فرانك فوغل مؤلف كتاب "الممكّنون: كيف يدعم الغرب المستبدين والفساد—ما يعرّض ديمقراطيتنا للخطر" (الناشر: رومان وليتلفيلد).
English
بطرق قانونية وغير قانونية لا تعد ولا تحصى، تتواطأ الحكومات الغربية في دعم الأنظمة الاستبدادية في جميع أنحاء العالم العربي، وبالتالي تعزيز سطوة تلك الأنظمة. تم اتباع سياسات مماثلة تجاه روسيا على مدى العقود الثلاثة الماضية، ما عزز ثروة الرئيس فلاديمير بوتين وسلطته، وبلغت ذروتها في غزوه لأوكرانيا. قد تؤدي سياسات التواطؤ مع الحكومات الاستبدادية في الشرق الأوسط أيضًا إلى زيادة التهديدات والمخاطر الأمنية، ما يثبت في النهاية أنها كارثية مثل تلك التي استفاد منها الكرملين.
علينا أن نضع في الاعتبار رائحة الفساد التي تحوم حول صفقة جاريد كوشنر الأخيرة مع صندوق الثروة السيادي السعودي، كما أوردتها صحيفة نيويورك تايمز في أوائل أبريل/نيسان. استخدم صهر الرئيس السابق دونالد ترامب وكبير مستشاريه في البيت الأبيض منصبه الرسمي لتعميق علاقاته بالقيادة السعودية، وخاصة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خلال إدارة ترامب. بعد ذلك، عند مغادرته الحكومة، استغل كوشنر بسرعة ونجاح هذه العلاقات لتحقيق مكاسب شخصية.
لا يتمتع كوشنر بأي خبرة في الأسهم الخاصة، لكنه حصل على استثمار بقيمة 2 مليار دولار في شركته الجديدة للأسهم الخاصة (Affinity Partners) من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، على الرغم من اعتراضات مستشاري الاستثمار الخاصين بالصندوق، الذين تم رفض قرارهم مقابل رأي رئيس الصندوق، ولي العهد. هل يرى محمد بن سلمان هذا الاستثمار في شركة كوشنر أنه وسيلة لشراء المزيد من النفوذ في واشنطن في حالة عودة ترامب إلى البيت الأبيض؟
بعد ثلاثة أيام من انتشار هذا الخبر، في 13 أبريل/نيسان، أعلن مكتب المدعي العام السويسري أنه أغلق تحقيقه الذي استمر 11 عامًا في الفساد وغسيل الأموال المتعلق بالنقد الذي جمده في البنوك السويسرية والذي يخص عائلة الرئيس المصري الراحل حسني مبارك. نتيجة لذلك، تمتلك عائلة مبارك الآن سيطرة كاملة على أكثر من 620 مليون دولار من الأموال في سويسرا، وحصل ابنا مبارك، علاء وجمال، على حوالي 270 ألف دولار من السلطات السويسرية لتغطية التكاليف القانونية. قام حسني مبارك بطريقة ما بإيداع مئات الملايين من الدولارات في البنوك السويسرية، على الرغم من أنه طوال حياته المهنية، كان دخله الرسمي من الرواتب العامة في مصر، أولًا كضابط في القوات الجوية المصرية ثم نائبًا للرئيس وبعدها رئيسًا.
زعم السويسريون أنهم لم يتمكنوا من الحصول على أي دليل ضد مبارك من الحكومة المصرية. إنّ تحقيقها الهزلي وقرارها النهائي غير مفاجئ—فآخر شيء تريد السلطات السويسرية الاعتراف به هو أن بنوكها راغبة في العمل نيابة عن القادة الأجانب الفاسدين وشركائهم وأخذ أموالهم القذرة. علاوة على ذلك، سيشجع القرار السويسري الفاسدين في جميع أنحاء العالم على الشعور بأن ما ينهبونه سيكون في أمان عندما يضعونه في أيدي سويسرا.
وفي أبريل/نيسان أيضًا، علمت أسرة الاقتصادي والباحث المصري أيمن هدهود، 48 عامًا، من الشرطة في القاهرة أنه توفي بعد اعتقاله في أوائل فبراير/شباط. تضمنت أبحاثه، قبل إلقاء القبض عليه، قضايا تتعلق بالرشوة الحكومية المزعومة. وبحسب ما أوردته منظمة (DAWN)، فإن وفاته لها شبهة جنائية وتوحي بشكل واضح أنه تعرض للتعذيب. أيمن هدهود هو خامس مصري يموت في حجز الدولة حتى الآن هذا العام. في حين تطرقت وزارة الخارجية الأمريكية أخيرًا لمقتله في إيجاز صحفي في 2 مايو/أيار، قائلة أنها "منزعجة بشدة" من التقارير المنشورة حول هذا الأمر ودعت إلى "تحقيق شامل وشفاف وموثوق،" إلا أنني لم أجد كلمة احتجاج على مقتل هدهود على الموقع الإلكتروني لسفارة الولايات المتحدة في القاهرة—والذي يوضح بفخر أن العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر "متجذرة في المصالح والقيم المشتركة."
ومع ذلك، فإن الحكومة الأمريكية تتجاهل باستمرار القيم الأساسية في مصر وفي جميع أنحاء العالم العربي والتي تعتبر حيوية للغاية للحفاظ على الديمقراطية وبنائها: حرية الصحافة والتعبير والتجمع والحوكمة المسؤولة واحترام حقوق الإنسان ونهج عدالة سليم يضمن عدم وجود أي شخص فوق القانون.
معظم الحكومات الأوروبية ليست أفضل حالًا. إنّ الترويج لهذه القيم في الشرق الأوسط أصبح أمرًا ثانويًا لاسترضاء الحكّام المستبدين الذين أبرموا صفقات أسلحة مربحة، وعززوا علاقات تجارية حميمة وأمّنوا الوصول إلى النفط والموارد الطبيعية الأخرى. لقد تفوقت التجارة على القيم في كل مرة في الدبلوماسية الغربية في جميع أنحاء المنطقة، كما فعلت ذلك بالنسبة لروسيا—على سبيل المثال، ما جعل ألمانيا تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز الروسي.
كتب الفنان الصيني آي ويوي، في مذكراته الجديدة 1,000 عام من الفرح والحزن: "إنّ فساد القضاء هو الوجه العلني لكيان سياسي مفلس أخلاقي، وهو نقطة سوداء تشوه العصر الذي نعيش فيه." تسيطر حكومات معظم الدول العربية على القضاء والنيابة العامة والشرطة وأجهزة المخابرات والجيش—ما يضمن أنهم فوق القانون. إنهم يستخدمون حصانتهم في السرقة من مواطنيهم عن طريق الاستيلاء على عائدات الضرائب، وتلقي الرشاوى على عقود القطاع العام، ونهب الشركات المملوكة للدولة. لقد أفلسوا البلاد، كما فعلت الحكومات المتعاقبة في لبنان، وألقوا بالبلاد في أزمة سياسية واجتماعية.
لقد كانت الحكومات الغربية متواطئة مع مثل هذا الفساد الكبير في جميع أنحاء العالم العربي بطرق أخرى. لقد شجعوا الكسب غير المشروع من خلال الفشل في ضمان التطبيق الصارم لقوانين مكافحة الفساد وغسيل الأموال، والفشل في تعزيز القوانين واللوائح القائمة. لقد غضّوا الطرف عن الكثير من التدفقات النقدية غير المشروعة التي تجد طريقها إلى قصور لندن، واليخوت الفاخرة الراسية في جنوب فرنسا، والفنون الجميلة التي يتم شراؤها في دور المزادات الكبرى، ومبالغ هائلة من الاستثمارات في الأسهم والسندات في أكبر البورصات.
لإدارة هذه الاستثمارات والتأكد من أنها آمنة وسرية، يحتاج هؤلاء الفاسدون ورفاقهم إلى ممكّنين: المصرفيين والمحامين ومراجعي الحسابات ووكلاء العقارات وغيرهم من المستشارين الماليين في وول ستريت ولندن وزيورخ وبشكل متزايد في دبي، الملاذ المفضل الجديد بالنسبة إلى الأوليغارشية الروسية التي تشعر الآن بوطأة العقوبات في المملكة المتحدة. كما هو الحال بالنسبة لحسني مبارك وأبنائه، تعتبر البنوك السويسرية من الشركاء المهمين، والتي بدورها تنقل مبالغ ضخمة من النقد من خلال أماكن إدارة الثروات إلى أسواق رأس المال العالمية.
ومع ذلك، يجب أن يتنافس السويسريون مع بعض أكبر البنوك في العالم التي تتخذ من أوروبا والولايات المتحدة مقرًا لها. عندما يتم محاكمة رؤساء تلك البنوك، في حالات نادرة، من قبل وزارة العدل الأمريكية بتهمة غسيل الأموال، فإنهم يوافقون على التسوية مع الغرامات. لم تتم مقاضاة رئيس أو رئيس تنفيذي واحد في أي من البنوك الكبرى الذين تم كشف فسادهم أو تم إجبارهم على الاستقالة. الغرامات هي مجرد تكلفة لممارسة الأعمال التجارية.
لم تدرك الولايات المتحدة وأوروبا الغربية تمامًا حماقة سياساتها المتعلقة بالتواطؤ مع روسيا إلا بعد فوات الأوان، بعد غزو بوتين لأوكرانيا. لقد فرضوا عقوبات كبيرة على البنوك والشركات الروسية، فضلًا عن الأفراد الأوليغارشيين والمسؤولين الحكوميين الروس، حيث سارع العديد من دول الاتحاد الأوروبي لتقليل اعتمادهم على النفط والغاز الروسي. في الوقت نفسه، أعلنت الولايات المتحدة أنها تزيد الأموال المخصصة لإنفاذ القانون لملاحقة غاسلي الأموال ووضع اللمسات الأخيرة على اللوائح لضمان أن وزارة الخزانة الأمريكية يمكن أن تحصل بسهولة أكبر على هويات المالكين المستفيدين من الشركات القابضة، والتي غالبًا ما تُستخدم لأغراض الفساد. كما يجري النظر في اتخاذ تدابير أخرى لمكافحة الفساد.
لكن التركيز الوحيد للحكومات الغربية عندما يتعلق الأمر بالفساد الأجنبي لا ينبغي أن يكون على روسيا. يؤدي تجاهل الفساد في منطقة الشرق الأوسط إلى ترسيخ الأنظمة العربية الفاسدة، ما يجعلها تشعر بمزيد من الأمان في دعم الغرب لها لأنها تكدس المزيد من الأموال غير المشروعة وتحكم تلك البلدان مع الإفلات من العقاب. لا مفر من أن يؤدي هذا إلى تعزيز غطرسة بعض هؤلاء القادة ورغبتهم في توسيع سلطتهم، ما يوفّر العواقب المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.
كوشنر يحصل على نقوده. عائلة مبارك تحصل على نقودها. في غضون ذلك، لا تزال المساعدات الأمريكية تتدفق. تلقت مصر أكثر من 50 مليار دولار من المساعدات العسكرية و 30 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية من الولايات المتحدة منذ عام 1978. أدى الخفض الطفيف في المساعدات الأمريكية السنوية هذا العام بمبلغ 130 مليون دولار احتجاجًا على انتهاكات حقوق الإنسان في مصر إلى فقدان كامل مصداقية ذلك الإجراء عندما دعمت إدارة بايدن صفقة سلاح جديدة بمبلغ 2.5 مليار دولار للحكومة المصرية.
وبدلًا من النظر في الاتجاه الآخر أو حتى مساعدة الفساد بين حلفائهم وشركائهم في العالم العربي، يجب على المسؤولين الأمريكيين بل والحكومات في جميع أنحاء الغرب أن يتعاملوا مع الفطرة السليمة التي عبّرت عنها ماري يوفانوفيتش، السفيرة الأمريكية السابقة في أوكرانيا، والتي تتحدث عن خبرتها الممتدة لأكثر من 30 عامًا كدبلوماسية في مذكراتها الجديدة، دروس من الحافة، حيث قالت: "على الأقل من حيث المبدأ، فإن قيمنا ومصالحنا تكون أكثر تماشيًا عندما يتعلق الأمر بمكافحة الفساد."
وتقول: "عندما ينظر القادة إلى مناصبهم في الحكومة على أنها مكاسب تخدم مصالحهم الشخصية بدلًا من مصالح ناخبيهم، فإن ذلك لا يتعارض مع قيمنا فحسب، بل يتعارض أيضًا مع مصالحنا، ولا سيما مصالحنا طويلة الأجل."