عندما غزت الولايات المتحدة العراق قبل 20 عامًا، كان غيث عبد الأحد يعيش في بغداد كمهندس معماري شاب. وُلد هناك عام 1975، ثم تهرب لاحقًا من التجنيد في الجيش العراقي. بعد فترة وجيزة من دخول الجنود الأمريكيين بغداد في أوائل أبريل/نيسان 2003، انخرط في الصحافة، حيث عمل أولًا كمترجم لمراسل صحفي في صحيفة الغارديان ثم كمساعد لمراسلين أجانب آخرين. لم يمض وقت طويل حتى اصبح يكتب قصصه الخاصة ويثبت نفسه كواحد من أفضل الصحفيين في العراق، حيث يتميز بقدرته على تغطية الحرب بعيون عراقية. منذ ذلك الحين، قدّم عبد الأحد تقارير من جميع أنحاء الشرق الأوسط لصحيفة الغارديان والعديد من وسائل الإعلام الأخرى، وفاز بجائزة أورويل عن عمله الصحفي، من بين جوائز أخرى.
نُشر كتابه الجديد "غريب في مدينتك: رحلات في حرب الشرق الأوسط الطويلة" عشية الذكرى السنوية العشرين لغزو العراق. في زحام الكتب والمذكرات حول الحرب من قبل المراسلين والجنود الأمريكيين، يوجد الآن سرد لصحفي عراقي يروي القصة الأطول للغزو والاحتلال، بدءًا من العقوبات المدمرة على العراق في التسعينيات إلى صعود ما يسمى بالدولة الإسلامية. يقول غيث عبد الأحد في كتابه: "لا يمكن قصف أمة وإذلالها ومعاقبتها، ثم قصفها مرة أخرى، ثم يُطلب منها أن تصبح دولة ديمقراطية". في المقتطف التالي، يعرض غيث تفاصيل الأيام الأولى للاحتلال الأمريكي من شوارع بغداد وما أدى مباشرة إلى "فشل المغامرة الأمريكية في العراق".
—فريديريك ديكناتل، المحرر التنفيذيالصورة توضيحية لغيث عبدالأحدأصبح العراق بلدا مدمرا ومحتلا مترنّحا بين الدولة واللادولة. تحطم التفاؤل الحذر الأولي للعراقيين—الذين تم وعدهم بالتحرر والازدهار والحرية بعد الإطاحة بصدام—مع انفجار أول سيارة مفخخة. أصبح من الواضح أن السلام الذي طال انتظاره لن يأتي—وأن الاحتلال أطلق العنان لواقع أكثر سوءًا.
قال العراقيون: "كيف يمكن للأمريكيين أن يفشلوا؟ انظروا إلى دباباتهم وأسلحتهم، أمريكا هي أعظم أمة. لا، الأمريكيون لا يفشلون أبدًا". أكدوا لبعضهم البعض أن الأمر كله يجب أن يكون مؤامرة. كما وقفوا غير مصدقين أمام المكتبة الوطنية المحترقة وقالوا: لا، نحن العراقيون لا نفعل ذلك، لا بد أنهم الكويتيون ينتقمون مما فعلناه في عام 1991، ووقفوا أمام الجثث المرمية أمام السيارات المفخخة وأقسموا بالله العظيم أنهم شاهدوا مروحيات أمريكية تطلق الصواريخ. كانوا ينكرون أن البلد الذي يعرفونه قد انتهى.
عندما بدأ العنف، كان متقطعًا وعشوائيًا. كان يتم إلقاء قنبلة يدوية على عربة همفي أمريكية عابرة، أو يتم زرع لغم أرضي محلي الصنع على طريق حيوي، أو إطلاق قذيفة آر بي جي تستهدف قافلة إمداد. رفض المتحدثون الرسميون في المنطقة الخضراء هذه الحوادث ووصفوها بأنها "أعمال يائسة لعناصر النظام السابق"—حتى عندما كان يتم إضرام النيران بعربات همفي في وسط بغداد، وتفجير عبوات ناسفة في الدبابات والعربات المدرعة، وحتى عندما أطلقت مجموعات من الشباب قذائف الهاون على مواقع أمريكية شرقي بغداد.
رد الأمريكيون بعنف على هذه الهجمات، حيث أطلقوا النار في كثير من الأحيان على المدنيين القريبين بشكل عشوائي، وأقاموا نقاط تفتيش وقاموا بمداهمة البلدات والقرى بحثًا عن الأسلحة والمتمردين، وقاموا بعزل المزيد من الناس ما زاد أعداد الرجال الذين حملوا السلاح ضدهم. كان "التحرير" يبدو وكأنه احتلال حقيقي.
لكن العنف الذي استهدف العراقيين كان مخططًا ومنظمًا. ففي بغداد، حرّض لواء بدر، أحد الميليشيات الشيعية التي تشكلت في إيران، على حملة اغتيالات بعد أسابيع قليلة من الاحتلال، استهدفت الطيارين العسكريين السابقين الذين قاتلوا أسيادهم الإيرانيين في حرب الثمانينيات، وكذلك العلماء العسكريين السابقين والمسؤولين من حزب البعث. ونتيجة لذلك، قام رجال في عدة أحياء من الطبقة الوسطى في غرب بغداد، حيث يعيش العديد من ضباط الجيش السابقين، بتسليح أنفسهم بالبنادق الآلية ووقفوا حراسًا عند مداخل شوارعهم لحماية مناطقهم.
أصبح العراق بلدا مدمرا ومحتلا مترنّحا بين الدولة واللادولة. تحطم التفاؤل الحذر الأولي للعراقيين—الذين تم وعدهم بالتحرر والازدهار والحرية بعد الإطاحة بصدام—مع انفجار أول سيارة مفخخة.
غيث عبدالأحد
مستوى آخر من العنف تمثل في التنافس بين الفصائل الشيعية المسلحة المختلفة على السلطة والموارد، مثل القتال بين رجال الميليشيات التابعين لمقتدى الصدر وأولئك من لواء بدر—أكبر الميليشيات الشيعية في المنفى—للسيطرة على الأضرحة في العراق في مدينة كربلاء المقدسة والتحكم بالدخل المربح منها. كانت هذه هي المرة الأولى التي كتبتُ فيها تقارير عن قتال في الشوارع. رأيت مجموعة من الشباب الفقراء في سوق مهجورة، أحدهم يرشد رجلًا أصمًا أبكمًا يحمل قاذفة آر بي جي على كتفه. انحنى وأمسك الرجل الأصم من خاصرته ودفعه إلى منتصف الشارع ووضعه باتجاه إطلاق النار. سُمع دوي الصاروخ، واستدار الرجل الأصم بابتسامة كبيرة على وجهه، غافلًا عن إطلاق النار من حوله.
بدأت طبيعة عملي كمترجم ومصور تتغير. ما بدأ بمقابلات مع عراقيين يحاولون التأقلم مع التغيير في مجتمعهم، تحول تدريجيًا إلى تقارير عن الحرب والتصوير الفوتوغرافي وتجنب الرصاص والاختباء وراء زوايا الشوارع والتقاط صور لشباب يطلقون النار على الدبابات الأمريكية وعربات همفي، إلى جانب مقابلة من حين لآخر مع رجل دين يرتدي عمامة يصدر تهديدات وإنذارات.
بحلول أوائل صيف عام 2003، أخذ العنف نمطًا جديدًا، حيث بدأ تمرد من قبل المقاتلين السنة والشيعة ضد قوات الاحتلال. كلاهما هاجم الأمريكيين وقوات الأمن العراقية المنشأة حديثًا، وكذلك المدنيين العاملين مع الحكومة الجديدة.
في قرى وبلدات وضواحي بغداد تشكلت خلايا لمقاومة الأمريكيين. قاتل البعض من منطلق القومية، والبعض الآخر من الشعور بالظلم، وبعضهم من أجل القبيلة أو الدين. مئات الخلايا بمئات الدوافع. في البداية، اجتمع الرجال حول الشبكات التقليدية الموثوقة للقبيلة والأسرة والحي. (لأنه عندما يصبح المرء مقاتلًا في مقاومة، بمن يثق؟ ممن يشتري الأسلحة؟ ومن يرسل من الأشخاص لنقل الرسائل؟ الإجابة هي نفسها: أبناء العمومة والعائلة والجيران الذين يشكلون شبكة دعم).
ومع مرور الوقت، اندمجت الخلايا وأصبحت "جيوشًا" و"كتائب" و"منظمات" ذات هيكل سري تحت قيادة شبه عسكرية. كانت أيديولوجيتهم بسيطة ومتطرفة، نشأت في انعزالية القبيلة، وممزوجة بالشوفينية العسكرية العراقية وزَبَد الفتاوى الدينية حول المعركة الحقة ضد الغزاة. أطلقت الخلايا على نفسها اسم المقاومة وربما لجزء من الثانية في السنة الأولى للاحتلال، كانت مقاومة بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات، قبل أن تنحدر إلى اللصوصية والقتل الجماعي الطائفي. لم تستطع هذه العصابات من المقاتلين هزيمة الأمريكيين عسكريًا. لكنهم ضمنوا فشل المغامرة الأمريكية في العراق. وكانت أي جماعة أو مؤسسة تحاول تحديهم تتعرض للهجوم من خلال الترهيب والاغتيالات والقتل الجماعي. أصبح التدين، المنتشر في المجتمع منذ الحملة الإيمانية في التسعينيات، نبرة طائفية معادية للشيعة، وبدأ في تكثيف القبيلة والأسرة والحي كصرخة حشد لـ "المقاومة". ساعد ذلك في توسيع شبكات المقاتلين الموثوق بهم، والتنظيم في المساجد، وإثارة حزن الشباب وطاقتهم وغضبهم، وتوجيه كل ذلك إلى الحرب.
"لم تستطع هذه العصابات من المقاتلين هزيمة الأمريكيين عسكريًا. لكنهم ضمنوا فشل المغامرة الأمريكية في العراق."
غيث عبدالأحد
انضم أحمد إلى المقاومة في أيامها الأولى. كان يعيش مع جدته في حي الصليخ ببغداد، بالقرب من مدرستي الثانوية، عندما بدأ الغزو الأمريكي. كان لأحمد شعر مموج ووجه مستدير وجسم مصارع، حيث ترك منزل عائلته في محافظة ديالى والتحق بالمدرسة الثانوية في بغداد، لكن بدلًا من الدراسة كان يقضي ساعات طويلة في صالة الألعاب الرياضية المحلية يرفع الأثقال. هناك كان قد سمع عن إمام شاب في مسجد محلي، كان يستغل الحريات الدينية الجديدة التي أتت مع الاحتلال ويدعو إلى شكل صارم من الإسلام المتشدد، وهو أمر كان قد تم القضاء عليه فعليًا من قبل النظام السابق. كما سمع أحمد أن الإمام كان ينظم "قوة حماية" للحي، فجمع عددًا قليلًا من أصدقائه في صالة الألعاب الرياضية وذهب للقاء الإمام صاحب الشخصية الجذابة. لم يكن أي منهم متدينًا، لكن ما أشعل حماسهم هو خطب الإمام الطويلة حول واجبهم في الدفاع عن بلادهم ضد محتل أجنبي والتهديدات التي يتعرض لها مجتمعهم من "الإيرانيين"—إشارة إلى الأحزاب السياسية الشيعية الجديدة.
التحق أحمد وبعض أصدقائه بالمقاومة وتم تكليفهم بزرع ألغام أرضية صغيرة محلية الصنع في الشارع. لم يخبر عائلته في القرية في ديالى بأي من هذا، لكن حياته الجديدة كمجاهد كانت مثيرة للغاية. كان يبقى مستيقظًا طوال الليل وينام أثناء النهار، وتوقف عن الذهاب إلى مدرسته الثانوية، التي لم تعجبه أبدًا. لقد جمعوا الأموال لشراء الأسلحة، والتي كانت متوفرة بثمن بخس في الأسواق بعد نهب مستودعات الجيش.
مقتبس من كتاب "غريب في مدينتك" للمؤلف غيث عبد الأحد. حقوق النشر © 2023 لغيث عبد الأحد. مقتطف بإذن من شركة (Alfred A. Knopf)، وهي فرع من شركة (Penguin Random House LLC). كل الحقوق محفوظة. لا يجوز إعادة إنتاج أي جزء من هذا المقتطف أو إعادة طباعته دون إذن كتابي من الناشر.