توصيات المقررة الخاصة للأمم المتحدة وإجراءات المتابعة من قبل الجهات الفاعلة المعنية

يتعلق الجزء الأكبر من تقرير المقررة الخاصة حول مقتل جمال خاشقجي، والذي نُشر في 19 يونيو 2019  بتوثيق الماضي، وتقديم تفاصيل حول جريمة القتل وتداعياتها. على النقيض من ذلك، لا يركز قسم التوصيات في التقرير على الماضي بل يركز بدلاً من ذلك على الحاضر والمستقبل.

تحث المقررة الخاصة في توصياتها، على تعبئة مجموعة متنوعة من الجهات الدولية بما في ذلك البلدان والمنظمات الدولية والمؤسسات والمجتمع المدني وذلك لضمان العدالة والمساءلة حول مقتل خاشقجي ووضع آليات لردع انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي تخرج عن نطاق القضاء في المستقبل.

تهدف العديد من التوصيات إلى إجراء التحقيقات القانونية الجنائية والمساعدة فيها. على سبيل المثال، تحث المقررة الخاصة الأمين العام للأمم المتحدة على فتح تحقيق جنائي في جريمة القتل أو تشكيل محكمة لمقاضاة الجناة. من بين  التوصيات الأخرى التي قدمتها المقررة الخاصة حث الجهات الفاعلة المعينة على معاقبة المسؤولين عن القتل ونبذهم.

على سبيل المثال، تحث المقررة الخاصة المؤسسات على عدم إبرام أي صفقات تجارية مع كيانات متورطة في جريمة القتل. لا تزال هناك توصيات أخرى لا تذكر مقتل خاشقجي على وجه التحديد. فعلى سبيل المثال، تحث المقررة الخاصة المملكة العربية السعودية على إطلاق سراح جميع الأشخاص المسجونين بسبب التعبير السلمي عن آرائهم والتحقيق في جميع المزاعم المتعلقة بالتعذيب، هذا وتشترك جميع توصيات المقررة الخاصة في نفس الهدف الأساسي: وهو تعزيز سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.

مع اندثار الأعذار الأولية التي تقدمت بها الحكومة السعودية عقب جريمة القتل وتوافر المزيد من الوضوح في تفاصيل ما حدث، بدا أن المجتمع الدولي بدأ في الارتداد في مواقفه فيما يتعلق بالقتل الوحشي لخاشقجي والتكاثف سويًا للمطالبة بتخقيق العدالة واللاقتصاص من القتلة، بما في ذلك أولئك الذين يتقلدون مناصب عليا في الحكومة السعودية. لقد نشأت مهمة المقررة الخاصة كالامارد انطلاقا من هذا المطلب الأولي لتحقيق العدالة من جانب المجتمع الدولي.

لسوء الحظ، كان اهتمام جزء كبير من المجتمع الدولي بمقتل جمال خاشقجي قصير الأمد. فقد طغت مشاغل أخرى على الغضب العارم الأولي الذي تم التعبير عنه، وبدا أن الكثيرين قد فقدوا الاهتمام بعمل المقررة الخاصة حيث أن المجتمع الدولي فشل إلى حد كبير في تنفيذ توصيات المقررة الخاصة وتجاهل معظم الفاعلين المعينين توصياتها المحددة. فلم يفتح الأمين العام للأمم المتحدة تحقيقاً جنائياً في جريمة القتل أو يشكل محكمة لمحاكمة الجناة.

عادت معظم الشركات، بعد التردد الأولي في أعقاب جريمة القتل، إلى العمل كالمعتاد مع الكيانات السعودية والأفراد المتورطين مباشرةً بعد القتل. من جانبهم، لم يفرج السعوديون عن المعتقلين المحتجزين بسبب التعبير السلمي عن آرائهم كما أنهم لم يحققوا في المزاعم المتعلقة بالتعذيب واستمروا في مضايقة النشطاء السعوديين المقيمين في الخارج.

في 3 ديسمبر 2019، وبعد مُضي أكثر من عام على مقتل خاشقجي وحوالي ستة أشهر بعد إصدار توصياتها، أعربت المقررة الخاصة كالامارد عن أسفها لعدم إحراز تقدم في تحقيق العدالة لخاشقجي. وقالت: "أريد أن أندد بعدم الاستعداد الظاهري للمجتمع الدولي وسلبيته في محاسبة المملكة العربية السعودية على القتل. لقد كان قتلا منفذا من قبل الدولة وليست عملية شاردة ".

في الوقت الحالي، يبدو أن المسؤولين عن عملية القتل هذه، بما في ذلك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قد نجوا من العاصفة وأن تقرير المقررة الخاصة لن يؤدي بالضرورة إلى تغييرات عميقة من شأنها ردع ارتكاب مثل هذه الأفعال الشنيعة في المستقبل.

ومع ذلك، كانت هناك بعض النقاط المضيئة بما في ذلك الجهات الفاعلة التي أخذت بزمام المبادرة في محاولة لمحاسبة محمد بن سلمان والحكومة السعودية على مقتل خاشقجي. من بين هذه النقاط هناك تركيا التي تقوم حاليًا بمحاكمة المتهمين بقتل خاشقجي؛ والكونجرس الأمريكي الذي حاول، الكشف عن مسؤولية ولي العهد محمد بن سلمان عن جريمة القتل هاته؛ والعديد من الشركات التي أنهت صفقاتها مع السعودية بعد توصلها بردود أفعال صادرة عن أفراد من مجتمعاتها المحلية القلقين حول الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان في السعودية. 

لكن، ربما، تبقى أهم هذه النقاط المضيئة هي مبادرات منظمات المجتمع المدني التي اجتمعت سويًا في محاولة منها لإبقاء مقتل خاشقجي تحت دائرة الضوء وجعل المسؤولين عن مقتله يدفعون ثمن جريمتهم، آخرها الدعوة إلى مقاطعة اجتماع مجموعة العشرين المقرر عقده في نوفمبر 2020 في الرياض. ما زال يتعين تحديد ما إذا كانت هذه الجهود ستؤدي إلى قدر من المساءلة لقتلة خاشقجي أو أي أي تغييرات أخرى من شأنها أن تردع التعذيب والقتل خارج نطاق القانون في المستقبل.

فيما يلي قائمة بالتوصيات الرئيسية للمقررة الخاصة (بخط غامق)، إلى جانب وصف لإجراءات الاستجابة التي اتخذتها الأطراف المعينة.

  1. الأمين العام للأمم المتحدة: دعا تقرير المقررة الخاصة الأمين العام للأمم المتحدة إلى الشروع في تحقيق جنائي في مقتل خاشقجي وتحديد هيئة ملائمة من الأمم المتحدة لتشكيل محكمة لمحاكمة الجناة

 

بينما دعا إلى "تحقيق مستقل ونزيه" في مقتل خاشقجي، لم يفتح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تحقيقًا جنائيًا في مقتل خاشقجي كما لم يقم بتحديد الهيئة الأممية المناسبة لمحاكمة الجناة. في 18 يناير 2019، صرح الأمين العام خلال مؤتمر صحفي أنه ليس له الحق في إجراء مثل هذا التحقيق ما لم يحصل على تفويض قانوني من مجلس الأمن أو الجمعية العامة وطلب رسمي من دولة عضو في هيئة الأمم المتحدة.  صرح الأمين العام غوتيريس: "ليس لدي الحق في بدء تحقيق جنائي بنفسي ولم يطلب مني أي تحقيق جنائي رسمي من قبل أي دولة عضو". تحدت المقررة الخاصة كالامارد، إلى جانب العديد من المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش، التفسير الضيق للأمين العام غوتيريس لسلطته وإحجامه عن فتح تحقيق جنائي في جريمة القتل. وفي الواقع، تنص المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة على أنه "يجوز للأمين العام أن يوجه انتباه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلام والأمن الدوليين". استخدم الأمناء العامون السابقون سلطتهم لإجراء تحقيقات في قصف إسرائيل لمجمع حفظ السلام التابع للأمم المتحدة في لبنان، واغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية بنازير بوتو، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين في سريلانكا. بالإضافة إلى ذلك، عقد الأمناء العامون السابقون للأمم المتحدة بموجب سلطتهم الخاصة لجان تحقيق في الأحداث في توغو وجورجيا وغينيا.

وفي الوقت نفسه، لم تستجب تركيا ولا أي دولة أخرى لاحتجاجات غوتيريس على الافتقار إلى أسباب القوة من خلال المطالبة رسميًا بالتحقيق في مقتل خاشقجي، على الرغم من الطلبات المتكررة من منظمات المجتمع المدني للقيام بذلك.

  1. مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: حث تقرير المقررة الخاصة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على إجراء تحقيق خاص به في مقتل خاشقجي

لم يعقد أعضاء مجلس الأمن الدولي أي اجتماعات، سواء اجتماعات غير رسمية أو خلاف ذلك، لمناقشة مقتل جمال خاشقجي. فقد صرح مسؤول كندي أن "معظم، إن لم يكن جميع" أعضاء مجلس الأمن لديهم "مصلحة راسخة" في عرقلة التحقيق في مقتل خاشقجي.

3 – المملكة العربية السعودية: دعا تقرير المقررة الخاصة السعودية إلى الاعتذار وتقديم تعويضات مالية لأسرة خاشقجي عن مقتله؛ وقبول مسؤولية الدولة عن القتل؛ وإطلاق سراح جميع الأشخاص المسجونين بسبب التعبير السلمي عن آرائهم؛ والتحقيق في جميع مزاعم التعذيب والقتل؛ وإجراء تقييم لما حدث لخاشقجي وإصدار تقرير عام عن نتائجه؛ وإجراء إعادة محاكمة للمشتبه بهم تحت إشراف دولي.

بصفتها الجهة المسؤولة عن مقتل خاشقجي، لم يكن مفاجئًا حصول المملكة العربية السعودية  على نصيب الأسد من توصيات المقررة الخاصة. امتثلت المملكة العربية السعودية لبعض التوصيات المتعلقة بأسرة خاشقجي. وفقًا لوكالة الأنباء السعودية التي تديرها الدولة، اتصل كل من الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان بنجل خاشقجي في 20 أكتوبر 2018 للتعبير عن نوع من الاعتذار، وتقديم تعازيهما لمقتل والد صلاح. بالإضافة إلى ذلك، منحت الحكومة السعودية أولاد خاشقجي عشرات الآلاف من الدولارات والملايين من العقارات كتعويض عن مقتل والدهم.

في 1 أكتوبر 2019 ، نفى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن يكون قد أمر بالقيام بعملية القتل هذه أو كان على علم مسبق بها، لكنه قبل تحمل قدر من المسؤولية قائلاً:"لقد حدث هذا تحت ولايتي، أتحمل المسئولية الكاملة عن هذا لأنه حدث في ولايتي". كان لخطيبة خاشقجي السابقة رأي ساخر في اعتراف محمد بن سلمان قائلة: "إنه يقول إن ذلك حدث تحت ولايته، لكنه يعني أنه ليس متورطًا في هذه الجريمة. تصريحه مناورة سياسية بحتة ". بغض النظر عن ذلك، قد يكون لتصريح محمد بن سلمان بشأن المسؤولية آثارًا قانونية فيما يتعلق بالمسؤولية على النحو الذي تحدده المحاكم خارج المملكة العربية السعودية.

لكن، وباستثناء شبه الاعتذار التي تم تقديمه وتقبل محمد بن سلمان السياسي للمسؤولية والمدفوعات المقدمة لعائلة خاشقجي، فإن المملكة العربية السعودية لم تنفذ أيًا من التوصيات الأخرى التي قدمتها المقررة الخاصة. فقد أوضحت المملكة العربية السعودية ومعها ولي العهد على الفور أن لا إدانة دولية للقتل ولا تقرير المقررة الخاصة من شأنه أن يخفف من الانتهاكات المنهجة لحقوق الإنسان التي يتعرض لها المواطنون السعوديون سواء في الداخل أو في الخارج. كما جاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية عن المملكة العربية السعودية عام 2019: فقد "صعدت السلطات قمعها للحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع. لقد قاموا بمضايقة واحتجاز ومحاكمة عشرات من منتقدي الحكومة والمدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك نشطاء حقوق المرأة وأعضاء الأقلية الشيعية وأفراد عائلات النشطاء".

كما لم يتخل محمد بن سلمان عن عمليات القتل خارج نطاق القضاء بحق المنفيين السعوديين الذين يُنظر إليهم على أنهم معارضون سياسيون. فبعد ثلاثة عشر يومًا من مقتل خاشقجي، أرسل محمد بن سلمان والحكومة السعودية، وفقًا لشكوى قُدمت إلى المحكمة الجزئية في واشنطن العاصمة في 6 أغسطس 2020، فريق اغتيال لقتل ضابط المخابرات السعودي السابق سعد الجابري، وهو ضابط  سابق كبير في المخابرات السعودية يعيش في تورنتو. وفي يونيو 2020، حذرت الشرطة الكندية الناشط السياسي السعودي المنفي عمر عبد العزيز من أن لديهم معلومات موثوقة بأنه "هدف محتمل" للسعوديين وأنه يجب عليه اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية نفسه.

في عهد محمد بن سلمان، صعد النظام السعودي أيضًا من ممارسة احتجاز أسر المنفيين السعوديين كرهائن دون توجيه اتهامات إليهم. ففي حالة عبد العزيز، وفي أغسطس 2018، اعتقل السعوديون اثنين من إخوته وسبعة من أصدقائه. أما في حالة الجابري، ففي مارس 2020، اعتقلت الحكومة السعودية اثنين من أبنائه البالغين وشقيق واحد له دون توجيه تهم إليهم واحتجزتهم بمعزل عن العالم الخارجي منذ ذلك الحين.

بالإضافة إلى ذلك، لم تقدم المملكة العربية السعودية تقريرًا علنيًا بشأن ما أسفر عنه مقتل خاشقجي، والمحاكمة الوحيدة التي أجروها لم تخضع لإشراف دولي، وكانت، بكل المقاييس، خدعة مدبرة لم تمس المدبرين الرئيسيين لعملية القتل وهما محمد بن سلمان وسعود القحطاني. كما غردت المقررة الخاصة كالامارد بعد صدور الحكم السعودي: "العقول المدبرة لم يمسها التحقيق أو المحاكمة، وهذا يتنافى مع العدالة.. وأمر يدعو للسخرية".

4- تركيا: دعا تقرير المقررة الخاصة تركيا إلى إجراء تحقيق علني خاص بها في جريمة القتل ونشر الأدلة ذات الصلة؛ وتقديم طلب رسمي إلى الأمين العام للأمم المتحدة لفتح تحقيق جنائي في مقتل خاشقجي؛ وترتيب شؤونها الداخلية فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان من خلال وضع حد لممارسات سجن الأشخاص الذين يعبرون عن أفكارهم بحرية والتعذيب والاختفاء القسري.

فيما يتعلق بمقتل جمال خاشقجي، امتثلت تركيا إلى حد كبير لتوصيات المقررة الخاصة. فقد شاركت بتسجيلات صوتية لمقتل خاشقجي في القنصلية السعودية مع المقررة الخاصة ومجموعة من الدول الغربية، وأجرت تحقيقًا علنيًا خاصًا بها في جريمة القتل. وفي 24 مارس 2020، أعلن المسؤولون الأتراك عن لائحة اتهام تضم 20 متهمًا سعوديًا بقتل خاشقجي. بدأت تركيا في 2 يوليو 2020 محاكمة غيابية للمتهمين العشرين.

ومع ذلك، لم تتخذ تركيا أي خطوات لترتيب شؤونها الداخلية فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان. ذكر التقريرالعالمي لهيومن رايتس ووتش لعام 2020 أن: "تركيا تعاني من أزمة حقوقية متفاقمة على مدى السنوات الأربع الماضية مع تدهور شديد في إطار سيادة القانون والديمقراطية." وفقًا لمنظمة العفو الدولية، اعتقلت الحكومة التركية في عام 2019 آلاف الأشخاص، لا سيما الصحفيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، بتهم جنائية ملفقة أو بدون تهم على الإطلاق، كما أنها فرضت قيودًا صارمة على حقوق حرية التعبير والتجمع السلمي. بالإضافة إلى ذلك، تواصل السلطات التركية بطرق متفاوتة استهداف السياسيين والصحفيين الأكراد العاملين في وسائل الإعلام الكردية.

  1. الولايات المتحدة: دعت المقررة الخاصة الولايات المتحدة إلى تقديم قرار بموجب المادة 1263 (د) من قانون ماغنيتسكي العالمي للمساءلة عن حقوق الانسان لعام 2016 فيما يتعلق بدور ولي العهد محمد بن سلمان ومسؤوليته في مقتل خاشقجي؛ وعقد جلسات استماع في الكونجرس الأمريكي لتحديد مسؤولية كبار المسؤولين السعوديين؛ وتمشيًا مع متطلبات الأمن القومي، القيام برفع السرية والكشف للعموم عن جميع المواد المتعلقة بقتل السيد خاشقجي.

 

في الولايات المتحدة، بدا أن مختلف الفروع والهيئات الحكومية، بما في ذلك الوكالات داخل السلطة التنفيذية، تتبنى وجهات نظر مختلفة تمامًا حول مقتل خاشقجي، مما أدى إلى استجابة مختلطة، وأحيانًا غير متماسكة من قبل الدولة، غير أن الشيء الوحيد الثابت هو دعم الرئيس ترامب الراسخ لولي العهد محمد بن سلمان. ففي أعقاب جريمة القتل، قاوم الرئيس ترامب إلقاء اللوم على محمد بن سلمان وبدا أنه يجتهد في طمأنة ولي العهد بأنه لن يدفع ثمن جريمة القتل هاته. على الرغم من نية الرئيس ترامب الواضحة، ففي منتصف نوفمبر 2018، سربت وكالة المخابرات المركزية استنتاجها بأن محمد بن سلمان أمر باغتيال خاشقجي. في الأسابيع والأشهر التي أعقبت تقييم وكالة المخابرات المركزية، دخل الكونجرس في الجدل، وعقد جلسات استماع حول جريمة القتل، وأصدر قرارات تدينها، وأصدر تشريعًا لمحاولة إجبار الإدارة على رفع السرية عن النتائج التي توصلت إليها فيما يتعلق بمسؤولية ولي العهد عن القتل.

لقد نجحت إدارة ترامب، حتى الآن، في صد الكونجرس وحماية ولي العهد من أي تداعيات خطيرة عليه داخل الولايات المتحدة بسبب جريمة قتل هاشقجي. لكن قد يتغير هذا. فرداً على دعوتين قضائيتين، فقد تم الاستعانة بمحاكم أمريكية مستقلة عن السلطة التنفيذية لاتخاذ قرارات بشأن دور ولي العهد في مقتل خاشقجي والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان، بما في ذلك مؤامرة مزعومة لقتل معارض سعودي في كندا. سيحدد الزمن ما إذا كانت المحاكم الأمريكية ستذعن لموقف الإدارة بشأن هذه المسألة أو تشق طريقها الخاص نحو موقف آخر من محمد بن سلمان، وإذا تم هذا الموضوع، سيحدد الزمن أيضا ما إذا كانت هذه المحاكم قادرة على تنفيذ قراراتها.

  1. الدول الأعضاء في الأمم المتحدة: دعت المقررة الخاصة الدول الأعضاء إلى إصدار بيانات للمساءلة عن جريمة القتل؛ وفرض عقوبات محددة الهدف على مرتكبي جريمة القتل؛ واتخاذ خطوات لتأسيس ولاية قضائية بموجب القانون الدولي على الجناة المزعومين الذين قد يدخلون أراضيها

 

في الأسابيع التي أعقبت مقتل خاشقجي، أدانت العديد من الدول الغربية مقتل خاشقجي ودعت إلى إجراء تحقيق مستقل لمحاسبة الجناة. وبالإضافة إلى ذلك، فرض العديد من هذه الدول حظر سفر على 18 سعوديًا يشتبه في تورطهم في هذه الجريمة. نسقت ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة بشأن إصدار حظر السفر المطبق في جميع البلدان الـ 26 بمنطقة شنغن الأوروبية. كما فرضت العديد من الدول، بما في ذلك كندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، عقوبات اقتصادية وجمدت أصول الجناة المشتبه بهم لديها.

اتخذت الأرجنتين الخطوات الأولى نحو إقامة ولاية قضائية على ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عندما سافر إلى بوينس آيرس لحضور قمة مجموعة العشرين في نهاية نوفمبر 2018. كان محمد بن سلمان متواجدا هناك لبضعة أيام فقط، ولم تتحرك عجلة العدالة الأرجنتينية بالسرعة الكافية لحل مسألة الاختصاص القضائي.

وفي قضايا الجرائم التي يرتكبها غير المواطنين في الخارج، يكون للمحاكم اختصاص قضائي على الجناة المزعومين بناءًا على وجودهم الفعلي في بلد ما. في الوقت الحالي، يبدو من غير المحتمل أن يقوم أي من الجناة المشتبه بهم، بمن فيهم ولي العهد، بزيارة دول عديدة بما في ذلك الولايات المتحدة، حيث قد يكونون عرضة لدعوى قضائية بموجب القانون المحلي أو الدولي، المدني أو الجنائي.

ولكن، بالنسبة لبعض الجرائم الدولية، بما في ذلك جرائم الحرب والتعذيب والجرائم ضد الإنسانية، يمكن إنشاء بعض المحاكم الولاية القضائية دون الحضور الشخصي للجاني المزعوم. وفي حالة مقتل خاشقجي، قد تتبع المحاكم الأمريكية السوابق القضائية في هذه المحاكم وتؤسس ولاية قضائية شخصية على محمد بن سلمان وغيره من الجناة السعوديين على أساس الولاية القضائية العالمية، أو على أساس العلاقات الأخرى التي تربطهم بالولايات المتحدة، أو بأشخاص أو كيانات في الولايات المتحدة الأمريكية.

  1. المؤسسات: دعت المقررة الخاصة المؤسسات إلى تجنب التعامل مع أجهزة الدولة التي كان لها دور في مقتل خاشقجي واستخدام نفوذها مع شركاء الأعمال السعوديين لتحسين حالة حقوق الإنسان للمواطنين السعوديين.

 

في أعقاب مقتل خاشقجي، تجنبت العديد من المؤسسات في أمريكا الشمالية وأوروبا ولي العهد محمد بن سلمان والمملكة العربية السعودية، كما انسحب عدد كبير من المؤسسات من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في المملكة العربية السعودية في الفترة من 23 إلى 25 أكتوبر 2018، هذا وقامت بعض المؤسسات بتعليق الصفقات مع المملكة العربية السعودية أو إلغائها تمامًا.

على الرغم من ذلك، وعلى مدار الأشهر التالية، تم تأهيل محمد بن سلمان والحكومة السعودية إلى حد كبير في عالم الأعمال، حيث عاد العديد من قادة المؤسسات الذين انسحبوا من مؤتمر "دافوس في الصحراء" في أكتوبر 2018 بهدوء في العام التالي.

في الواقع، بحلول وقت قمة 2019، تم بالفعل إبرام صفقات جديدة بمليارات الدولارات بين المملكة ورؤساء المؤسسات.

ظلت بعض الشركات بعيدة عن محمد بن سلمان والمملكة العربية السعودية بسبب مخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة. ففي أواخر يوليو 2020، انهارت صفقتان لولي العهد بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان حيث ألغى ريوت جيمز، مطور ألعاب رابطة الأساطير، اتفاقية تزكية مع نيوم، مدينة المستقبل الذكية التابعة لمحمد بن سلمان، كما تمكنت موجة معارضة كبيرة من منظمات المجتمع المدني وجماعات حقوق الإنسان من صد محاولة محمد بن سلمان شراء فريق نيوكاسل يونايتد لكرة القدم.

كشف فشل السعوديين في إتمام صفقات ألعاب ريوت جيمز ونيوكاسل يونايتد استمرار فعالية والقدرة على التكيف في مقاومة العودة إلى العمل كالمعتاد بعد مقتل خاشقجي. قد يوفر نجاح المجتمع المدني في إفشال هاتان الاتفاقيتان نماذج محتملة لجهود مماثلة في المستقبل، وما إذا كان شركاء الأعمال الحاليون والمحتملون مع المملكة والذين يؤثرون في مخاوف حقوق الإنسان بشأن اتخاذ قرارات الأعمال سيعتمدون على محمد بن سلمان وسجل حقوق الإنسان التابع للحكومة السعودية، وعلى قدرة مجموعات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان لزيادة الوعي بانتهاكات حقوق الإنسان. وحشد قادة الأعمال والمساهمين والعاملين في الشركات ذات الصلة.

  1. المجتمع المدني: دعت المقررة الخاصة المجتمع المدني وجماعات حقوق الإنسان والمنظمات المجتمعية إلى الدعوة والتعبئة والمساعدة في تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية وخارجها.
  2.  

تجندت منظمات المجتمع المدني فور اختفاء جمال خاشقجي واستمرت في لعب الدور القيادي في المطالبة بالمساءلة والإصلاح من القادة السعوديين. فقد طالبت السعوديين بأجوبة بشأن مكان وجود خاشقجي وأصدرت بيانات صحفية وبيانات وتقارير مشتركة سعياً لمحاسبة القتلة، وعقدت حلقات نقاش وإحياء ذكرى خاشقجي، ورفعت دعاوى قضائية للحصول على معلومات ووثائق تتعلق بالقتل، كما أنها دعت الحكومات والشركات إلى معاقبة الجناة. لقد كانت جهود المجتمع المدني في السعي لتحقيق العدالة لجمال جهودًا مركزة وثابتة ودؤوبة.

في الوقت نفسه، عملت بعض الجماعات الحقوقية الرائدة في العالم على تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون في المملكة العربية السعودية والمنطقة وفضح انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة التي يرتكبها النظام السعودي.

  1. الردود الرمزية: أوصى تقرير المقررة الخاصة بأن تقوم جميع الجهات الفاعلة، بما في ذلك الحكومات والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، بإنشاء تكريم رمزي، مثل الجوائز والمنح الدراسية والنصب التذكارية والأحداث على شرف خاشقجي؛ وأن تقيم إسطنبول نصبًا تذكاريًا لموقف السيد خاشقجي من أجل حرية الصحافة أمام القنصلية السعودية، وأن تُعيد واشنطن تسمية شارع فيها تيمنًا بإسم خاشقجي.
  2.  

أنشأت جهات فاعلة مختلفة تكريمات رمزية مهمة على شرف خاشقجي. ففي 2 أكتوبر 2019، والذي يصادف الذكرى السنوية الأولى لوفاة خاشقجي، كشفت تركيا عن نصب تذكاري يحمل اسم خاشقجي وتواريخ ميلاده ووفاته. إنه يشبه القبر الرسمي، ويقف في ظل القنصلية السعودية حيث قُتل. بدأ حفل إزاحة الستار بعد الساعة 1:14 مساءً مباشرةً، وهو الوقت الذي دخل فيه خاشقجي إلى القنصلية السعودية قبل عام واحد بالضبط. حضرت الحفل المقررة الخاصة للأمم المتحدة كالامارد وخطيبة خاشقجي السابقة هاتيس جنكيز، كما حضر الحفل أيضًا جيف بيزوس مالك صحيفة واشنطن بوست والناشر فريد رايان.

في 10 أكتوبر 2019، أقيمت مراسم إزاحة الستار عن ذكرى أخرى في بايو بفرنسا. تم نقش اسم خاشقجي على النصب التذكاري لمراسلي الحرب، تكريمًا للصحفيين الذين قتلوا أثناء أداء واجبهم. صرح الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، كريستوف ديلوار، في الحفل: "مقتل جمال خاشقجي كان هجومًا على جميع الصحفيين، وعلى الصحافة بشكل عام، وعلى حق الإنسان في حرية الرأي والتعبير".

تم تغيير تسمية بعض الشوارع تكريمًا لخاشقجي. ففي 28 نوفمبر 2018، صوتت لجنة الأحياء الاستشارية في قسم فوجي بوتوم بواشنطن العاصمة بالإجماع على إعادة تسمية امتداد شارع نيو هامبشاير الذي يقع أمام السفارة السعودية باسم "طريق جمال خاشقجي". ظهرت لافتة في الشارع لفترة وجيزة على الجانب الآخر مباشرةً من السفارة السعودية. تقديراً للقسم القانوني بولاية واشنطن العاصمة الذي يتطلب عدم تسمية أي مكان عام لفرد أو فرد على قيد الحياة مات منذ أقل من عامين، رفض مجلس ولاية واشنطن العاصمة التصويت على الإجراء لإعادة تسمية الشارع. سيوافق تاريخ 2 أكتوبر 2020 مرور سنتين على تلك الذكرى السنوية. ونأمل أن يتخذ مجلس واشنطن العاصمة قريبًا إجراءات لإعادة تسمية الشارع رسميًا باسم جمال خاشقجي.

تمت إعادة تسمية شوارع أخرى تكريمًا لخاشقجي. ففي لندن، وفي 2 نوفمبر 2018 في تمام الساعة 1:14 مساءً، أي بعد شهر من دخول خاشقجي القنصلية السعودية في إسطنبول، وضع نشطاء حقوق الإنسان لافتة تحمل عبارة "شارع خاشقجي" على الجانب الآخر من السفارة السعودية. وفي 2 أكتوبر 2019، وبمناسبة الذكرى السنوية الأولى لمقتل خاشقجي، أعاد نشطاء حقوق الإنسان تسمية الشوارع تكريماً لجمال خاشقجي على الجانب الآخر من السفارات السعودية في كل من بروكسل وبلجيكا ولاهاي في هولندا. وكُتب في تعليق أسفل اللافتة في لاهاي: "الصحفي الذي قُتل على يد المملكة العربية السعودية". سيحدد الزمن ما إذا كانت شوارع خاشقجي التي أعيد تسميتها مؤقتة أم دائمة.

تم إنشاء جائزتي جمال خاشقجي للصحافة الشجاعة، والتي تقدم منحًا مالية للصحفيين الذين يميزون أنفسهم من خلال شجاعتهم وتقاريرهم. شمل الحاصلون على المنح صحفيين من باكستان وزامبيا ونيجيريا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

في 25 فبراير 2019، أعلنت صحيفة واشنطن بوست عن تأسيس زمالة خاشقجي وكان أول زميل لخاشقجي – الناشطة السعودية الحائزة على الجوائز هالة الدوسري. ستوفر الزمالة، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست، "برنامج آراء عالمي جديد للصحفيين والكُتاب لتقديم وجهات نظرهم من أجزاء من العالم حيث يتم تهديد حرية التعبير أو قمعها". نُشر أول عمود آراء عالمية في صحيفة واشنطن بوست في 13 مارس 2019 تحت عنوان "محاكمة صورية تكشف ازدراء المملكة العربية السعودية المستمر لمواطنيها".

أقيمت العديد من الأحداث التذكارية لتكريم جمال خاشقجي. ففي 10 يناير2019، أي بعد مائة يوم من مقتل خاشقجي، أقامت منظمة بن أمريكا حدثًا تذكاريًا في مبنى الكابيتول هيل في واشنطن العاصمة لتكريم إرث خاشقجي وتضخيم مطالب المساءلة عن مقتله. وصرحت الكاتبة ورئيسة بن أمريكا، جنيفر إيغان في كلمة ألقتها أثناء الحدث: "بتكريمه وتذكره، نذكّر الحكومة السعودية – وحكومتنا – بأن قتل الصحفيين ليس فقط همجيًا وبشعًا، ولكنه غير قادر على خنق أصواتهم". ومن بين المتحدثين البارزين والضيوف نواب الكونغرس نانسي بيلوسي وآدم شيف، وأعضاء مجلس الشيوخ كريس فان هولين وإيمي كلوبوشار ومارك وارنر.

أقيم أول حفل تأبين كبير لخاشقجي في لندن، في 29 أكتوبر 2018، بعد أربعة أسابيع من مقتل خاشقجي.

ضم المتحدثون أصدقاء وزملاء ومؤيدين لخاشقجي بما في ذلك خديجة جنكيز، خطيبته السابقة، كريسبين بلانت، عضو البرلمان في المملكة المتحدة، ميشيل ستانيستريت، الأمينة العامة للاتحاد الوطني للصحفيين في المملكة المتحدة وأيرلندا، وعصام عميش، رئيس الجراحة العامة في مستشفى إينوفا بالإسكندرية وعضو مجلس إدارة منظمة "داون"، وسارة لي ويتسون، المديرة التنفيذية لمنظمة "داون"، وعبد الله العوده رئيس قسم أبحاث الخليج في منظمة "داون".

ذكر أحد المتحدثين في النهاية، نهاد عوض، وهو صديق قديم لجمال، والمؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، والمدير الحالي لمجلس إدارة منظمة "DAWN":  لن نرتاح حتى يتم تحقيق رؤيتك للديمقراطية والصحافة الحرة في العالم العربي وفي السعودية وحتى تتحقق العدالة. تحدثنا، أنت وأنا، عن مشروعنا مع العديد من أصدقائنا هنا. لقد تحدثت عن "دون"  للعالم العربي. الديمقراطية في العالم العربي الآن. كنا نخطط لإطلاقه في نوفمبر من هذا الشهر، لكنني أؤكد لكم أننا سنطلقه. وبينما تم قمع صوتك أنت، يجب أن نكون نحن، أيها السيدات والسادة، صوته".

"تظل الديمقراطية الوسيلة الأكثر فعالية لمواجهة الإرهاب ووقف إراقة الدماء والعنف السياسي في الدول العربية".

جمال خاشقجي، العربية، 12 يونيو/حزيران 2016