودية.

من بين ما اعتبر جريمة آنذاك كان إقدام صحيفة "الوطن" تحت إشراف خاشقجي على نشر عريضة تطالب من خلالها الحكومة السعودية اتخاذ إجراءات للحد من الخطاب الديني المتطرف، كما كتب خاشقجي مقالا حماسيا يبدو أنه قد ربط فيه بين الضالعين في الهجوم الانتحاري الذي شنه تنظيم القاعدة على مجمع سكني يقطنه الأجانب في الرياض في مايو/ أيار 2003 وأعضاء المؤسسات الدينية الوهابية الذين "حرضوا على الهجمات وبرروها".

وفي عام 2003، أي بعد فصله من صحيفة "الوطن"، أخذ خاشقجي استراحة من مجال الصحافة وشغل منصب مستشار ومتحدث باسم الأمير تركي الفيصل الذي كان سفيرا للمملكة العربية السعودية لدى المملكة المتحدة آنذاك، كما انتقل إلى واشنطن بعدما انتقل إليها الأمير فيصل عام 2005 إثر تعيينه سفيرا سعوديا جديدا للولايات المتحدة حيث ظل مستشارًا ومتحدثًا رسميًا له إلى أن قدم استقالته في ديسمبر/ كانون الأول 2016.

بعد مرور أربع سنوات من العمل مع الأمير فيصل، عاد خاشقجي إلى مجال الصحافة في المملكة العربية السعودية ليصبح رئيس تحرير لصحيفة "الوطن" للمرة الثانية عام 2007. استمر خاشقجي في هذه المهمة لفترة أطول من الفترة الأولى لكنها فترة سرعان ما انتهت بنفس الطريقة التي انتهت بها الفترة الأولى.

ففي عام 2010، وبعد مرور ثلاث سنوات من العمل في الصحيفة، تم فصل خاشقجي لنشره مقالات اعتبرت مسيئة للمؤسسات الدينية الوهابية المحافظة بما في ذلك مقالات حول شطط الشرطة الدينية في استعمال السلطة وحقوق المرأة. بحلول ذلك الوقت، كانت وجهات نظر خاشقجي الليبرالية على حد قوله، "تتخطى حدود النقاش داخل المجتمع السعودي".

بعد إقالته الثانية من صحيفة "الوطن"، بدأ خاشقجي في نشر أعمدة رأي بانتظام على موقع "العربية"، وهو موقع إلكتروني لقناة إخبارية سعودية. تطرقت مقالات خاشقجي لمجموعة واسعة من القضايا ذات الصلة بالأمن السياسي والقومي، لكنها كانت تعود في الكثير من الأحيان إلى موضوع الإصلاح الديمقراطي في العالم العربي.

كتب خاشقجي أن الديمقراطية هي "الطريقة الأكثر فعالية لمعالجة ظاهرة الإرهاب ووقف سفك الدماء والعنف السياسي في الدول العربية".

في عام 2015، سعى خاشقجي إلى إطلاق قناة فضائية خاصة جديدة مقرها في البحرين وذلك بتمويل من الأمير الوليد بن طلال، وهو أحد رواد الأعمال العالميين وواحد من أكثر أعضاء العائلة المالكة السعودية تقدمية. كان من المفترض أن تسمح هذه القناة الإخبارية التي أطلق عليها إسم "العرب" بالمزيد من التنوع في الآراء والانتقادات لسياسات الحكومات مما كان عليه الأمر في المنابر الإعلامية الخاضعة لسيطرة الدولة، غير أن قناة "العرب" لم تخرج أبداً إلى أرض الواقع حيث أغلق المسؤولون البحرينيون القناة ست ساعات بعد إطلاقها، وذلك بعد بث مقابلة مع خليل المرزوق، وهو معارض وعضو بحزب الوفاق الشيعي المعارض في البحرين، حيث بررت هيئة شؤون الإعلام البحرينية سبب إغلاق قناة "العرب" قائلة أنها قد فشلت في "مراعاة الجهود الرامية إلى وقف تيار التطرف والإرهاب".

خلال هذه الفترة، شهدت قيادة العائلة السعودية الحاكمة تغييرا هاما. فبعد وفاة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز في يناير/ كانون الثاني 2015 تولى أخوه غير الشقيق سلمان بن عبد العزيز آل سعود العرش وقام بتعيين إبنه المفضل محمد بن سلمان المعروف اختصارا بالـ «م.ب.س.» وزيرًا للدفاع.

في مارس 2015، أي بعد شهرين فقط من توليه زمام الأمور بوزارة الدفاع، أصدر «م.ب.س.» أمرًا  للقوات الجوية السعودية ببدء قصف اليمن التي كانت ترزح تحت وطأة حرب أهلية. لقد كان هذا النوع من التصرفات المتهورة والوحشية ما ميز القرارات المستقبلية الأخرى للـ«م.ب.س.» بسبب طموحاته وعدم خبرته وهو ما لم يبشر بالخير فيما يتصل بجمال خاشقجي أيضا.

في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، انتقد خاشقجي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ووصف موقفه اتجاه الشرق الأوسط بأنه "متناقض".

لقد أدى انتقاد خاشقجي الرئيس الأمريكي المنتخب إلى انزعاج بالبلاط الملكي السعودي، حيث أيد الكثيرون انتخاب ترامب. في غضون أيام من انتقاد خاشقجي لترامب، أوضحت الحكومة السعودية أن آراء خاشقجي تخصه وحده، كما صرح مسؤول سعودي بأن "الكاتب جمال خاشقجي لا يمثل حكومة المملكة العربية السعودية أو مواقفها على أي مستوى".

لم يكن الحكام السعوديون راضين عن إبعاد الحكومة عن انتقاد خاشقجي ربما كان ذلك نتيجة تأثير صعود «م.ب.س.» الذي طور علاقة وثيقة بإدارة ترامب. وعليه، وفي نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، منع الحكام السعوديون خاشقجي من الكتابة في الصحف والظهور على شاشات التلفزيون وحضور المؤتمرات.

وحسب أحد التقارير الإعلامية المنشورة، فقد اتصل سعود القحطان وهو أحد مستشاري «م.ب.س.» بخاشقجي وقال له: "لا يمكنك أن تغرد، لا يمكنك الظهور على شاشة التلفزيون، لا يمكنك الكتابة – نقطة!"، و ختم محادثته معه قائلا: "لم يعد بإمكانك فعل أي شيء بعد الآن-لقد انتهيت".

بعد أقل من عام، في يونيو/ حزيران 2017، وبسبب القلق من موجة الاعتقالات التي تعرض لها كبار المفكرين والكُتاب في المملكة، اتخذ خاشقجي القرار المؤلم بالهجرة إلى الولايات المتحدة. في نفس الشهر، أقال الملك سلمان ابن أخيه محمد بن نايف من منصب ولي العهد واستبدله بـ «م.ب.س.» كما عين هذا الأخير نائبا لرئيس الوزراء.

في سبتمبر/ أيلول 2017، أصبح خاشقجي كاتب عمود مساهم في صحيفة الـ"واشنطن بوست" حيث خصص مقاله الأول لشرح أسباب اختياره "منفاه الاختيراي" قائلا إن المناخ في المملكة العربية السعودية أصبح يتسم بـ "الخوف والترهيب والاعتقالات والتشهير بالمثقفين والقادة الدينيين الذين يتجرأون على … التعبير عن آراء مخالفة لتلك المعبر عنها من طرف القيادة في بلدي".

في الولايات المتحدة، استغل خاشقجي كامل حريته الجديدة حيث كتب وتحدث بجرأة داعيًا إلى حرية التعبير والديمقراطية، كما انتقد سجن النظام السعودي للنشطاء السياسيين وسلوك السعودية في الحرب مع اليمن داعياً إلى وقف إطلاق النار والشروع في محادثات سلام.

في المملكة العربية السعودية، تابع ولي العهد الجديد «م.ب.س.» والحكومة السعودية أنشطة خاشقجي عن كثب وكانوا منزعجين من انتقاده المستمر للسياسات السعودية وحاولوا الضغط عليه للبقاء صامتًا عن طريق منع ابنه من مغادرة المملكة واحتجازه كرهينة.

كما حاول مبعوثو «م.ب.س.» إقناع خاشقجي بالعودة إلى المملكة العربية السعودية مؤكدين له أنه لن يتعرض لأي أذى عند عودته، حتى أنهم عرضوا عليه وظيفة رفيعة المستوى في الحكومة السعوديةّ، لكن خاشقجي ظل متشككًا في هذه التطمينات.

ومع استمرار خاشقجي في انتقاد السياسات السعودية، قام السعوديون تحت إشراف «م.ب.س.» بتصعيد جهودهم لترهيبه وإسكاته وذلك عن طريق اختراق هاتفه.

لقد كان «م.ب.س.» والحكام السعوديون مترددون على الأرجح في استخدام العنف ضد خاشقجي خلال مقامه في الولايات المتحدة، ذلك لأنهم لا يريدون الإساءة إلى راعيهم القوي، لكنهم انتهزوا الفرصة للإنقضاض عليه عندما سافر إلى الخارج.

لقد ذهب خاشقجي إلى تركيا مع خطيبته خديجة جنكيز للحصول على الأوراق اللازمة لإتمام زواجهما بعد أن أبلغه المسؤولون القنصليون في السفارة السعودية في واشنطن أنه سيتعين عليه الحصول على المستندات اللازمة هناك.

في الوقت الذي دخل فيه خاشقجي القنصلية السعودية في اسطنبول في وقت مبكر من بعد ظهر يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، كان فريق سعودي للعمليات الخاصة قد سافر لقتله هناك حيث أشارت المخابرات التركية إلى أن خاشقجي ربما يكون قد توفي خلال عشر دقائق من دخوله القنصلية.

وبقتل خاشقجي، تمكن الحكام السعوديون من كتم صوت قوي مدافع عن الحرية والديمقراطية في العالم العربي لكنهم لم يتمكنوا من قتل الأفكار الإصلاحية التي دافع عنها، كما أنهم لم يتوقعوا قوة ومدى رد الفعل العكسي العالمي الناجم عن الطريقة الوحشية التي قُتل بها.

"تظل الديمقراطية الوسيلة الأكثر فعالية لمواجهة الإرهاب ووقف إراقة الدماء والعنف السياسي في الدول العربية".

جمال خاشقجي، العربية، 12 يونيو/حزيران 2016