يدّرس نور الدين جبنون في مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورجتاون في كلية إدموند والش للخدمة الخارجية.
English
على الرغم من انخفاض نسبة الإقبال المتوقعة، وافق الناخبون في تونس على الاستفتاء المعيب للغاية على الدستور الجديد الذي طرحه الرئيس قيس سعيد في الذكرى السنوية الأولى لانقلابه الذاتي. ومن المقرر أن يصبح هذا الدستور المبتذل والسلطاني وشبه القانوني أعلى قانون في البلاد، مما يرسخ نوع حكم الرجل الواحد الذي اعتقد التونسيون أنه انتهى في عام 2011 مع الثورة الشعبية ضد حكم المستبد زين العابدين بن علي.
خرج 2.8 مليون شخص فقط للتصويت في 25 تموز/يوليو، من أصل 9.3 مليون تونسي مسجلين لدى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، المعروفة باسم ISIEفي اختصارها الفرنسي – والتي لم تكن مستقلة، حيث منح سعيد نفسه صلاحيات فردية لتعيين أعضائها هذا الربيع. وأظهرت النتائج الأولية للاستفتاء على الدستور إقبالاً على التصويت بلغ 30.5 في المئة فقط.
كان ما يقرب من 2.6 مليون مواطن صوت ب "نعم" وهو ما يمثل 94.6% من أولئك الذين أدلوا بأصواتهم، كافياً لجعل النتائج ملزمة في استفتاء يشوبه الآن مزاعم موثوقة بالتزوير. ومع ذلك، ومع مقاطعة ما يقرب من 70% من الناخبين المؤهلين للاستفتاء، فشل سعيد فعلياً في تأمين دعم شعبي ساحق لدستوره، حتى في الوقت الذي يدعي فيه أنه حصل على تأييد التونسيين. "الجماهير التي خرجت اليوم في جميع أنحاء البلاد تظهر أهمية هذه اللحظة"، قال في خطاب ألقاه أمام أنصاره في تونس العاصمة بعد إغلاق صناديق الاقتراع.
أصدر سعيد أول مسودة دستور له في 30 يونيو/حزيران، ثم عدلها في 8 يوليو/تموز، وأدخل 46 تعديلاً على النص الأصلي، لم يكبح أي منها سلطة الرئيس غير المحدودة عملياً. تم تخفيض كل من السلطة التشريعية والقضائية الضعيفة إلى وظائف ثانوية والتي تقع تحت سلطة الرئيس.
ووفقاً لزميل سعيد السابق وأستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي فإن هذه المسودة المصممة "كتبت خلسة وتعكس أفكار سعيد منذ أن كان طالباً"، بما في ذلك ديباجة بلاغية فشلت في سن أي مبادئ دستورية أساسية. فهو يعيد كتابة تاريخ البلاد بشكل مغالط بينما يمحو أي إشارات إلى أول ميثاق دستوري في تونس، الميثاق الأساسي لعام 1857 في ظل الإمبراطورية العثمانية، فضلاً عن دستور عام 1959 الذي أعقب استقلال تونس عن فرنسا ودستور ما بعد حقبة الاستبداد في عام 2014.
ومن الواضح أن سعيد تبنى هذا النهج الاختزالي في مسودة الدستور، بينما منح نفسه مهمة شاقة تتمثل في "تصحيح مسار الثورة وحتى مسار التاريخ". أوهام العظمة هذه جلية في الدستور الجديد. على الرغم من ادعاءاته بالخبرة الدستورية، كان سعيد في الواقع يتمتع بمكانة متدنية في السلم الأكاديمي الوظيفي، ولم يحقق أي إنجازات علمية تذكر كأستاذ قانون بمؤهلات معرفية محدودة، عندما فشل حتى في نشر مقال واحد محكما علميا.
يستنسخ الدستور الجديد حرفياً مادة سابقة أدخلت بموجب استفتاء بن علي الدستوري لعام 2002 تمنح رئيس الدولة "حصانة قضائية في ممارسة واجباته"، حتى "بعد انتهاء فترة الرئاسة لجميع الأعمال التي تنفذ كجزء من منصبه". إنها حصانة مدى الحياة. وفي حين أن ميثاق سعيد يكرر تقريباً جميع المواد المتعلقة بالحقوق والحريات السياسية من دستور 2014، فإن هذه الحقوق لن تكون مضمونة في ضوء القضاء الضعيف الذي يخضع باستمرار لسيطرة الرئيس وتدخله.
لقد كتب الكثير عن دور هذا النص الأجوف في إضفاء الطابع الدستوري على الاستبداد الذي اعتقد التونسيون أنه دفن بالكامل في عام 2014 مع الاحتفال بدستور ديمقراطي رغم ما اعتراه من نقائص، يهدف إلى توزيع السلطة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية مع ضمان استقلال القضاء. تمحور النقاش حول "دستورية"، أو عدمها، في عملية الاستيلاء على السلطة برمتها التي أطلقها سعيد في 25 يوليو/تموز 2021 بشكل أساسي حول أحكام المادة 80 من دستور 2014، المتعلقة بالتدابير "الاستثنائية" التي يمكن للرئيس إتخاذها "في حالة وجود خطر وشيك يهدد مؤسسات البلاد أو أمن البلاد أو استقلالها".
لكن الأمر أعمق من ذلك. مع استحواذه على السلطة واستخدام "تدابير استثنائية"، بلغت ذروتها في استفتاء هذا الأسبوع، حكم سعيد تونس من خلال "حالة استثنائية". ووفقا للفيلسوف السياسي الإيطالي جورجيو أغامبين، فإن التذرع بحالة طوارئ لرفض سيادة القانون يرتكز على إطار سياسي وليس دستورياً وقانونياً، فهو "يبدو كشكل قانوني لما لا يمكن أن يكون له شكل قانوني". وقال أغامبين إن حالة الاستثناء تشكل "منطقة محرمة بين القانون العام والواقع السياسي"، وهي "الشرط الأولي لأي تعريف للعلاقة التي تربط الكائن الحي بالقانون وتتخلى عنه في الوقت نفسه".
دستور سعيد الجديد هو تقنين لحالة استثنائية دائمة. هناك العديد من المؤيدين لهذا الخروج على القانون داخل حكومته، وخاصة وزير الدفاع عماد مميش، وهو أيضاً أستاذ قانون سابق. قبل فترة طويلة من انتخاب سعيد في عام 2019، أكد مميش في ورقة بحثية شارك في تأليفها نشرت في عام 2014 من قبل مكتب مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية في تونس أن المادة 80 "تمكن الرئيس من ممارسة ديكتاتورية الخلاص الوطني من خلال اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان عودة السير العادي لشؤون الدولة". إن "ديكتاتورية الخلاص الوطني" هذه متجذرة في مفهوم جان جاك روسو المثير للجدل ل "الديكتاتورية السيادية"، الذي يدعو إلى أن "الديكتاتور يمكنه في بعض الحالات الدفاع عن الحرية العامة دون أن يكون في وضع يسمح له بتهديدها".
وبعبارة أخرى، فإن القرارات "السيادية" لها اليد العليا على أي قانون، بما في ذلك النظام الدستوري، والأهم من ذلك أنه لا يمكن الطعن فيها. في العام الماضي، جسد سعيد ديكتاتورية روسو السيادية من خلال الحكم بواسطة مراسيم رئاسية مطلقة محصنة ضد أي شكل من أشكال الاستئناف أو الرقابة، مع تخويف وتجريم ومحاكمة المواطنين بسبب ممارستهم لحقوقهم الدستورية، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع.
وعلى الرغم من نزوات سعيد الاستبدادية، لا يزال العديد من التونسيين يدعمونه. تحدثت هذا الصيف إلى التونسيين في المناطق النائية الجنوبية من البلاد، الذين ما زالوا ينظرون إليه على أنه "رجل يتمتع بالنزاهة الأخلاقية" على حد تعبير البعض، ويرفض اللعبة السياسية السائدة وأحزابها، وبدلاً من ذلك يعد بمكافحة الفساد وتحسين مستويات معيشة الفقراء.
المواطنون في هذه المناطق المهمشة من البلاد منهكون بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية المريعة – بما في ذلك الفقر وعدم المساواة بين الجهات والبطالة والفساد والتدهور البيئي وعدم الوصول الكافي إلى الرعاية الصحية والتعليم الجيد – التي تؤرق حياتهم يوميا. وهم يعتبرون أنفسهم غير معنيين بمصارعة الأذرع السياسية الدائرة في تونس العاصمة بين الرئيس وخصومه، وخاصة مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" و"جبهة الخلاص الوطني"، وهي ائتلاف يضم العديد من الأحزاب والمنظمات السياسية، بما في ذلك حزب النهضة الإسلامي الذي هيمن على البرلمان قبل أن يحله سعيد.
وتأتي هذه اللامبالاة العميقة بعد عقد من الحكم السيئ بشكل كئيب، عندما فشلت الأحزاب السياسية الرئيسية والجهات الفاعلة في تونس في تحسين مستويات معيشة الناس بينما لجأت بشكل منهجي إلى سياسات التقشف النيوليبرالية وخطط الخصخصة الفوضوية مع انهيار الاقتصاد. أدى عدم فعالية الحكومة في إدارة جائحة كوفيد-19 خلال أسوأ موجة شهدتها البلاد في ربيع عام 2021 إلى مزيد من السخط وعدم الثقة تجاه نظام من السياسة والنخب السياسية التي ينظر إليها على أنها "مخيبة للآمال وغير كفؤة وتخدم مصالحها الذاتية ومنفصلة تماماً عن الديناميكيات من القاعدة إلى القمة في هوامش البلاد"، على حد تعبير أحد التونسيين الذين قابلتهم.
الشيء الوحيد الذي يمكن أن يجبر سعيد الآن على تقديم أي تنازلات كبيرة، أو حتى يؤدي إلى انهيار النظام، هو التعبئة الجماهيرية بالحجم الذي شهدناه في 2010-2011 ضد بن علي. وستضطر كل من القوات العسكرية والأمنية إلى الاختيار بين القمع الجماعي والوقوف إلى جانب سعيد، أو على الأقل الحفاظ على موقف محايد.
ويؤكد معارضو سعيد أنه يعتمد بشكل كبير على القوة الصلبة للدولة – المؤسسات القسرية لأجهزة الأمن والقوات المسلحة – لتأكيد سلطته الشخصية بينما يفرض بطريقة فجة مشروعه غير الدستوري. على الرغم من أن وزارة الداخلية في عهد توفيق شرف الدين، أحد مريدي سعيد المخلصين، لعبت دوراً رئيسياً في حملة النظام القمعية منذ 25 تموز/يوليو 2021، إلا أن دورها يعكس عقداً من الاسترضاء والمراوغة من قبل الحكومات السابقة.
لقد فشلوا جميعاً فشلاً ذريعاً في تنفيذ الإصلاح الهيكلي لقطاع الأمن في بلد يواصل فيه صناع القرار المدنيون التعامل مع هذا المجال كأرض مجهولة. وبدلاً من ذلك، تودد المسؤولون الحكوميون المدنيون إلى المؤسسة الأمنية بينما غضوا الطرف عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في عهد بن علي من خلال طي صفحة الانتهاكات السابقة والتظاهر بفقدان الذاكرة.
وهكذا كان من السهل على سعيد ومعاونيه إعادة قواعد القمع، بنفس الأساليب القديمة سيئة السمعة، التي كانت سائدة في عهد بن علي، من عنف الشرطة والاعتقالات الجماعية للنشطاء إلى الإقامة الجبرية والاختطاف والتعذيب. ومن المفارقات أن سعيد، في اضطهاده لخصومه، وعلى رأسهم الإسلاميون، يلجأ إلى ترسانة قانونية يشوبها العديد من الاختلالات، بما في ذلك قانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال الشامل لعام 2015، الذي لعب حزب النهضة وحلفاؤه دوراً أساسياً في صياغته وإقراره.
في المقابل، شهد الجيش الذي عانى من عقود من التهميش كمؤسسة حكومية هامشية في عهد بن علي، تعزيزاً لدوره ومهمته منذ عام 2011، ويتمتع بثقة شعبية كبيرة. ومع ذلك، يبدو أن استمرار "الإجراءات الاستثنائية" التي اتخذها سعيد يؤثر سلباً على صورة القوات المسلحة، حيث أن وجود كبار ضباطها في العديد من اجتماعات الأمن القومي في قصر قرطاج خلق تصوراُ لمؤسسة تتماهى مع قرارات سعيد. يبدو أن صورة أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهم يجلسون مع نظرائهم من وزارة الداخلية عندما أثار سعيد حالة الطوارئ في 25 يوليو/تموز 2021 كانت مفيدة في استيلائه على السلطة بلا منازع.
خلال جميع الاجتماعات التي تلت ذلك في القصر الرئاسي مع كبار الضباط العسكريين في العام الماضي، ظهرت ديناميكية جديدة مع بروز تيارين من المؤيدين: الموالين والمتقيدين بالشرعية. وعلى الرغم من أن الموالين هم أقلية، إلا أنه يبدو أنهم تملأهم الثقة بقيادة ضابط يتمتع بالأقدمية في الرتبة ويتمتع بنفوذ على أقرانه نظراً لطبيعة علاقته الوثيقة والمتطورة مع سعيد التي تعود إلى أيام دراستهم الثانوية. المتقيدون بالشرعية أكثر ميلاً إلى إبقاء القوات المسلحة بعيداً عن السياسة ويبدو أنهم استثمروا في عملية تحديث الجيش وإضفاء الطابع المهني عليه كمؤسسة.
ومع ذلك، قد يختلط الولاء مع الشرعية حيث يستفيد سعيد من وضعه كرئيس منتخب ديمقراطياً لاستغلال علاقته مع كبار الضباط، من خلال القيام بمزيد من الزيارات والتصريحات الرسمية في المنشآت العسكرية، وإظهار الصورة عمداً بأن الجيش موال له. العديد من الضباط الصغار الذين شهدوا تحسناُ في وضعهم الاجتماعي واستفادوا من تدريب أفضل في حقبة ما بعد عام 2011 هم أكثر تقديراً للفرص المتاحة منذ الثورة. إن دعمهم لسعيد أقل ملموسية، ولا يبدو أن هناك موقفاً متماسكاً أو موقفاً متجانساً تجاه الرئيس.
يبدو أن السمعة المهنية للجيش هي الشاغل الرئيسي لكبار الضباط، لأنهم مترددون في تعريض حياتهم المهنية المستقبلية للخطر مع احتمال تعرضهم للملاحقة القضائية في نهاية المطاف إذا ما جرهم سعيد إلى أعمال عنف ضد المتظاهرين.
لقد تقطعت السبل مرة أخرى بانتقال تونس الواعد من الاستبداد. يجب على النخب المعارضة أن تتجاوز صالونات المناظرات في تونس العاصمة وأن تتواصل مع مختلف شرائح المجتمع، وخاصة في تلك المناطق المهمشة خارج الشريط الساحلي، من أجل التواصل مع المواطنين الذين يشعرون بأنهم تم التخلي عنهم من قبلهم وتنمية التزام عابر للطبقات بالقيم الديمقراطية المتجذرة في تجارب ومعايير وممارسات جميع التونسيين. البديل واضح: سعيد، بروتوس قرطاج الجديد، يأخذ البلاد إلى أبعد من ذلك على هذا الطريق المؤلم لتفكيك الديمقراطية.