نورا نور الله باحثة ومستشارة مصرية في مجال حقوق الإنسان، وزميلة باحثة في مركز قانون جمعية المعلومات بجامعة ميلانو. عملت في مناصب مختلفة مع مركز القاهرة 52 للبحوث القانونية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، ومنظمة المادة 19، ومركز بيركمان كلاين للإنترنت والمجتمع بجامعة هارفارد.
انتحرت شابة سعودية عابرة جندريًا تدعى إيدن نايت في مارس/آذار، وجاء ذلك بعد حصار من الإساءة العقلية من قبل عائلتها، وهذا أفضل تعبير يصف ما حدث. بدأت إيدن، التي كانت تبلغ من العمر 23 عامًا، في العبور الجندري في عام 2022 عندما كانت طالبة في الولايات المتحدة. لكن بحسب التقارير، تم إجبارها على العودة إلى السعودية من قبل محققين خاصين في الولايات المتحدة استأجرتهم أسرتها، وفقًا لرسالة الانتحار التي نشرتها إيدن على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب العديد من التقارير حول قضيتها. قالت إيدن أنه عند عودتها إلى السعودية تعرضت للعلاج التحويلي وتم إجبارها على وقف العبور الجندري.
كتبت إيدن في رسالتها: "آمل أن يصبح العالم أفضل بالنسبة لنا. آمل أن يكبر شعبنا. آمل أن نرى أطفالنا يكبرون ليقاتلوا من أجلنا. آمل أن تترسخ حقوق العابرين جندريًا في جميع أنحاء العالم".
أثار خبر وفاتها احتجاجًا بين أوساط المدافعين عن حقوق مجتمع الميم على الصعيد الدولي. وكانت عضوة الكونغرس الأمريكي كوري بوش من بين أولئك الذين لفتوا الانتباه إلى قضيتها. وقال متحدث من وزارة الخارجية الأمريكية لشبكة فايس نيوز، فيما يتعلق بدور شركة أمريكية استأجرتها على ما يبدو عائلة إيدن نايت لإعادتها إلى السعودية: "لقد رأينا هذه التقارير وندرس هذه المزاعم".
ولكن في السعودية، سرعان ما ظهرت سرديتان رئيسيتان حول وفاتها، كما يتضح من وسائل التواصل الاجتماعي السعودية، لا سيما تويتر وتيك توك—وهما من أشهر تطبيقات التواصل الاجتماعي في المملكة، حيث يوجد في كل منهما أكثر من 20 مليون مستخدم في تلك البلاد. تعكس هاتان السرديتان كيف يرى المجتمع السعودي إلى حد كبير قضية العبور الجندري وكيف يبرر التمييز ضد العابرين جندريًا وإساءة معاملتهم.
قصة إيدن نايت لا تعكس فقط الإساءات التي يواجهها العابرين جندريًا في المجتمع السعودي، ولكن كيف أنهم ليسوا في مأمن من هذه الإساءات حتى عندما يكونون في بلد آخر.
- نورا نور الله
زعمت السردية الأولى أنها "القصة الحقيقية" حول قضية إيدن نايت، حيث تم روايتها وفقًا لأحد أفراد عائلتها. أصرت عدة مقاطع فيديو تم نشرها في حساب على التيك توك باسم "ygolk" على أن عائلتها الأمريكية المضيفة في الولايات المتحدة قد "أفسدت" إيدن، وتلاعبت بها لبدء العلاج بالهرمونات، قبل أن تنقذها عائلتها. وعند عودتها إلى السعودية، ادعى أحد مقاطع الفيديو هذه، أن والدها قدم "أفضل رعاية طبية متاحة" لعلاجها، حتى تابت في النهاية وأدت العمرة لتطلب المغفرة—ولكن بعد ذلك، ماتت بشكل مأساوي في حادث سيارة. انتشر مقطع الفيديو هذا على وجه الخصوص على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي السعودية، وحصل على آلاف المشاهدات والإعجابات، إلى جانب تعليقات تثني على الأب لرعايته المفترضة والدعاء بالمغفرة لإيدن.
السردية الثانية التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي السعودية كانت أكثر شرًا، حيث اعترفت بأن عائلتها قتلتها لكنها احتفلت في الأساس بوفاتها. زعم مؤيدو هذه الرواية من الأحداث على وسائل التواصل الاجتماعي أن الأب قد حمى شرف العائلة بإنهاء حياة إيدن وصوره على أنه رمز للرجولة الإسلامية والعربية التي تقاتل ضد أيديولوجية العابرين جندريًا الفاسدة القادمة من الغرب
في السعودية، حيث الشريعة هي قانون البلاد، يتم إدانة العبور الجندري بشكل أساسي باعتباره من الأمور القادمة من الغرب والتي من شأنها أن تفسد الشباب المسلم. تنظر الحكومة السعودية ورجال القضاء الإسلامي في المملكة إلى هوية العابرين جندريًا على أنها اضطراب عقلي يجب معالجته ولكن ليس بالضرورة معاقبتهم ما لم يصر الشخص على أن يكون "منحرفًا"—أي ارتداء الملابس والتصرف بطرق لا تتوافق مع جنس الولادة المحدد للطفل. ونظرًا لأن الشخص العابر جندريًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بشرف العائلة في السعودية، فإن العائلات تخشى العار الناتج عن إنجاب طفل عابر جندريًا وتحاول إبقاء أي قضايا خاصة، بعيدًا عن الحكومة. وبالتالي، فإن حوادث الاعتقال الجنائي أو مقاضاة العابرين جندريًا في المملكة نادرة نسبيًا في الواقع.
وبدلًا من ذلك، هناك طريقتان في تعامل العائلات في السعودية مع الطفل العابر جندريًا، كما ينعكس في الأحداث المصاحبة لقضية إيدن نايت. أولًا، يطلبون المساعدة الطبية لعلاج مثل هؤلاء الأطفال. ثانيًا، إما أن يتبرأوا منهم أو يتصرفوا بعنف معهم. الخيار الأول شائع في المملكة، مع وجود علاج تحويلي نشط حيث يقنع الأطباء السعوديون العائلات المعنية بأنه يمكنهم معالجة أطفالهم مما يسمى بـ "اضطرابات الهوية الجنسية". عندما تم إخضاع إيدن للعلاج التحويلي من قبل عائلتها، لا بد أنهم لم يعتقدوا أن ذلك سيضرها. ففي نهاية المطاف، يقوم الأطباء في المملكة بغسل أدمغة العائلات السعودية بشكل أساسي للاعتقاد بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لمعالجة مثل هذا الأمر.
ومع ذلك، يُنظر إلى العلاج التحويلي على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم باعتباره علمًا زائفًا خطيرًا يمكن أن يضر بالاستقرار العقلي لشخص عابر جندريًا، كما رأينا في حالة إيدن والعديد من الحالات الأخرى. على سبيل المثال، في عام 2019، ظهرت مجموعة من السعوديين العابرين جندريًا بشكل نادر على قناة "إم بي سي" السعودية، ووصفوا الصدمة النفسية التي عانوا منها من العلاج التحويلي، إلى جانب الضغط الأسري والوصمة الاجتماعية لكونهم عابرين جندريًا، معترفين بأنهم حاولوا الانتحار عدة مرات لإنهاء آلامهم. يشك العديد من السعوديين أيضًا بشكل خاص في الرجال العابرين جندريًا، الذين يعتقدون أنهم يعبرون فقط للحصول على المزيد من الحقوق القانونية، لا سيما في الميراث، حيث تميز القوانين السعودية بشكل واضح ضد المرأة. هذا موقف مثير للسخرية من مجتمع وحكومة يصران أيضًا على أن القوانين الحالية لا تميز ضد المرأة، بل تعطي الرجال والنساء الأدوار التي أمر بها الله لهم.
في هذا النوع من الأجواء، لا يكون لدى السعوديين العابرين جندريًا خيار سوى مغادرة المملكة إذا استطاعوا ذلك والعثور على ملجأ في بلدان أخرى، مثلما حاولت إيدن نايت فعل ذلك.
- نورا نور الله
في هذا النوع من الأجواء، لا يكون لدى السعوديين العابرين جندريًا خيار سوى مغادرة المملكة إذا استطاعوا ذلك والعثور على ملجأ في بلدان أخرى، مثلما حاولت إيدن نايت فعل ذلك. لا تسمح السعودية بالرعاية الصحية التي تؤكد الرغبة الجندرية، ولا تُمكِّن من الاعتراف القانوني بالجندر. ومثل واقع الحال مع إيدن، بدأ العديد من الشباب السعودي في الذهاب إلى الخارج، حيث يأملون في العيش، لتجنب قسوة المجتمع السعودي وإساءة معاملته. ومع ذلك. لا يزال الكثيرون، مثل إيدن، غير آمنين في الخارج، خاصةً إذا كانوا ينتمون إلى أسر ثرية ولها نفوذ حيث تكون لها قدرة أكبر في العثور عليهم وإرغامهم على العودة إلى الوطن، كما فعلت عائلة إيدن بحسب ما أوردته التقارير، أو حتى القيام بأسوأ من ذلك. في عام 2022، تم العثور على شقيقتين سعوديتين في أوائل العشرينيات من العمر، هربتا إلى أستراليا وتقدمتا بطلب للحصول على اللجوء بناءً على وضعهما الجنسي، وهما ميتتان في شقتهما في سيدني في ظروف غامضة.
بعد وفاة إيدن، خرجت مظاهرة أمام السفارة السعودية في لندن للمطالبة بالعدالة لها وبحقوق جميع المثليين السعوديين. تحدثت إحدى منظِّمات الاحتجاج، وهي ناشطة سعودية عابرة جندريًا مقيمة في المملكة المتحدة وتُدعى أوداي، بحماس عن حقهم في العيش بكرامة في السعودية. انتشر مقطع الفيديو الخاص بحديثها على نطاق واسع من خلال أكثر من 2.5 مليون مشاهدة على تويتر وحده.
قالت لي أوداي: "أعلم أن رسالتنا قد لا تلقى آذانًا صاغية، لكن الآن لا يمكنهم القول أن السعوديين العابرين جندريًا غير موجودين." وأضافت: "سيستمع الجيل الجديد، ولن يسكت الجيل الجديد بشأن حقوقهم. التغيير في السعودية لن يحدث بسرعة. سيستغرق الأمر وقتًا ولكنه سيحدث في النهاية". وعلى الرغم من ذلك، كانت الحسابات السعودية على تويتر تستهزئ برسالة الاحتجاج المتمثلة في المساواة في الحقوق للجميع أو كانت تتجاهلها، حيث قامت الحسابات بالتنمر على المتظاهرين بسبب مظهرهم الجسدي ووصفتهم بأنهم غير وطنيين بسبب دوسهم على العلم السعودي خارج السفارة.
قصة إيدن نايت لا تعكس فقط الإساءات التي يواجهها العابرين جندريًا في المجتمع السعودي، ولكن كيف أنهم ليسوا في مأمن من هذه الإساءات حتى عندما يكونون في بلد آخر. يجب أن يجبر موت إيدن نشطاء مجتمع الميم في الدول الغربية، والحكومات الغربية نفسها، على إيجاد طرق جديدة لدعم وحماية السعوديين العابرين جندريًا في الخارج. وفي حين يجب الحفاظ على ذكرى إيدن حية والمطالبة بتحقيق العدالة لموتها، يجب عمل المزيد لمنع حدوث قصص أخرى مشابهة لقصة إيدن.