سامي إرشوف صحفي مستقل مقيم في بيروت.
أطلق نزلاء سجن رومية، الأكبر في لبنان، نداءً عاجلًا طالبين المساعدة على وسائل التواصل الاجتماعي في يوليو/تموز الماضي. فقد قالوا أن متحور دلتا من فيروس كورونا منتشر داخل السجن المعروف بالاكتظاظ، حيث لم تكن الأدوية الأساسية متوفرة ولم يتم نقل السجناء المرضى إلى المستشفيات. وأعلن السجناء أن "سجن رومية هو بمثابة حكم بالإعدام." وردّت قوى الأمن الداخلي اللبنانية بنفي كامل، قائلة أنه لا يوجد خطر من متحور دلتا داخل السجن و "لا صحة" لما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن في سبتمبر/أيلول 2020، كانت مقاطع الفيديو قد تسربت بالفعل من داخل سجن رومية وانتشرت بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي. أظهر أحد مقاطع الفيديو سجناء مرضى ملقون على الأرض، محرومين من أي علاج طبي ويفتقرون إلى النظافة الأساسية. وفي مقطع فيديو آخر، حذر النزلاء من انتشار فيروس كورونا في زنازينهم: "نحن نموت داخل السجن. لا يوجد طعام أو دواء. لا توجد حماية هنا." على الرغم من أنه لا يمكن التحقق من مقاطع الفيديو بشكل مستقل، إلا أنها تسببت في غضب عارم في لبنان.
يُعد تدهور الوضع في ظل جائحة كورونا في السجن علامة أخرى على الكارثة الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة في لبنان. تعيش البلاد أسوأ أزمة مالية شهدها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، وفقًا للبنك الدولي، حيث أوقعت 82٪ من اللبنانيين في "فقر متعدد الأبعاد،" وفقًا للأمم المتحدة. يبلغ الحد الأدنى للأجور الشهرية الآن 30 دولارًا فقط في بلد به أعلى معدل تضخم في العالم، متجاوزًا مثيله في فنزويلا وزيمبابوي.
في العام الماضي، وصف نقيب المحامين في بيروت انتشار فيروس كورونا في سجن رومية بأنه "قنبلة إنسانية موقوتة" ودعا إلى اتخاذ إجراءات فورية للحد من الاكتظاظ. هناك أكثر من 4,000 نزيل سجن في رومية، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف سعته المحددة. ومع ذلك، فقد ازداد الوضع سوءًا. فعلى الرغم من الاكتظاظ الواضح ونقص الأدوية والغذاء وتدابير النظافة الأساسية، لم تفعل الحكومة اللبنانية شيئًا لتحسين الوضع، على الرغم من تهديد متحور دلتا. أضرب النزلاء في سجن رومية عن الطعام وقاموا بأعمال شغب. حاول البعض الهروب أو حاول الانتحار.
على الرغم من سوء الأوضاع في السجن، إلا أنها ليست جديدة، حتى لو تفاقمت بفعل الوباء وانهيار لبنان. كانت السجون اللبنانية لسنوات أماكن ينعدم فيها القانون حيث ينتشر التعذيب وسوء المعاملة، في تجاهل تام لالتزامات البلاد الدولية. لماذا إذن تمولها الولايات المتحدة؟ منحت الحكومة الأمريكية لقوى الأمن الداخلي اللبنانية ما يقرب من 200 مليون دولار من المساعدات على مدى العقد الماضي، وفي عام 2019، خصصت 2.5 مليون دولار لبرنامج "التأهيل المهني الإصلاحي" لمدة ثلاث سنوات، والذي يهدف إلى تطوير وتنفيذ "نظام تصنيف السجناء في لبنان بالإضافة إلى التدريب المستمر لضباط الإصلاحيات."
لكن بحسب تقرير نشره مركز ريستارت لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، وهو منظمة لبنانية غير حكومية، فإن الأوضاع داخل السجون اللبنانية مقيتة ولا تلبي المعايير الدولية. فالخدمات التي تقدمها السجون "لا تستجيب للاحتياجات الأساسية" للنزلاء. يعتبر الاكتظاظ شديد السوء لدرجة أن مساحة السجناء الشخصية في سجن رومية تقل عن متر مربع واحد، وهي مساحة أقل بكثير من المساحة المخصصة من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والتي تبلغ 3.4 متر مربع لكل سجين.
هذا الإهمال له عواقب وخيمة على الظروف المعيشية للسجناء. وبحسب سجين سابق في سجن رومية، فإن المياه التي من المفترض أن يغتسلوا بها لونها بني وطيني. ولا توجد سوى وجبة واحدة في اليوم، معظمها غير صالحة للأكل، ويعتمد معظم النزلاء على الطعام الذي تجلبه عائلاتهم.
هناك أيضًا نقص كبير في البنية التحتية للنظافة الأساسية—بمتوسط حمام واحد فقط ومرحاض واحد لكل 60 محتجزًا في سجن رومية، وفقًا لمركز ريستارت. ويؤدي ذلك إلى انتشار الأمراض المعدية والفيروسية، من السل إلى الجرب إلى الإنفلونزا الحادة. واحد وثلاثون في المئة من مراكز الاحتجاز في لبنان ليس لديها حتى حقيبة إسعافات أولية، ناهيك عن الرعاية الطبية المناسبة، بحسب بيانات داخلية من وزارة الداخلية.
وفي حين أن العديد من نزلاء سجن رومية وسجون أخرى كانوا مسجونين بسبب بيع المخدرات أو تعاطيها، فإن المخدرات تنتشر بحرية خلف القضبان. أخبرني سجين سابق أنه أثناء وجوده داخل سجن رومية، أصبح مدمنًا على مادة الكبتاغون الأمفيتامين، والتي يمكن الحصول عليها بسهولة في السجن. كما أن الفساد منتشر، مع عمليات اتجار بالمخدرات والأنشطة غير القانونية الأخرى التي تتم تحت مراقبة الحراس ومسؤولي السجون الذين يستفيدون منها بشكل مباشر.
وفي حين أن لبنان صادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في عام 2000—رغم أنه انتظر 17 سنة أخرى لتجريم التعذيب بموجب القانون—لا يزال المحتجزون يواجهون أسوأ أنواع الانتهاكات دون أي احترام للمعايير القضائية الأساسية. يبدأ الكابوس بالحبس الاحتياطي، الذي يُمارس على نطاق واسع في لبنان ويمكن أن يستمر لعدة سنوات. أكثر من 60 في المائة من المعتقلين اللبنانيين رهن الحبس الاحتياطي. كثيرًا ما يتعرض السجناء للتعذيب والإيذاء، ويُجبرون على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها. قال جميع السجناء السابقين الذين قابلتهم أنهم سمعوا صراخ أشخاص تحت الاستجواب وهم ينتظرون دورهم في غرفة صغيرة مكتظة.
يتعرض المعتقلون لأبشع الانتهاكات دون السماح لهم بمقابلة محام. في العام الماضي، أقرت وزيرة العدل آنذاك، ماري كلود نجم، تعديلًا على قانون العقوبات يسمح للمتهمين أن يكون لديهم محامٍ أثناء استجوابهم بعد القبض عليهم. مع ذلك، قال لي محامٍ في بيروت يعمل في المركز اللبناني لحقوق الإنسان أن هذا البند لا ينطبق على الاعتقالات العسكرية. قال المحامي: "إذا اعتقل الجيش شخصًا، فلا يمكنني التدخل للدفاع عن موكلي. لقد منعوني من القيام بذلك."
خلف القضبان، يخضع السجناء للتعسف والقسوة من قبل إدارة السجن. يتعرض أفراد مجتمع الميم بشكل خاص لخطر الاعتداء الجسدي والجنسي والنفسي. وبحسب منظمة براود لبنان غير الحكومية، فإنهم يتعرضون للإهانة وإساءة المعاملة بشكل منهجي بعد اعتقالهم، وفي بعض الحالات يقضون عدة أشهر في حجز الشرطة.
في غضون ذلك، غالبًا ما يُسجن اللاجئون السوريون ظلمًا بتهم الإرهاب ويتعرضون للتعذيب على أيدي ضباط المخابرات العسكرية. وبحسب ما كشفت منظمة العفو الدولية في تقرير في وقت سابق من هذا العام، بعنوان "أتمنى لو أموت"، يتعرض اللاجئون السوريون بشكل روتيني للضرب على أيدي رجال الأمن اللبنانيين بقضبان معدنية وأنابيب بلاستيكية، ويتم تقييدهم من أقدامهم، ويعانون من نفس الأهوال التي حاولوا الهروب منها في سوريا. يشكّل السوريون نسبة غير متناسبة من نزلاء السجون في لبنان: 28٪ من العدد الإجمالي للسجناء و 85٪ من جميع الأحداث المحتجزين، وفقًا للأرقام الحكومية.
السجون اللبنانية تعج بمن لا يجب أن يكونوا هناك أو بمن ينتظرون المحاكمة. لا يزالون خلف القضبان بسبب خلل في النظام القضائي، أو ببساطة لأنهم لم يتمكنوا من دفع الغرامات أو أوامر الإفراج. إنهم يتعرضون للإيذاء والتعذيب، وهم ضحايا دولة قمعية ترى كل شيء من خلال عدسة أمنية. في الواقع، السجون لا تُدار من قبل وزارة العدل، ولكن من قبل وزارة الداخلية، ما أدى إلى حرمان العديد من المنظمات غير الحكومية من الوصول إلى السجون لأسباب أمنية. قال لي المحامي في المركز اللبناني لحقوق الإنسان: "كنا نطالب بنقل إدارة السجون إلى وزارة العدل، لكن هذا ظل حبرًا على ورق."
مع ارتفاع معدلات العودة إلى الإجرام—54٪ من سجن رومية، بحسب وزارة الداخلية—تعتبر السجون اللبنانية أيضًا مصانع للتطرف والإجرام. ومع ذلك، لا تزال تلك السجون مدعومة إلى حد كبير من قبل الولايات المتحدة. وكما قالت السفيرة الأمريكية في ذلك الوقت، إليزابيث ريتشارد، في معرض كشف النقاب عن برنامج التأهيل المهني الإصلاحي الممول من الولايات المتحدة في عام 2019، كانت المساعدة تهدف إلى "تطوير إجراءات تشغيل موحدة محسّنة" في سجون لبنان، بما في ذلك "أفضل الممارسات المعترف بها دوليًا." ليست الولايات المتحدة وحدها من بين الدول الغربية التي تدعم قوى الأمن الداخلي اللبنانية والسجون التي تديرها ماليًا ولوجستيًا. إيطاليا، على سبيل المثال، وقعت اتفاقية في عام 2015 مع قوى الأمن الداخلي لتحسين الأوضاع في السجون اللبنانية، وقدم الاتحاد الأوروبي مساعدة فنية لقوى الأمن الداخلي بين عامي 2017 و 2018.
هذه الأموال مدفوعة بمصالح أمنية ضيقة، باسم مكافحة الإرهاب والتطرف، والتي يُنظر إليها على أنها تهديدات خاصة بين أوساط اللاجئين السوريين الكثيري العدد. لكن بحسب المحامي في المركز اللبناني لحقوق الإنسان، أدت هذه المساعدات إلى مزيد من الانتهاكات من قبل السلطات اللبنانية، التي أدانت ظلمًا العديد من المعتقلين بالإرهاب، وخاصة السوريين، من أجل تبرير الأموال الأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة ودول غربية أخرى داعمة.
يمكن أن تكون المساعدات الثنائية أداة لإجبار الحكومة اللبنانية على وضع حد للانتهاكات والتعذيب في السجون وإصلاح نظام السجون الفاسد. لكن بدلًا من ذلك، تساعد هذه المساعدات الأمنية للبنان، وخاصة القادمة من واشنطن، على استمرار انتهاكات هذه السجون.