سجاد صفائي زميل ما بعد الدكتوراة في معهد ماكس بلانك الألماني.
English
منذ اندلاع الاحتجاجات واسعة النطاق في إيران في سبتمبر/أيلول، استغل المعارضون في الولايات المتحدة للاتفاقية النووية المحتضرة مع إيران—وأي انخراط دبلوماسي أمريكي مع الحكومة الإيرانية—انتهاكات النظام الإيراني لحقوق الإنسان، بما في ذلك قمعه الوحشي المتزايد للمظاهرات، كدليل على موقفهم. وهم يرون بأن الحديث عن حكومة تنتهك حقوق مواطنيها، خاصة فيما يتعلق بالمسألة النووية، أمر مشكوك فيه أخلاقيًا، حيث يتجسد ذلك في وفاة محساء أميني البالغة من العمر 22 عامًا عندما كانت محتجزة لدى ما يسمى بـ "شرطة الأخلاق" التي تطبق قانون الحجاب الإلزامي في إيران.
جسد السناتور الجمهوري توم كوتون، أحد أكثر صقور الشؤون الإيرانية في واشنطن، والذي عارض الاتفاق النووي منذ توقيعه في عام 2015، هذا الأسلوب في التفكير في خطاب ألقاه في مجلس الشيوخ في أواخر سبتمبر/أيلول. وحذر من أنه "في مقتل هذه الشابة نرى الوجه الحقيقي لآية الله". وأشار كوتون إلى نقطة قديمة تُثار بين الجمهوريين وغيرهم من منتقدي الاتفاق النووي، في أن الرئيس جو بايدن—مثل الرئيس باراك أوباما من قبله—"يأمل في إثراء" النظام الإيراني "بمئات المليارات من الدولارات" و "واسترضاءها" "باتفاق نووي فضيع أخر".
في خضم سلسلة من الخطاب الجمهوري المألوف حول علاقة الولايات المتحدة وإيران، أعلن كوتون أن "الديمقراطيين يبيعون مرة أخرى هؤلاء المتظاهرين الإيرانيين الشجعان" وأن "الكونغرس يجب أن يقف إلى جانب الشعب الإيراني ويمنع خيانة أخرى من قبل رئيس ديمقراطي".
دعونا لا نتطرق إلى أن المحادثات الدبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي، والتي كانت قد بدأت على مدار العامين الماضيين، قد توقفت قبل بدء الاحتجاجات الإيرانية. أو أن مبعوث بايدن إلى إيران، روبرت مالي، قال منذ ذلك الحين أن الإدارة لن "تضيع وقتًا" في الدبلوماسية النووية إذ أن إيران تقوم بقمع المحتجين، وتدعم أيضًا حرب روسيا في أوكرانيا وتحافظ على موقفها المتشدد بشأن برنامجها النووي على أي حال. قال مالي مؤخرًا في فعالية استضافتها مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "إنّ هذه الخطوة ليست على جدول أعمالنا. لن نركز على شيء راكد بينما تحدث أشياء أخرى".
ذهب مسؤول كبير في إدارة بايدن إلى أبعد من ذلك، حيث أخبر موقع أكسيوس الإخباري أن الوضع الدبلوماسي "تغير بشكل جذري" و "حتى لو عادت إيران إلى الطاولة اليوم وقالت إنها تريد اتفاقًا نوويًا، فمن غير المرجح أن تمضي الولايات المتحدة قدمًا في هذا الأمر". ووفقًا لهذا المسؤول، فإن الإدارة "تنظر بالفعل إلى الوضع كما لو أنه لا يوجد اتفاق نووي".
إذا كانت المحادثات لإنقاذ الاتفاق النووي—الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من جانب واحد وحاول نسفه بفرض عقوبات جديدة على إيران—قد انتهت حقًا، فقد ضاعت فرصة توفير الإغاثة للإيرانيين العاديين. على الرغم من الانتقادات المعتادة من الجمهوريين في واشنطن وغيرهم من المعارضين للاتفاق النووي، فإن التعامل الدبلوماسي مع إيران لا يعتبر في الواقع خيانة للشعب الإيراني. في الحقيقة، تسلط المظاهرات المستمرة الضوء على الحاجة إلى تكثيف الدبلوماسية مع إيران بدلًا من الاستمرار في عزلها. لقد أدت العقوبات الأمريكية إلى تدمير الطبقة الوسطى الإيرانية وأضعفتها، وهذا الطبقة هي دعامة الحركة المؤيدة للديمقراطية المحاصرة في البلاد. إنّ تجديد الاتفاق النووي الذي ينتج عنه تخفيف العقوبات على إيران سيفيد في النهاية الأشخاص الذين ما زالوا يحتجون للحصول على حقوقهم اليوم.
في حين أن سبب اندلاع الاحتجاجات هو وفاة محساء أميني، إلا أن الاحتجاجات ليست فقط ضد قانون الحجاب الصارم في إيران ومدى قسوة تطبيقه. لقد أصبحت هذه المظاهرات أيضًا وسيلة للتعبير عن سنوات من الغضب والإحباط بسبب الصعوبات الاقتصادية وخنق الحقوق والحريات الأساسية والقمع المتزايد للمعارضة السياسية. اعتقلت السلطات النشطاء السياسيين والصحفيين في محاولة لشل حركة احتجاجية ليس لها في الواقع قيادة مركزية. وقُتل عشرات المحتجين بعد انتشار مكثف لشرطة مكافحة الشغب وقوات الأمن في الشوارع. في سبيل قمع المظاهرات، حدت الحكومة أيضًا من وصول الإيرانيين إلى الإنترنت، فضلًا عن منصات التواصل الاجتماعي مثل الواتساب والانستغرام.
في حين أنها قد تبدو غير مرجحة أكثر من أي وقت مضى، إلا أن الدبلوماسية المتجددة التي تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي ستؤدي إلى تخفيف العقوبات التي، بدلًا من مكافأة النظام الإيراني، من شأنها أن تفيد الأشخاص الأكثر ضعفًا في المجتمع الإيراني، والذين احتج الكثير منهم في الشوارع في الأسابيع الأخيرة.
العقوبات ليست السبب الوحيد لمشاكل إيران الاقتصادية. فقد ساهم سوء إدارة الدولة وفسادها بشكل كبير في تدهور الوضع الاقتصادي. لكن العقوبات سرّعت بشكل كبير من الفقر الجماعي في البلاد. منذ إعادة فرض العقوبات في عهد ترامب، ارتفع عدد الإيرانيين الفقراء بما لا يقل عن 10 ملايين بين عامي 2018 و 2020، من 22 مليونًا إلى 32 مليونًا، ما قلص الطبقة الوسطى في إيران، كما أشار الخبير الاقتصادي هادي كخلزادة في مجلة فورين أفيرز. كما انخفض عدد النساء في القوى العاملة بمقدار 2 مليون.
كتب أزاده مافيني وسوزان تهماسيبي في عام 2021: "غالبًا ما يُنظر إلى نساء الطبقة الوسطى على أنها المحرك الأساسي للتغيير الاجتماعي [في إيران]، لكن تحطمت حياتهن وآمالهن بسبب عقوبات إدارة ترامب، ومن الصعب رؤية ما تكسبه الولايات المتحدة من هذا الإحباط. إنّ تدمير الاقتصاد الإيراني يظهر في حياة نفس الجمهور الذي كان يعمل من أجل الإصلاح والتحرير".
لم تقوض العقوبات حقوق الإنسان الأساسية للإيرانيين فحسب من خلال تقليص وصولهم إلى الغذاء والدواء وحتى السكن، لكنها أيضًا وجهت ضربة قاسية للأشخاص الذين يدافعون عن التغيير الديمقراطي في البلاد. من خلال إضعاف الإيرانيين اقتصاديًا، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى، أدت العقوبات إلى إفشال نضالهم الأوسع للضغط من أجل الحقوق السياسية والحريات المدنية في إيران، بما في ذلك حقوق المرأة والأقليات العرقية.
لا عجب إذن أنه في عام 2015، أعرب العديد من الناشطين في مجال الحقوق المدنية والديمقراطية الأكثر شهرة في إيران، سواء في البلاد أو في الخارج، عن دعمهم القوي للاتفاق النووي قبل دخوله حيز التنفيذ، بل حثوا المشرعين الأمريكيين على عدم إفشال الاتفاق.
كما أن فرض عقوبات على إيران وعزلها يقيد حتى الانخراط الأساسي بين المجتمع المدني الإيراني وبقية العالم، ما يخدم المتشددين الإيرانيين. فلولا حملة "الضغط الأقصى" التي شنها ترامب، لوجدت أكثر الفصائل الإيرانية رجعيةً صعوبة أكبر بكثير في إجراء واحدة من أكثر الانتخابات الرئاسية غير الحرة والباهتة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الممتد 43 عامًا، والتي مهدت الطريق أمام انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسًا في يونيو/حزيران 2021. منذ انتخاب رئيسي، فرضت السلطات مزيدًا من القيود على حقوق جميع الإيرانيين، وخاصة النساء.
إذا كانت إدارة بايدن صادقة في أنها "تقف إلى جانب النساء الإيرانيات وجميع مواطني إيران الذين يلهمون العالم بشجاعتهم"، فلا ينبغي لها أن تتخلى عن الدبلوماسية مع الحكومة الإيرانية بشكل نهائي. لقد عاقبت العقوبات جميع الإيرانيين، بينما لم تفعل سوى القليل لتقييد الحكومة من تطوير برنامجها النووي. الإيرانيون أنفسهم، بما في ذلك العديد من الذين يتحدون الرصاص للاحتجاج في الشوارع لأسابيع، سيستمرون في تحمل تكلفة العقوبات أكثر بكثير من حكومتهم.