English
إن ما تكشَّف الشهر الماضي عن قيام الحكومة المصرية بإرسالها سراً أحد عملائها للتجسس على منتقدي الرئيس عبد الفتاح السيسي في الولايات المتحدة لا يعتبر مفاجأة كبيرة. ففي نهاية الأمر، إدارة بايدن طمأنت السيسي بأن مكانته السياسية لا تزال متينة، برغم الانتهاكات الشنيعة لحكومته.
ربما كان المرء يتوقع أن السيسي والحكام المستبدون في الشرق الأوسط قد يترددون في الاعتداءات العابرة للحدود على المعارضين في أعقاب الفضيحة العالمية الناجمة عن مقتل جمال خاشقجي بأمر من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. لكن غياب المساءلة الحقيقية عن ذلك القتل الوحشي، إلى جانب الدعم المستمر من البيت الأبيض، أكد للسيسي ومحمد بن سلمان وغيرهما أنهم قادرون بسهولة على تحمل التكاليف.
في 6 يناير/كانون الثاني، أعلنت وزارة العدل الأمريكية إعتقال بيار جرجس، وهو مواطن مصري أمريكي مزدوج الجنسية، يزعم أن وكالة حكومية مصرية مجهولة الهوية جندته لجمع معلومات عن معارضين في مدينة نيويورك. تضخمت الجالية المصرية في نيويورك وما حولها مع توافد المنفيين السياسيين منذ انقلاب عام 2013 الذي أطاح فيه السيسي بعنف بأول رئيس منتخب ديمقراطياً في البلاد، محمد مرسي.
ذبحت قوات الأمن المصرية أكثر من 1100 متظاهر في شوارع القاهرة في أعقاب الإنقلاب، والذي تلاه سجن أكثر من 60000 مصري كسجناء سياسيين. يشكل المنفيون السياسيون المصريون، إلى جانب الناشطين الحقوقيين، مركز مقاومة للإرهاب غير المسبوق لنظام السيسي في مصر، الزاخر بإعدام الأعداء السياسيين، والتعذيب الواسع النطاق والمنهجي في السجون المكتظة، والمراقبة شبه المستمرة والقيود المفروضة على المعلومات على مستوى لم يسبق له مثيل، حتى في ظل الحكام المستبدين السابقين مثل حسني مبارك.
ونظراً لاعتماده على الخوف والقوة للحفاظ على حكمه، من السهل أن نرى لماذا يشعر السيسي بعدم الأمان الكافي للتجسس على منتقديه وإسكاتهم ليس فقط في الداخل، ولكن أيضاً على أولئك الموجودين في الخارج. في السنوات الأخيرة، بذلت الحكومة المصرية جهداً عظيماً لاستهداف ومراقبة ومعاقبة المنفيين، وإخضاع أفراد أسرهم لحظر السفر وحتى السجن.
يواصل المسؤولون المصريون مضايقة واحتجاز عائلة محمد سلطان، المواطن الأمريكي والسجين السياسي السابق في مصر، الذي أطلق سراحه في عام 2015 بعد عامين من السجن الجائر والتعذيب بسبب احتجاجه على انقلاب السيسي. اختفى صلاح والد سلطان، وهو سجين سياسي اعتقل أيضاً بعد انقلاب السيسي، ثم اختفى خلال احتجازه في عام 2020. في عام 2015، اعتقل مسؤولون مصريون الصحفي والباحث إسماعيل الاسكندراني لدى عودته إلى مصر. وبعد ثلاث سنوات، حكمت عليه محكمة عسكرية بالسجن لمدة عشر سنوات بسبب كتاباته الأكاديمية وأبحاثه التي أنجزها أثناء وجوده خارج البلاد.
عندما لا يعود المنتقدون إلى ديارهم، يكتفي نظام السيسي بمضايقة واحتجاز الآباء والأطفال وأفراد الأسرة الآخرين بدلاً عنهم. في العام الماضي، سجنت الحكومة المصرية شقيقي عبدالله الشريف، وهو مدون يحظى بشعبية كبيرة، بينما أجبرت والده على الذهاب إلى التلفزيون للتنديد به.
وفي الآونة الأخيرة، علم المرشح الرئاسي السابق أيمن نور، الذي يعيش الآن في المنفى في تركيا، أن السلطات المصرية اخترقت هاتفه باستخدام كل من برنامج التجسس بيغاسوس من مجموعة (إن.إس.أو) الإسرائيلية وبرنامج بريداتور لشركة سايتروكس المنافسة التي تتخذ من أوروبا مقراً لها – تماماً كما اخترقت السلطات السعودية هواتف المنفيين السعوديين لتعقب خاشقجي وقتله. ولم يكن ذلك مفاجئاً أيضاً، حيث أعلنت وزيرة الهجرة المصرية نبيلة مكرم نية الحكومة بوضوح تام خلال حدث أقيم في كندا في عام 2019: "إذا انتقد أي شخص في الخارج بلدنا، سيتم تقطيعه إلى أشلاء".
ما يصعب فهمه هو لماذا تسامحت الحكومة الأمريكية مع هذه الإعتداءات وطمأنت السيسي باستمرار بأن وضعه متين مع إدارة بايدن. وبدلاً من الوفاء بوعده للولايات المتحدة ب "إنهاء الشيكات الفارغة" لمصر، لا يزال السيسي، على ما يبدو، ديكتاتور بايدن المفضل، وكذلك ديكتاتور دونالد ترامب.
وقد بذلت إدارة بايدن جهودها في أيلول/سبتمبر الماضي للموافقة على حزمة مساعدات عسكرية جديدة لمصر تزيد قيمتها عن 1.1 مليار دولار، وخفضت المبلغ الذي اشترطه الكونغرس على إصلاحات حقوق الإنسان من 300 مليون دولار إلى 130 مليون دولار. كما زادت وزارة الخارجية من تقييد شروط المساعدات لإطلاق سراح 16 سجيناً سياسياً مجهولي الهوية، في حين تضمنت قيود الكونغرس الأصلية على المساعدات لمصر شروطاً أوسع نطاقاً تتطلب إصلاحات في المجتمع المدني وتنفيذ قوانين وسياسات لتحسين سجل مصر المؤسف في مجال حقوق الإنسان. وجاءت الهدايا مع تذلل من قبل وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي طار إلى القاهرة في أيار/مايو لتكديس التقدير والثناء على السيسي وإعادة تأكيد الشراكة الإستراتيجية لواشنطن مع مصر.
وفي الوقت نفسه، أشارت إدارة بايدن – إلى جانب أقوى حلفاء أميركا الديمقراطيين، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا – إلى السلطويين بأن الموسم لا يزال مفتوحاً ضد المنتقدين السياسيين أينما وجدوا. اتخذت إدارة بايدن قراراً سياسياً محسوباً بعدم استهداف محمد بن سلمان بنفس العقوبات التي فرضها قانون ماغنيتسكي الدولي ضد 17 من تابعيه، والتي كانت ستمنع ولي العهد رسمياً من السفر إلى الولايات المتحدة وتجمد أصوله الأمريكية.
ولم تستخدم الإدارة الأمريكية حتى عقوباتها الخاصة ب "حظر خاشقجي" التي تهدف إلى معاقبة الأفراد على اعتداءاتهم ضد المعارضين، والتي أعلنت عنها وزارة الخارجية العام الماضي بحماس كبير. واشتكى منشقون سعوديون في لندن، بمن فيهم الناشط الحقوقي البارز يحيى عسيري، من أن السلطات في المملكة المتحدة لم تعر اهتماماً للتهديدات بالقتل والمضايقات المتعددة.
بينما اقتنص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الفرصة ليكون أول زعيم غربي يعود إلى الرياض ويلتقي بمحمد بن سلمان منذ مقتل خاشقجي، ويضمن صفقة أسلحة مربحة في هذه العملية. وتزامنت الزيارة مع الإفراج المشبوه عن أحد الجناة المزعومين في قضية خاشقجي، خالد بن عائض العتيبي، الذي اعتقلته السلطات الفرنسية بموجب إشعار من الإنتربول عندما ظهر في باريس في كانون الأول/ديسمبر، لكنها أفرجت عنه في تلك الللية قائلة أنها حالة هوية خاطئة. ومع ذلك لم تنشر أي دليل فوتوغرافي لإثبات ذلك. كما وقعت الحكومة الفرنسية صفقة لبيع مصر 30 طائرة مقاتلة من طراز رافال بقيمة 4.5 مليار دولار في آذار/مارس الماضي. كما اشتركت ألمانيا أيضاً في اللعبة ببيعها لمصر أسلحة بقيمة 4.87 مليار دولار في عام 2021.
وفي مواجهة مثل هذا التدليل، اتخذ طغاة مثل السيسي قراراتهم السياسية المحسوبة بأن خطر القبض عليهم وهم يهاجمون المعارضين في الخارج سيظل يستحق كل هذا العناء، خاصة إذا استمروا في شراء الأسلحة الغربية. لحماية الأشخاص في الولايات المتحدة الذين يواجهون الذراع الطويلة لطغيان السيسي، ينبغي على إدارة بايدن تحديد ومعاقبة المسؤولين المصريين المتورطين في فضيحة التجسس في نيويورك بفرض عقوبات حظر خاشقجي وإبقائهم خارج البلاد. وعلى أقل تقدير، يجب أن تبلغ المستهدفين من قبل الحكومة المصرية وأن توفر لهم الحماية التي يحتاجونها.
وينطبق الشيء نفسه على المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وغيرها من الديمقراطيات. وإلا فإن السلطوية التي عادت إلى الظهور في جميع أنحاء العالم سوف تستمر في التسرب إلى الولايات المتحدة وغيرها من البلدان وجلب العواقب المميتة، ونحن نجني هنا في الداخل ما نزرعه في الخارج من خلال تسليح الطغاة والدفاع عنهم.