دعت الحكومة السويدية المواطنين السويديين إلى "توخي اليقظة والحذر" في الخارج بسبب "التهديدات المتزايدة". فقد أعلن رئيس الوزراء السويدي مؤخرًا أن الوضع الأمني في السويد وصل إلى أعلى مستوياته منذ الحرب العالمية الثانية.
لا يزال يتردد صدى نتائج أفعال مجموعة صغيرة من المحرّضين المعادين للإسلام في السويد. فقد أثارت عمليات الحرق العلنية للمصحف في السويد في وقت سابق من هذا الصيف، وكذلك في الدنمارك المجاورة، ردود أفعال عنيفة وأعمال شغب في العديد من دول منطقة الشرق الأوسط، وكان أكثرها عنفًا في بغداد حيث اقتحم محتجون السفارة السويدية الشهر الماضي. وفي الأسبوع الماضي في بيروت، تم إلقاء زجاجة حارقة على السفارة السويدية. وفي ستوكهولم هذا الأسبوع، قام الرجلان اللذان كانا محور هذه الأحداث بحرق نسخة من القرآن مرة أخرى.
وقام العراق بطرد السفير السويدي، بينما قامت دول أخرى في المنطقة، بما في ذلك إيران وجميع دول مجلس التعاون الخليجي الستة، إما باستدعاء سفيرها السويدي أو إدانة الحكومة السويدية لسماحها بحرق القرآن تحت شعار "حماية حرية التعبير". لا يوجد في السويد قانون يحظر على وجه التحديد حرق أو تدنيس القرآن أو النصوص الدينية الأخرى، وقد ألغت قوانين احتقار الأمور المقدسة في سبعينيات القرن الماضي. لكن خطاب الكراهية ضد الأقليات العرقية والقومية والدينية والجندرية لا يزال يعتبر جريمة.
من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى إيران، استجابت الحكومات لمشاعر العامة التي تتوقع إدانة حرق أو تدنيس القرآن في أي مكان في العالم، على خلفية أحداث سابقة مثل قضية شارلي إيبدو في فرنسا. ربما لم يكن من المستغرب أن تتخذ إيران أشد المواقف قسوة ضد السويد، حيث طالب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بـ "أشد العقوبات" بحق مرتكبي هذه الجرائم وأن تقوم الحكومة السويدية بتسليمهم "إلى الأنظمة القضائية في الدول الإسلامية".
لكن ردود الفعل الحكومية هذه محسوبة سياسيًا أيضًا—لدعم نفسها ضد أي لا مبالاة لهذه القضية الدينية التي يمكن أن تؤدي إلى معارضة محلية، نظرًا للغضب العام الحقيقي من حرق القرآن.
ردود الفعل الحكومية هذه محسوبة سياسيًا أيضًا—لدعم نفسها ضد أي لا مبالاة لهذه القضية الدينية التي يمكن أن تؤدي إلى معارضة محلية، نظرًا للغضب العام الحقيقي من حرق القرآن.
- جورجيو كافيرو
قال كينيث كاتزمان، الزميل البارز في مركز صوفان: "يجب أن يُظهروا أنهم يقفون في وجه القيم الغربية المختلفة عندما يتعلق الأمر بالإسلام أو إهانة الإسلام من قبل أفراد الجمهور الغربي".
وأضاف آرون لوند، محلل لمنطقة الشرق الأوسط مقيم في ستوكهولم، وهو زميل في مؤسسة (Century International): تحاول هذه الحكومات إثبات أنها ملتزمة بالدفاع عن الإسلام مثل جيرانها، كما أن الحكام يريدون حماية أنفسهم من انتقادات المعارضة.
ولم يكن ذلك مقصورًا على الحكومات في المنطقة. فقد أطلقت سلسلة محلات السوبر ماركت البارزة في قطر "سوق البلدي" حملة مقاطعة لجميع السلع السويدية وإزالتها من أرففها "حتى إشعار آخر". وفي أوائل يونيو/حزيران، دعا مفتي عُمان المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى مقاطعة جميع المنتجات السويدية.
ويأتي التصعيد مع السويد في أعقاب حرق القرآن في الدنمارك في وقت سابق. قال روزبيه بارسي، رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد السويدي للشؤون الدولية: أعتقد أن معظم دول مجلس التعاون الخليجي كانت تحاول التراجع في أوائل عام 2023 عندما أحرق الدنماركي راسموس بالودان المصاحف. وذلك في إشارة إلى الشخصية اليمينية المتطرفة سيئة السمعة التي أحرقت مصحفًا في يناير/كانون الثاني أمام السفارة التركية في ستوكهولم. وأضاف: "لكن في كل حادثة يزداد الضغط للرد علنًا".
في الوقت نفسه، نظرًا لأن السويد ليست شريكًا اقتصاديًا أو أمنيًا حيويًا لدول الخليج، فإن تكاليف الهجوم على الدولة الاسكندنافية منخفضة. وقال لوند: حرق القرآن أمر قانوني تمامًا في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لكنك لن ترى الدول الخليجية تهدد بمقاطعة الاقتصاد الأمريكي.
تحاول الحكومات في الخليج أيضًا تأكيد مكانة دولية أكثر، وتعزيز ما تعتبره قوتها الناعمة كدول مدافعة عن الإسلام.
وقال أندرياس كريغ، الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الدفاعية في كينغز كوليدج لندن: إنه موقف مهم تتخذه الدول الخليجية، بالإضافة إلى بقية العالم الإسلامي. وأضاف: إنهم لاعبون في العلاقات الدولية ولهم نفوذهم الخاص، وسيستخدمون هذا النفوذ لتعزيز مصالحهم وحماية مبادئهم وقيمهم، بما في ذلك "السرديات".
حتى الآن، لم يرق كل هذا إلا إلى تحركات رمزية في الغالب ضد السويد والدنمارك، مثل استدعاء أو حتى طرد سفير. وكما حدث في قضية شارلي إبدو، يمكن أن تهدأ التوترات بسرعة نسبيًا.
قال كاتزمان: لقد مررنا بحوادث مثل هذه في الماضي البعيد. إنها تميل إلى الانفجار. لا تكسب دول مجلس التعاون الخليجي أو إيران أو العراق أي شيء من قطع العلاقات مع السويد أو وقفها أو تقليصها. ولا سيما إيران، التي تبحث عن تخفيف العقوبات من الولايات المتحدة وأوروبا—هذا لا يساعد قضيتهم.
كما يعتقد بارسي أنه ليس من مصلحة أي من هذه الدول "زيادة تصعيد الموقف". وقال أنهم بدلًا من ذلك "سيحاولون التراجع عن خطوات فعلية ملموسة ومحاولة إرضاء الرأي العام من خلال أفعال وتصريحات رمزية".
ومع ذلك، يعتقد لوند أن هذا الخلاف الحالي من المحتمل أن يكون أكثر خطورة وإضرارًا بالعلاقات بين السويد ودول المنطقة من الحوادث السابقة. وقال: "لقد رأينا في الماضي اندلاع أزمات مماثلة ثم تتلاشى. لكن ردود الفعل قاسية للغاية هذه المرة، وهناك عنصر تراكمي لها—إنها تحدث باستمرار".
تحاول هذه الحكومات إثبات أنها ملتزمة بالدفاع عن الإسلام مثل جيرانها، كما أن الحكام يريدون حماية أنفسهم من انتقادات المعارضة.
- آرون لوند
حتى في حالة عدم حدوث مزيد من التصعيد، من الصعب تخيل اختفاء التوترات مع صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة ليس فقط في السويد ولكن في جميع أنحاء أوروبا. تعمل هذه الأحزاب على تعميم الروايات المعادية للإسلام، ما يؤدي غالبًا إلى استفزازات عامة متكررة مثل حرق القرآن.
وبينما يدين المسؤولون السويديون هذه الأفعال، إلا أنهم يؤكدون أيضًا أن أيديهم مقيدة بسبب قوانين البلاد المتعلقة بحرية التعبير. قال لوند: "تتأجج الأزمة باستمرار بسبب الأعمال المثيرة الجديدة المناهضة للإسلام. الحكومة محبطة للغاية لأنها تفتقر إلى الوسائل القانونية لمنع حدوث هذه الأمور".
قال جان إلياسون، وزير الخارجية السويدي السابق ودبلوماسي رفيع في الأمم المتحدة، لصحيفة نيويورك تايمز: عندما ترى سفارتنا تحترق في بغداد، ترى الضرر الذي يلحقه هذا ببلدنا وسمعتنا. من ناحية أخرى، التشريع هو الواقع—تلك الحادثة ليست غير قانونية.
لتغيير ذلك الوضع، ستكون هناك حاجة لتغيير النظام القانوني السويدي نفسه بطرق توسّع نطاق الدفاع عن قوانين خطاب الكراهية لتشمل تدنيس الأمور الدينية أو تقديم استثناء للحق في التظاهر تحت ستار مصالح الأمن القومي—وهو ما يبدو بعيد الاحتمال وغير محبوب سياسيًا في السويد.
وأشار لوند إلى أن "القانون السويدي يتضمن حماية واسعة جدًا للتعبير والحق في التجمع العام". وأضاف: "على الرغم من أن حرق القرآن أو التوراة أو أي شيء مقدس آخر يمكن أن يدينك بجريمة كراهية، إلا أن ذلك يعتمد إلى حد كبير على السياق. قد تؤدي بعض هذه الحوادث إلى إدانات قضائية، لكن النظام القانوني لا يزال يعمل على ذلك. لا يمكن للشرطة التدخل بشكل استباقي لوقف شيء لم يتم تعريفه بوضوح على أنه جريمة".
ويضيف لوند: "ومع ذلك، هناك أيضًا معارضة كبيرة لتغيير القانون. الحماية الدستورية السويدية لحرية التعبير، بما في ذلك بطرق مبتذلة ومهينة، قديمة جدًا"—يعود تاريخها إلى عام 1766، عندما اعتمدت السويد أول قانون لحرية الصحافة في العالم. "إنها عنصر مهم في تاريخنا وهويتنا الوطنية. هناك شعور بعدم التصديق بأن الحكومة السويدية يجب أن تتعامل بجدية مع الانتقادات من دول مثل إيران أو السعودية، التي يقترب التزامها بالحرية الدينية والتسامح من الصفر".
ومثلما يتعين على الحكومات في المنطقة أن تتعامل مع سياساتها الداخلية الخاصة، كذلك تفعل القيادة في ستوكهولم. أوضح بارسي أن "السويد بلد علماني للغاية حيث فكرة وجود نوع من حرية التعبير غير المحدودة قوية للغاية. هناك أيضًا أحزاب سياسية مثل الديمقراطيين السويديين اليمينيين المتطرفين الذين شجعوا على حرق القرآن كجزء من سياساتهم المعادية للمسلمين. وبدون دعمهم البرلماني، سينهار الائتلاف اليميني الحاكم الحالي. لا أرى أي طريقة يمكن من خلالها أن يكون الإصلاح القانوني بشأن هذه المسألة ممكنًا".