محمد علي كلفود صحفي يمني مستقل يعمل بين صنعاء والحديدة. كتب للعديد من المنصات الإخبارية الدولية، بما في ذلك نيويورك تايمز وذا إنترسبت وذا نيو هيومانسر (إيرين سابقًا) والتليغراف والجزيرة الإنجليزية. عمل سابقًا كمدير تحرير لصحيفة يمن أوبزرفر.
عبده علي مدرّس سابق يبلغ من العمر 43 عامًا، نازح في مدينة الحديدة على الساحل الغربي لليمن. في عام 2017، هرب هو وعائلته من موقع القتال بالقرب من مسقط رأسهم في الدريهمي، جنوب محافظة الحديدة. كانت الدريهمي بؤرة معركة الحديدة بين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية والتي امتدت إلى جميع المحافظات تقريبًا، قبل أن توقّع الأطراف المتحاربة اتفاق ستوكهولم الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في يونيو/حزيران 2018. تضمنت الصفقة وقف إطلاق النار وغضت النظر عن حصار الحديدة وموانئها البحرية الثلاثة.
وعلى الرغم من هذا الاتفاق، لم يتم إعادة نقل الجنود من كلا الجانبين من المنطقة كما تم الاتفاق عليه ولم تنته الأعمال العدائية بشكل كامل. أدى القتال المستمر في الحديدة إلى نزوح آلاف العائلات من منازلهم وترك مناطق مترامية الأطراف مليئة بالألغام الأرضية، لا سيما في مناطقها الجنوبية، بما في ذلك الدريهمي.
قال لي عبده: "لقد اضطررنا إلى مغادرة مسقط رأسنا لمدة خمس سنوات. كنت أعمل مدرّسًا هناك، وأعتني بأطفالي الأربعة مع والدتهم. الآن أنا أعمل في مطعم صغير وأتقاضى أجرًا يوميًا بسيطًا بالكاد يساعدني في إعالة أسرتي".
هذه هي الحقيقة التي يواجهها الكثير من اليمنيين الذين يأملون في التوصل إلى حل للسلام، بعد محادثات استمرت أسبوعًا بين المسؤولين السعوديين والحوثيين، بوساطة عُمانية، وانتهت للتو في صنعاء. تمثل المفاوضات العلنية المباشرة الأولى بين ممثلين عن الجانبين السعودي والحوثي منذ بدء الحرب قبل أكثر من ثماني سنوات، تقدمًا نادرًا في الجهود الدولية نحو تسوية سلمية لإنهاء الصراع السياسي متعدد الأوجه في اليمن، بعد انتهاء فترة وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة على مستوى البلاد العام الماضي. لقد تمت هذه المحادثات بعد أسابيع فقط من التقارب غير المتوقع بين السعودية وإيران، الداعم الرئيسي للحوثيين، والذي تم بوساطة من بكين.
على عكس المحادثات السابقة التي أدت إلى هدنة أبريل 2022 أو اتفاق ستوكهولم 2018، فإن هذه الجولة الجديدة من المفاوضات بين السعودية والحوثيين لها هدف أوسع وأكثر طموحًا: إقامة انتقال سياسي في اليمن، تشارك خلاله جميع الأطراف اليمنية في محادثات سلام مكثفة، تحت رعاية الأمم المتحدة.
- محمد علي كلفود
قال السفير السعودي في اليمن محمد بن سعيد آل جابر في تغريدة على تويتر يوم الاثنين أن المحادثات تهدف إلى "تثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار ودعم عملية تبادل الأسرى وبحث سبل الحوار بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام في اليمن". كما غرّد محمد البخيتي، أحد قادة الحوثيين، بأن المسؤولين السعوديين والعُمانيين يناقشون "سبل تحقيق سلام شامل ودائم في المنطقة". وقال أنه سيكون "انتصارًا لكلا الطرفين لتحقيق السلام"، وحث جميع الأطراف على اتخاذ خطوات "للحفاظ على جو سلمي والاستعداد لطي صفحة الماضي".
استمرت المفاوضات السابقة بين الأطراف المتحاربة منذ عام 2019 من خلال وساطة الأمم المتحدة، ولكن دون نهاية واضحة تلوح في الأفق. كما أن تلك المحادثات التي توسطت فيها الأمم المتحدة لم تكن أبدًا علنية أو رفيعة المستوى مثل زيارة السفير السعودي الذي سافر إلى صنعاء للقاء قادة الحوثيين كما فعل الأسبوع الماضي. وقال البخيتي: "على عكس المرات السابقة، شعرنا بجدية من المملكة العربية السعودية". وبحسب بعض التقارير، يُقال الآن أن هناك مسودة اتفاقية مطروحة على الطاولة تتماشى مع عملية الأمم المتحدة التي أسفرت عن وقف إطلاق النار الأولي لمدة ستة أشهر في أبريل/نيسان الماضي.
وبحسب هذه التقارير، فإن مسودة الاتفاقية هذه تتضمن تجديد لوقف إطلاق نار لفترة أطول حتى نهاية عام 2023، ما يؤدي إلى مرحلة مدتها ثلاثة أشهر من المحادثات الأوسع حول إدارة فترة انتقالية مدتها عامين، يتم خلالها تفاوض أطراف النزاع في اليمن على تسوية شاملة للصراع. كما تشمل وجود التزامات بدفع رواتب موظفي القطاع العام في جميع أنحاء اليمن، وإعادة فتح موانئ اليمن البرية والجوية والبحرية بالكامل من خلال رفع الحصار الذي تقوده السعودية، وسحب القوات الأجنبية—وهي مطالب كان يطرحها الحوثيون منذ فترة طويلة في مفاوضات سابقة.
مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي للحوثيين، يلتقي محمد الجابر، السفير السعودي في اليمن، في صنعاء، 9 أبريل 2023.
وفي حين تم الاتفاق على معظم هذه القضايا بشكل عام في محادثات سابقة، كان المفاوضون في صنعاء يسعون بشكل أساسي إلى "آلية تنفيذ"، بحسب ما يذكره البخيتي. لكن أعضاء الوفدَين السعودي والعُماني غادروا صنعاء يوم الخميس، تاركين وراءهم عددًا من القضايا العالقة، بما في ذلك "آلية للإنصاف والتعويض".
وقال محمد عبد السلام رئيس وفد الحوثي لقناة المسيرة التي يديرها الحوثيون أن "المفاوضات في صنعاء انتهت بعد لقاءات جادة وإيجابية على أمل استكمال الملفات العالقة في وقت لاحق".
وبدأ يوم الجمعة تبادل الأسرى لمدة ثلاثة أيام، وهو ثاني أكبر تبادل للأسرى منذ عام 2015، حيث من المقرر إطلاق سراح 900 سجين من الجانبين بدعم لوجستي من اللجنة الدولية للصليب الأحمر. في اليوم الأول، نُقل 318 أسيرًا أُفرج عنهم جوًا على متن طائرات استأجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر من وإلى صنعاء وعدن. ويُعتقد أن تبادل الأسرى المعقد هو إجراء كبير لبناء الثقة وسط الجولة الأخيرة من المحادثات السعودية الحوثية. وقبل يوم واحد من وصول الوفد السعودي إلى صنعاء، أفرجت الرياض عن 13 أسيرًا حوثيًا.
لكن مع كل هذا التقدم، هل ما يحدث حقًا مقدمة للسلام الدائم في اليمن؟ فعلى عكس المحادثات السابقة التي أدت إلى هدنة أبريل/نيسان 2022 أو اتفاق ستوكهولم 2018، فإن هذه الجولة الجديدة من المفاوضات العلنية بين السعودية والحوثيين لها هدف أوسع وأكثر طموحًا: إقامة انتقال سياسي في اليمن، تشارك خلاله جميع الأطراف اليمنية في محادثات سلام مكثفة، تحت رعاية الأمم المتحدة.
"ما زلت أعتقد أننا بعيدون عن حدوث حوارات يمنية يمنية، لأن هذا ليس ما يريد الحوثيون التفاوض بشأنه مع السعودية".
-فرناندو كارفاخال
وفي حين أن هذه الجولة الجديدة من الدبلوماسية هي خطوة إلى الأمام بالنسبة لليمن، لا يزال المحللون والمراقبون قلقون من ألّا تؤول إلى إنهاء كامل للحرب.
قال فرناندو كارفاخال، الذي عمل في فريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن، "ما زلت أعتقد أننا بعيدون عن حدوث حوارات يمنية يمنية، لأن هذا ليس ما يريد الحوثيون التفاوض بشأنه مع السعودية". وأضاف أن الحوثيين "ليسوا بحاجة للتعامل مع مبعوث الأمم المتحدة [هانز غروندبرغ] لأن السعودية ستثبت أنها المزود الأساسي لما يريده الحوثيون: المال والشرعية والسلطة".
كما حذر كارفاخال من أنه "لا يمكننا التحدث عن ضمان التنفيذ حتى نعرف تفاصيل الاتفاق ونرى ما يحصل عليه كل جانب أو ما يقدمه كتنازلات".
وكانت ندوى الدوسري، الباحثة اليمنية في معهد الشرق الأوسط، أكثر تشككًا، حيث قالت لموقع ميدل إيست آي أن "هذه المحادثات لا علاقة لها باليمن. هذه المحادثات بين السعوديين والحوثيين. هذه المحادثات لا علاقة لها بالأطراف الأخرى في اليمن".
ويبقى أن نرى ما الذي ستعنيه هذه المحادثات في نهاية المطاف للعديد من اليمنيين، مثل عبده علي، الذين نزحوا بسبب الحرب ويعانون من عواقبها الإنسانية لسنوات. قالت نيكو جعفرنيا، الباحثة في الشؤون اليمنية في منظمة هيومن رايتس ووتش، في تغريدة على تويتر: "إنّ تجديد الهدنة/اتفاق السلام المحتمل في اليمن سيكون تطورًا كبيرًا". لكنها حذرت من أنه "لا يمكن أن يكون هناك سلام حقيقي حتى يتم معالجة الأضرار التي لحقت بالمدنيين في هذا الصراع. المساءلة هي ضرورة وليست عائقًا أمام السلام المستدام".