أميد معماريان مدير التواصل لدى منظمة الديمقراطية للعالم العربي الآن «DAWN».
في مقابلة مع منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، تناقش الفنانة السودانية الشهيرة أصيل دياب أعمالها الفنية ودوافعها وكيف يمكن للفنون المرئية والجداريات والرسم على الجدران (الجرافيتي) أن توحّد المجتمعات في أوقات الصراع.
English
قدمت ثورة 2018-2019 في السودان تحولًا كبيرًا في ديناميكية القوة في شمال إفريقيا. انخرط غالبية الثوار في عصيان مدني حتى عزل الرئيس عمر البشير، الذي ظل في السلطة لأكثر من 30 عامًا.
خلال الثورة، انضم العديد من الفنانين السودانيين إلى الناس في الشوارع واستخدموا فنّهم لتشجيع وتعزيز رسالة أولئك الذين سعوا للتغيير.
كانت أصيل دياب من بين الفنانين الذين استخدموا "فن الشارع والجرافيتي كسلاح ضد المؤيدين للحكومة والجيش."
ولدت أصيل دياب في بوخارست برومانيا عام 1988 حيث كان والدها سفيرًا للسودان. تعيش في قطر منذ عام 1995 وحصلت على بكالوريوس الفنون الجميلة من جامعة فيرجينيا كومنولث عام 2011 في تصميم الجرافيك. ذكرت لمنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN) أن تعرّضها للثقافات الأوروبية والأمريكية والعربية أثّر بشكل كبير على شخصيتها وفنّها.
منذ تخرجها في عام 2011، عملت دياب كمصممة جرافيك ومنسقة للعلامات التجارية والعروض الترويجية ومصممة إبداعية في الهلال الأحمر القطري ومعهد الدوحة للأفلام وقناة الجزيرة للأطفال. في عام 2013، عملت كمتدربة مع هيئة الأشغال العامة وهيئة متاحف قطر، حيث ساعدت فنان الجرافيتي "السيد" في رسم 52 نفقًا حيث تعلّمت تقنيات الرسم بالرش وأصبحت على دراية بشكل سريع بالشكل الفني. بعد فترة وجيزة من تلك التجربة، قررت أن تصبح فنانة بعمل كامل وأصبحت أول فنانة جرافيتي في قطر والسودان، تُعرف باسم " سودالوف".
في هذه المقابلة مع منظمة (DAWN)، تشرح دياب كيف بدأت حياتها المهنية كفنانة أعمال مرئية بعمل كامل، والمخاطر التي واجهتها خلال الثورة والأشكال المختلفة للعصيان المدني التي انخرطت فيها هي والآخرين من حولها لصالح قضية الثورة.
فيما يلي مقتطفات من المقابلة:
منظمة (DAWN): شارك العديد من الفنانين في ثورة السودان لعام 2019 من خلال إنشاء قطع فنية مستوحاة من أولئك الذين طالبوا بالتغيير وطالبوا بالديمقراطية. كيف كانت مشاركتكِ في هذ الأمر؟
دياب: عندما بدأت بممارسة فن الشارع لأول مرة عام 2012، في أول عام أو عامين، كنت أمارس فن الرسم على الجدران (الجرافيتي) من أجل المتعة والرسم مع وضع علامة اسمي واللعب بالخطوط، لا شيء أكثر. ثم بدأت في عمل رسومات أكثر تعقيدًا. بدأت بعمل رسومات لمشاهير سودانيين وسياسيين وشعراء وموسيقيين، إلخ. مجرد أشخاص اعتقدت أنهم ساهموا في مجتمعنا وبيئتنا وهم سودانيون في الثقافة.
كانوا أشخاصًا لم أعرفهم من قبل أن أرسمهم لأنني لم أكن أعيش في السودان. كنت أتحدث مع شخص ما، وبعد ذلك يتم طرح اسم شخص معين، ويكون ذلك مصدر إلهام لي للذهاب لرسمهم في مكان ما، وربما رسم إنجازهم أيضًا.
على سبيل المثال، رسمتُ عائشة الفلاتية في عام 2016. أعتقد أنها كانت أول امرأة تظهر على الراديو في السودان. كما رسمت فاطمة أحمد إبراهيم، أول عضوة في البرلمان السوداني. تم محو رسمتها بعد ساعات قليلة من قيامي برسمها لأن والدها كان زعيم الحزب الشيوعي.
منظمة (DAWN): ماذا فعلتي خلال الثورة وما هي المعارضة التي واجهتِها؟
دياب: قمت بمشروع جرافيتي للشهداء وهو أول مشروع فني خلال الثورة. حدث ذلك في يناير/كانون الثاني 2019، في وقت لم يكن فيه أي فن آخر إلى جانب الاحتجاجات. عملت أنا وفريق من المتطوعين لمدة ثلاثة أشهر تقريبًا. كان هذا قبل خمسة أشهر من الاعتصام الاحتجاجي أمام مقر قيادة الجيش في مايو/أيار.
بعد ثلاثة أشهر، قمنا برسم حوالي 20 شهيدًا في منازلهم باستخدام رذاذ الطلاء الذي أحضرته معي من قطر. أحضرت رذاذ الطلاء معي في حقيبتي، عندما أتيتُ إلى الخرطوم. كنت أقوم بتمويل المشروع بمفردي. نحن نتحدث عن 627 دولارًا لكل رسمة (هذا هو عدد علب رذاذ الطلاء التي كنت أستخدمها). وكنت أدفع أيضًا مقابل تنقلي ذهابًا وإيابًا إلى منازل هؤلاء الشهداء، وفي أغلب الأحيان كان محمد الصادق، وهو أيضًا متطوع في المشروع، هو وسيلة التنقل الرئيسية. من بين العاملين معي شمس مبارك وسحر الريح وإيثار جبارة ومحمد شوقي وحجوج كوكا وأنس الطيب والفاتح سليمان ومحمد أحمد.
كان ذلك عندما اعتقدت أنني لا أستطيع أن أستمر بعد الآن لأنه لم يعد يتوفر لدي المال وأوشك رذاذ الطلاء على الانتهاء. عدتُ إلى قطر في مارس/آذار أو يونيو/حزيران. وبعد ذلك لم أكن أعرف ما إذا كان سيكون هناك اعتصام احتجاجي آخر. لم يتوقع أحد حدوث ذلك. عندما رأيت الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش، عدتُ على الفور إلى الخرطوم، وتحديدًا لزيارة الاعتصام والمشاركة فيه. لكنني حرصت على عدم بذل جهودي للرسم في الاعتصام لأنني أردت استخدام فن الشارع خارج المدينة كسلاح ضد المؤيدين للحكومة والجيش.
واصلت القيام بمشروع الجرافيتي الخاص بالمسيرة واستخدمت الملصقات أيضًا. استخدمتها كشكل آخر من أشكال فن الشارع بحيث يتم وضع الملصق في أي مكان في أعمدة الإنارة وأبواب السيارات. كنت أقوم أيضًا بوضع علامات من خلال كتابة تعليقات أو أمثال. حاولت أيضًا استخدام أقلام الخط دون لفت الانتباه إلى نفسي– ولكن، كما تعرفون، من السهل لصق الملصقات ومن ثم الابتعاد. كان لدينا الكثير من الصور أثناء قيامنا بذلك، ولكن للأسف فقدنا كل الكاميرات والأشرطة التي كانت لدينا.
جدارية لفاطمة أحمد إبراهيم– كاتبة سودانية وناشطة في مجال حقوق المرأة وزعيمة اشتراكية وأول امرأة في البرلمان السوداني في الخرطوم، السودان. بإذن من الفنانة.
أثناء قمع الاعتصام كسروا كاميراتنا، وكسروا أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بنا. لقد فقدنا كل تلك الصور. وكان مشروع جرافيتي الشهداء أول مشروع جرى في يناير/كانون الثاني. كان ذلك هو أصعب وقت للرسم. لم يكن بإمكانك حتى الوقوف في الشوارع في ذلك الوقت لأن القوات الحكومية كانت تقف في كل ركن من أركان السودان. كان من السهل عليهم إطلاق النار عليك.
كانت مخاطرة في ذلك الوقت. وأدركتُ أنها لم تكن مجرد مخاطرة بالنسبة لي، ولكنها كانت أيضًا مخاطرة للأشخاص الذين أرادوا مساعدتي في هذا المشروع. لكنني حرصت دائمًا على إخبارهم بأنهم يعرّضون أنفسهم للخطر. أرادوا أن يفعلوا ذلك على أي حال. ما كانوا يقولونه هو أننا نعرّض أنفسنا للخطر من خلال الاحتجاج، وذلك مع آلاف الأشخاص. وفي هذا المشروع، نحن أقل من عشرة أشخاص.
كانت مجرد طريقة مختلفة للاحتجاج. وقد كانت بنفس درجة الحيوية لأنه لم يكن هناك جانب بصري لهذه الثورة. كان الجميع يحتجّون. كان هناك العديد من الأهازيج والكثير من الشعر، وهو شكل مختلف من الفن. لكن لم تكن هناك ثورة بصرية في حد ذاتها. كان هناك الكثير من الأشخاص يقومون أيضًا بأعمال فنية ورسوم توضيحية، لكن ذلك كان عبر الإنترنت. كان ذلك على تويتر وانستغرام، ولكن كان هناك شيء يجب القيام به في الشوارع هنا، وهذا هو المكان الذي أتينا إليه. وبعد ذلك بخمسة أشهر، كان الجميع يفعل ذلك أيضًا.
منظمة (DAWN): من الذي حاول منعك من استخدام عملك الفني؟
دياب: هناك نوعان من الناس يحاولون عادةً إعاقتي أو إيقافي أو حتى تحطيمي. هؤلاء هم بعض الشخصيات السلطوية الذين يسيئون استخدام سلطتهم كجهات إنفاذ القانون أو أي شخص من رجال الشرطة إلى حراس الأمن، وأشخاص "متدينين" للغاية. يميل معظم ضباط الشرطة إلى اعتقالي لسبب وحيد وهو كوني امرأة سودانية ترسم في الشوارع. ينص القانون 152 الخاص بالنظام العام السوداني على أن النساء السودانيات يواجهن الاعتقال والجلد إلى 40 جلدة إذا خالفن القانون. يهدف القانون إلى حظر ما يسمى بـ "الأفعال المخلة بالآداب والأخلاق."
في رحلة قمتُ بها مؤخرًا إلى السودان، كنت قد رسمت لوحة جدارية للمغني السوداني الشعبي الراحل محمود عبد العزيز، في الحي الذي كان يسكن فيه بمنطقة المزاد، لكن تم إزالتها ووضع طلاء عليها من قبل رجل يدّعي أن رسم كل ما له روح هو حرام في الإسلام. أعتقد أن كوني امرأة سودانية أرسم في الشوارع دون تحفظات ودون أن أكون محافظة وبدون حجاب، هي أسباب أكبر لقيامه بهذا الأمر من علاقة الموضوع بالدّين.
منظمة (DAWN): كيف تغيرت الحياة في السودان منذ الثورة؟
دياب: كل التغييرات التي رأيتها في السودان هي للأسوأ. كل شيء آخذ في التدهور– مستويات المعيشة والطب والتعليم والحياة الثقافية. بلغ معدل التضخم 40٪. إنني أشهد سقوط أمة عظيمة. من المحزن أن أقول إنني أحد المحظوظين الذين نجحوا بالخروج، لكنني لست أقل تأثرًا بالانهيار. ربما كان يؤثر هذا الأمر علي عاطفيًا وفسيولوجيًا. لقد شاهدت أصدقائي والنشطاء الصحفيين، وحتى الطلاب يتعرضون للاعتقال والتعذيب بسبب احتجاجهم على ارتفاع أسعار الخبز، وما إلى ذلك. إنني أرى حُكمًا عنيفًا من قبل رئيس غير كفء، متهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، ومع ذلك، فهو يحكم لمدة 27 عامًا وما زال ذلك مستمرًا.
كما قال الدكتور أمين مكي مدني، 72 عامًا، وهو محامي حقوق الإنسان ورئيس اتحاد منظمات المجتمع المدني السوداني: "نحتاج حقًا إلى إجماع حول من سيحلّ محل هذه الحكومة، ويجب أن أعترف أن هذا الأمر ليس مطروحًا على الطاولة في هذه اللحظة."
منظمة (DAWN): ما هي التغييرات التي تودين رؤيتها في السودان؟
دياب: التغيير الأول الذي أود أن أراه هو نمو اقتصادي مستقر وقوي. نحن في أمس الحاجة إلى الأمن الاجتماعي والاقتصادي والوطني. في السودان شديد التنوع عرقيًا ولغويًا، هناك الكثير من التوتر العرقي. يحتاج الناس إلى التوقف عن تصنيف بعضهم البعض من خلال مجموعاتهم العرقية أو النسبة المئوية لدمائهم الأفريقية/العربية. أدى انفصال جنوب السودان الغني بالنفط في عام 2011 إلى زيادة الانهيار الاقتصادي في أكبر دولة في إفريقيا وأكثرها ثراءً. أريد أن يعود السودان كاملاً مرة أخرى. للقيام بذلك، تحتاج الحكومة إلى التركيز بشكل أساسي على مشاعر الناس ورغباتهم واحتياجاتهم.
أتمنى أن أرى الإعلام أو حرية التعبير، ومع ذلك تأتي السيادة الفنية. أعلم أنني أتحدث باسم جميع الفنانين عندما أقول أنه يمكننا زيادة مستوى إبداعنا بدرجة كبيرة عندما لا يكون هناك شعور بالقمع. وأخيراً، أتمنى أن أرى الحرية الدينية. لا ينبغي للحكومة أن تخلط بين الممارسات الخاصة وما هو مناسب للمجتمع.
بصفتي فنانة شوارع، أهدف إلى عكس صورة إيجابية عن السودان، بغض النظر عن كل ما يحدث. أريد أن أضع السودان على الخريطة عندما يتعلق الأمر بالفن، لأُظهر أنه مجتمع مزدهر وحيوي في حد ذاته.
منظمة (DAWN): ماذا تفعلين الآن؟
دياب: فن الشارع هو مهنتي. إذا لم يكن هناك ثورة ولم يكن هناك جائحة كورونا في العام الماضي، كنت سأكون في إقامة فنية في واشنطن العاصمة عبر البنك الدولي. ثم كان من المفترض أن أسافر إلى بروكسل في بلجيكا لحضور مهرجان الهيب هوب. لديّ مكانة جيدة على المستوى الدولي، وقد أجريت ورشة عمل في ألمانيا العام الماضي أيضًا. كنت في مصر للمشاركة في برنامج شباب العالم. هذا ما أقوم به كعمل كامل. في السودان، هذا الأمر ليس وظيفة، إنه عمل مجتمعي. على سبيل المثال، أثناء أزمة جائحة كورونا، قمت ببعض حملات فن الشارع لدعم فكرة البقاء في المنزل وارتداء الكمامات لأنه في ذلك الوقت، كان الفيروس لا يزال حديثًا في مارس/آذار، ولم يعرف الناس ما يجب القيام به وكيف يتعاملون معه. فازت إحدى هذه الجداريات بجائزة نشر من قبل اليونسكو.
حاليا أرسم أقفاص الأسود في مركز السودان لإنقاذ الحياة البرية هنا في السودان وأعمل على فيلم وثائقي مع صديقي المخرج سانوسي آدم حول مشروع الجرافيتي الخاص بالشهداء والثورة.
أصيل دياب على تويتر وإنستغرام وفيسبوك.
* ساهم ثيودور نابو وجاك ستيل في هذه المقابلة.