رولا سلامة هي صحفية فلسطينية مخضرمة وناشطة مجتمعية ومديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن" في فلسطين.
English
على قناة الجزيرة في 11 مايو/أيار سمعتُ النبأ: مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة برصاص جندي إسرائيلي أثناء تغطيتها الصحفية في الضفة الغربية. شيرين، قُتلت؟! لقد عرفتُها منذ عقود. كانت من أوائل الصحفيين الذين انضموا إلى هيئة الإذاعة الفلسطينية التي ساعدت في تأسيسها في أوائل التسعينيات من القرن الماضي. لقد حظيتُ بشرف مشاهدة مسيرة شيرين المهنية وهي تتطور وتبرز سمعتها كصحفية استثنائية.
لقد رأيتُ عددًا كبيرًا من الصحفيين الدوليين يأتون إلى فلسطين، وقد انهاروا من وطأة تغطية الوحشية المستمرة من الاحتلال الإسرائيلي، ويغادرون بعد بضع سنوات. كما غادر العديد من زملائي الفلسطينيين البلاد كذلك. لكن شيرين أمضت 30 عامًا في الخنادق، وكرست حياتها للعمل الخطير والمرهق المتمثل في تغطية فلسطين، حتى في الوقت الذي أصبح فيه الوضع على الأرض أكثر قتامة بشكل تدريجي.
كان عمل شيرين تعبيرًا عن التزامها وحبها لشعبها ومنزلها، وإيمانها بأهمية توثيق قصة فلسطين كاملة ليراها العالم. كانت شيرين هناك في الأوقات العصيبة والخطيرة. أتذكر بوضوح تقاريرها الشجاعة عندما هاجمت القوات الإسرائيلية مجمع الرئيس ياسر عرفات في رام الله في ربيع عام 2002، وعندما قامت القوات الإسرائيلية بتدمير جزء كبير من مخيم جنين للاجئين بعد ذلك بفترة وجيزة.
لكنها حرصت على أن يفهم مشاهديها أن فلسطين هي أكثر من مجرد معاناة وقمع. أعدّت تقارير عن حكايات القرى الفلسطينية قبل عام 1948 وحصاد الزيتون. غطت نجاحاتنا وانتصاراتنا. لم تكتفِ بتغطية الألم، بل غطت الأمل أيضًا—وهذا جلب لنا الأمل. منذ مقتل شيرين، تابعتُ بدهشة الحب والإعجاب غير المسبوقين الذين يغدقها من كل حدب وصوب من فلسطين. كان الحب الذي وضعته شيرين في عملها واضحًا على نطاق واسع وكان متبادلًا.
بدأت صدمة مقتل شيرين تهدأ قليلًا، ولكن حلّ مكان ذلك شعور بالفزع يفوق أي شيء مررتُ به من قبل.
شيرين ليست الصحافية الأولى التي يهاجمها الجيش الإسرائيلي أو يقتلها. في السنوات الأربع الماضية وحدها، أصاب الجيش الإسرائيلي 144 صحفيًا فلسطينيًا، بحسب مراسلون بلا حدود. وقُتل 50 صحفيًا منذ عام 2000، واعتُقل 26 صحفيًا في العامين الماضيين فقط، معظمهم محتجزون في "الاعتقال الإداري" القاسي، حيث يمكن للسلطات الإسرائيلية احتجاز الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى، دون توجيه تهم إليهم.
في الشهر الماضي، تلقت المحكمة الجنائية الدولية شكوى رسمية من الاتحاد الدولي للصحفيين بشأن استهداف إسرائيل المنهجي للصحفيين. قبل أيام قليلة من مقتل شيرين، قام الجنود الإسرائيليون بضرب وركل الصحفي باسل العدرا بقسوة بينما كان يوثق قيام إسرائيل بهدم منازل الفلسطينيين وتهجير المجتمعات الفلسطينية في جنوب تلال الخليل بشكل مستمر.
لكن كان هناك مستوى غير مسبوق من القسوة التي قُتلت بها شيرين أثناء تغطيتها لمداهمة عسكرية إسرائيلية في الصباح الباكر من يوم 11 مايو/أيار. كانت شيرين قد وصلت لتوها إلى مخيم جنين للاجئين مع ثلاثة من زملائها على الأقل، وجميعهم يرتدون خوذات وسترات واقية مكتوب عليها "صحافة." أظهرت لقطات من اللحظات التي تلت إطلاق النار على شيرين—وبحسب تأكيدات المراسلين الذين كانوا معها—أن الشارع كان خاليًا.
بدون وجود أي مبرر محتمل، يبدو أن جنديًا إسرائيليًا ضغط على الزناد وأطلق رصاصة أصابت المنطقة أسفل أذن شيرين ووصلت إلى جمجمتها. وأصيب منتج شيرين علي الصمودي برصاصة.
تؤكد أدلة الفيديو الجديدة التي نشرتها "سي إن إن" هذا الأسبوع روايات شهود عيان كانوا مع شيرين عندما تم إطلاق النار عليها. يظهر مقطعا فيديو من موقع إطلاق النار حصلت عليهما "سي إن إن" أنه "لم يكن هناك قتال نشط، ولا أي مقاتلين فلسطينيين، بالقرب من أبو عاقلة في اللحظات التي سبقت وفاتها." علاوة على ذلك، فإن مقطعي الفيديو "يوحيان بأن أبو عاقلة قُتلت في هجوم مستهدف من قبل القوات الإسرائيلية."
يكشف مقتل شيرين عن حقيقة مرعبة: فكلما طال أمد الاحتلال الإسرائيلي الذي دام 55 عامًا، أصبح محتلونا أكثر جرأة. العنف العشوائي اليومي وهدم المنازل ومحو مجتمعات بأكملها والاعتقالات والسجن مع محاكمات عسكرية هزلية والاستيلاء المستمر على أرضنا والقيود المفروضة على حركتنا والسيطرة على جميع جوانب حياتنا، والتي اعتبرتها منظمات حقوقية مثل بتسيلم ومنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش بأنها إجراءات فصل عنصري—كل هذا أصبح ضجيجًا في الخلفية، كما لو كان "أمرًا معتادًا."
هذه الوقاحة مرتبطة بشكل معقد بالإفلات من العقاب الذي أصبحت إسرائيل تعتمد عليه، سواء فيما يتعلق بانتهاكاتها وبكيفية قيامها بالالتفاف عليها.
مباشرة بعد مقتل شيرين، ادعى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت وأعضاء آخرون في حكومته دون وجود دليل أنه "من المحتمل" أن المقاتلين الفلسطينيين هم من أطلقوا النار على شيرين. واستشهدوا بمقطع فيديو بدون سياق نشره الجيش الإسرائيلي يظهر مسلحين فلسطينيين وهم يطلقون النار في شارع في جنين.
بعد دحض هذا الفيديو من قبل باحث ميداني في منظمة بتسيلم في جنين—الذي أثبت بسهولة أنه تم تصويره في موقع مختلف تمامًا—صرحت إسرائيل بعد ذلك أن الجيش ربما أطلق النار على شيرين، ولكن فقط لأن شيرين كانت تقف مع مسلحين فلسطينيين—وهي كذبة أخرى تم دحضها بسرعة. وفي الآونة الأخيرة، صرح المسؤولون الإسرائيليون بأنهم لا يستطيعون تحديد من أطلق النار على شيرين ما لم تسلّم السلطة الفلسطينية الرصاصة لإسرائيل لإجراء تحقيق شرعي.
هذا الأمر لا يفاجئني أبدًا. لكن الذي يخيب أملي ويقلقني هو أنه في أعقاب مقتل واحدة من أبرز الصحفيين الفلسطينيين وأكثرهم احترامًا استمر العديد من الصحفيين الدوليين في تضخيم الدعاية الإسرائيلية. كنت أتقلب بين الغضب والشك عندما قرأتُ تقارير باللغة الإنجليزية تعطي مزاعم إسرائيل مصداقية أكثر أو تساويها بتصريحات شهود العيان من زملاء شيرين الصحفيين.
انزعجتُ أثناء قراءة عناوين الأخبار التي كشفت عن المصطلحات المبهمة التي تصف أن مقتل شيرين كان في إطار "اشتباكات" وأنها "ماتت." على الرغم من أن العديد من وسائل الإعلام قامت في وقت لاحق بتحديث تقاريرها، إلا أن الضرر الناجم عن تعزيز رواية الحرب الإسرائيلية الضبابية قد وقع بالفعل. كصحفية فلسطينية، إذا لم أستطع الاعتماد على زملائي الدوليين لفضح الدعاية الزائفة ومحاسبة السلطة، فمن سيدعمني؟
من المؤسف أن إدارة بايدن لا تصر على إجراء تحقيق أمريكي مستقل، على الرغم من حقيقة أن شيرين كانت أيضًا مواطنة أمريكية، وعلى الرغم من إثبات إسرائيل مرارًا وتكرارًا عدم قدرتها على إجراء تحقيق بنفسها—بما في ذلك في وقت سابق من هذا العام بعد وفاة عمر الأسد، البالغ من العمر 78 عامًا—وهو رجل فلسطيني أمريكي في الضفة الغربية المحتلة، إثر اعتقاله من قبل جنود الاحتلال الذين أخرجوه من سيارته وربطوه وكمموه وتركوه في موقع بناء بارد.
في قضية مقتل شيرين، ستقوم إسرائيل بإجراء تحقيق داخلي "عملياتي" تبييضي، بعد أن أعلنت أنه لن يكون هناك تحقيق جنائي فوري. حتى لو تم إجراء تحقيق جنائي في نهاية المطاف، فمن المرجح أن يتم العفو عن الجناة أو إصدار عقوبات طفيفة بحقهم.
تؤكد جنازة شيرين في القدس الشرقية بشكل مؤلم إلى أي مدى أدى هذا النمط من الإفلات من العقاب إلى تشجيع الانتهاكات الإسرائيلية. اعتدت شرطة مكافحة الشغب الإسرائيلية على المشيعين وأطلقت عليهم قنابل الصوت وركلت وضربت حاملي الجنازة، ما تسبب في إسقاط أحد أطراف نعش شيرين. ليس تجاهل إسرائيل الصارخ للسماح لنا بدفن أيقوناتنا بكرامة هو أكثر ما يخيفني، وإنما هو أن إسرائيل كانت تعلم أن أفعالها سيتم تصويرها من قبل العشرات من المصورين الصحفيين ومشاهدتها في جميع أنحاء العالم على التلفزيون المباشر—وببساطة لم تكترث لهذا الأمر.
قد ينذر مقتل شيرين بموسم صعب للصحفيين الفلسطينيين. هذه الخطوة الأولى من كتاب الدعاية الإسرائيلية، نزع الشرعية عن الضحايا الفلسطينيين من خلال تلفيق ادعاءات مرتبطة بـ "الإرهاب"، قد تُستخدم كغطاء لتصعيد الهجمات علينا جميعًا. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي قد زرع هذه الفكرة بالفعل، وصرح بوقاحة بعد مقتل شيرين أن الصحفيين الفلسطينيين "مسلحون بالكاميرات." الحقيقة هي ما تحدثت بها شيرين وهي أن أي صحفي فلسطيني يتمتع بالنزاهة ويحاول التحدث هو خطر على محتلينا. إنّ قتل شيرين—التي هي مثال ناصع للصحفي الذي يتحدث بالحقيقة أمام السلطة—هو كتم للقصص وخنق للأصوات التي عملت بجد على نشرها.
لهذا السبب، بينما أستمر في كتابة التقارير عن الهدم الإسرائيلي لمنازلنا واعتقال أطفالنا، فإن مقتل شيرين سيكون في ذهني، وسيتغلغل الخوف إلى عملي. ما لم تواجه إسرائيل مساءلة فعلية، فإن موت شيرين لن يكون مأساة حزن عليها العالم العربي بأسره فحسب، بل يمكن أن يكون مسمارًا في نعشي ونعش جميع الصحفيين الفلسطينيين الآخرين. ولعل الأمر الأكثر إخافة هو أن ذلك قد يجعلنا نصمت، في وقت نحتاج فيه أكثر من أي وقت مضى إلى نشر تقاريرنا عن الانتهاكات المتصاعدة للحكم العسكري الإسرائيلي.