جويل بينين هو أستاذ التاريخ كرسي دونالد ج. ماكلاكلان وأستاذ مادة تاريخ الشرق الأوسط، وأستاذ سابق بجامعة ستانفورد، وهو كذلك زميل غير مقيم في منظمة (DAWN)
English
تُقام بطولة كأس العالم في قطر بينما يقام مؤتمر "شارع جيه" السنوي في واشنطن الذي تنظمه جماعة الضغط الصهيونية الليبرالية، في منطقتين مختلفتين من العالم. أهمية الحدثين على المستوى العالمي متباينة بشكل كبير. ومع ذلك، فقد سلّط الحدثان معًا الضوء على مدى انفصال إدارة بايدن عن المشاعر الشعبية على المستوى الدولي وإفلاس سياستها تجاه قضية إسرائيل/فلسطين.
تواجدت قضية فلسطين في كل مكان في كأس العالم. على الرغم من القمع السياسي الاستثنائي الذي فرضته قطر على الحدث الرياضي الأكثر مشاهدة في العالم، أظهرت المنتخبات والمشجعون مرارًا وتكرارًا دعمهم للشعب الفلسطيني—والأبرز في ذلك في مسيرة المغرب الرائعة في هذه البطولة، حيث رفع لاعبوه علم فلسطين بعد كل انتصار مثير. أصبحت فلسطين رمزًا عالميًا لمقاومة الحكم الجائر.
في مؤتمر منظمة "شارع جيه" في 3 ديسمبر/كانون الأول، اتخذ المدير التنفيذي للمنظمة، جيريمي بن عامي، بعض الخطوات الصغيرة بعيدًا عن إصرار المنظمة العقائدي السابق على أن حل الدولتين هو الحل الوحيد المقبول لقضية فلسطين. في المقابل، كرر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين بشكل روتيني في خطابه في مؤتمر "شارع جيه" في اليوم التالي، التزام إدارة بايدن بحل الدولتين بعيد المنال، مع عدم تقديم أي إشارة لكيفية تحقيق ذلك.
بعد المفاجأة المذهلة بتغلبه على المنتخب الإسباني في دور الـ 16 لكأس العالم، وقف المنتخب المغربي لالتقاط صورة انتصاره مع رفع علم فلسطين، بينما لوّح مشجعوه المتحمسون بالعلمين المغربي والفلسطيني. وظهرت الأعلام الفلسطينية مرة أخرى في المدرجات خلال فوز المغرب المثير على البرتغال لتتأهل لنصف النهائي. وقبل فوز المغرب على بلجيكا في دور المجموعات، غنّى مشجعوهم، "لحبيبة يا فلسطين، آه يا زينة البلدان". هذا النشيد، الذي يغنيه عادة مشجعو فريق الرجاء البيضاوي المعروف، تردد صداه طوال البطولة. بعد التغلب على المنتخب الكندي، سار لاعبون مغاربة على أرض الملعب حاملين العلم الفلسطيني، وفعل المشجعون في ملعب الثمامة بالدوحة الشيء نفسه.
وانتقلت موجة التضامن مع فلسطين إلى مباريات أخرى من قبل المنتخبات العربية. فخلال مباراة تونس ضد أستراليا، عرض المشجعون في الملعب علمًا فلسطينيًا ضخمًا مزينًا بـ "فلسطين حرة". وفي مباراة تونس وفرنسا، ركض رجل إلى الملعب وهو يحمل العلم الفلسطيني. قال أحد المشجعين المغاربة لصحيفة نيويورك تايمز: "فلسطين هي الدولة رقم 33 في المونديال. فلسطين قضيتنا، نضالنا في العالم العربي، في كل العالم العربي".
تحت ضغط أمريكي خلال الأيام الأخيرة لإدارة ترامب، عمد المغرب والسودان إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، على غرار الإمارات العربية المتحدة والبحرين في اتفاقات إبراهام. وكجزء من الصفقة المغربية الإسرائيلية، اعترفت إدارة ترامب بضم المغرب للصحراء الغربية، التي غزتها واحتلتها في عام 1975. وكان ذلك تكملة طبيعية لاعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، بما في ذلك ضم القدس الشرقية، والاعتراف بأن مرتفعات الجولان المحتلة أراضي إسرائيلية. لكن إنجازات المغرب في كأس العالم تخص الشعب المغربي وليس النظام.
كان هناك صحفيون من بين 5,000 إسرائيلي سمحت لهم قطر بالسفر مباشرة إلى البلاد لحضور البطولة. أفاد العديد من هؤلاء الصحفيين الإسرائيليين بشكل مؤسف أن المشجعين العرب إما رفضوا التحدث إليهم أو تحدثوا عن القضية الفلسطينية أثناء اللقاءات، على الرغم من إبرام اتفاقيات السلام الأخيرة مع بعض الدول العربية التي لم تكن أبدًا في حالة حرب مع إسرائيل.
وقّعت مصر وإسرائيل معاهدة سلام في عام 1979. ومع ذلك، رد مشجع مصري تمت مقابلته على الهواء مباشرة على ادعاء مراسل إسرائيلي أن وجودهم في كأس العالم كان تعبيرًا عن التعايش بقوله "تحيا فلسطين". فعل مشجع بريطاني الشيء نفسه بعد فوز منتخبه السهل على السنغال، وصرخ "فلسطين حرة" في الميكروفون، ما أثار استياء المراسل الإسرائيلي الذي أراد فقط "التحدث عن كرة القدم".
تستمر إدارة بايدن، مثل معظم الإسرائيليين وكتل السياسة الخارجية في واشنطن، في الترويج للفكرة الوهمية بأن الاتفاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والأنظمة الاستبدادية العربية تعزز قضية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. أبعد بايدن إدارته خطابيًا عن سابقتها، ولكن فيما يتعلق بقضية إسرائيل/فلسطين—كما هو الحال في العديد من مسائل السياسة الخارجية الأخرى التي تنطوي على القانون الدولي وحقوق الإنسان، مثل معاملة اللاجئين الهايتيين وطرد طالبي اللجوء بموجب الباب 42—لم تختلف سياسة بايدن سوى جزئيًا وتحت ضغط كبير عن سياسات ترامب.
لم ينقض بايدن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل ولم يُعِد السفارة الأمريكية إلى تل أبيب، حيث كانت موجودة منذ عام 1966. كما أنه لم ينقض اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان. ولم توقف إدارة بايدن بناء سفارة أمريكية في القدس على أرض تطالب بها عائلة الخوالد، وهي عائلة فلسطينية بارزة، وضمتها إسرائيل خلال حرب عام 1967. ولم يتم إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية. تراجع بايدن أيضًا عن وعده بالسماح للسلطة الفلسطينية بإعادة فتح مكتبها في واشنطن، الذي تم إغلاقه في ظل إدارة ترامب، وأعاد جزئيًا المساعدات المالية للفلسطينيين التي أوقفها ترامب.
في تصريحاته في مؤتمر منظمة "شارع جيه"، قال بن عامي أن حكومة إسرائيل اليمينية المتشددة القادمة "ملتزمة بسياسات تهدف على الأرجح إلى ترسيخ السيطرة الدائمة وغير الديمقراطية على ملايين الفلسطينيين". ومع ذلك، فهو لم يعترف بأن إسرائيل، باستثناء فترة وجيزة في أوائل عام 1967، مارست سيطرة غير ديمقراطية على الفلسطينيين منذ أن أقامت حكومة عسكرية على مواطنيها الفلسطينيين في عام 1949. كما أنه لم يشر إلى الهيمنة على الشعب الفلسطيني منذ قيام الدولة ما يقوض مزاعم إسرائيل بأنها ديمقراطية. بالطبع، من الصعب للغاية طرح هذه القضايا من قبل أي شخص ملتزم بشدة بإسرائيل. لكن هناك أعدادًا متزايدة من اليهود وغير اليهود تقوم بإثارة هذه القضايا.
لكن لا إدارة بايدن ولا قيادة الحزب الديمقراطي تقوم بذلك. في خطابه في مؤتمر منظمة "شارع جيه"، تفاخر بلينكن بتقديم 3.8 مليار دولار سنويًا كمساعدات عسكرية أمريكية لإسرائيل ومجموعة من التدريبات العسكرية المشتركة والأبحاث وتطوير الأسلحة، كما لو أن ذلك يساهم في السلام في منطقة الشرق الأوسط. وأعرب بشكل عابر عن قلقه إزاء تصاعد عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين والتوسع المستمر في المستوطنات. لكن بلينكن لم يقترح شيئًا لإيقافهم، حتى عندما اعترف بأنهم "يقوضون آفاق حل الدولتين".
ارتفع عدد المستوطنين خلال فترة إدارة ترامب، حيث وصل إلى 475,000 في الضفة الغربية، بالإضافة إلى أكثر من 200,000 في القدس الشرقية بحلول وقت تنصيب بايدن. تضم الحكومة الإسرائيلية القادمة عناصر فاشية دينية عازمة على ضم تلك الأراضي. وبالتالي، خلص عدد متزايد من المراقبين المطلعين إلى أن دعم حل الدولتين التقليدي أصبح بعيد المنال.
إدارة بايدن أقل استعدادًا من منظمة "شارع جيه" للاعتراف، كما قال بن عامي "بأننا غارقون في احتلال دائم وأن الدولة الواحدة غير الديمقراطية والظالمة هي الواقع". وهذا يعني أن فشل عملية اتفاق أوسلو أدى إلى القضاء على إسرائيل وفلسطين ككيانين سياسيين منفصلين وقادرين على البقاء. كان بن عامي مستعدًا للتكهن بشأن فرض الكونغرس أخيرًا بعض التكاليف على إسرائيل: "ربما حان الوقت لبعض الرقابة الجادة والمساءلة عن كيفية استخدام مساعداتنا لإسرائيل". لكن بلينكين تحدث باللهجة المعروفة قائلًا أن "مساعدتنا الأمنية لإسرائيل مقدسة".
أظهر وجود القضية الفلسطينية في كأس العالم أنه في حين أن المستبدين العرب على استعداد لمواصلة شراء الأسلحة الأمريكية وإبرام صفقات أمنية واستثمارية مع إسرائيل، إلا أنه لا يوجد دعم شعبي كبير لإنكار دائم لأرواح الفلسطينيين وحقوقهم. يشير موقف بايدن العنيد بشأن الحفاظ على الدعم العسكري لإسرائيل واحتلالها الدائم لفلسطين إلى أنه في حين أن دعم الجالية اليهودية الأمريكية هو عامل تيسير مهم، إلا أن المحرك الرئيسي للتحالف الأمريكي الإسرائيلي هو التزام مشترك بهيمنة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.