مات ناشد صحفي ومحلل متخصص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع تركيز خاص على السودان. وقد كتب تقارير لقناة الجزيرة الإنجليزية ومجلة تايم ومنصة فايس ومجلة نيو لاينز ولجنة حماية الصحفيين، ووسائل إعلامية أخرى.
في ديسمبر/كانون الأول، أطلق مفوض حقوق الإنسان المعين من الدولة في السودان على زعيم الميليشيات التي اثارت الرعب في دارفور محمد حمدان دقلو، المعروف على نطاق واسع باسم "حميدتي"، لقب "شخصية العام". يشك النشطاء والمراقبون السودانيون في أن حميدتي دفع رشوة كبيرة مقابل الحصول على هذه الجائزة الهزلية كجزء من حملة أوسع لتبييض سمعته. من خلال منصبه كقائد لقوات الدعم السريع سيئة السمعة—وهي مجموعة وُلدت من رحم الميليشيات القبلية العربية التي قادت مذابح مدعومة من الدولة في دارفور تحت حكم عمر البشير الاستبدادي والذي بقي في السلطة لفترة طويلة—يحاول حميدتي غسل السمعة الوحشية التي اكتسبها خلال حكم البشير.
في عام 2013، أنشأ البشير قوات الدعم السريع لحماية نظامه من الانقلاب من كبار المسؤولين العسكريين وجهاز الأمن والمخابرات الوطني. كانت قوات الدعم السريع تتلقى الأوامر مباشرة من الرئيس، حيث أعطى البشير لحميدتي لقب "حمايتي".
ومع ذلك، انقلب حامي البشير على رئيسه السابق في أبريل/نيسان 2019 بعد أشهر من الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في الخرطوم والتي اندلعت بسبب قطع الدعم عن الخبز والوقود. أصبح حميدتي نائبًا لرئيس المجلس العسكري الانتقالي، وهو المجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد الإطاحة بالبشير في مواجهة المظاهرات الجماهيرية. وعندما نقل المجلس العسكري السلطة إلى مجلس سيادة مدني عسكري مشترك في أغسطس/آب 2019، كان حميدتي أحد أعضائه الرئيسيين.
منذ ذلك الحين، استثمر حميدتي—الذي جمع ثروة هائلة من خلال المصالح التجارية المختلفة، بما في ذلك الاستيلاء على مناجم الذهب في السودان—ملايين الدولارات لإعادة تشكيل صورته من خلال التعاون مع نشطاء حقوقيين بارزين وفتح مستشفيات وعيادات في جميع أنحاء البلاد. ووصف الخبير في شؤون السودان أليكس دي وال حميدتي بأنه "واحد من أغنى الرجال في السودان" وقت الإطاحة بالبشير، "وربما لديه أموال أكثر من أي سياسي آخر". وبفضل سيطرة حميدتي على البنوك الكبرى في السودان، والتي تُيسّر له الوصول إلى الأسواق المالية الدولية، فليس لديه مشاكل في تقديم مبالغ مالية لمستشاريه العديدين.
النقطة الرئيسية التي تركز عليها حملة العلاقات العامة التي يقوم بها حميدتي والممولة تمويلًا جيدًا هي أن قوات الدعم السريع قوة وطنية خيّرة تدافع عن الديمقراطية.
قالت مبروكة ربيع، عضوة لجان المقاومة السودانية، وهي مجموعات على مستوى الأحياء تقود الحركة المؤيدة للديمقراطية: "يدّعي حميدتي دائمًا أنه يحمي الشعب السوداني، وأنه يدعم الحكم المدني. لكن حميدتي يريد فقط إقناع الناس بأنه يدافع عنهم حتى يتوقفوا عن الاحتجاج ويتوقفوا عن إظهار كل الانتهاكات للعالم والتي ما زالت تحدث في السودان".
ولمساعدته في غسل سمعته، يعتمد حميدتي على شركات العلاقات العامة الغربية للضغط نيابة عنه في العواصم الأجنبية. ففي إحدى المرات، تعاقد مع شركة الضغط الكندية ديكنز وماديسون، التي يديرها جاسوس إسرائيلي سابق وعليها اتهامات بانتهاك العقوبات في ليبيا. ويقال أن حميدتي يتطلع الآن للتعاقد مع شركة العلاقات العامة الفرنسية "ثينك دكتور"، على أمل أن يحققوا المزيد من النجاح في تصويره كشخصية محترمة، وفقًا لما ذكره موقع "أفريكا إنتيليجنس"، وهو مصدر رئيسي للمعلومات والتحليلات في القارة.
المهمة صعبة بسبب دور قوات الدعم السريع في اعتقال وقتل المتظاهرين منذ عام 2019 وتورطهم في المذابح الأخيرة في دارفور. وبطبيعة الحال، أحبطت هذه القوة شبه العسكرية أيضًا التطلعات الشعبية للديمقراطية عندما دعم حميدتي الانقلاب العسكري الذي أطاح بالإدارة المدنية الوجيزة في السودان في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
"حميدتي يتطلع للحصول على قبول الشعب السوداني ويريدهم أن ينسوا كل ما فعلته قوات الدعم السريع بهم. لكن الجميع في السودان يعلم أن حميدتي كاذب".
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقّعت قوات الدعم السريع على الاتفاق الإطاري المدعوم من الأمم المتحدة مع الجيش والعديد من الأحزاب السياسية التي تشكل الكتلة المعروفة باسم قوى الحرية والتغيير، وبعض جماعات المجتمع المدني. وبعد أن كان حميدتي نائبًا للقائد العسكري عبد الفتاح البرهان في مجلس السيادة بعد الإطاحة بالبشير، أصبح الآن متساويًا في المنصب مع البرهان في هذا الاتفاق الإطاري، ما أدى إلى تفاقم التوترات بين هذين الشخصين العسكريين القويين في تنافسهما على السلطة والسيطرة في الخرطوم.
وبحسب ما يتم تداوله، فإن قوات الدعم السريع، على وجه الخصوص، على خلاف مع عدد من الإسلاميين في عهد البشير الذين يشغلون مناصب بارزة في الجيش والذين يعتبرون حميدتي خائنًا لانقلابه على البشير. أدى الخلاف إلى تقريب سياسيي قوى الحرية والتغيير من حميدتي من أجل إحباط عودة الإسلاميين، وفقًا لما ذكرته خلود خير، المديرة المؤسِّسة لمركز (Confluence Advisory) وهي مؤسسة بحثية مقرها الخرطوم، حيث قالت لمجلة الديمقراطية في المنفى: "قوى الحرية والتغيير تدعم حميدتي لأنهم يعتقدون أنه بدون بعض من الدعم العسكري وبدون أسلحة، فلن يتمكنوا من الوصول إلى مبتغاهم".
وبحسب بعض التقارير، وعدت قوى الحرية والتغيير حميدتي بأنه لن يضطر إلى دمج قواته في الجيش على الفور، وهي عملية يريد كبار الضباط العسكريين تسريعها. في المقابل، تساعد قوات الدعم السريع قوى الحرية والتغيير على استعادة ما يشبه السلطة من خلال الضغط على الجيش لتسليم السيطرة إلى حكومة مدنية على الفور. ووافق الجيش ظاهريًا على القيام بذلك بحلول 11 أبريل/نيسان، بناءً على المفاوضات الأخيرة.
قال عمار حمودة، من حزب التحالف الوحدوي، لمجلة الديمقراطية في المنفى: "أستطيع أن أقول بثقة أن [حميدتي] يريد أن يكون شرعيًا من خلال كونه جزءًا من الجيش. ولكن في أي فرع من الجيش؟ القضية في هذه التفاصيل".
يعتقد المتظاهرون أنه لا قوات الدعم السريع ولا الجيش السوداني جادين في التخلي عن نفوذهم على السياسة. ووفقًا لرويترز، سيكون لكل من القوتين ضابط مشارك في صياغة دستور السودان الجديد الذي سيشكل المعايير حول الحكومة المدنية القادمة.
"حميدتي لا يستطيع أن يقول فقط أنه يدعمنا ثم يتوقع منا أن ننسى أنه شارك في مذبحة 3 يونيو/حزيران".
في 3 يونيو/حزيران 2019، قادت قوات الدعم السريع مذبحة للمتظاهرين الذين اعتصموا خارج وزارة الدفاع وسط الخرطوم، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 120 شخصًا، وفقًا لما أفاد به ناجون ومصادر بحثية متاحة. في ذلك الوقت، كان المتظاهرون يطالبون النخب العسكرية بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية. أدى الضغط الشعبي في النهاية، بعد شهرين، إلى اتفاق تقاسم سلطة مجلس السيادة بين المجلس العسكري السوداني وقوى الحرية والتغيير.
منذ ذلك الحين، حاولت قوات الدعم السريع استعادة المصداقية بين المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية. فخلال نهائيات كأس العالم في قطر أواخر العام الماضي، فتح حميدتي أماكن في جميع أنحاء الخرطوم لجذب الشباب الذين يعيشون في ظروف صعبة لمشاهدة المباريات. ومع ذلك، حثت لجان المقاومة أحيائها على عدم حضور الفعاليات التي ترعاها قوات الدعم السريع، لذلك حضر عدد قليل من الناس.
وقالت سمر حمزة (26 عامًا) عضوة لجان المقاومة: "حميدتي يتطلع للحصول على قبول الشعب السوداني ويريدهم أن ينسوا كل ما فعلته قوات الدعم السريع بهم. لكن الجميع في السودان يعلم أن حميدتي كاذب".
في الشهر الماضي، أقر حميدتي بأن انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021 كان خطأً، بينما قال شقيقه ونائبه، عبد الرحيم دقلو، أن قوات الدعم السريع لن تسمح للجيش بقتل المزيد من المتظاهرين في الشوارع. جاء تحذير عبد الرحيم دقلو بعد أيام من إطلاق الشرطة النار وقتل متظاهر شاب يدعى إبراهيم مجذوب، ليرتفع عدد القتلى بين المتظاهرين منذ الانقلاب إلى 125 شخص.
وقالت دانيا العتباني، عضوة لجنة المقاومة في الخرطوم: "[قوات الدعم السريع] تكرر نفس الخطابات التي سمعناها [من قادة سودانيين آخرين] على مدى السنوات الخمس الماضية. كان يزعم سياسيون وأصحاب مصلحة مختلفون دعمهم للثورة وتعهدوا بأنهم لن يسمحوا لأي شخص بقتل المتظاهرين. لكن حميدتي لا يستطيع أن يقول فقط أنه يدعمنا ثم يتوقع منا أن ننسى أنه شارك في مذبحة 3 يونيو/حزيران".