وسط التوترات المستمرة مع الغرب وسلسلة من الأزمات في الداخل، تعمل إيران جاهدة للهروب من عزلتها الدولية. ومع أن الاتفاق النووي لعام 2015 لا يزال أشبه باتفاق ميت، تحاول حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي مواجهة تأثير العقوبات الغربية الخانقة من خلال توسيع علاقاتها داخل المنطقة وخارجها، عبر ما تسميه في سياستها الخارجية "النظر شرقًا" و"الجيران أولًا".
وبالإضافة إلى اتفاق إيران مع المملكة العربية السعودية في مارس/آذار الماضي على إعادة العلاقات الدبلوماسية، قامت طهران بتحسين العلاقات مع دول عربية أخرى—مصر والكويت والسودان والإمارات العربية المتحدة—إلى جانب جمهوريات آسيا الوسطى وباكستان، الأمر الذي جعل إيران تبدو أقل عزلة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي الأوسع. إنّ جولات رئيسي الأخيرة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وكذلك رحلته إلى إندونيسيا، تدخل ضمن أجندة إيران لتعزيز علاقاتها مع دول الجنوب العالمي الأخرى على خلفية شراكات طهران المتنامية مع الصين وروسيا. وفي يوليو/تموز، حصلت إيران على العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون، الكتلة التي تقودها الصين وروسيا.
ولتتويج كل ذلك على ما يبدو، في أواخر أغسطس/آب، كانت إيران من بين ست دول تمت دعوتها للانضمام إلى مجموعة بريكس—وهي مجموعة الاقتصادات الناشئة التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. وفي المنطقة الأوسع، تلقت مصر والسعودية والإمارات أيضًا دعوات للانضمام إلى مجموعة بريكس بدءًا من 1 يناير/كانون الثاني 2024. ومن الناحية السياسية، فإن رمزية عضوية البريكس ضخمة في سياق توترات طهران مع الغرب، وخاصة واشنطن.
ومن المحتمل أن دخول إيران إلى مجموعة بريكس لن يقدم أي مساعدة للحكومة في التعامل مع أزمة الشرعية في الداخل
- جورجيو كافييرو
إنّ انضمام إيران إلى كتلة البريكس "يمكن أن يرسل إشارة قوية مفادها أنه على الرغم من سنوات الضغوط والعقوبات، التي تم تشديدها في الآونة الأخيرة، خاصة منذ العام الماضي، إلا أن إيران ليست معزولة على الساحة الدولية"، كما قال حميد رضا عزيزي، خبير الشؤون الإيرانية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين، لمجلة الديمقراطية في المنفى.
وأضاف عزيزي: "[إيران] لديها شركاء يقبلونها على الأقل كطرف للحوار والتنسيق، كما أنها تندمج بشكل متزايد في الهياكل العالمية الناشئة. الطريقة التي يعرض بها المسؤولون الإيرانيون الأمر هي أن العالم ليس الولايات المتحدة فقط، وخاصة في هذا الوقت من التحول في السياسة العالمية"، وأن الإيرانيين "لديهم مجال للمناورة".
ويعكس اصطفاف إيران المتزايد مع الصين وروسيا نقاشًا داخليًا كان مستمرًا لسنوات بين من يُطلق عليهم "البراغماتيين" و"المتشددين" في طهران. يدور هذا النقاش، من حيث السياسة الخارجية، حول موقف الجمهورية الإسلامية في مواجهة الشرق والغرب. ولم يعارض "البراغماتيون" على الإطلاق تعزيز علاقات إيران مع بكين وموسكو، لكنهم دافعوا أيضًا عن بناء الجسور مع الغرب. وكانت مثل هذه الشخصيات في النظام السياسي الإيراني، بما في ذلك الرئيس السابق حسن روحاني، من أشد المؤيدين للاتفاق النووي، المعروف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، ويرى "المتشددون" أن الغرب غير جدير بالثقة في الأساس، ويعتقدون أن إيران لابد أن تستثمر مواردها وطاقتها في علاقات مع بكين وموسكو، من أجل تعزيز المحور المناهض للهيمنة والذي يعمل على التعجيل بانتقال العالم نحو التعددية القطبية.
وبسبب مجموعة من العوامل— على رأسها قيام إدارة ترامب بوقف العمل بخطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018، وتشديد قبضة الحرس الثوري الإسلامي على الدولة والاقتصاد الإيرانيين، وكذلك انتخاب رئيسي في عام 2021— تتشكل عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الإيرانية بشكل كبير من قبل المتشددين.
وقال مهران هاغيريان، مدير المبادرات الإقليمية في مؤسسة بورس آند بازار التي مقرها لندن: إنّ عضوية إيران الجديدة في مجموعة بريكس والمنظمات في أوراسيا هي جزء من حملة مستمرة منذ سنوات من قبل المتشددين في طهران لتوسيع الارتباطات الدبلوماسية مع الجيران والدول "ذات التفكير المماثل" في المنطقة الأوسع. ويأتي ذلك إلى جانب "تقليل التواصل مع الأوروبيين والمعارضة الشديدة لأي تعامل مع واشنطن".
لكن بعيدًا عن رمزية هذه الجهود، يبدو أنه من غير المرجح أن تستفيد إيران من عضوية مجموعة بريكس بأي طرق ملموسة على المدى القصير. وقد يتغير هذا لسنوات أو ربما حتى عقود من الزمن، اعتمادًا على مدى قدرة مجموعة بريكس على إضفاء الطابع المؤسسي على نفسها وتحويل أفكارها إلى شيء أكثر واقعية.
قال هاغيريان: "على الرغم من أن هذه الاتفاقيات والشراكات الدبلوماسية ستعزز إلى حد ما الدور السياسي لإيران في الشؤون العالمية، لا سيما في تنافسها وصراعها مع الولايات المتحدة، إلا أنه لن يكون لها إلا تأثير إيجابي ضئيل على اقتصاد البلاد. إنّ العقوبات المفروضة على إيران، إلى جانب قائمة العقوبات الأوروبية المتزايدة مرة أخرى، ستستمر في منع أي علاقة اقتصادية فعلية بين إيران وشركائها 'الجدد'".
ومن المحتمل أن دخول إيران إلى مجموعة بريكس لن يقدم أي مساعدة للحكومة في التعامل مع أزمة الشرعية في الداخل. تدور المعارضة الداخلية للجمهورية الإسلامية إلى حد كبير حول مجموعة من القضايا الداخلية كسوء الإدارة الاقتصادية والفساد والحكم غير الديمقراطي وانتهاكات حقوق الإنسان والقمع وعدم التسامح مع المعارضة. إنّ الإيرانيين الذين يقفون ضد حكومتهم ويطالبون بتغييرات جوهرية لن يبدأوا في النظر إلى الجمهورية الإسلامية باعتبارها أكثر شرعية لمجرد انضمام إيران إلى مجموعة بريكس.
لكن بعيدًا عن رمزية هذه الجهود، يبدو أنه من غير المرجح أن تستفيد إيران من عضوية مجموعة بريكس بأي طرق ملموسة على المدى القصير.
- جورجيو كافييرو
قال مهران كامرافا، أستاذ العلوم الحكومية في جامعة جورجتاون في قطر: من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، الربط بين السياسة الداخلية من ناحية، والعضوية في مجموعة البريكس، وكذلك في منظمة شانغهاي للتعاون، من ناحية أخرى.
وقال كوروش زياباري، الصحفي الإيراني الحائز على جوائز: إنّ تأمين العضوية في مجموعة بريكس لن يساعد الحكومة الإيرانية على تجاوز أزمة الشرعية التي تتصارع معها في الداخل. وأضاف: في الواقع، بعد الإعلان عن قبولها في المجموعة، أطلق مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانيون وابلًا من التعليقات المهينة والساخرة للمسؤولين الحكوميين على موقع تويتر، وسخروا منهم لعدم قدرتهم على احتواء الأسعار المتصاعدة للحوم والخبز ومنتجات الألبان، في حين كانوا يسعون وراء أجندات سياسة خارجية طموحة مثل الانضمام إلى مجموعة بريكس".
وقال زياباري: لا يزال الناس متشككين في موقف الحكومة في الخارج، ويشعرون بالإحباط بسبب مواقفها الاستبدادية المتزايدة، بما في ذلك الضغط المستمر على الصحفيين والمجتمع المدني، وخاصة النساء، الذين يبدو أنهم هدف سهل لإدارة رئيسي العازمة على تقنين طبقات من القمع على حرياتهم الشخصية. وأضاف: ما لم تتوصل الحكومة إلى تسوية مؤقتة مع مواطنيها لحماية حقوقهم الإنسانية والتوقف عن الإجراءات القمعية، فإن الإنجازات السياسية أو إنجازات السياسة الخارجية من هذا النوع لن تثير إعجاب الشعب المنهك".
ومن شأن انضمام إيران إلى كتلة البريكس أن يؤدي إلى زيادة تعميق الانقسامات داخل المجتمع الإيراني، ما يؤدي إلى المزيد من الاستقطاب. قال كامرافا: أولئك الذين يدعمون الدولة بالفعل والذين استوعبوا الأساس الأيديولوجي لشرعيتها من المرجح أن يفسروا ذلك على أنه إشارة أخرى إلى قوة الجمهورية الإسلامية وشرعيتها وصحة موقفها. لكن ذلك لن يثير إعجاب أولئك الذين لديهم مظالم ضد الدولة وخارج نطاق التعبئة الاقتصادية والسياسية، وبدلًا من ذلك ينظرون إلى هذا الأمر على أنه مظهر آخر من مظاهر سياسات الجمهورية الإسلامية المضللة.