استاذ مساعد باحث في مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية. يتابع الاتجاهات الجيوسياسية والأمنية في الشرق الأوسط وسياسات القوة العظمى، وسلوك الدول الصغيرة ، والمخاطر والتهديدات الناشئة غير التقليدية ، مع التركيز بشكل خاص على سياسات تركيا الخارجية والدفاعية ، والعلاقات التركية العربية ، والعلاقات التركية الخليجية.
English
تعمل تركيا ومصر مؤخرًا على تعديل سياستهما الخارجية للتكيف مع الديناميات الإقليمية والدولية الجديدة في أعقاب فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية واتفاق العُلا بين دول مجلس التعاون الخليجي مطلع العام 2021.
في 19 مارس/آذار 2021، أشارت تقارير إخبارية إلى أن تركيا طلبت من قنوات التلفزيون المصرية المعارضة العاملة في تركيا تخفيف حدة الانتقادات الموجهة ضد الحكومة المصرية.
هذه البادرة، كانت جزءًا من تقارب محتمل حيث تناقش أنقرة والقاهرة القضايا الاستخباراتية والدبلوماسية واستكشاف الفرص لتحسين العلاقات.
وكانت ساءت العلاقات بين أنقرة والقاهرة في أعقاب الانقلاب العسكري عام 2013 الذي أطاح بأول رئيس منتخب بحُرية في مصر، محمد مرسي.
وأسفر الانقلاب الذي قاده وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي عن مذبحة كبيرة، وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش بأنها "واحدة من كبرى وقائع قتل المتظاهرين في العالم في يوم واحد في التاريخ الحديث".
كان الانقلاب مدعومًا إقليميًا بمعسكر مناهض للثورات بقيادة الإمارات والسعودية. بعد ذلك، صنّفت القاهرة وأبو ظبي والرياض جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية وقمعت الجماعة داخل بلدانهم.
وفي أعقاب الانقلاب، حظرت الحكومة المصرية كامل المعارضة السياسية والإعلام المستقل، وبدأت محاكمات جماعية لآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وحكمت على العديد من قادتها بالإعدام، بمن فيهم مرسي، الذي توفي في السجن منذ قرابة عامين.
الرئيس التركي أردوغان، كان حليفًا وثيقًا للرئيس المصري السابق مرسي، وأدان بشدة الانقلاب عليه. ورفضت تركيا الاعتراف بشرعية نظام السيسي بعد الانقلاب، وأصبحت البلاد ملاذًا آمنًا للمعارضة المصرية.
وفيما أطلقت شخصيات ليبرالية وجماعة الإخوان المسلمين المعارضين للانقلاب قنوات تلفزيونية من اسطنبول، استطاعت هذه القنوات، خلال فترة وجيزة، جذب عدد كبير من المشاهدين وأصبحت كابوسًا للحكومة المصرية، حيث سلطت الضوء على قمع النظام وطغيانه وفساده واستبداده.
وأمرت أنقرة مؤخرًا قنوات المعارضة المصرية التلفزيونية في تركيا بالتخفيف من حدة انتقاداتها للحكومة المصرية. ومنذ ذلك الحين، بدا أن أردوغان يتجه نحو مصر وحلفائها الخليجيين.
سيكون مثل هذا المحور أمرًا سيئًا للمعارضة المصرية في تركيا، على الأقل، وفقًا للعديد من وسائل الإعلام الأجنبية ومنصات التواصل الاجتماعي، التي حاولت نشر الخوف بين أوساط الجالية المصرية في المنفى في تركيا.
وبثّت قناة العربية السعودية التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقرًا لها، سلسلة من القصص الإخبارية العاجلة الكاذبة عبر بثها التلفزيوني وحسابها على تويتر، زاعمة أن تركيا جمّدت تسليم جوازات السفر للمعارضين المصريين، وأنها بصدد مراجعة أوضاع جميع الأفراد المصريين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين الذين يعيشون في تركيا.
وذكرت كذلك أن السلطات التركية أمرت عددًا من أعضاء جماعة الإخوان المصريين بمغادرة البلاد نتيجة للتحقيقات التركية في غسل الأموال وتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة من قبل قيادات الإخوان المسلمين، ما جعل العديد منهم يقومون بتحويل أموالهم إلى خارج تركيا.
إلا أن هذه التقارير كاذبة. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها قناة العربية، التي لديها ما يقرب من 20 مليون متابع على حسابها على تويتر، تنبيهات الأخبار الوهمية كأداة سياسية. وكانت قناة العربية نشرت أخبارًا كاذبة بشأن أمير قطر في الفترة التي سبقت أزمة مجلس التعاون الخليجي عام 2017.
وفي هذا الصدد، تؤكد العديد من وسائل الإعلام الإخبارية الإماراتية والسعودية أن الاتصالات الأخيرة بين تركيا ومصر بدأت عندما قررت أنقرة، من موقع ضعف، التقارب مع السيسي والحكومة المصرية، والتي نجحت لاحقًا في إجبار تركيا على الانصياع لمطالب وشروط معينة.
كما زعمت هذه الوسائل الإعلامية نفسها أن التقارب بين تركيا ومصر سيأتي بالتأكيد على حساب المعارضة المصرية.
هذا الخطاب، شجّع على حملات تشويه السمعة ضد قادة الإخوان المسلمين. ووصفت داليا زيادة، مديرة مركز دراسات الديمقراطية الحرة الموالية للسيسي، المعارضين المصريين في تركيا بأنهم "مرتزقة وإرهابيون"، وادّعت أن أنقرة تخطط لترحيل معظمهم إلى القاهرة.
ومن جانبها، رددت المعارضة التركية رسائل مماثلة. فقد انتقد كمال كيليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر حزب معارض في البلاد، الرئيس أردوغان لعلاقاته الوثيقة بجماعة الإخوان المصرية، واتهمه بـ "جلب المعارضين الذين تعتبرهم الحكومة المصرية إرهابيين".
وكذلك قالت ميرال أكشينر، رئيسة حزب الخير المعارض، إن علاقة تركيا بمصر قد تضررت بسبب صداقة أردوغان مع مرسي. وانتشرت مثل هذه التصريحات على نطاق واسع عبر منصات إعلامية مرتبطة بالإمارات والسعودية، والتركي فتح الله غولن المتواجد في المنفى.
تسببت الاتصالات الأخيرة بين أنقرة والقاهرة بالإضافة إلى الأخبار الكاذبة في إثارة بعض الخوف بين المعارضة المصرية من أن تركيا ستتخذ إجراءات أقوى ضدهم. لكن تركيا لم تفعل ذلك بعد.
وبحسب أيمن نور، المعارض الليبرالي المصري البارز، والمرشح الرئاسي المصري السابق، ورئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، فإن "تركيا لم تطلب منا إغلاق البرامج أو القنوات أو مغادرة البلاد".
وشدّد على أن "أي تقارب بين تركيا ومصر يعود بالفائدة على شعبي البلدين هو محل ترحيب". لكنه قال: "موقفنا واضح. إذا شعرنا أننا مجبرون على تغيير لغتنا بطريقة لا تتوافق مع رسالتنا الرئيسية… فسنبحث وقتها عددًا من الخيارات. يمكن للقنوات نقل استوديوهاتها إلى بلد آخر".
ويعتقد العديد من شخصيات المعارضة المصرية الذين تحدثتُ معهم أن أفعال أردوغان الأخيرة لاسترضاء نظام السيسي لا ينبغي أن تسبب القلق، على الأقل على المدى القصير. وبحسب هذه الشخصيات، فإن أردوغان يسعى لتحقيق مكاسب تكتيكية إضافية، ولا يخطط للتخلي عن المنشقين والمنفيين المصريين.
وأكدت مصادر تركية مطالبة المعارضة بتخفيف انتقاداتها للحكومة المصرية، لكنها نفت مزاعم أخرى لوسائل إعلام إخبارية بأن السلطات التركية ستتخذ قريبًا إجراءات أكثر تشددًا ضد المعارضين المصريين.
وذكر أحد كبار الشخصيات المصرية المعارضة أن "عملية تجنيس" المصريين ليصبحوا مواطنين أتراك "لا ترتبط باتصالات أنقرة والقاهرة الحالية.
حيث بدأ هذا الأمر منذ سنوات وازداد في السنوات القليلة الماضية". وقال إن هناك "توجهًا ظهر مؤخرًا لتسهيل الحصول على الإقامة الدائمة بدلًا من التجنيس". لكن هذا التوجه لا علاقة له بالتطورات المتعلقة بعلاقات تركيا مع مصر.
وتشير التقارير الأخيرة بشأن اتصالات أنقرة والقاهرة إلى أن البلدين يبحثان عن فرص للتعامل مع القضايا ذات الاهتمام المشترك بدلًا من التركيز على خلافاتهما التي قد تعيق المفاوضات من البداية. أحد هذه الخلافات يتعلق بمصير المعارضين المصريين في تركيا. وأردوغان ليس لديه أي رغبة في مناقشة صفقة بشأن طرد المعارضين المصريين من تركيا.
من المرجح ألا يدفع السيسي بمسألة تسليم شخصيات معارضة مصرية إلى مصر ما لم يكن يريد إنهاء اتصالاته مع أنقرة بسرعة كبيرة. ولن يبادر أردوغان بمثل هذا الأمر، كما أن ذلك سيولّد معارضة دولية شرسة لهذه الخطوة.
علاوة على ذلك، حتى لو كانت السلطات التركية تميل إلى تسليم بعض الشخصيات المعارضة، لا سيما أولئك الذين لم يحصلوا على جوازات سفر تركية، فسيكونون مقيدون أيضًا بموجب قانون تركيا للأجانب والحماية الدولية، الذي صدر في عام 2013.
ويمنع هذا القانون السلطات التركية من ترحيل المنفيين الذين قد يتعرضون للتعذيب أو لسوء المعاملة إلى بلدانهم.
في الوقت الحالي وإلى أن تتغير الأخبار الحقيقية بشكل كبير، لن يتحرك الرئيس أردوغان ضد المعارضين المصريين من أجل استرضاء النظام العسكري المصري.