عبد الرحمن برمان محامٍ يمني في مجال حقوق الإنسان وهو المدير التنفيذي للمركز الأمريكي للعدالة.
ملاحظة المحرر: هذا المقال مقتبس من ورقة بحثية تم تقديمها في مؤتمر اليمن بالعاصمة الأمريكية واشنطن، الذي تم تنظيمه من قبل منظمة (DAWN) ومؤسسة توكل كرمان ومركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورجتاون.
تَظهر الندوب العميقة للحرب الأهلية في اليمن في جميع جوانب الحياة في البلاد. لقد ارتكبت أطراف النزاع المختلفة انتهاكات جسيمة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان. وإذا لم تتم معالجة هذه الانتهاكات، فإن الافتقار إلى المساءلة سيقوّض أي عملية سلام ناشئة وعملية انتقالية محتملة بعد الحرب. هناك حاجة ماسة إلى حلول شاملة تعالج هذه الانتهاكات وتجمع بين قواعد ومبادئ العدالة الانتقالية المعيارية والواقع اليمني المحلي.
شهد اليمن العديد من جولات النزاع المسلح منذ عقود، بدءًا من الحرب الأهلية في شمال اليمن في ستينيات القرن الماضي. ومع كل حرب، كان المدنيون يدفعون الثمن الباهظ، وبعد ذلك لا يُحاسب مرتكبو جرائم الحرب أبدًا. علاوة على ذلك، لم يتم إجراء تحقيقات في فظائع وقت الحروب وانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، ولم يتم جبر الضرر للضحايا أو تعويضهم عن الأضرار.
يؤدي هذا إلى استنتاج واضح في اليمن: ترك العدالة الانتقالية لأطراف النزاع لن يؤدي إلا إلى إضفاء الطابع المؤسسي على الإفلات من العقاب.
- عبد الرحمن برمان
أُثيرت قضية العدالة الانتقالية لأول مرة في مؤتمر الحوار الوطني اليمني 2012-2013، الذي أعقب الثورة السلمية ضد نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، الذي ظل في السلطة قرابة 34 عامًا. ومع ذلك، كان مشروع قانون العدالة الانتقالية محل توتر وخلاف بين القوى السياسية المتنافسة ولم تتم الموافقة عليه. وبدلًا من ذلك، صدر قانون الحصانة، الذي منح صالح ومساعديه حصانة كاملة من الملاحقة القضائية على قتل المتظاهرين خلال الانتفاضة ضده.
يؤدي هذا إلى استنتاج واضح في اليمن: ترك العدالة الانتقالية لأطراف النزاع لن يؤدي إلا إلى إضفاء الطابع المؤسسي على الإفلات من العقاب.
يُظهر تاريخ الصراع السياسي الممتد لعقود من الزمن في اليمن أن أي محاولة لتحقيق العدالة الانتقالية والمساءلة الجنائية يجب أن تشمل جميع الأطراف، وليس فقط من هم في السلطة أو من لديهم جيوش أو ميليشيات. كانت جهود المصالحة الهشة في الماضي تُفرَض تقليديًا من قبل الطرف المنتصر، الذي لا يعالج المظالم المستمرة ويترك الباب مفتوحًا فقط لتجدد الصراع. هذا بالضبط ما حدث في فترات متكررة من سبعينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي، بعد إعادة توحيد اليمن، لا سيما بالنظر إلى الفشل في إنشاء مؤسسات ديمقراطية فعلية يمكن أن تحل الخلافات بين الأنظمة السابقة في شمال وجنوب اليمن وخلق مساحة للمنافسة المدنية بين الأحزاب السياسية.
أي سلام في اليمن لا يقوم على أسس حقوق الإنسان والمساءلة هو مجرد سلام مؤقت سيؤدي في النهاية إلى عودة أخرى للحرب.
-عبد الرحمن برمان
وقد أدى ذلك إلى انتظار أحزاب مختلفة الفرصة للانتقام السياسي والعودة إلى السلطة بقوة السلاح وليس بالوسائل الديمقراطية. كان الانقلاب المسلح في سبتمبر/أيلول 2014 الذي نفذته جماعة الحوثي مجرد مثال آخر. فمن خلال السيطرة على صنعاء، دمر الحوثيون آمال الديمقراطية والإصلاح التي أعقبت انتفاضة اليمن الشعبية عام 2011.
الآن، وبعد ثماني سنوات من الحرب المدمرة التي تسببت في أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث، وفقًا للأمم المتحدة، هناك عقبات مألوفة وجديدة أمام آفاق السلام والمصالحة والعدالة الانتقالية في اليمن.
أنتجت الحرب العديد من الميليشيات والجماعات المسلحة المتنافسة ذات الأيديولوجيات المتنافسة، وتعمل وفقًا لأجندات أجنبية وتمويل أجنبي. وعلى الرغم من الهدنة الهشة التي رعتها الأمم المتحدة العام الماضي والحديث المستمر عن مفاوضات السلام بين جميع الأطراف، يبدو أن قضايا المساءلة وحقوق العديد من ضحايا حرب اليمن غائبة بشكل ملحوظ.
في حالات ودول أخرى، يتم تطبيق العدالة الانتقالية وفقًا للقانون الدولي عادةً بعد انتهاء نزاع مسلح بانتصار واضح من قبل أحد الأطراف المتحاربة. ومع ذلك، في الحالة اليمنية، حيث لا تزال جميع الأطراف تحتفظ بقدرات عسكرية، إلى جانب السيطرة المتنافسة على الأراضي والموارد، من غير المحتمل أن يدّعي أحد الأطراف الانتصار في حرب اليمن. وبالتالي، فإن فكرة المساءلة والمصالحة كجزء من تسوية تفاوضية تبدو بعيدة المنال.
تغلب على المجتمع اليمني العادات القبلية والالتزامات الدينية والأخلاقية المتمثلة في العفو عن إراقة الدماء وتقليد فتح صفحة جديدة، بالاعتذار عن الأخطاء والاعتراف بها. مثل هذا التقليد، في جوهره، يتقاطع مع الجانب الأخلاقي والتصالحي للعدالة الانتقالية. لذلك على الرغم من تاريخ الصراع في اليمن، وطبيعة الحرب على مدى السنوات الثماني الماضية، هناك أساس مجتمعي لتطوير نموذج للعدالة الانتقالية في البلاد. وقد تجلى ذلك من خلال مؤتمر الحوار الوطني، الذي مثّل نموذجًا يمنيًا فريدًا، وكان من الممكن أن يؤدي إلى حالة من الاستقرار السياسي والديمقراطي لولا انقلاب الحوثيين.
لكن السعي لتحقيق العدالة الانتقالية في اليمن يتطلب أيضًا إرادة دولية—من قبل الأمم المتحدة والدول الراعية لمفاوضات السلام، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. يجب على هذه الجهات الدولية الفاعلة نفسها وقف التدخل الأجنبي في اليمن، من دعم إيران للحوثيين إلى دعم الإمارات العربية المتحدة للأحزاب المتنافسة، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي وكتائب العمالقة السلفية والقوات تحت قيادة ابن شقيق صالح، طارق صالح، المعروفة باسم المقاومة الوطنية اليمنية. فبدون أي التزام جاد من قبل العديد من الأطراف المتحاربة—وداعميهم الأجانب—تجاه إقامة دولة حرة وديمقراطية ومدنية تتمتع بالسيادة الكاملة على كل اليمن، لن يكون هناك سلام دائم. وبدلًا من ذلك، لن يكون هناك سوى عملية سلام معيبة ومرقّعة تترك اليمن منقسمًا وتضع الأساس لجولات جديدة من الصراع.
بدون دعم دولي جاد للعدالة الانتقالية في اليمن، سيتم تقويض جميع الجهود التي تُبذل حاليًا لإحلال السلام. أي سلام في اليمن لا يقوم على أسس حقوق الإنسان والمساءلة هو مجرد سلام مؤقت سيؤدي في النهاية إلى عودة أخرى للحرب.