كوكب الذيباني ناشطة في مجال حقوق المرأة والسلام في اليمن، ومؤسسة مبادرة "هي من أجل المجتمع" (She4Society Initiative) التي تهدف إلى تحقيق السلام المستدام والمساواة بين الجنسين في اليمن من منظور محلي ونسوي.
ملاحظة المحرر: هذه المقالة مقتبسة من ورقة بحثية قُدمت في مؤتمر اليمن بالعاصمة الأمريكية واشنطن، الذي تم تنظيمه من قبل منظمة (DAWN) ومؤسسة توكل كرمان ومركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورجتاون.
لطالما كان المجتمع المدني في اليمن، والمنظمات النسائية على وجه الخصوص، قوة إيجابية تعمل على نزع فتيل الصراع وإنصاف المظالم في البلاد. بعد عام 2015، واجه هذا المجتمع واقعًا جديدًا يتقلص فيه الفضاء المدني يومًا بعد يوم وسط حرب شاملة، حيث تم تهديد نفوذه بسبب استيلاء الأطراف المتحاربة على السلطة في جميع أنحاء اليمن.
منذ استيلاء جماعة الحوثي المسلحة، المدعومة من إيران، على صنعاء وتدخل التحالف الذي تقوده السعودية، تحول اليمن فعليًا إلى دولة تابعة بدون سيادة أو ولاية قضائية. ساهم التحالف الذي تقوده السعودية في إضعاف الدولة اليمنية بطريقتين رئيسيتين وهما التدخل في قرارات الدولة وتعييناتها، ودعم مجموعة من الجماعات والكيانات غير الحكومية، بما في ذلك الميليشيات الانفصالية في جنوب اليمن. يبدو أن هذا يتعارض مع الهدف الرئيسي للتحالف المتمثل في "استعادة شرعية" الحكومة اليمنية التي طردها الحوثيون من صنعاء.
في الجانب المقابل، فإن الفصائل الفاعلة المسلحة التابعة لمختلف الأطراف في حرب اليمن—المدعومة من إيران والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية—تزداد قوة بشكل متزايد في اليمن، بينما تتقلص الدولة اليمنية تدريجيًا وتصبح معتمدة على هذه القوى الخارجية المتدخلة. أدى ذلك بدوره إلى انعدام المساءلة في البلاد عن مخالفات وانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم الحرب. هذا الواقع هو التحدي الأكبر لمنظمات المجتمع المدني التي تعتمد على القانون والنظام لتقديم مساهمات إيجابية لجهود صنع السلام.
ارتكبت جميع الأطراف المتحاربة في اليمن انتهاكات لحقوق الإنسان ضد منظمات المجتمع المدني وخاصة ضد النساء اللواتي واجهن تهديدات مستمرة، وخاصة من قبل الحوثيين. وقد خلق ذلك بيئة من الخوف تحد من عمل المجتمع المدني في بناء السلام وتشوه أي رواية للسلام، حيث تخشى العديد من النساء اليمنيات من انتقام الحوثيين منهن.
منذ اندلاع الحرب، قام الحوثيون بتشويه سمعة الناشطات ومنظمات المجتمع المدني، حيث يصفوهن بـ "القوة الناعمة" التي تخدم أجندة خارجية وتقوم بعمل "غير أخلاقي". يستخدم الحوثيون وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للترويج لهذه الهجمات. حاولت حملة تضليل تم شنها مؤخرًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ربط النساء اليمنيات العاملات في المجتمع المدني ومنظمات بناء السلام بشبكات أجنبية تريد "تدمير" اليمن والسعي وراء دوافع خفية أخرى. لم تتخذ الحكومة اليمنية أي خطوات للحد من مثل هذه الهجمات أو معاقبة الجناة.
إن عدم وجود أي رد حكومي على هذه التشويهات أدى إلى تطبيع النظرة السلبية لعمل منظمات حقوق المرأة والمجتمع المدني في جميع أنحاء اليمن. نتيجة لذلك، تواجه النساء من منظمات المجتمع المدني الشعبية صعوبة كبيرة في معالجة المظالم القائمة على النوع الاجتماعي التي خلقتها الحرب.
بالإضافة إلى العيش في ظل هذه الظروف الصعبة، يجب على المرأة اليمنية مواجهة الأجندة السياسية التي تهيمن على فضاءها المدني. فالوضع الأكثر خطورة هو في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال اليمن،. فقد أنشأ الحوثيون الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث، التي تسيطر على جميع أنشطة المنظمات المحلية أو الدولية على الأرض. تحظر السلطة جميع أنشطة منظمات المجتمع المدني المستقلة، بما في ذلك مشاريع بناء السلام، ولا تسمح إلا بعمل الكيانات التي يتماشى عملها مع الأجندة السياسية لجماعة الحوثي.
وفي الوقت نفسه، أثر دور التحالف الذي تقوده السعودية على الحياد والبنية المهنية المتصورة للعديد من منظمات المجتمع المدني اليمنية، ما جعل عملها أكثر صعوبة أثناء محاولتها البقاء على الحياد في الحرب. وكما قال لي أحد قادة المجتمع المدني في الجوف شمال صنعاء: "إذا استمر هذا الوضع، فهناك خطر ألا نجد في المستقبل أي منظمات غير حكومية محايدة، وأن أولئك الذين يعملون بحيادية سيتعرضون للهجوم من قبل جميع الأطراف".
تتم غالبية أعمال بناء السلام في اليمن اليوم من خلال دبلوماسية المسار الثاني (دبلوماسية غير رسمية أو دبلوماسية "القناة الخلفية")، بدلًا من المسار الثالث (أساسًا الدبلوماسية بين الناس)، ما يترك منظمات المجتمع المدني الشعبية والتي تقودها النساء مهمشة إلى حد كبير، حتى على الرغم من أن لديهم القدرة الأكبر على العمل على الأرض لتعزيز جهود السلام. وما يجعل الأمر أكثر سوءًا أن هناك نقص شديد في التمويل لعملهم. أصبح يتحتم على النساء اليمنيات التطوع بشكل متزايد في جهود المجتمع المدني وبناء السلام دون أي دعم مالي، فقط لإيصال أصواتهن.
قالت لي ناشطة محلية في تعز: "إذا أردنا السلام، فإننا نحتاج إلى رؤية مشاركة النساء العاملات على الأرض".
ونظرًا لأن الحرب أدت إلى تمزيق نظام الدولة في اليمن، بدأت العديد من المناطق في جميع أنحاء البلاد في الانفصال عن السلطة المركزية. وفي حين لعبت التدخلات الدولية والإقليمية دورًا في زعزعة استقرار اليمن، فإن هذا التحرك نحو اللامركزية والحكم الذاتي الإقليمي يمكن أن يكون أيضًا فرصة لأولئك الذين يدافعون عن السلام.
النساء ومنظمات المجتمع المدني العاملة على المستوى الشعبي مقبولة من قبل المجتمعات المحلية وتتمتع بثقتها لأنها تستجيب لاحتياجاتهم. إنّ أجنداتهم مدفوعة بأولويات السكان، وهم يعملون بأقصى درجات الحياد، دون تدخل سياسي، وهو ما يمكن أن يكون مكسبًا في المفاوضات الجارية والمستقبلية من أجل السلام في اليمن.
لقد غيرت الحرب بشكل جذري هيكل منظمات المجتمع المدني في البلاد، بما في ذلك تلك التي تقودها النساء، ليس فقط بسبب الهيمنة السياسية للجهات الفاعلة غير الحكومية والقوى الإقليمية، ولكن بسبب أجندة يقودها المانحون لا تضمن نتائج مستدامة للأشخاص على الأرض. وعلى عكس الدعم الخارجي المقدم للأطراف المتحاربة، فإن هناك نقص في أي دعم من هذا القبيل للمجتمع المدني في اليمن، بما في ذلك المنظمات التي تقودها النساء.
في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، لا يمكن للنساء العمل في بناء السلام. فإذا فعلن ذلك، فهن عرضة للسجن أو إغلاق منظماتهن. وفي بعض الأحيان، تخاطر النساء أيضًا بحياتهن. الخوف المرير الذي تعيشه النساء اليمنيات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، بالإضافة إلى وصمة العار القائمة على النوع الاجتماعي المفروضة عليهن من قبل الحوثيين، يجعل من المستحيل تقريبًا على منظمات السلام المحلية القيام بعملها. لسوء الحظ، فإن دعم عمل المرأة من أجل السلام ليس أولوية في المفاوضات الحالية في اليمن. المنظمات النسوية المحلية هي محفزات للسلام، وبالتالي يجب أن تركز كل الجهود على حمايتها.
يعاني اليمن من نقص مذهل في المساءلة عن الانتهاكات—نتيجة لجهود جميع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية المنخرطة في الحرب والتي تريد حماية مصالحها الضيقة. ويتضح هذا أيضًا من حقيقة أنه في عام 2021 لم يتم تجديد فترة فريق الخبراء البارزين التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن، وهي آلية للمساءلة عن جرائم الحرب. يجب بذل المزيد لإنشاء هيئة مراقبة بديلة لتعزيز المساءلة والعدالة في اليمن. فبالإضافة إلى التهديدات الأمنية الشديدة التي تواجهها منظمات حقوق الإنسان المحلية، فإنها تكافح للإبلاغ عن الانتهاكات والمظالم الأخرى في الحرب، كما أن هذه المنظمات بحاجة ماسة إلى المساعدة المالية والتقنية. حيث سيكون لدعمهم تأثيرات متعددة في اليمن، حيث أنه سيدعم جهود العدالة المستقبلية ويعزز جوانب أخرى من المجتمع المدني مهمة لتحقيق سلام دائم.
في بعض مناطق اليمن، مثل مأرب وشبوة والمهرة وحضرموت—وكلها خارج سيطرة الحوثيين—هناك نظام نسبي اليوم مقارنة بفترة ما قبل الحرب—في شكل زيادة مشاريع البنية التحتية وتوفير الخدمات، إلى درجة أن هذه المحافظات بدأت في العمل بمعزل عن الدولة اليمنية المركزية. قد يكون هذا لبنة لمنع مركزية السلطة في صنعاء التي ميزت نظام ما قبل الحرب للرئيس علي عبد الله صالح. وفي حين أنه من المهم التعامل مع مناطق اليمن التي لا تزال غارقة في الصراع، إلا أنه من المهم بنفس القدر حماية الركائز الأكثر استقرارًا في البلاد في هذه المحافظات المحلية، لمنع اليمن من التفكك الكامل. فمع تشظي الدولة المركزية اليمنية، ظهر نظام محلي، وإذا تمت رعايته، يمكن أن يُرسي الأساس للسلام.