English
أعلنت شركة الآيس كريم الشهيرة "بن آند جيري"، التي يقع مقرها في ولاية فيرمونت الأمريكية، في وقت سابق من هذا الأسبوع أنها ستتوقف عن بيع منتجاتها للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. لطالما دعا النشطاء الشركات إلى التوقف عن ممارسة الأعمال التجارية في المستوطنات الإسرائيلية، التي تنتهك القانون الدولي. إنّ قرار شركة "بن آند جيري" هو أحدث مؤشر على إدراك الرأي العام الأمريكي المتزايد بأن الحكومة الإسرائيلية تنتهك حقوق الفلسطينيين، وأنه يجب على الأمريكيين تجنب التواطؤ في تلك الانتهاكات.
احتل الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وغزة منذ حرب عام 1967. وعلى مدى السنوات الـ 54 الماضية، قامت الحكومة الإسرائيلية بتوطين أكثر من 660 ألف مدني إسرائيلي في الضفة الغربية، التي يقطنها أكثر من 3 ملايين فلسطيني. ومن أجل إنشاء المستوطنات وتوسيعها، تصادر السلطات الإسرائيلية الأراضي الفلسطينية وتعطيها للإسرائيليين وتفصلها فعليًا عن بقية الضفة الغربية، وتقوم بتهجير الفلسطينيين قسرًا وتقييد حريتهم في التنقل بشدة. يُمنع الفلسطينيون من دخول المستوطنات، باستثناء العمال الذين يحملون تصاريح عمل مؤقتة والتي يصعب الحصول عليها كذلك. تساهم الشركات العاملة في المستوطنات بطبيعتها في هذه الانتهاكات، لأن النشاط التجاري يساعد في الحفاظ على المستوطنات ويتم في ظل ظروف تمييزية.
على مدى عقود، قلّلت الحكومة الأمريكية من شأن الضرر الذي تسببه المستوطنات الإسرائيلية للفلسطينيين، وأصرت على أنه سيتم معالجة وضعهم من خلال حل سياسي تتوسط فيه الولايات المتحدة من شأنه أن ينهي ما يسمى بـ "الصراع" الإسرائيلي الفلسطيني. إن تأطير السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين على أنها صراع بين طرفين أو شعبين يشوه الواقع على الأرض، حيث تمارس الحكومة الإسرائيلية سلطتها على ما يقرب من 7 ملايين يهودي وما يقرب من 7 ملايين فلسطيني في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة، وهي تمارس بشكل منهجي منح الأفضلية لليهود الإسرائيليين مع قمع الفلسطينيين، وبصورة أشد قسوة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لكن أعدادًا متزايدة من الأمريكيين—بما في ذلك العديد من محبي آيس كريم "تشنكي مونكي" الخاص بشركة "بن آند جيري"—أصبحوا أقل استعدادًا لقبول انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة والخطيرة باعتبارها نتيجة ثانوية مؤسفة ولكن لا يمكن تجنبها من "عملية السلام" المحتضرة منذ فترة طويلة. المزيد والمزيد من المشاهير والكتّاب وأعضاء من الكونغرس يعتبرون حكم إسرائيل التمييزي على ملايين الفلسطينيين ليس "صراعًا" ينتظر حله من خلال نتيجة المفاوضات غير المثمرة التي تدعمها الولايات المتحدة، بل جريمة فصل عنصري يجب إنهاءها من خلال احترام حقوق الإنسان للإسرائيليين والفلسطينيين على قدم المساواة بغض النظر عن الوضع السياسي القائم أو الذي تم فرضه.
أظهر استطلاع حديث أجراه المعهد الانتخابي اليهودي أن ربع اليهود الأمريكيين يعتقدون أن الحكومة الإسرائيلية تمارس الفصل العنصري، وأن 59 في المائة يؤيدون القيود المفروضة على المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، لتجنب تمويل المستوطنات. لقد أقام الأمريكيون الذين يناضلون من أجل العدالة العرقية في الداخل روابط تضامن مع النشطاء الفلسطينيين على أساس رؤية مشتركة لحقوق متساوية.
حتى وزير الخارجية أنتوني بلينكن قال إن الإسرائيليين والفلسطينيين "يستحقون على حد سواء تدابير متساوية في الأمن والحرية والفرص والكرامة." وفي مايو/أيار، ولأول مرة على الإطلاق، بادر أعضاء من مجلسي النواب والشيوخ بقرارات لمنع مبيعات الأسلحة الأمريكية للحكومة الإسرائيلية، على أساس حقوق الإنسان. وعلى الرغم من أن القرارات لم تنجح، إلا أنها مثّلت تغييرًا جذريًا في دعم واشنطن غير المشكوك فيه حتى الآن لتسليح الحكومة الإسرائيلية.
توصلت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير مهم صدر في أبريل/نيسان إلى أن السلطات الإسرائيلية ترتكب جرائم ضد الإنسانية تتمثل في الفصل العنصري والاضطهاد، على النحو المحدد في القانون الدولي. تحافظ سياسة الحكومة الإسرائيلية الشاملة على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين، بينما ترتكب السلطات الإسرائيلية انتهاكات جسيمة ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة. طلبت مجموعة واسعة من الخبراء القانونيين وجماعات حقوق الإنسان من الحكومات، بما في ذلك الولايات المتحدة، الاعتراف بهذا الواقع وتعديل سياساتها الخارجية وفقًا لذلك.
وفي حين نأى الرئيس جو بايدن بنفسه عن اعتراف إدارة ترامب بالمستوطنات الإسرائيلية، فقد عاد إلى السياسات الأمريكية القائمة منذ وقت طويل والتي تغذي انتهاكات حقوق الفلسطينيين. فقد استمرت الولايات المتحدة، في ظل إدارة بايدن، في تزويد الحكومة الإسرائيلية بـ 3.8 مليار دولار سنويًا من الأسلحة المتطورة مع القليل من الضمانات ضد إساءة استخدامها. حتى أن إدارته شرعت في بيع 735 مليون دولار من الذخائر الموجهة بدقة في مايو/أيار، في الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي يستخدم تلك الأنواع من الأسلحة لهدم المباني متعددة الطوابق التي تضم منازل وشركات في غزة، بما في ذلك مكتب وكالة أنباء أمريكية، وهي وكالة أسوشيتد برس.
كما تواصل إدارة بايدن، مثل تلك التي سبقتها، إحباط أي قرارات في مجلس الأمن الدولي تدين الأنشطة الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة. ولا تزال الولايات المتحدة تسهل الاستثمار الأمريكي في المستوطنات الإسرائيلية أيضًا، من خلال المزايا الضريبية للتبرعات للمستوطنات وشروط التجارة التفضيلية للمنتجات المصنوعة في المستوطنات.
على الرغم من أن إدارة بايدن ترفض الاعتراف بأن النشاط التجاري الأمريكي في المستوطنات الإسرائيلية يساهم في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فقد توصلت شركة "بن آند جيري" إلى استنتاجاتها الخاصة. أعلنت الشركة، مستشهدة بمخاوف أعرب عنها العديد من المعنيين، أن بيع منتجاتها من الآيس كريم في المستوطنات لا يتفق مع قيمها، وأنها ستُنهي مبيعاتها هناك بحلول نهاية عام 2022. وفي حين أشار بيان الشركة بشكل عام إلى المبيعات في "الأراضي الفلسطينية المحتلة"، أوضح رئيس مجلس إدارة شركة "بن آند جيري" أنورادا ميتال أن الإعلان جاء بعد قرار مجلس الإدارة في يوليو/تموز 2020 بإنهاء مبيعات منتجات شركة "بن آند جيري" في المستوطنات الإسرائيلية.
هاجمت الحكومة الإسرائيلية قرار الشركة على الفور. فقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إنه اتصل برئيس شركة "يونيليفر" التي تملك شركة "بن آند جيري"، مهددًا باتخاذ إجراءات عدوانية. وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها اتصلت بحكام 31 ولاية أمريكية لديها قوانين أو أوامر تنفيذية تعاقب الشركات على مقاطعة إسرائيل أو المستوطنات الإسرائيلية وطلبت منهم اتخاذ إجراءات ضد الشركة الأمريكية الشهيرة "بن آند جيري." وقالت السلطات في ولاية تكساس أنها بصدد تقييم ما إذا كانت ستضيف شركة "بن آند جيري" أو شركة "يونيليفر" إلى قائمة الشركات المحظورة من العقود الحكومية أو الاستثمار الحكومي. وأعلنت بعض الجماعات اليهودية مقاطعتها لشركة "بن آند جيري"، وقالت سلسلة سوبر ماركت مقرها نيويورك إنها ستخفض مستوى تسويقها لمنتجات شركة "بن آند جيري."
تتّبع الحكومة الإسرائيلية وأنصارها قواعد اللعبة التي استخدموها في عام 2018، وهي آخر مرة أعلنت فيها شركة أمريكية كبرى أنها ستنسحب من المستوطنات الإسرائيلية. فبعد دعوى قضائية في محكمة أمريكية وضغط هائل من وزارة الخارجية الإسرائيلية، تراجعت شركة "إير بي إن بي" عن قرار بوقف إدراج منازل للإيجار في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما في ذلك المنازل المبنية على أراض مملوكة ملكية خاصة لفلسطينيين استولى عليها مستوطنون إسرائيليون.
لكن الخطاب الحقوقي الناشئ في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى بشاعة الارتباط بالمستوطنات، سيجعل من الصعب هذه المرة على الحكومة الإسرائيلية دفع شركة "بن آند جيري" إلى التراجع عن قرارها. الوضع القانوني للمستوطنات الإسرائيلية واضح: إنها تنتهك اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تحظر على دولة الاحتلال نقل مواطنيها إلى الأراضي المحتلة. كما تساهم المستوطنات في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الضفة الغربية، وهي ترقى إلى مستوى جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
يجب على حكومة الولايات المتحدة أن تحذو حذو شركة "بن آند جيري" وأن تتحمل المسؤولية عن تورطها في انتهاكات الحكومة الإسرائيلية، بما يتماشى مع التزاماتها الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. يجب أن تصدر توجيهات قائمة على القانون تحذر الشركات الأمريكية من الآثار المترتبة على ممارسة الأعمال التجارية في المستوطنات الإسرائيلية، كما تفعل في أماكن أخرى، مثل منطقة شينجيانغ الصينية، حيث قد يعرض النشاط التجاري الشركات الأمريكية لخطر التواطؤ في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
يجب على إدارة بايدن أيضًا إنهاء الدعم الأمريكي للتبرعات الخيرية للمستوطنات واستبعاد سلع المستوطنات من الاتفاقيات التجارية المحابية المطبقة على المنتجات الإسرائيلية. كما ينبغي عليها تنفيذ التوصيات التي قدمتها جماعات حقوق الإنسان لربط المساعدات العسكرية والأمنية للحكومة الإسرائيلية بخطوات ملموسة يمكن التحقق منها لإنهاء جرائم الفصل العنصري والاضطهاد، والتي تعتبر المستوطنات عنصرًا رئيسيًا فيها. لدى بلينكن فرصة لإظهار أن التزامه المعلن بـ "تدابير متساوية في الأمن والحرية والفرص والكرامة" للإسرائيليين والفلسطينيين ليس مجرد خطاب بل سياسة أمريكية.