منى يعقوبيان مستشارة أولى لنائب الرئيس لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الأمريكي للسلام.
English
بعد عقد من الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي بشكل كبير في عام 2011، يستمر الجدل حول تأثيرها ومعناها وقيمتها النهائية في فهم السياسة والثقافة العربية المعاصرة. عندما عادت مصر إلى حكم الرجل المستبد مع انقلاب عبد الفتاح السيسي في عام 2013، ومع استمرار الحروب الأهلية في سوريا وليبيا واليمن دون أي بوادر لحل في السنوات الأخيرة، خلص الكثيرون إلى أن الربيع العربي كان سريع الزوال وتجربة فاشلة في التغيير السياسي. التراجع الديمقراطي الدراماتيكي خلال هذا الأسبوع في تونس، بعد أن جمّد الرئيس قيس سعيد البرلمان وعزل رئيس الوزراء فيما وصفه العديد من النقاد والمراقبين بانقلاب، يمكن أن يعزز من هذا الاستنتاج، حيث كانت تعتبر تونس في كثير من الأحيان "قصة النجاح" الوحيدة في الربيع العربي.
لكن دعونا نفكر في تفسير بديل، وفي رأينا، أكثر إقناعًا. لا ينبغي تقييم الانتفاضات العربية بناءً على نتائجها السياسية المباشرة فحسب، بل بناءً على تحولات تدريجية تعكس المواقف المتطورة والمقاربات التكيفية للأجيال الصاعدة التي تطالب بالتغيير. من وجهة النظر هذه، كانت انتفاضات 2011 بمثابة مقدمة لاتجاه أعمق وأكثر اضطرابًا بالنسبة للسلطة، في جميع مظاهرها، وأصبحت أكثر انتشارًا، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى العولمة والانتشار المتسارع للتكنولوجيا. حتى مع استمرار الاستبداد في معظم أنحاء العالم العربي، أصبحت السلطة أيضًا أكثر حيوية وأقل تمركزًا في الهياكل الرسمية كما كانت في الماضي. يمكن أن تثير مقاطع الفيديو الملتقطة عبر الهواتف المحمولة حركات عالمية، كما اتضح من قيام الفتاة المراهقة بتصوير مقتل جورج فلويد في شوارع مينيابوليس الأمريكية.
لم يعد القادة الاستبداديون يمارسون سيطرة حصرية على السرد العام أو مصادر المعلومات، ولا يمكنهم منع التعبئة الشعبية المفاجئة، التي قد تنشأ من مقطع فيديو يحصل على انتشار واسع على الانستغرام أو الفيسبوك. بهذه الطريقة، انتقلت السلطة بشكل متزايد إلى الفاعلين غير التقليديين—ويشمل ذلك الجميع من أصحاب المشاريع الاجتماعية ذوي التفكير المتقدم إلى المزارعين الغاضبين. يستطيع الناس في جميع أنحاء العالم العربي التحدث عن قصصهم، بدون رقابة وبأصواتهم.
من هذا المنظور، من السابق لأوانه إغلاق كتاب الربيع العربي. لم تنته القصة بعد. فبعد الجولة الأولى من الثورات في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، اندلعت انتفاضات شعبية في العامين الماضيين في العراق ولبنان والسودان والجزائر، وكلها تسعى إلى تغيير سياسي منهجي. ويعكس استمرار حركات الاحتجاج تحولًا أكثر عمقًا في ديناميكيات القوة في المنطقة، حيث أصبح النشطاء الشباب أكثر مغامرة واستراتيجية في أهدافهم السياسية وأكثر حكمة بعد استيعاب دروس الانتفاضات السابقة. وبالطبع، فإن الأنظمة الحاكمة والنخب المترسخة تتعلم أيضًا من التجربة السابقة، حيث تكيّفت إجراءاتها القمعية من خلال الجهود المستمرة لإسكات المعارضة، بما في ذلك من خلال تكنولوجيا المراقبة الجبارة. ومع ذلك، على الرغم من الانتكاسات، قد نصل إلى رؤية الربيع العربي كنقطة تحول لنتائج استراتيجية أكثر مما كان متوقعًا في ذلك الوقت.
كنا جزءًا من فريق من المؤلفين الذين ألقوا نظرة تحليلية على انتفاضات عام 2011 في أشهرها الأولى. درست المنهجية المستخدمة في الدراسة البحثية التي كانت تحت عنوان التحولات الكبيرة: فهم التغيير في الشرق الأوسط مفهوم التغيير بالنسبة لمجموعة متنوعة من الخبراء، وهل سيحدث تغيير بسبب هذه الانتفاضات وكيف سيكون ذلك، ومن هم اللاعبون الرئيسيون في محاولة تحقيق ذلك. تضمنت دراستنا عدة وجهات نظر مؤسسية مختلفة تشمل الأوساط الأكاديمية والصحافة والمؤسسات البحثية وشركات المخاطر التجارية والمنظمات غير الحكومية المؤيدة للديمقراطية وحقوق الإنسان.
تم طلب هذه الدراسة من قبل مكتب مدير المخابرات الوطنية الأمريكي كنظير لدراسة داخلية عميقة حول تقييمات الاستخبارات قبل الانتفاضات العربية. لم يكن من مهمة دراستنا النظر فيما إذا كان عدم توقع الربيع العربي بمثابة فشل استخباراتي. وعلى كل حال، كان المشروع أكثر فائدة للتفكير في مستقبل المنطقة، بحسب ما نراه، بدلًا من تحديد من كان "على صواب" أو "على خطأ" قبل عام 2011.
أثبتت نتائج الدراسة صحة المقولة القديمة القائلة إنّ مكان جلوسك يحدد موقفك. نظرًا لأن مجتمعات الخبراء هذه لديها مهام ومجالات اهتمام مختلفة، فقد كان من المرجح أنها تعرف بعمق مختلف الفاعلين والقضايا في الشرق الأوسط التي أثرت عليها الانتفاضات. ركزت شركات المخاطر التجارية، على سبيل المثال، على الاستقرار الحكومي والسياسات الاقتصادية، بينما كان الأكاديميون ينظرون في النظريات والفرضيات المتعلقة بأسباب وكيفية تخلف المنطقة عن المناطق الأخرى في عمليات التحول الديمقراطي.
وقدم الصحفيون والمنظمات غير الحكومية المؤيدة للديمقراطية وحقوق الإنسان نظرة فاحصة عن مستوى النشاط الذي كان على الأرض قبل أن يُضرِم محمد البوعزيزي النار في نفسه في تونس في ديسمبر/كانون الأول 2010. كانوا يعرفون الكثير عن حجم الاستياء وشجاعة وقدرات جيل جديد من النشطاء العرب الشباب.
كان الصحفيون الذين عاشوا بالفعل في المنطقة وطوروا علاقات محلية بمرور الوقت في وضع أفضل لرؤية الديناميكية من أعلى إلى أسفل—مع فقدان النخب المترسخة للشرعية—وكذلك الديناميكية من أسفل إلى أعلى من الشارع—التي تميزت برغبة جديدة من الشباب لتحدي الأنظمة القمعية والتعبير عن غضبهم. كانت المنظمات غير الحكومية التي تركز عملها غالبًا على المجتمع وليس على المؤسسات الحكومية، أكثر انسجامًا مع الإحباط الشعبي المتزايد والمطالبة بالتغيير.
بعد عشر سنوات من نشر هذه الدراسة، نعتقد أن النتائج الرئيسية التي تم التوصل إليها لا تزال مهمة أكثر من أي وقت مضى، حيث تصارع منطقة الشرق الأوسط نفسها في التعامل مع جائحة كورونا وتأثيراتها من الدرجة الثانية والثالثة، إلى جانب مستويات قياسية من النزوح والمعاناة الإنسانية على مدى العقد الماضي، بالإضافة إلى الاقتصادات الفاشلة والحوكمة الكارثية. ولفهم مسار المنطقة بشكل أفضل وتوقع المكان الذي ستظهر فيه احتجاجات جديدة وتغييرات كبيرة، يجب علينا التأكد من أننا نستمع للعديد من الأصوات المختلفة التي تواصل المطالبة بالتغيير.
من هم المؤثرون الاجتماعيون والسياسيون الناشئون؟ هل نحن على دراية بالأدوات الرقمية الجديدة ومنصات التواصل الاجتماعي التي يستخدمها النشطاء للحشد؟ هل نستمع إلى المناقشات في المنطقة بعناية كافية؟ وهل نفهم حقًا التحولات في ديناميكيات القوة داخل هذه المجتمعات؟ إلى أي مدى أعاق النهج السائد الذي يركز على الأمن في المنطقة تقديم دعم أكبر لبناء مؤسسات شاملة في جميع أنحاء العالم العربي، وأعاق أيضًا فهم القوى التي لا تزال تدفع باتجاه التغيير؟
في الأشهر والسنوات المقبلة، ستستمر المطالب بالتغيير السياسي في الظهور في أوساط مختلفة من المجتمعات العربية. يبحث النشطاء الشباب والجمعيات المهنية ورجال الأعمال الناشئون وحتى بعض الضباط العسكريين المحترفين ذوي العقلية الإصلاحية عن طرق جديدة لفرض قيود على السلطة المُحكمَة في يد الرجال المستبدين. إنهم يطالبون، بطرق مختلفة، بإصلاح الأنظمة السياسية الفاسدة، ويقاومون الخوف الذي تفرضه الميليشيات والجهات الفاعلة الأخرى غير الحكومية. إنهم يطالبون بحكم خاضع للمساءلة ومتجاوب في مواجهة الأزمات المتتالية. إنهم يضغطون من أجل اقتصادات منتجة وشاملة توفر الفرص والوظائف ولا يقيدها الفساد المتفشي.
في عالم يتسم بتزايد الانقسام والتنافس، ستختلف شرارات الجولة التالية من التغيير الكبير من الأمور التي قد تبدو اعتيادية—مثل مشكلة القمامة في لبنان في عام 2015—إلى مطالب أكثر عمقًا بإصلاحات جوهرية في الأنظمة السياسية المعطلة. وكمثال واحد حديث فقط، اندلعت احتجاجات بعد حريق في 12 يوليو/تموز في جناح كورونا بمستشفى في مدينة الناصرية بالعراق، ما أسفر عن مقتل 60 شخصًا على الأقل. كان هذا ثاني حريق مدمر في جناح كورونا في أقل من ثلاثة أشهر في العراق.
تم إلقاء اللوم في كلا الحادثتين على المباني السيئة التي تستخدم مواد بناء رخيصة وقابلة للاشتعال، وعدم كفاية تدابير السلامة، حيث انفجرت خزانات الأكسجين. دعا المتظاهرون في الناصرية إلى الثورة، حيث عبّروا عن غضبهم من سنوات الفساد الحكومي وسوء إدارة البنية التحتية للعراق، بما في ذلك نظام الرعاية الصحية المتهالك، كما أعاق نقص المياه والكهرباء في المدينة جهود إخماد الحريق.
سيستمر تعميق التوترات السياسية حول القضايا الأساسية للسلطة وحقوق المواطنين في اكتساب الزخم حيث يطالب النشطاء بالتغيير بينما تقوم مراكز السلطة المترسخة بإعاقة أي جهد للإصلاح. لا يمكن المبالغة في تقدير المخاطر المستقبلية. يواجه النشطاء في جميع أنحاء المنطقة سلطات حكومية وغير حكومية تقوم بالقمع والقتل دون عقاب. ففي العراق والسعودية ومصر والضفة الغربية وسوريا—كأبرز الأمثلة—تستخدم الأنظمة الحاكمة القمع الوحشي لإسكات المطالب بإحداث تغيير حقيقي. وحتى في عالم تتزايد فيه مراكز السلطة، غالبًا ما تكون السيطرة لأدوات النظام القسرية.
لكن على الرغم من هذه التهديدات، سيستمر النشطاء والإصلاحيون في الدعوة إلى التغيير في منطقة تتميز بحكومات فشلت تمامًا في تلبية تطلعات سكانها أو حتى احتياجاتهم الإنسانية الأساسية. أصبحت الثقة في الحكومات منخفضة وتتراجع في جميع أنحاء المنطقة، حيث أن التصورات عن الفساد في مؤسسات الدولة عالية للغاية، وفقًا لشبكة الباروميتر العربي، وهي منظمة تقوم بإجراء استطلاعات وتحظى باحترام واسع.
سيكون مسار التغيير في المنطقة طويل الأمد وغير متساوي ومضطرب. قد تكتسب الاحتجاجات التي قد تبدو صغيرة زخمًا مفاجئًا، مدفوعة بتقاعس الحكومة أو ردة فعلها العنيفة. سيستمر النشطاء في امتلاك القوة لتحديد شروط النقاش وتشكيل السرد السياسي باستخدام أدوات واستراتيجيات جديدة. في الوقت نفسه، كما أشار أحد النشطاء في ندوة عُقدة مؤخرًا في مركز كارنيغي للشرق الأوسط حول الربيع العربي، فإن فترة التغيير هذه ستتميز "بسباق بين الثوار ومناهضي الثورات من أجل هزيمة الآخر".
من أجل أن "يفوز" النشطاء ويبدأون حقبة من التغيير الحقيقي—وهو الهدف الأساسي للانتفاضات قبل عقد من الزمن—سيكون الابتكار والتكيف أمرًا أساسيًا. سيكون من الأهمية بمكان إنشاء منصات تواصل اجتماعية وأدوات رقمية جديدة، وترجمة النشاط على الإنترنت إلى عمل ملموس، وتطوير استراتيجيات جريئة وطويلة الأجل تحفز فرص التغيير وتواجه التحديات من القوى المترسخة. أصداء الانتفاضات العربية بعد 10 سنوات هي تذكير واضح بأن التغيير الكبير لم ينته بعد في العالم العربي. قد تكون هذه مجرد بداية.