شغل مايكل لينك بين عامي 2016 و 2022 منصب المقرر الخاص السابع للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. وهو يدرّس في كلية الحقوق بالجامعة الغربية في أونتاريو، كندا.
في مثل هذا الأسبوع قبل خمسة وعشرين عامًا، في 17 يوليو/تموز 1998، اجتمعت أكثر من 140 دولة في روما لاستكمال المفاوضات حول معاهدة دولية جديدة لإنشاء محكمة دولية دائمة: المحكمة الجنائية الدولية. وانبثق من هذه المحادثات نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، والتي تحاكم مرتكبي الجرائم الدولية الجسيمة، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. بعد تسع سنوات من العمل التحضيري وسبع جولات من المفاوضات بقيادة الأمم المتحدة، صوتت 120 دولة لتبني المعاهدة، وسبع دول فقط صوتت ضدها وامتنعت 21 دولة عن التصويت.
اعتمد نظام روما الأساسي على إرث محكمتي نورمبرغ وطوكيو العسكريتين في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكذلك محكمتي جرائم الحرب في رواندا ويوغوسلافيا السابقة التي أُنشئت في تسعينيات القرن الماضي. ظهرت المحكمة الجنائية الدولية نفسها في عام 2002، بحيث يكون مقر عملياتها في لاهاي، مثل محكمة العدل الدولية. وتعمل العديد من الدول أيضًا على سن إطار نظام روما الأساسي في تشريعاتها المحلية، ما يوسع النطاق المتزايد للولاية القضائية العالمية، وهو المبدأ القانوني القائل بأن محاكم أي دولة يمكنها محاكمة الأشخاص على الجرائم الدولية، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في أي مكان آخر في العالم.
ومع انتهاء المفاوضات في روما، قدم كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، تهنئته لممثلي الدول المجتمعين. وأشار عنان إلى أنه "منذ ألفي عام مضى، قال ماركوس توليوس شيشرون، أحد أشهر أبناء هذه المدينة، أنه في خضم الحرب، يقف القانون صامتًا". وقال عنان في كلمته: نتيجة لما نقوم به هنا اليوم، هناك أمل حقيقي في أن تكون هذه العبارة الكئيبة أقل صحة في المستقبل مما كان عليه الوضع في الماضي.
كانت إسرائيل واحدة من الدول السبع التي صوتت ضد قانون روما الأساسي. من المسلّم به على نطاق واسع أن رفضها التصديق على المعاهدة والانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية كان بسبب تصنيف نظام روما الأساسي للمستوطنات المدنية في الأراضي المحتلة كجريمة حرب—والتي ستنطبق بشكل مباشر على أنشطة القادة السياسيين والعسكريين والإداريين الإسرائيليين المشاركين في المشروع الاستيطاني الضخم للبلاد في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. ومن بين قائمة جرائم الحرب المنصوص عليها في نظام روما الأساسي المادة 8 (2) (ب) (8) التي تحظر "قيام دولة الاحتلال، بشكل مباشر أو غير مباشر، بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها، أو إبعاد أو نقل جميع سكان الأراضي المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأراضي أو خارجها".
اعترف القاضي إيلي ناثان، رئيس الوفد الإسرائيلي في روما، بأن معارضة إسرائيل للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية كانت على وجه التحديد بسبب قضية المستوطنات، مدعيًا أن نظام روما الأساسي "يتم تشويهه وإساءة استخدامه كأداة محتملة في الحرب السياسية ضد إسرائيل". وأوضح أن مندوبي إسرائيل في المؤتمر "فشلوا في فهم سبب اعتبار أنه من الضروري إدراج أعمال نقل السكان إلى الأراضي المحتلة في قائمة جرائم الحرب الشنيعة والخطيرة". وقال ناثان أنه لو لم يتم إدراج ذلك كجريمة حرب في المعاهدة، "لكان وفدي قادرًا بفخر على التصويت لصالح اعتماد نظام روما الأساسي".
لم يتم وضع الصياغة حول المستوطنات في الأراضي المحتلة كجريمة حرب في نظام روما الأساسي باستخفاف، أو كشكل من أشكال الانتقام السياسي، كما زعمت إسرائيل. وإنما كان إدراجها متعمدًا ومناسبًا وخطيًا، وتتويجًا لـ 50 عامًا من سوابق في القانون الدولي.
كان إدراج المستوطنات في الأراضي المحتلة كجريمة حرب في نظام روما الأساسي متعمدا ومناسبًا وخطيًا، وتتويجًا لـ 50 عامًا من سوابق في القانون الدولي.
- مايكل لينك
وفي أغسطس/آب 1949، تم تبني اتفاقيات جنيف—القلب النابض للقانون الدولي الإنساني الحديث—من قبل مؤتمر دولي للدول الأعضاء. في اتفاقية جنيف الرابعة، التي تتناول حماية المدنيين أثناء النزاع المسلح، نصت الفقرة 6 من المادة 49 على حظر صريح لفعل توطين المستوطنين، حيث تنص الفقرة على أنه "لا يجوز لسلطة الاحتلال ترحيل أو نقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها".
كان الغرض المقبول من الحظر هو الحفاظ على الهيكل الديموغرافي والاجتماعي للأراضي المحتلة ومنع محاولات قوات الاحتلال معاملة المنطقة على أنها ثمرة غزو. وكما أوضح القاضي السويسري البارز جان بيكتيه—أحد الذين صاغوا اتفاقيات جنيف—في تعليق عام 1958 للجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن حظر الاستيطان المدني في الأراضي المحتلة:
…يهدف إلى منع ممارسة اتبعتها دول معينة أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي نقلت أجزاء من سكانها إلى الأراضي المحتلة لأسباب سياسية وعرقية أو من أجل استعمار تلك الأراضي، بحسب زعمهم. أدت عمليات النقل هذه إلى تفاقم الوضع الاقتصادي للسكان الأصليين وعرّضت وجودهم المنفصل كعرق للخطر.
في عام 1977، اجتمعت أطراف اتفاقيات جنيف في سويسرا للتفاوض على بروتوكولات جديدة لتحديث تدابير الحماية الإنسانية الخاصة بها. من بين الأحكام الواردة في البروتوكول الإضافي 1 كانت المادة 85 (4) (أ)، التي كررت تلك اللغة في المادة 49، لكنها رفعت الآن الحظر المفروض على زرع المستوطنين ليكون "خرقًا خطيرًا" و "جريمة حرب".
في التسعينيات من القرن الماضي، أصدرت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ثلاث دراسات رئيسية حول زرع المستوطنين ونقلهم أجراها عون الخصاونة، وهو رجل قانون أردني شهير أصبح فيما بعد قاضيًا في محكمة العدل الدولية. كتب الخصاونة أول هذه الدراسات، في عام 1993، حيث قال: إنّ الإبعاد القسري للأشخاص عن أراضيهم التقليدية، أو زرع المستوطنين دون موافقة السكان الأصليين الذين يتم نقل الأشخاص إلى أراضيهم هو جزء من سياسات الاستيعاب وتشكل انتهاكات واضحة للحد الأدنى من الضمانات التي يُقبل بها في الحق في تقرير المصير، أي حق الشعب في "تقرير المصير بحرية". وفي دراسة لاحقة أجراها عام 1997، خلص الخصاونة إلى أنه "بالنظر إلى مجموعة حقوق الإنسان التي انتُهكت عن طريق نقل السكان وزرع المستوطنين"، فإنه يجب اعتبارها "انتهاكات منهجية أو جماعية لحقوق الإنسان".
وهكذا، بحلول الوقت الذي بدأت فيه الجولة الأخيرة من المفاوضات في روما في يوليو/تموز 1998 لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، كان القانون الدولي قد قرر بالفعل بشكل حاسم أن الاستيطان المدني في الأراضي المحتلة هو جريمة حرب. لم يكن المشروع في روما لمناقشة أو تبديد هذا الإجماع في القانوني الدولي، كما أراد وفد إسرائيل على ما يبدو، ولكن كان يهدف إلى إنشاء محكمة لتوفير المساءلة عن جميع جرائم الحرب.
لطالما اعتبرت الأمم المتحدة المستوطنات الإسرائيلية انتهاكًا خطيرًا لاتفاقية جنيف الرابعة. فقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة لأول مرة قرارًا يدين المستوطنات باعتبارها "لاغية وباطلة تمامًا" في ديسمبر/كانون الأول 1971، عندما كان هناك أقل من 10,000 مستوطن في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة من قبل إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، اعتمدت الجمعية العامة 163 قرارًا تدين على وجه التحديد المستوطنات الإسرائيلية باعتبارها غير شرعية، وهي القضية الأكثر وضوحًا في تاريخها.
من جانبه، فقد أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منذ عام 1979 سبعة قرارات تصنف المستوطنات الإسرائيلية على أنها غير شرعية. وتم الموافقة على أحدث قرار للمجلس، وهو القرار 2334، في ديسمبر/كانون الأول 2016، ووصف المستوطنات بأنها "انتهاك صارخ للقانون الدولي" وطالب إسرائيل "بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية على الفور وبشكل كامل". كما يتعين على الأمين العام للأمم المتحدة بموجب القرار تقديم تقرير إلى مجلس الأمن كل ثلاثة أشهر عن تنفيذه. في كل تقرير من تقاريره ربع السنوية الـ 26 منذ بداية عام 2017، صرح الأمين العام أنطونيو غوتيريش بأن إسرائيل لم تتخذ أي إجراء على الإطلاق للامتثال للقرار.
وفي مواجهة تحدي إسرائيل المتسلسل لقراراتها، أصبحت الأمم المتحدة مؤخرًا أكثر مباشرة في تقاريرها العامة حول المستوطنات الإسرائيلية. بصفتي مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد أصدرتُ تقريرًا إلى مجلس حقوق الإنسان في يوليو/تموز 2021 خلص إلى أن المستوطنات "هي محرك هذا الاحتلال الأبدي، وهي ترقى إلى جريمة حرب".
في العام الماضي، ذكرت كل من لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة والأمين العام في تقريره السنوي عن المستوطنات الإسرائيلية أن المستوطنات قد تشكل جريمة حرب. كان المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، أكثر وضوحًا في تقرير صدر في مارس/آذار الماضي. خلص التقرير إلى أن "إنشاء وتوسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان السوري المحتل، المصرح به أو غير المصرح به بموجب القانون الإسرائيلي، يرقى إلى مستوى نقل إسرائيل لسكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها، وهو أمر محظور بموجب القانون الإنساني الدولي، على النحو الذي أكدته باستمرار أجهزة الأمم المتحدة المختصة، بما في ذلك محكمة العدل الدولية. ترقى عمليات النقل هذه إلى مستوى جريمة حرب قد تلحق المسؤولية الجنائية الفردية للمتورطين".
لا ينبغي أن يكون القرار المستقبلي للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية صعبًا من الناحية القانونية. يبدو أن وضع المستوطنات الإسرائيلية كجريمة حرب واضح ومباشر في القانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني الدولي.
- مايكل لينك
وفي فبراير/شباط 2021، قضت غرفة ما قبل المحاكمة بالمحكمة الجنائية الدولية بأن للمحكمة اختصاص جنائي في فلسطين وأن النطاق الإقليمي لهذه الولاية القضائية يمتد إلى الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وغزة. يقوم مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في المستوطنات الإسرائيلية باعتبارها جريمة حرب منذ أن قدمت فلسطين شكاويها الأولية إلى المحكمة في عام 2015.
الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الحالية، التي تتولى السلطة منذ أواخر العام الماضي، هي أيضًا حكومة استيطانية تهدف، بشكل علني وفي انتهاك واضح للقانون الدولي، إلى زيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى مستوى غير مسبوق. وبحسب منظمة إير أميم الإسرائيلية لحقوق الإنسان، فإن الحكومة الجديدة، الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، قدمت بالفعل أكثر من 16,000 وحدة سكنية استيطانية في القدس الشرقية خلال مراحل التخطيط. وأفادت منظمة "السلام الآن"، وهي منظمة إسرائيلية أخرى لحقوق الإنسان، أنه يجري التخطيط لأكثر من 13,000 وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية هذا العام. ومع الموافقة على ما يقرب من 30,000 وحدة سكنية جديدة في غضون ستة أشهر فقط، فإن هذا يعد أكبر معدل سنوي على الإطلاق لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية—ولا يزال هذا حتى شهر يوليو/تموز فقط.
في نهاية يونيو/حزيران، في اليوم الذي وافقت فيه السلطات الإسرائيلية على ما يقرب من 5,700 وحدة سكنية استيطانية جديدة، نبهت منظمة السلام الآن الى أن التوسع الكبير للمستوطنات الإسرائيلية "يجب أن يكون رسالة واضحة في أن الحكومة تتجه نحو انقلاب ضم" في الضفة الغربية.
المهندس الرئيسي لهذه الخطة هو بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي، الذي مُنح أيضًا دورًا وزاريًا خاصًا داخل وزارة الدفاع جعله مسؤولًا عن جميع المستوطنات. لقد نجح سموتريتش، بصفته مستوطنًا راديكاليًا مسترشدًا بشعاره السياسي "النصر بالاستيطان"، في دفع مجلس الوزراء الإسرائيلي لتقليص عملية الموافقة على المستوطنات الجديدة والوحدات السكنية ووضع السلطة الأولية بين يديه. في مايو/أيار، دعا سموتريتش إلى مضاعفة عدد سكان المستوطنات في الضفة الغربية إلى مليون مستوطن في غضون عامين. وقد تم بالفعل تمهيد الطريق لذلك من خلال نظام طرق للمستوطنين يتوسع بسرعة والعديد من رافعات البناء في المستوطنات عبر الضفة الغربية.
إذا قرر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن المستوطنات الإسرائيلية هي جريمة حرب ظاهرة بموجب نظام روما الأساسي، فمن الذي يمكن تحميله المسؤولية الجنائية من بين القيادات الإسرائيلية؟ سموتريتش هو فقط الأحدث في سلسلة طويلة من المسؤولين الإسرائيليين المشاركين في المشروع الاستيطاني، الذي اتبعته كل حكومة إسرائيلية منذ فترة وجيزة بعد نهاية حرب يونيو/حزيران 1967. ذكر مناحم كلاين، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان في إسرائيل، أن المستوطنات هي أكبر مشروع قومي لإسرائيل منذ تأسيسها عام 1948، حيث ذكر أن "الدولة بأكملها تقريبًا مستثمرة في هذا المشروع". لقد وفرت أجهزة الدولة بأكملها —القيادة السياسية والعسكرية والقضائية والإدارية—التمويل والتخطيط والغطاء الدبلوماسي والمنطق القانوني والحماية الأمنية والبنية التحتية التي كانت لا غنى عنها للنمو المستمر للمستوطنات على مدى السنوات الـ 56 الماضية.
من المرجح أن تمتد المسؤولية الجنائية الفردية إلى القيادة السياسية في إسرائيل الماضية والحالية، وإلى قادتها العسكريين المسؤولين عن مراقبة الاحتلال والمستوطنات، وإلى كبار المسؤولين الإداريين الذين يخططون للمستوطنات والبنية التحتية الداعمة لها، وإلى المنظمات الدولية التي جمعت التبرعات وأرسلت مليارات الدولارات على مر السنين إلى المستوطنات.
لا ينبغي أن يكون القرار المستقبلي للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية صعبًا من الناحية القانونية. يبدو أن وضع المستوطنات الإسرائيلية كجريمة حرب واضح ومباشر في القانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني الدولي. لكن من المرجح جدًا أن تواجه لوائح الاتهام بالمسؤولية الجنائية لمشروع الاستيطان الإسرائيلي انتكاسة سياسية هائلة، لا سيما من الولايات المتحدة. سيكون هذا في نهاية المطاف اختبارًا كبيرًا للإرادة السياسية. وكما ذكرتُ في تقريري لعام 2021 إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة "لا يمكن لقوة احتلال تُنشئ المستوطنات المدنية وتوسعها في تحد للقانون الدولي ونظام روما الأساسي أن تكون جادة بشأن السلام. وبالمثل، فإن المجتمع الدولي الذي لا يفرض تدابير مساءلة على دولة محتلة متحدية تتعارض مع القانون الدولي لا يمكن أن يكون جادًا بشأن قوانينه."