فرانك فوغل مؤلف كتاب "الممكّنون: كيف يدعم الغرب المستبدين والفساد—ما يعرّض ديمقراطيتنا للخطر" (الناشر: رومان وليتلفيلد).
مع اقتراب حدوث المجاعة في قطاع غزة المدمر، حيث تتواصل الحملة العسكرية الإسرائيلية، ربما يناور قادة مصر وراء الكواليس لاستغلال الوضع. فقد سقطت فجأة كميات هائلة من العملة الصعبة في أيدي نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. ففي الأيام الأخيرة، توصلت حكومته إلى سلسلة من الاتفاقيات التي توفر بشكل جماعي أكثر من 50 مليار دولار من العملات الأجنبية لمصر التي تعاني من ضائقة مالية.
في عهد الجنرال السابق الذي استولى على السلطة في انقلاب عام 2013، قامت هذه الحكومة بسجن الآلاف من النقاد والمدافعين عن الديمقراطية والصحفيين. إنها الحكومة التي تهاجم الآن نشطاء حقوق الإنسان في شمال شبه جزيرة سيناء وهي الموقع المحتمل إذا حصلت إسرائيل على مرادها، لمخيم ضخم جديد للاجئين الفلسطينيين المتاخم لمعبري رفح وكرم أبو سالم على حدود غزة ومصر.
لا يوجد دليل دامغ حتى الآن يربط بين تدفق الأموال إلى مصر واستعداد نظام السيسي لتغيير سياسته المعلنة وقبول الفلسطينيين المهجرين قسرًا من غزة. ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الحكومة الإسرائيلية دفعت البنك الدولي إلى شطب جزء كبير من ديون مصر الخارجية مقابل استضافة السيسي للاجئين الفلسطينيين من غزة. وقد ظهرت تقارير مختلفة منذ ذلك الحين تقترح أمور مماثلة: بشكل أساسي النقد أو إلغاء الديون المستحقة على مصر إذا قبلت التهجير الجماعي للفلسطينيين.
وفي الآونة الأخيرة، كان هناك المزيد من التلميحات والقرائن.
سقطت فجأة كميات هائلة من العملة الصعبة في أيدي نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي حيث توصلت حكومته إلى سلسلة من الاتفاقيات التي توفر بشكل جماعي أكثر من 50 مليار دولار من العملات الأجنبية لمصر.
- فرانك فوغل
ولنبدأ بالخريطة. تُظهر صور الأقمار الصناعية للمنطقة الحدودية بين مصر وغزة، والتي حلّلها مختبر الأدلة التابع لمنظمة العفو الدولية الشهر الماضي "تطهير الأراضي وبناء جدار جديد" على الجانب المصري. وتدعم الصور تقريرًا صدر مؤخرًا عن مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، وهي منظمة مصرية تركز على شمال سيناء العسكري في مصر، يتناول بالتفصيل البناء السريع الذي قامت به السلطات المصرية لمنطقة محصنة حديثًا على طول الحدود مع غزة وإسرائيل. واستنادًا إلى روايات الشهود والصور ومقاطع الفيديو، أفادت مؤسسة سيناء أن بناء نقاط أمنية وجدار جديد حول حوالي 15 كيلومترًا من الأراضي الزراعية التي تم تطهيرها كان "لغرض استقبال اللاجئين من غزة في حالة التهجير الجماعي".
وردّ نظام السيسي بحملة تشهير وتهديدات ضد مؤسسة سيناء ومديرها المصري المقيم في المملكة المتحدة.
على هذه الخلفية، من الصعب أن نصدق أن الاندفاع لتزويد مصر بالنقود من العملة الصعبة هو مجرد صدفة.
فقد أعلن صندوق النقد الدولي، الذي ظل لسنوات يناقش حزمة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار للاقتصاد المصري المتدهور، بشكل غير متوقع في أوائل شهر مارس/آذار أنه توصل إلى اتفاق مع مصر بشأن خطة إنقاذ أكبر بكثير بقيمة 8 مليارات دولار. السبب الرسمي الذي قدمه صندوق النقد الدولي لهذه الزيادة الهائلة في التمويل هو الضرر المتزايد الذي لحق بالاقتصاد المصري بسبب الحرب على حدودها، وهو ما وصفه صندوق النقد الدولي بشكل ملطف بأنه "بيئة خارجية أكثر تحديًا".
وقد واجهت العديد من الاقتصادات النامية مشاكل ديون حادة في الأعوام الثلاثة الماضية، من سريلانكا إلى زامبيا، ولكن لم يتلق أي منها أي شيء مشابه لخطة إنقاذ بقيمة 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي. والولايات المتحدة هي إلى حد بعيد أكبر مساهم في صندوق النقد الدولي، بحصة تبلغ 16.5 في المئة ما يمنحها فعليًا حق النقض على الصندوق، لأن القرارات الرئيسية تحتاج إلى موافقة 85 في المئة. ولن يكون من المستغرب، نظرًا للمناقشات المكثفة التي تجري يوميًا بين القاهرة وواشنطن حول حل الحرب في غزة، أن تبذل الولايات المتحدة جهودًا حثيثة لتأمين هذا الحجم من سخاء صندوق النقد الدولي.
هل تدعم الولايات المتحدة المدفوعات الضخمة لنظام السيسي مقابل استضافة مصر للاجئين الفلسطينيين من غزة؟
-فرانك فوغل
وصندوق النقد الدولي ليس وحده في هذا الأمر. فقد أضاف الاتحاد الأوروبي إلى تدفقات العملة الأجنبية التي تحصل عليها القاهرة حزمة مساعدات تبلغ قيمتها نحو 8 مليارات دولار أخرى في شكل منح وقروض. ومن المفترض أن تعمل هذه الأموال على تعزيز الاقتصاد المصري المتدهور ومساعدة الاتحاد الأوروبي على منع حركة المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا عبر مصر. وكما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز: "يتضمن الاتفاق دعم قطاع الطاقة في مصر والمساعدة في التعامل مع العدد المتزايد من اللاجئين السودانيين في البلاد. كما يتعهد بالمساعدة في تحصين حدود مصر مع ليبيا، حيث يعبر الناس البحر الأبيض المتوسط في طريقهم إلى أوروبا، وفقًا لعدد من المسؤولين في الاتحاد الأوروبي المطلعين على الأمر".
وقبل ظهور هذه الأخبار من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي مباشرة، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة أنها ستقوم باستثمار استثنائي بقيمة 35 مليار دولار في مصر لتطوير منطقة رئيسية من الأراضي المملوكة للدولة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط تبلغ مساحتها الإجمالية 170 كيلومترًا مربعًا. ويهدف الاتفاق مع شركة أبوظبي القابضة (ADQ)، أحد صناديق الثروة السيادية الرئيسية في أبوظبي، إلى تطوير ضخم لشبه جزيرة رأس الحكمة شرق مرسى مطروح، والتي تهدف إلى تحويلها إلى مركز سياحي عالمي جديد فاخر. عادةً، يتم توزيع هذه الاستثمارات على مدى سنوات عديدة حيث يتم إنشاء البنية التحتية ببطء. ولكن لم يكن الأمر كذلك هنا. فقد تم بالفعل تحويل حوالي 15 مليار دولار إلى البنك المركزي المصري، وفقًا للتقارير، في حين سيتم تحويل الـ 20 مليار دولار المتبقية خلال الشهرين المقبلين.
ومن الصعب أن ننظر إلى هذه الصفقة على أنها صفقة استثمارية تجارية بحتة، حيث يرأس شركة (ADQ) الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، أحد أفراد العائلة المالكة الإماراتية وهو أيضًا مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات وشقيق الرئيس محمد بن زايد آل نهيان. وكما قال أحد مديري المحافظ لرويترز، أظهرت الصفقة أن مصر بالنسبة للإمارات العربية المتحدة "أكبر من أن تفشل".
ويأتي تدفق مليارات الدولارات إلى نظام السيسي في الوقت الذي "أصدرت فيه السلطات المصرية تشريعات جديدة من شأنها ترسيخ وتوسيع السلطات الواسعة بالفعل للجيش على الحياة المدنية بطريقة تقوض الحقوق"، وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش. وتمنح هذه القوانين الجديدة الصادرة في فبراير/شباط "سلطة جديدة واسعة النطاق للجيش ليحل محل وظائف معينة للشرطة والقضاء المدني وسلطات مدنية أخرى بشكل كامل أو جزئي، وتوسيع نطاق اختصاص المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين".
هذا هو النظام الذي أهدر المليارات من المال العام على مشاريع عملاقة باهظة، بما في ذلك عاصمة إدارية جديدة في الصحراء خارج القاهرة. وكثيرًا ما فازت الشركات المملوكة للجيش بعقود هذه المشاريع، ولم يكن هناك سوى القليل من الشفافية أو المساءلة عن التكاليف المذهلة. لقد انتقل نظام السيسي مرارًا وتكرارًا من أزمة اقتصادية إلى أخرى، لكنه وجد دائمًا طرقًا لتأمين عمليات الإنقاذ من المانحين الخليجيين. وبالنسبة لصندوق النقد الدولي، فإن حزمة الإنقاذ التي تبلغ قيمتها 8 مليارات دولار تبعث برسالة مفادها أن الصندوق سوف يتغاضى عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر وسياساته المعلنة لمكافحة الفساد.
وبما أن صندوق النقد الدولي لا يستطيع إبرام مثل هذه الصفقة الكبيرة دون دعم الولايات المتحدة، فإن الأمر يبدو بمثابة علامة أخرى على أن واشنطن، مرة أخرى، أعطت الأولوية لـ "الأهمية الاستراتيجية" للعلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة ومصر على المخاوف بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان والفساد. ولكن هل هي أيضًا علامة على دعم الولايات المتحدة لمدفوعات ضخمة لنظام السيسي مقابل استضافة مصر للاجئين الفلسطينيين من غزة؟ سنرى ذلك مع مرور الوقت.