حميد خلف الله زميل غير مقيم في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط يركز على الحوكمة الشاملة والتعبئة في السودان. وهو أيضًا مسؤول برامج في المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA) الذي يدعم الانتقال الديمقراطي في السودان.
الخرطوم—منذ قرابة أسبوعين من اندلاع حرب شخصيات في السودان بين جنرالين، أصبحت حياة ملايين المواطنين في الخرطوم وفي جميع أنحاء البلاد شبه مستحيلة. أكتب هذه المقالة في الظلام بالخرطوم، حيث انقطع التيار الكهربائي منذ صباح 15 أبريل/نيسان، عندما بدأ القتال العنيف في العاصمة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية. كما أن المياه انقطعت في منازلنا منذ ذلك الحين، ونفدت إمداداتنا الغذائية، وأغلقت المتاجر القريبة أبوابها. هذا هو وضع عائلة من الطبقة المتوسطة العليا، في حي لائق نسبيًا من المدينة. من المستحيل تخيل مدى تأثير هذه الحرب على العائلات الأقل حظًا.
ومع تعليق جميع مشاريع المساعدات الإنسانية الآن، بدأت أزمة إنسانية كاملة تتكشف في السودان. إنّ استمرار هذا الصراع يهدد بجرّ البلاد إلى حرب أهلية شاملة تدور رحاها في المراكز الحضرية والمناطق الريفية على حد سواء. ومع انحياز الجهات الخارجية من مصر إلى الإمارات العربية المتحدة إلى جانب أو آخر، فإن القتال يحمل أيضًا جميع السمات لتطور هذا الصراع إلى حرب وحشية بالوكالة تجتاح منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. هناك طريقة واحدة فقط لتغيير مسار الأحداث التي تلوح في الأفق: هذه الحرب يجب أن تنتهي على الفور.
منذ ثورة عام 2019، واصل المجتمع الدولي وضع ثقته وحسن نيته في كلا الجنرالين—على الرغم من أن أيا منهما لم يثبت أنه يستحق ذلك.
- حميد خلف الله
الحرب بين الجنرالين—قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع اللواء محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"—يبدو أنها لن تنتهي قريبًا. كلا الجنرالين عازمان على القضاء على بعضهما البعض. تم الإعلان عن ثلاث اتفاقيات لوقف إطلاق النار في وقت مبكر، ولكن لم يتم الالتزام بها. تباطأ القتال فقط عندما تم إجلاء الدبلوماسيين الأجانب في الأيام الأخيرة—وهو مؤشر ينذر بالخطر ويشير الى أن حياة الشعب السوداني أصبحت غير مهمة للعالم الخارجي. وبحسب منظمة الصحة العالمية، قُتل أكثر من 420 شخصًا بنهاية الأسبوع الأول من القتال. بعد إعلان الهدنة الرابعة في وقت مبكر من هذا الأسبوع مساء 24 أبريل/نيسان، في أعقاب جهود بقيادة الولايات المتحدة، تم انتهاكها في صباح اليوم التالي، حيث اتهم الطرفان بعضهما البعض بخرقها. يشير عدم الالتزام بوقف إطلاق النار إلى أن كلًا من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع غير مهتمين بإنهاء حربهم بعد.
كل هذا ترك المدنيين السودانيين يواجهون خطورة الوضع بأنفسهم. أصبح وصول المساعدات الإنسانية شبه معدوم، مع عدم وجود ضمان للممرات الآمنة. يتم إجلاء الأجانب بأمان وتحت الحماية. وفي نفس الوقت، يفر السكان المحليون من الخرطوم بشكل جماعي إلى ولايات أخرى في السودان أو إلى دول مجاورة بحثًا عن ملاذ آمن. ومع ذلك، فهذه الرحلات باهظة الثمن ومرهقة ومهينة في كثير من الأحيان ولا يستطيع معظم السودانيين، الذين عانوا بالفعل من أزمة اقتصادية منذ سنوات، تحملها. حجم الكارثة في السودان يتطلب من جميع القوى الدولية العمل معًا بشكل منسق لإنهاء هذه الحرب.
للحكومات الأجنبية، إلى جانب الكيانات الدولية والإقليمية، تاريخ طويل في التوسط في الأزمات السودانية، من الحرب في دارفور إلى ما بعد الانتفاضة الشعبية عام 2019 التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير. حتى أن البعض قد يقول بأن تدخلاتهم منذ عام 2019 ساهمت في التصعيد بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مما أدى إلى اندلاع الحرب الحالية. وعلى أمل ضمان الأمن والاستقرار في السودان، وبالتالي المنطقة بأكملها، دعت القوى العالمية بقوة إلى إشراك القادة المدنيين في السلطة مع الجيش في الخرطوم. وعلى الرغم من قيام الضباط العسكريين بإعاقة التحول الديمقراطي في السودان في عدة مناسبات، بما في ذلك انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، إلا أنهم لم يخضعوا للعقوبات ولم يواجهوا أي عواقب. لقد أضفت مثل هذه الأساليب الخجولة الشرعية على الطموحات السياسية للجنرالات وجعلتهم يعتقدون أنهم محصنون أساسًا من العقاب أو أي عواقب دولية.
كما أن للحرب الشخصية بين البرهان وحميدتي روابط عابرة للحدود، حيث أن كلًا من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع—ميليشيات الجنجويد السابقة التي أرهبت دارفور والتي أعاد البشير تشكيلها لتعزيز سلطته—لها حلفاء إقليميون ودوليون متورطون في هذه الحرب بشكل او بأخر.
كل هذه العوامل تشير إلى أن هناك دورًا حاسمًا على المجتمع الدولي أن يلعبه في إنهاء هذه الحرب. ومع ذلك، فإن القوى الخارجية، بما في ذلك الولايات المتحدة، بحاجة إلى تغيير الطريقة التي يتعاملون بها مع السودان، وخاصة مع البرهان وحميدتي. منذ ثورة عام 2019، واصل المجتمع الدولي وضع ثقته وحسن نيته في كلا الجنرالين—على الرغم من أن أيا منهما لم يثبت أنه يستحق ذلك. استمر الجنرالان، المنحدران من نظام البشير، في عدم الوفاء بالوعود المتعلقة بالانتقال السياسي في السودان، لا سيما فيما يتعلق بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية، دون أي عواقب من الدول التي يُفترض أنها تدعم الديمقراطية في السودان.
حتى بعد أن انقلب البرهان وحميدتي على بعضهما البعض وأغرقا السودان في حرب من صنعهما، لا يزال اللاعبون الدوليون يستخدمون المناشدات والتصريحات الضعيفة لمحاولة التأثير على الجنرالين.
- حميد خلف الله
وبلغ ذلك ذروته في انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، الذي نظمه البرهان وحميدتي معًا، للإطاحة بالحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون وإعاقة الانتقال الديمقراطي في السودان. وعدت الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى بفرض عقوبات على قادة الانقلاب، لكنها لم تُنفَّذ قط. حتى بعد أن انقلب البرهان وحميدتي على بعضهما البعض وأغرقا السودان في حرب من صنعهما، لا يزال اللاعبون الدوليون يستخدمون المناشدات والتصريحات الضعيفة لمحاولة التأثير على الجنرالين.
لقد حان الوقت لاتخاذ إجراء حقيقي، من خلال استخدام الولايات المتحدة ودول أخرى لنفوذها على الحليفين الإقليميين للجنرالين، من مصر إلى الإمارات العربية المتحدة، لإنهاء الاقتتال. إنّ قطع إمدادات الأسلحة عن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتهديد العلاقات بين الجنرالين مع هذه القوى الإقليمية، لن يترك خيارات للبرهان وحميدتي سوى التراجع. علاوة على ذلك، فإن السعي الجاد لفرض عقوبات مستهدفة سيهدد مصالحهما المالية العابرة للحدود الوطنية، والتي هي في صميم هذا الصراع على السلطة. يجب استخدام هذا النفوذ لممارسة ضغط جدي على البرهان وحميدتي للالتزام بهدنة والدخول في محادثات لإنهاء الحرب. الوضع حرج، ووقت الرسائل الفارغة يجب أن ينتهي.