سيف الدين فرجاني محلل سياسي تونسي يعيش في المملكة المتحدة. يكتب عن الشؤون الإقليمية لشمال إفريقيا، وبالأخص تونس وليبيا.
English
عندما أزال الرئيس قيس سعيّد السلطة الوحيدة الضابطة لصلاحيات الرئيس الصيف الماضي، متحايلًا على الدستور التونسي، كان هناك في البداية ارتياح بل وحتى ابتهاج في أجزاء معينة من البلاد. يراهن سعيّد، الذي يدعمه الجيش، على أنه من خلال تعليق البرلمان والحكم بمرسوم رئاسي، يمكن أن ينهي الجمود السياسي في تونس ومعه الأزمة السياسية والاقتصادية الأعمق في تونس. لكن سرعان ما تلاشت أي آمال للتغيير كانت معلقة على انقلاب سعيّد. وبدلًا من ذلك، كما توقع العديد من المراقبين والنقاد، لم يكن تعليق البرلمان سوى البداية لهذا المستبد الطموح.
في أعقاب الانقلاب مباشرة، تحرك سعيّد لاعتقال نواب المعارضة، وأرسل مجموعة من رجال الشرطة في ثياب مدنية يعملون تحت إمرته مباشرة. مع وجود وسائل إعلام خائفة تحت سيطرته إلى حد كبير، يمكن لسعيّد نشر مزاعم غريبة، بما في ذلك أن استيلاءه على السلطة قد استعاد الملايين من أموال الدولة المسروقة، ويمكنه إلقاء أي اتهامات ضد خصومه السياسيين دونما رادع. مع مرور الأشهر، تشجّع سعيّد بالسلطة المطلقة التي زعمها بموجب تفسيره المفرد للدستور الذي تم انتقاده على نطاق واسع. لقد تخلى بشكل مطرد عن أي مظهر من مظاهر قواعد السلوك الديمقراطي، وأي شكل يمكن التعرف عليه من القانون والنظام.
قام سعيّد، الذي اتبع خُطى الطغاة في جميع أنحاء المنطقة والذي تم انتخابه في عام 2019 بناءً على تعهداته بالقضاء على الفساد، بإغلاق لجنة مكافحة الفساد المستقلة، التي كان لديها قدرًا هائلًا من المعلومات والاتهامات من قبل المبلّغين عن المخالفات ضد المتنفذين والأقوياء. كما وضع الرئيس السابق للجنة تحت الإقامة الجبرية. تم تصميم هذه التحركات لجعل سعيّد السلطة الوحيدة في تونس في تحديد من هو الفاسد. يمكنه أيضًا استخدام المعلومات الموجودة في الشكاوى وقضايا اللجنة الجارية لابتزاز المتهمين والمبلّغين على حد سواء.
مع الضغط الاقتصادي المستمر الذي يقود إلى مزيد من المعارضة الداخلية، كان سعيّد بحاجة إلى دعم مالي لدفع رواتب القطاع العام وإرضاء التونسيين المنهكين بالفعل بسبب فيروس كورونا والاقتصاد المتعثر منذ فترة طويلة. أدت تحركاته المبكرة المتجاهلة لصندوق النقد الدولي إلى تعليق المفاوضات بشأن أحد القروض، ما زاد من تأجيل تلك العملية المتوقفة بالفعل.
بدا أنه يعتقد أن الأصدقاء في فرنسا ومصر ودول الخليج سوف يساعدون تونس عندما تكون تحت سيطرته، لكن ذلك لم يتحقق. حتى العلاقات مع الجارة ليبيا كانت متوترة بعد اتهامات غامضة بمؤامرات اغتيال لسعيّد منشؤها ليبيا. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي اعترف بسرعة في أعقاب الانقلاب بالشرعية الشعبية لسعيّد مقابل شرعية الدستور التونسي، لم يقدم سوى القليل من المال حتى الآن، على الرغم من تأكيدات سعيّد للتونسيين بأنه يمكنه الاعتماد على "الدول الصديقة" للحصول على المساعدة المالية.
لكن مع حاجة تونس الماسة إلى المساعدة الدولية، وخاصة مساعدة صندوق النقد الدولي، استؤنفت المفاوضات في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ومع ذلك، فقد تسبب الوقت الضائع بسبب عدوانية سعيّد في ضرر لا يوصف للمركز المالي التونسي، بعد أن تم تخفيض تصنيف سنداتها بشكل كبير بسبب عدم الاستقرار الناجم عن انتزاع السلطة. لا يعني ذلك أن سعيّد بدا مهتمًا بما يعنيه ذلك بالنسبة للاقتصاد التونسي. فقد قال في أكتوبر/تشرين الأول أن "وكالات التصنيف لا يمكنها منحنا أي درجات يريدونها. نحن لسنا طلابهم، وهم ليسوا معلمينا".
"خارطة الطريق" التي طال انتظارها والتي وعد بها سعيّد—من أجل استفتاء دستوري وانتخابات جديدة—كانت مجرد خطوة أخرى في توطيد سلطته. مع بقاء البرلمان معلقًا، أمهل نفسه عامًا لإعادة تونس إلى الديمقراطية، مع القليل من التأكيدات على أن ذلك سيتم فعلًا، حيث ادعى أن له سلطة تحديد موعد انتخابات جديدة في ديسمبر/كانون الأول 2022، وهو أمر لا يملك سلطة القيام به بموجب الدستور. الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي المكلفة دستوريًا بتنظيم الانتخابات وأي استفتاء، لكنه لم يستشرها بعد.
لكن ربما الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن سعيّد نجح في جمع فريق من الوزراء والضباط في الأجهزة الأمنية موالين له شخصيًا وعلى استعداد لتجاهل القواعد الإجرائية للدولة، بقيادة وزير الداخلية توفيق شرف الدين. هذا الوزير لم ينفذ أوامر سعيّد القمعية فحسب، بل كان وقحًا بما يكفي ليعلن مؤخرًا في مؤتمر صحفي علني متلفز أنه تجاهل جميع الإجراءات القانونية في اعتقال اثنين من السياسيين المعارضين البارزين.
في أواخر ديسمبر/كانون الأول، تعرض نور الدين البحيري، وزير العدل السابق ونائب رئيس حزب النهضة الإسلامي، وفتحي البلدي، المسؤول السابق في وزارة الداخلية، للاختطاف على أيدي ضباط يرتدون ملابس مدنية. وبحسب ما ورد تم ضرب البحيري أثناء جره إلى سيارتهم أمام منزله، دون مذكرة توقيف. كما اعتدوا بعنف على زوجته المحامية سعيدة العكرمي وصادروا هاتفها. ونُقل كل من البحيري والبلدي إلى أماكن لم يُكشف عنها.
ووصف شرف الدين، في مؤتمر صحفي، اعتقال البحيري بأنه إقامة جبرية، وهو ما سبب صدمة للقضاة والمحامين، في ظل عدم وجود أي تهم رسمية. لم يتم إبلاغ المدعي العام التونسي ولا المحاكم ولا حتى الشرطة على ما يبدو بعمليتي الاعتقال هذه، وبالتالي تم اختطاف البحيري والبلدي بحكم القانون. أدى اعتقالهما، الذي بدا وكأنه تحذير لسياسيين معارضين آخرين، إلى إثارة مخاوف من حملة قمع أوسع.
ومنذ ذلك الحين، اتضحت معالم خطط سعيّد بشأن القضاء التونسي، حيث صدر مرسوم هذا الأسبوع بإنهاء "منح وامتيازات" أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وهو هيئة مستقلة بموجب الدستور تراقب القضاء وتعيّنهم في مختلف المحاكم. قضى سعيّد شهورًا في تشويه سمعة المجلس والقضاء برمته. وقد دعا إلى "تطهير" المحاكم وادعى أنها "وظيفة من وظائف الدولة،" ما يقوض استقلاليتها ويوضح أنه يرى المحاكم والقضاة مجرد امتداد آخر لسلطته الرئاسية المطلقة. تمامًا مثل زمرة رجال الشرطة المخلصين له الذين يرتدون ملابس مدنية، يريد سعيّد تعيين قضاة يحكمون نيابة عنه، دون أي استقلال، حتى يتمكن من تسليح المحاكم متى شاء ضد أي معارض سياسي.
عندئذٍ سيكون قادرًا على الحكم ليس بقانون الطوارئ، ولكن بالشرعية المزيفة لنظام قضائي معيّن من قبله بالكامل، مثل الديكتاتوريين الآخرين من أمثال معمر القذافي في ليبيا، حيث تم حل الدولة وتفككت. سعيّد يريد السلطة لنفسه وللقلة المختارة—لتقويض الدولة بالكامل وإعادة صنعها لمصالحه الخاصة.
منذ انقلابه، استخدم سعيّد غضبًا شعبيًا واسع النطاق تجاه الاقتصاد والفساد لفرض سيطرته الكاملة على جميع أجزاء الدولة—أولًا من خلال إغلاق الرقابة القانونية الوحيدة على سلطته، التي يقوم بها البرلمان، ثم من خلال وضع موالين أقوياء في الوزارات والأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام الحكومية. الجزء الأخير من هذا اللغز هو القضاء. بالفعل، كانت المحاكم العسكرية تحاكم عددًا مقلقًا من المدنيين لمجرد انتقادهم سعيّد علانية.
كان انقلاب سعيّد وديكتاتوريته التي تلوح في الأفق واضحين لأي مهتم بالديمقراطية في 25 يوليو/تموز. لكن الآن، احتكاره الكامل للسلطات القسرية للدولة جعله غير مسؤول أمام أي شيء وأي شخص باستثناء أهوائه. لقد عادت الدولة البوليسية إلى تونس، لكنها ستزداد سوءًا. قمعت قوات الأمن بعنف الاحتجاجات ضد سعيّد الأسبوع الماضي في ذكرى سقوط زين العابدين بن علي، حيث توفي المتظاهر رضاء بوزيان البالغ من العمر 57 عامًا. تحذر جماعات حقوق الإنسان التونسية بشكل جماعي من أن "عقلية الشرطة والأمن هي التي تدير الدولة،" حيث يتم تقييد الحريات الأساسية.
في هذا المناخ الذي يسوده الخوف والقمع، فإن التعذيب والضرب وحتى موت المعارضين والمتظاهرين سوف يصدم وينذر الجميع في البداية، لكن بعد ذلك سيكون الأمر طبيعيًا، تمامًا مثل انتزاع سعيّد للسلطة. إنّ تجاهل سعيّد الكامل للإجراءات القانونية وسيادة القانون، بينما يشعر هو وزمرة مستشاريه بأنه لا يمكن المساس بهم، يعني أننا لم نشهد بعد أسوأ تجاوزات سعيّد. مع وجود مجموعة جاهزة من الأعذار من الدائرة الداخلية لسعيّد لتبرير الفظائع التي تم القيام بها بالفعل، يمكن أن يرتفع عنف الدولة إلى مستوى غير مسبوق حتى في ظل أحلك أيام بن علي.