سارة العريفي كاتبة وناشطة سودانية.
دخلت الحكومة الانتقالية في السودان عامها الثاني ولا تزال المرأة السودانية تطالب بحقها في التمثيل العادل في المشاركة السياسية والمناصب العليا.
لم يدر في خلد النساء السودانيات أن كفاحهن لنيل حقوقهن سيستمر بعد سقوط نظام الرئيس السوداني عمر البشير الذي أُطيح من الحكم في أبريل/ نيسان 2019 بعد احتجاجات شعبية استمرت شهوراً. من سخرية الأقدار أن تجد المرأة نفسها في حالة تهميش وإقصاء في ظل حكم ديمقراطي جاء بعد مشاركتها بقوة في ثورة ديسمبر، فالنساء تساوين مع الرجال في حملات القمع والانتهاك التي صاحبت ثورة ديسمبر وتراجعن عند توزيع المناصب السياسية.
مع أن قضية عدم المساواة بين الجنسين من أكبر التحديات التي تواجه المرأة في العالم، إلا أن نساء السودان كن يرين أنهن تميزن عن بقية الدول بعد الثورة. لكنها كانت رؤية غير واضحة وتفاؤلاً من غير حذر. مباشرة بعد سقوط البشير واستلام المجلس العسكري العسكري أمور البلاد بدأت المفاوضات مع قوى الحرية والتغيير "الحاضنة السياسية للحكومة الحالية" ولم يكن للمرأه تمثيل يذكر في هذه المفاوضات مع أنها شكلت حضوراً طاغياً في اعتصام القيادة العامة ولم تغادر ساحته! بعد ذلك وفي أغسطس/ آب 2019 وقع الطرفان على وثيقة دستورية لتسيير حكم البلاد لحين تشكيل حكومة منتخبة. الوثيقة أشارت في المادة 48، البند الثاني، إلى أن "للرجل والمرأة الحق المتساوي في التمتع بكل الحقوق المدنیة والسیاسیة والاجتماعية والثقافية والاقتصادية بما فیھا الحق في الأجر المتساوي للعمل المتساوي والمزايا الوظیفیة الأخرى". هذا ما كُتب على الورق، أما على أرض الواقع فالأمر اختلف تماماً، فحقوق المرأة التي أقرتها الوثيقة الدستورية تراجع مقارنة بتمثيل الرجل عند تولي المناصب السياسة بداية بالمجلس السيادي الذي يضم 11 عضواً من بينهما امرأتان فقط! أما في التوزيع الوزاري فكان نصيبها أربع حقائب من أصل 16 حقيبة. وتكرر الأمر عند تعيين الحكام المدنيين لولايات السودان، إذ شهدت تلك الفترة تصريحات من مسؤولين أعطت كل المؤشرات بأن مطالب المرأة في تقاسم حكم الولايات لا ينظر لها بجدية وما أثبت ذلك خروج المتحدث الرسمي باسم الحكومة في يوليو/تموز ليصرّح بأن اختيار حكام الولايات من النساء يواجه "صعوبات شديدة ومقاومة من القوى السياسية"، فكان الرد بأن خرجت النساء في مسيرات احتجاجية يهتفن بشعار "حقنا كامل ولن نجامل" في إشارة للمساواة بين الجنسين التي نصّت عليها الوثيقة الدستورية. بعدها بأسبوعين أعلن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك تعيين امرأتين فقط لحكم ولايتين من أصل 18 ولاية.
الآن، الجزء الأهم الذي تبقى لاكمال هياكل السلطة هو تكوين المجلس التشريعي الذي التزمت فيه الوثيقة الدستورية بتمثيل النساء بنسبة لا تقل عن 40 في المئة، لكن بعد التوقيع على اتفاقية السلام بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بمدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، ازدادت المخاوف من أن يحدث تقليص وتراجع في النسبة المحددة. فالوثيقة جرى تعديلها أخيراً بموجب الاتفاق لتمثيل الحركات المسلحة في مجلس السيادة بثلاثة أعضاء جدد وخمس وزارات أما نسبة تمثيلهم في المجلس التشريعي الذي لم يتكون بعد فهي 25 في المئة وهذا يعني حصول الجبهة الثورية على 75 مقعداً من أصل 300 مقعد.
هذه التغييرات الأخيرة في نسب المشاركة بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية تعني بلا شك قرب حل الحكومة وبالتالي إعادة توزيع جميع المناصب وهذا تحديداً ما يثير مخاوف النساء من المزيد من الإقصاء والتهميش. في طبيعة الحال هي مخاوف مشروعة لأن الحكومة لديها سابقة في عدم الالتزام بما خطته الوثيقة الدستورية قبل التعديل الأمر الذي يثبت بأن مطالب المرأة في المساواة تحتل مرتبة ثانوية في قائمة الأولويات الحكومية.
اللافت في الأمر أن الاتهامات طالت قوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، لتعمدها إقصاء النساء من المناصب العليا وخلق وظائف جانبية عبارة عن جوائز ترضية، ما يفتح الباب لشكوك عن استخدام الأحزاب السياسية للمرأة وحقوقها كورقة ضغط أيام الثورة بغرض الكسب السياسي. ما يشغل المدافعات عن حق المرأة هو مدى صدق الأحزاب السياسية في السودان في الحديث عن ضرورة استيعاب مقدرات النساء وتعزيز حقهن في المشاركة في عملية البناء الديمقراطي وزيادة تمثيلهن في الدوائر السياسية.
بدورهن، لم تيأس نساء الثورة من مواصلة المطالبة بحقوقهن، فلجأن لاستخدام فرصة كانت غير متاحة في النظام السابق وهي حرية التعبير، فالعاصمة الخرطوم تشهد قيام مسيرات نسائية من فترة إلى أخرى لتذكير رئيس الوزراء حمدوك بأهمية الالتزام بتحقيق مطالبهن وبأن الوعود التي أطلقها بمناصرته حق المرأة تحمل وزناً ويجب الإيفاء بها.
التعقيدات التي تتعلق بمشاركة المرأة في السلطة بنسب متساوية أو لنقل "مناسبة" لن تحل في القريب العاجل، وسيبقى هذا الملف موضع جدل إلأى سنوات قادمة إلى حين مجيء صنّاع قرار راغبين في تغيير حقيقي ولديهم قناعة بالمقدّرات السياسية والكفاءة العلمية والمهنية للمرأة السودانية. هذه الكفاءة التي تتمتع بها نساء سودانيات كثيرات عامل أساسي في دفع عجلة التحول الديمقراطي وبناء السودان الجديد. إلى ذلك الوقت، ستبقى المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق المدنية والسياسية حبر على ورق.