English
يمثل تمديد الهدنة في اللحظة الأخيرة في اليمن في وقت سابق من هذا الشهر انفراجه دبلوماسية كبيرة و "بارقة أمل نادرة" للبلاد، كما قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، هانز غروندبرغ. قامت الأمم المتحدة وسلطنة عُمان، التي استضافت المحادثات الخاصة بالهدنة، بجهود كبيرة لتحقيق ذلك، بعد أكثر من سبع سنوات من بداية التدخل العسكري الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين.
لقد أدى توقف الأعمال العدائية إلى تزويد شعب اليمن الذي مزقته الحرب بالإغاثة التي هم بأمسّ الحاجة إليها إثر الصراع الذي أودى بحياة ما يقرب من 150 ألف شخص وشرّد الملايين وتسبب في كوارث إنسانية من صنع الإنسان، بما في ذلك المجاعة القائمة. منذ أكثر من شهرين حتى الآن، بدأت سفن الوقود تصل إلى ميناء الحديدة وأقلعت رحلات جوية تجارية من مطار صنعاء الدولي، ما سمح للمرضى والجرحى اليمنيين بتلقي العلاج الذي هم في أمسّ الحاجة إليه في الخارج. حاصر التحالف الذي تقوده السعودية الموانئ والمطارات لسنوات بينما فشلت المحادثات السابقة في تخفيف الحصار والاتفاق على هدنة.
هذا الشهر، انخرطت وفود تمثل المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء وحكومة اليمن المنافسة المعترف بها من الأمم المتحدة والمدعومة من السعودية في محادثات في الأردن تحت رعاية الأمم المتحدة. ومع ذلك، ليس من الواضح ما الذي سينتج عن هذا الحوار. لسوء الحظ، على الرغم من الهدنة والمحادثات في عمّان، هناك مخاوف مشروعة من فشل الأطراف المتحاربة في التغلب على القضايا السياسية الحساسة والأسباب الجذرية لحرب اليمن.
أثارت انتهاكات الحوثيين للهدنة تساؤلات حول التزامهم بالسلام—بينما يؤكد الحوثيون أنفسهم أن التحالف الذي تقوده السعودية لم يسمح لجميع السفن بدخول الحديدة، أو الرحلات الجوية من وإلى صنعاء، التي وافقت عليها الرياض بموجب الهدنة. تقر الأمم المتحدة بأنه لم يتم تنفيذ جميع إجراءات الهدنة بالكامل. يخشى الحوثيون من أن التحالف الذي تقوده السعودية سيستغل الهدنة كفرصة لتحصين مواقعه والاستعداد لجولة قتال جديدة بعد انتهاء الهدنة. دفعت هذه المخاوف الحوثيين إلى البقاء مستعدين للقتال بشكل كبير والعمل على تعزيز سيطرتهم على صنعاء وأجزاء أخرى من شمال اليمن، ورفع جاهزية استعدادهم لعودة محتملة لقتال شامل.
عقب التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في محاولة لطرد الحوثيين من صنعاء واستعادة الحكومة المعترف بها دوليًا، صدر في 14 أبريل/نيسان 2015 قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الذي يدعو الحوثيين إلى "الانسحاب من جميع المناطق التي استولوا عليها خلال الصراع الأخير، والتخلي عن الأسلحة التي تم مصادرتها من المؤسسات العسكرية والأمنية، ووقف جميع الإجراءات التي تقع حصريًا ضمن سلطة الحكومة الشرعية في اليمن والتنفيذ الكامل لقرارات المجلس السابقة." لا تزال الحكومة اليمنية ترى هذا القرار—الذي صوت لصالحه 14 من أصل 15 عضوًا في مجلس الأمن، مع امتناع دولة واحدة، روسيا—كأساس لحل هذا الصراع. ومع ذلك، لا يوجد أي سبب على الإطلاق للاعتقاد بأن الحوثيين على وشك قبول هذه الشروط.
من أبريل/نيسان 2017 إلى مارس/آذار 2019، عمل فرناندو كارفاخال، وهو خبير في الشؤون اليمنية من خلال ما يقرب من عقدين من الخبرة في العمل الميداني في البلاد، في فريق خبراء اليمن في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. قال كارفاخال في مقابلة معه أن الحوثيين "ليسوا قريبين من إبرام صفقة تسمح للحكومة اليمنية بالعودة إلى صنعاء." من شأن مثل هذا الترتيب أن يؤدي إلى تكبد جماعة الحوثي "خسائر فادحة، حيث ستطالب الحكومة بمغادرة جميع قوات الحوثيين من العاصمة،" وهو ما "لن يقبل به الحوثيون." في غضون ذلك، لن تقبل الحكومة اليمنية—وداعموها الخليجيون—أبدًا أي خطة سلام تمنع تنفيذ هذا الجزء من القرار 2216.
وقال كارفاخال: "الحوثيون ليسوا مستعدين بعد للجلوس لإجراء محادثات للتوصل إلى حل نهائي للصراع." وحذر من أن تمديد الهدنة، في ظل غياب عملية دبلوماسية أوسع، "يمكن أن يؤدي ببطء إلى تطبيع الخطوط الأمامية الحالية ويعطي الحوثيين الشعور بأنهم يستطيعون العيش في الوضع اليمني الحالي الممزق طالما أنهم لا يفقدون المزيد من الأراضي التي يسيطروا عليها."
لكن الحوثيين، من جانبهم، ما زالوا يعتقدون أن الصراع لا يمكن أن ينتهي حتى تحترم دول الخليج التي تدخلت في اليمن حقوقها السيادية بشكل كامل. مع قيام الإمارات العربية المتحدة بجعل جزيرة سقطرى الإستراتيجية ملكية إماراتية، وقامت ببناء وجود عسكري في ميناء المخا اليمني على البحر الأحمر، يرى الحوثيون أنفسهم في صراع ضد أجندة الإمارات التوسعية، ناهيك عن حربهم ضد التحالف الذي تقوده السعودية.
يعد حصار الحوثيين الطويل لمدينة تعز، ثالث أكبر مدينة في اليمن، قضية حساسة تناولها مبعوث الأمم المتحدة مع الوفود في وقت سابق من هذا الشهر في الأردن، حيث قدم اقتراحًا يفصل خططًا لإعادة فتح طرق المدينة على مراحل. من المهم النظر في ما يمكن أن يخسره الحوثيون من رفع الحصار المفروض منذ مارس/آذار 2016. إنّ إنهاء سيطرة الحوثيين على هذا الجزء الاستراتيجي للغاية من اليمن من شأنه أن يقوض قدرة الجماعة المتشددة على جني إيرادات من الضرائب المفروضة على البضائع القادمة من عدن إلى تعز.
بالنسبة للحوثيين، فإن إنهاء حصارهم على تعز سيكون "الاختبار الحقيقي لرغبتهم في تنفيذ الهدنة،" بحسب ما ذكره أبو بكر الفقيه، وهو صحفي يمني مستقل. وأضاف: "إذا تعثر هذا الأمر، فأنا لا أتوقع أي مستقبل حقيقي للهدنة وأي سلام قريب في اليمن. وحتى الآن، لم يُظهر الحوثيون أي بوادر إيجابية بشأن فتح الطرق في تعز. بل إنهم يحاولون الاحتيال على الاتفاقية ومحاولة فتح طرق ترابية وعرة لا تخدم أبدًا الغرض من الاتفاقية." واستشهد بمصادر محلية أفادت بأن الحوثيين نقلوا مؤخرًا معدات عسكرية إلى تعز. وقال الفقيه: "إنهم يشقون أيضًا طريقًا ترابيًا باتجاه جبهات المدينة، ومن المرجح أن يستخدموه عسكريًا. هذه ليست إشارة على أي حسن نية."
إذا كان مجرد فتح طريق في تعز قد واجه الكثير من عناد الحوثيين، فما هي فرصة تحقيق اتفاق سلام أوسع؟ وبحسب ما ذكره الفقيه، فإن "موقف الحوثيين من رفع حصار تعز يكشف عن صعوبة أو استحالة إقناع الجماعة بالمساعدة في إنهاء الحرب."
رغم انخفاض وتيرة القتال، لم تهدأ كل أعمال العنف ومعاناة المدنيين. قالت أفراح ناصر، وهي باحثة في الشؤون اليمنية في منظمة هيومن رايتس ووتش: "إنني قلقة للغاية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في ظل الهدنة. يجب على المجتمع الدولي اغتنام فرصة الهدنة لإنشاء آلية دولية مستقلة جديدة لتوثيق الانتهاكات في اليمن والتأكد من أن أي مفاوضات سلام مقبلة تأخذ في الاعتبار المساءلة عن الانتهاكات المستمرة والسابقة من قبل أطراف النزاع وتعويض الضحايا."
لا يمكن تجاهل التأثيرات الأوسع للوضع القائم. تقبع ناقلة النفط العملاقة المتهالكة صافر قبالة الساحل اليمني في البحر الأحمر دون أي صيانة تقريبًا منذ بداية الحرب، وتتعرض للصدأ بينما يوجد على متنها أكثر من مليون برميل من النفط. حذرت الأمم المتحدة منذ سنوات من أنها قد تتحطم، ما قد يؤدي إلى أضرار لليمن والسعودية ودول في القرن الأفريقي بمستوى يصعب تقديره بيئيًا واقتصاديًا. سيكون تسربًا نفطيًا غير مسبوق، أسوأ بكثير من كارثة إكسون فالديز، والتي يقدر خبراء البيئة أن تنظيف ذلك فقط سيكلف 20 مليار دولار.
لسوء الحظ، فإن مصير الناقلة صافر، الراسية في المياه شمال الحديدة في المنطقة التي هي تحت سيطرة الحوثيين، مرتبط بسياسة حرب اليمن. إذا سمح الحوثيون للأمم المتحدة بتفريغ وقود السفينة، والقيام بعملية إنقاذ، فسيشكل ذلك خطوة كبيرة في بناء الثقة من قبل المتمردين. ومع ذلك، هناك أسباب تدعو للتشكيك في استعدادهم لاتخاذ هذه الخطوة، بالنظر إلى ما أسماه كارفاخال "سردية الحوثيين بشأن السيادة على موارد اليمن الطبيعية." يريد الحوثيون الحفاظ على السيطرة على المنطقة المحيطة بالحديدة، والوصول إلى البنية التحتية النفطية بأي ثمن. وقال: "الحوثيون يعرفون أن هذه ستكون هزيمة كبيرة لهم بين مؤيديهم، لأنهم سيفقدون رمزيًا إمكانية تصدير النفط من الأراضي التي يسيطرون عليها."
ولكن مهما كانت الهدنة هشة، فإنها لا تزال موضع ترحيب من وجهة نظر إنسانية. لكن على الصعيد العسكري والسياسي، لا تزال الصورة قاتمة في أفقر دولة في الشرق الأوسط. رغم كل الحديث عن التقدم نحو تحقيق السلام في اليمن، فإن الوضع على الأرض متوتر وهش للغاية بحيث لا يبرر أي تفاؤل. على الرغم من أن الهدنة قد تستمر في الوقت الحالي، وقد تستمر الدبلوماسية، إلا أن الأطراف المتحاربة تستعد أيضًا لجولات جديدة من القتال، حتى عندما حث مبعوث الأمم المتحدة الأطراف على "تقديم التنازلات الضرورية لصالح اليمن ككل." وقال أيضًا أنه يمكن أن نفقد هذه "الفرصة النادرة" التي توفرها الهدنة "للتوجه نحو السلام."