في مقابلة مع منظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي" في 12 من شهر يوليو/تموز 2020 عبر تطبيق سيغنال، قال أحد خبراء الصحة الرائدين في مصر إن "الفرق الطبية في البلاد كانت تحت ضغط شديد" أثناء مكافحة جائحة كوفيد-19 بين شهري مارس/آذار ويونيو/حزيران 2020.
ووفقًا للأرقام الرسمية التي نشرتها وزارة الصحة والسكان المصرية في 27 يوليو/ تموز 2020، فقد أصاب الفيروس 92482 شخصًا وقتل 4652 آخرين منذ تسجيل أول حالة إصابة بـكوفيد-19 في مصر في 5 مارس/ آذار 2020.
وقال الخبير المصري في مجال الصحة الذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفًا من التعرض للإنتقام، إن "ضعف الدعم المقدم من الحكومة للفرق الطبية" و"القرارات غير السليمة" ساهمت في تفاقم الأزمة.
فبدلاً من الاستماع إلى أصوات الأخصائيين الطبيين، سعت السلطات المصرية ومنذ تفشي جائحة كوفيد-19 إلى إسكات أصواتهم، فالأطباء مثل د. علاء شعبان حميدة، والصيادلة مثل محمد كامل غانم السايس، والصحفيين مثل محمد منير، والذين قدموا معلومات حول حالات كوفيد-19 أو انتقدوا سوء إدارة الحكومة للأزمة على وسائل التواصل الاجتماعي، اعتقلوا بشكل غير قانوني ووجهت إليهم تهم بـ "نشر أخبار كاذبة" و "إثارة الذعر".
هذا وتضمنت قضية نيابة أمن الدولة العليا رقم 558/2020 (والمعروفة إعلاميا بـقضية فيروس كورونا) عشرات المواطنين الذين اختفوا قسريًا واحتجزوا بشكل غير قانوني بسبب التعبير عن آرائهم أو نشر معلومات تشكك في الرواية الرسمية.
الخبير الصحي الذي تحدث إلينا مسؤول عن تنسيق تنفيذ لوائح كوفيد-19 الجديدة الصادرة عن مديرية الشؤون الصحية في المحافظة التي يقع فيها المستشفى الذي يعمل بها.
فيما يلي مقتطفات من المقابلة:
كيف هو وضع جائحة كوفيد-19 هذه الأيام في المستشفى؟
منذ منتصف شهر يونيو/حزيران، أصبح الوضع أفضل بكثير من ذي قبل. فالآن، على سبيل المثال، انخفض معدل شغل أسرّة الحجر الصحي لمرضى كوفيد-19 إلى أقل من 50٪، كما أن هناك مزيدا من معدات الحماية الشخصية واللوازم الطبية المتاحة الآن.
كيف كان الوضع قبل منتصف يونيو/ حزيران 2020؟ كم عدد أسرة الحجر الصحي الموجودة؟
لقد كان الوضع صعبًا للغاية، فقد تعرضت الفرق الطبية لضغوط شديدة. لدينا 80 سريرًا للحجر الصحي. كان معدل شغل هذه الأسرة 100٪ في الفترة الممتدة ما بين 15 مارس/ آذار و 15 يونيو/ حزيران. للأسف، نحن لم نتمكن من استقبال العديد من المرضى خلال هذه الفترة وقمنا بإحالتهم على مستشفيات عامة أخرى في المحافظة على أمل أن تتوفر لديهم أسرّة شاعرة هناك.
برأيك، ما الذي ساهم في تفاقم الأزمة في مصر؟
قرار فرض الإغلاق التام الذي جاء متأخرا والذي، في الواقع، لم يتم تطبيقه فعليا أبدا. بالإضافة إلى ضعف الدعم المقدم للفرق الطبية. لقد تحسن الوضع بعد منتصف يونيو/ حزيران، ولكن قبل ذلك كان هناك نقص دائم في توفير الملابس الواقية. فإذا طلبت 500 وحدة، كنت تحصل على 100 فقط من وزارة الصحة والسكان. ومع ذلك، يجب أن أذكر أننا كنا نتوصل دائمًا بتبرعات من الأثرياء ومن المجتمع المحلي تغطي النقص في الملابس والمعدات.
كما أنه، وعلى الرغم من تعليق جميع الإجازات – حتى إجازة الأمومة مُعلقة الآن – وذلك لضمان أن الطواقم الطبية تعمل بكامل طاقتها، فلازال هنالك نقص حاد في الأطباء والممرضات. يجب عليهم التنقل بين المرضى بشكل متكرر دون كلل.
يقال أنه في الأسبوعين الممتدان من 15 مارس/ آذار إلى بداية أبريل/ نيسان تم تقديم الآلاف من طلبات إجازات الأمومة إلى الوزارة، لكن الوزارة اضطرت بعد ذلك إلى حظر الطلبات الجديدة لوقف تناقص عدد الأطباء والممرضات.
من الإجراءات الطارئة الأخرى التي حاولت الوزارة من خلالها حل هذه المشكلة كان عملية تناوب الأطباء والممرضات بين المدن والمديريات داخل نفس المحافظة والتي لم تكن فعالة للغاية بسبب الضغط الذي مارسه كل مجتمع محلي أو منطقة لإبقاء الأخصائيين الطبيين الخاصين بها داخل أراضيها.
بالإضافة إلى ذلك، ففي بعض الأحيان يتعين عليك التعامل مع قرارات غير سليمة أو غير متأنية. فعلى سبيل المثال، وقبل بضعة أسابيع، أبلغ وكيل وزارة الصحة والسكان مدير المستشفى لدينا بالحاجة إلى زيادة عدد أسرة المرضى المقيمين المخصصة لمرضى كوفيد-19 من 80 إلى 100 سرير وكان المنطق وراء هذا القرار هو أن العدد الحالي للأسرة ممتلئ دائمًا لذلك يتم رفض استقبال العديد من الحالات الجديدة.
لكن النقطة التي أغفلها وكيل الوزارة هي أن الأسرة الإضافية للمرضى المقيمين لن تقوم خدمة نفسها بل هي بحاجة إلى أطباء وممرضات لرعاية المرضى الذين سيشغلونها.
كما تميزت بروتوكولات العلاج التي تم إبلاغها للسكان لإتباعها بالفوضى، فقد كانت هيئة الدواء المصرية – وهي هيئة تنظيم الأدوية بوزارة الصحة – توافق على استخدام دواء معين يومًا ما لتقوم برفضه لاحقًا. كما قالت هيئة الدواء المصرية إنه لا يوجد دواء وقائي ضد كوفيد -19 ثم بعد ذلك قام مستشارها بالإشادة بالإنتاج المرتفع للأدوية الوقائية في السوق المصري.
في ظل هذه الظروف، أليس من المستغرب أن نرى أن الفرق الطبية كانت الأكثر تضرراً من الوباء؟ هل لديكم إصابات بكوفيد-19 أو حالات وفاة بين العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يقفون في الخطوط الأمامية؟
لقد أصيب طبيبان. توفي أحدهما، للأسف، في حين نُقل الآخر إلى مستشفى الحجر الصحي المركزي بالإسماعيلية حيث تعافى لاحقًا والحمد لله. كما أخضع ثمانية من أعضاء طاقم التمريض أنفسهم للعزل المنزلي. غير أنه، وبالنظر إلى الإحصائيات الوطنية، فإن وضعية الفرق الطبية في مستشفانا أفضل بكثير من غيرها.
كيف تغيرت الخدمات الطبية في المستشفى بسبب الأزمة؟ هل تأثرت فئات معينة من المرضى سلبًا نتيجة لذلك؟
تم تخصيص مبنيين كاملين في المستشفى كمركز للحجر الصحي. من المؤسف إغلاق بعض الوحدات مثل وحدة العناية المركزة للقلب والأوعية الدموية فهذا سيشكل مشكلة تواجه أولئك الذين يعانون من أمراض القلب المزمنة والذين قد يصابون بنوبة قلبية في مجتمعنا. عندما تم استفسار الإدارة عن هذا القرار قالوا "هذا هو بروتوكول الوزارة […] الآن، فهناك مستشفيات مخصصة لهؤلاء المرضى".!
هل يمكنك وصف البروتوكول الطبي بالتفصيل الخاص بالتعامل مع حالة اشتباه بكوفيد-19 بداية من الدخول/ الولوج إلى المستشفى حتى التعافي/ الخروج أو الوفاة؟ هل تقومون باختبار مسح له/ لها؟
نحن لا نقوم بإجراء المسحات في البدايات الأولى في التعامل مع حالة مشتبه بها. تبلغ تكلفة المسحة الآن حوالي 2000 جنيه مصري. لقد قمنا باستبدال هذه المسحات – وفقًا لبروتوكول الوزارة – بإجراء تحليل صورة دم كاملة وأشعة سينية للصدر.
التكلفة المعتادة لهذه الأشعة هي 100 جنيه مصري، لكنها قد تكلف ما بين 200 و 500 جنيه مصري في المستشفيات الخاصة. بناءً على نتائج الأشعة السينية وتحليل صورة الدم الكاملة (وخاصة عدد خلايا الدم البيضاء والخلايا الليمفاوية)، نوجه المريض إلى الحجر الصحي في المنزل لمدة 14 يومًا إذا كان قادرًا على التنفس بشكل طبيعي. إذا لم يكن الأمر كذلك، فسيتم تزويد المريض بإمدادات الأكسجين لمدة خمسة أيام.
إذا تحسنت حالته نطلب منه الحجر الصحي بالمنزل لمدة 14 يومًا. أما إذا لم يكن الأمر كذلك، فإننا نقوم بعمل مسحة للمريض وإذا كانت النتيجة إيجابية، فإننا نراقب حالته.
ألا يمر وقت طويل على المرضى المصابين بأمراض خطيرة قبل تمكنهم من الوصول إلى مرحلة جهاز التنفس الصناعي؟ كيف كان معدل البقاء على قيد الحياة بالنسبة لأولئك الذين كانوا على جهاز التنفس الصناعي (وليس إمدادات الأكسجين)؟
إنه وقت طويل، لكن علينا التصرف وفقًا للأوامر والموارد المتاحة. معدل البقاء على قيد الحياة لأولئك الذين وضعوا على جهاز التنفس الصناعي يكاد يكون صفرًا. لم يتم شفاء أي شخص تم وضعه على جهاز التنفس الصناعي.
كم عدد أجهزة التنفس الصناعي في منشأتكم؟ وهل هي كافية؟
ثمانية أجهزة. وهي ليست كافية.
في أواخر شهر يونيو/ حزيران، افتتح الرئيس مستشفى ميداني لعزل المرضى أنشأه الجيش بقدرة 4000 سرير ومجهز بسيارات اسعاف ومروحيات كما صرح بذلك المتحدث باسم الرئاسة. كيف ترون ذلك؟
كما قلت سابقا، عدد الأسرة ليس هو العامل الحاسم في هذه الأزمة بل عدد الفرق الطبية وطاقتهم.
ما رأيك في التغطية الإعلامية لأزمة كوفيد-19؟
أعتقد أنهم يكذبون طوال الوقت. في أحد الأيام، أفادت التقارير الإعلامية أن العدد الإجمالي للوفيات بكوفيد-19 في جميع أنحاء مصر كان 50 حالة، وهذا لا يمكن أن يكون صحيحًا، لأنه في هذا اليوم بالذات كان هناك 15 حالة وفاة في المستشفى لدينا نخن فقط. من المستحيل أن يمثل مستشفى عام واحد في الوجه البحري 30٪ من سجل الوفيات القومي. منذ ذلك اليوم، أصبحت على يقين أن كل ما يُعلن عن أعداد الإصابات والوفيات ينفصل تمامًا عن الواقع.
حجم التقارير التي تتحدث عن حوادث اعتداء من قبل المواطنين على أطباء وممرضين توحي بعدم وجود حماية من قبل الشرطة للفريق الطبي وسط هذه الأزمة. هل هذا صحيح؟
لا أدري ماذا أقول! إنهم يحاولون القيام بشيء ما، لكنه أقل بكثير مما ينبغي القيام به. لا تنس أن الموارد في بلدنا محدودة.
يخدم المستشفى لديكم المواطنين في المدن والقرى من مختلف الطبقات الاجتماعية. إلى أي مدى شاهدت تفاوتات بين الأغنياء والفقراء والمدن والقرى والرجال والنساء فيما يتعلق بمعدلات الإصابة والوفيات؟
من واقع تجربتي لم أرى اختلافًا في هذه المعدلات بين الرجال والنساء. النقطة الوحيدة الواضحة هي أن كبار السن (46-80 عامًا) كانوا أكثر تضررًا من الشباب (15-45 عامًا).
الأغنياء عادة لا يبخثون عن المساعدة في المستشفيات العامة لأن لديهم الإمكانيات للاستفادة من خدمات المستشفيات الخاصة. أعتقد أن القرويين والمزارعين تأثروا أكثر من سكان المدن.
فخلال الأشهر الثلاثة من منتصف مارس/ آذار إلى منتصف يونيو/ حزيران، تم تسجيل 75 حالة وفاة لسكان المدينة على عكس ما يقرب من 180 حالة من إحدى القرى التابعة المحيطة بها.
وهذا فرق كبير عندما نعلم أن هناك عشرات القرى الأخرى التي تنتمي إلى نفس المدينة. هناك شيء آخر يجب الانتباه إليه، فقد مات الكثير من الناس في القرى ودُفنوا دون أي تصريح من أقاربهم بأن سبب الوفاة كان كوفيد-19.
إذا كان هذا الأمر صحيحًا، فما هي في رأيك أسباب هذا التفاوت بين المدينة والقرية؟
أعتقد أن مستوى الوعي يلعب دورًا. إضافة إلى ذلك لا توجد خدمة صحية موثوق بها في القرى. يوجد في كل قرية وحدة صحية وهي وحدات لا تتوفر لديها، في معظم الحالات، أكثر من بعض صناديق الأدوية ومستلزمات الإسعافات الأولية.
تعتبر الصيدليات مقدم الرعاية الصحية الأولية في القرى وليس العيادات أو المستشفيات،!
في أبريل/نيسان، وفي محاولة لإنهاء الجدل حول رفض بعض الأهالي دفن أقاربهم المرضى بكوفيد -19 المتوفين، أصدر مفتي الديار المصرية فتوىتحرم هذا الفعل. كيف تعامل الناس مع أقاربهم المتوفين؟
رفض الكثير من الناس استلام جثث أفراد أسرهم الذين ماتوا بسبب كوفيد-19. ردا على ذلك، قررت المستشفى اتخاذ إجراء جديد كان يتم تنفيذه عادة من قبل العائلات نفسها وهو غسل جسد المتوفى استعدادًا للدفن.
فتنظيف جسم المتوفى في المستشفى لم يترك للعائلات أي عذر، حيث مكنهم من أخذ قريبهم المتوفى مباشرةً في سيارة خاصة لدفنه أو دفنها دون الخوف من الإصابة بالمرض.
وقبل ذلك، دفع رفض الأهالي استقبال أقاربهم المتوفين المستشفى لتسليم الجثث في سيارة إسعاف مباشرةً إلى مكان الدفن. ولكن عندما زادت أعداد الإصابات والوفيات، لم يكن بمقدور المستشفى تخصيص سيارات الإسعاف الخاصة به للقيام بذلك. لقد كان إنقاذ المرضى المصابين بأمراض خطيرة أكثر إلحاحًا.
لقد قلت إن الوضع بشكل عام يتحسن الآن. هل يمكنك معرفة ما إذا كانت البلاد قد تجاوزت الآن ذروة هذا الوباء؟ لمنع أو إدارة موجة ثانية محتملة من الجائحة، هل هناك أي تعليمات لهذا الغرض؟
لا أعرف؛ آمل أن تكون أسوأ لحظات الأزمة قد ولت. على حد علمي، لا توجد لوائح جديدة لما يمكن أن يحدث مستقبلا بخلاف الإجراءات المعمول بها بالفعل مثل تعليق تصاريح الإجازات للفرق الطبية وتخصيص مباني كاملة في المستشفيات كمرافق للحجر الصحي بالإضافة إلى توفير الإمدادات اللازمة والمعدات.
قد تكون هناك تغييرات فيما يتعلق بمرافق الحجر الصحي وتصاريح الإجازات قريبًا، لست متأكدًا.
هل هناك أي نقاط أو ملاحظات مهمة تود مشاركتها معنا؟
لا شيء أكثر أود مشاركته سوى القول أنه إذا كانت الدولة تريد حقًا محاربة مثل هذا المرض الرهيب، فيجب الاهتمام بالفرق الطبية بكل الطرق الممكنة، مع عدم اعتقالهم أو تهديدهم.
لقد صرح رئيس الوزراء قبل أسابيع أن أزمة كوفيد-19 في مصر حدثت بسبب تخلي الكثير من الأطباء عن عملهم! وهذا ليس صحيحًا. تحاول النقابة العامة للأطباء والنقابات الأخرى بكل قوة دعم مكافحة كورونا، لكن الحكومة ووزارة الصحة والسكان هي التي تملك الموارد والسلطة لتحسين الوضع.
*This interview was conducted on July 12, 2020 via Signal messaging App. *