حمادي خليفي، كاتب ومحام تونسي مقيم في نيويورك
19 ديسمبر/كانون الأول 2010، أول ليلة رعب.
حاولتُ في ذلك اليوم الوصول إلى مدينة سيدي بوزيد بأي طريقة ممكنة. رفض سائقو الحافلات الصغيرة ذات الخطوط الحمراء—سيارات الأجرة الجماعية—الذهاب إلى المدينة بعد سماعهم بأحداث العنف هناك. وقفتُ عاجزًا عند محطة الحافلات في صفاقس مع عشرات السكان المحليين الذين أرادوا العودة إلى مدينتهم النائية الواقعة بين الجبال. وفجأة، تردد صدى مرعب عبر مكبر صوت: "على من يريد الذهاب إلى مدينة سيدي بوزيد أن يستقل حافلة مدينة قفصة التالية الآن!"
تحول الوضع إلى عدائي، وتكدس حشد الناس الذين تقطعت بهم السبل في صفاقس في الحافلة المتهالكة والمكتظة بالفعل المتجهة إلى قفصة. كان الركاب يحدقون بنا بينما كنا مضغوطين في المساحات القليلة المتبقية على المقاعد القديمة البالية.
وضعتُ حقيبتي على الأرض، بين أقدام الركاب الآخرين. تحركت الحافلة، وتنفسنا الصعداء، شاكرين حظنا في العثور على مقعد في رحلة العودة.
ملأت المحادثات المتوترة الحافلة، وامتزجت مع صوت الراديو—لا توجد أخبار من أي نوع، فقط موسيقى مكتومة ورتيبة تتسرب إلى آذان الجميع بينما كانوا يتحدثون عن الشاب الذي أضرم النار في نفسه في مسقط رأسي، وعن إطارات السيارة المحترقة على الطريق، وكيف هاجم شباب حي النور الغربي سيارة شرطة بالحجارة. اندفع الأدرينالين في جسمي وأنا أتخيل كل شيء. هل كنا متجهين إلى منطقة حرب؟
لم نكن مجرد متظاهرين في ذلك الوقت. كنا متمردين، مقاتلين حقيقيين بأحلام عظيمة—أحلام اختفت جميعها اليوم في عهد قيس سعيّد.
-حمادي الخليفي
بدا أن الخوف يسيطر على سائق الحافلة، وهو يتحدث على هاتفه المحمول عندما اقتربنا من سيدي بوزيد، قبل أن يقرر في النهاية تغيير الوجهة وتجاوز محطة حافلات المدينة. اعتلت عندها صيحات من الركاب: كيف سنعود إلى بيوتنا الآن؟
لقد تُركنا في قرية السودا، ونزلنا جميعًا دون أن نعرف ماذا نفعل بعد ذلك. اختلط الغضب بالارتباك عندما بدأ الناس في الاتصال بأسرهم والتوجه نحو شاحنات النقل الريفية في محاولة للركوب معهم.
اتصلتُ بصديقي غيث. لم يكن لدي حل آخر. انتظرتُ لمدة ساعة حتى رأيته بعيدًا، وهو يقود دراجته النارية بسعادة وكأن شيئًا لم يحدث على الإطلاق.
صعدتُ معه على الدراجة. لم يكن هناك وقت للمناقشات الفلسفية أو التأمل في أي شيء. سافرنا إلى سيدي بوزيد، حيث تغير كل شيء بشكل واضح عندما دخلنا المدينة عبر شارعها الرئيسي، أمام العديد من حواجز الشرطة.
كان المشهد مرعبًا، مع عشرات الحافلات من قوى الأمن الداخلي وآلاف ضباط الشرطة ووحدات الحرس الوطني الخاصة، والنيران المشتعلة فوق الإطارات المطاطية. ورأينا لوحة عملاقة للرئيس زين العابدين بن علي ممزقة والتي كانت تقف دائمًا كمراقب يبعث برسالة تهديد.
كنتُ خائفًا، ولكن متحمسًا في نفس الوقت.
كانت مدينة سيدي بوزيد مثل الواقع الموازي، حيث اتفقنا جميعًا بشكل جماعي على الانخراط في معركة كاملة مع الشرطة. رأيتُ العشرات من أصدقاء الطفولة، وبدأتُ في رؤية الإنسانية من خلال عيونهم. غطى الجميع وجوههم بالدروع أو الأقنعة لحماية هويتهم وحمايتهم من الغاز المسيل للدموع، الذي تحولت عبواته إلى رصاص عندما أطلقت الشرطة تلك العبوات مباشرة على المتظاهرين. كانت أسلحتنا عبارة عن حجارة وبعض زجاجات المولوتوف التي صنعها شيوخ الأحياء من زجاجات البيرة وأوراق الدفاتر.
ما زلتُ أتذكر كل شيء وكأنه حدث بالأمس—صوت إطلاق النار، وهدير الغاز المسيل للدموع، وعدوانية الشرطة والوحدات الأمنية عندما احتلت أحياء كاملة واستهدفت سكانها، وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع على كل منزل. تطورت آليات دفاعنا كل يوم، لدرجة أننا صنعنا الحواجز من العجلات والبراميل وأكياس الرمل عند مداخل كل حي.
تم تقسيم الشباب إلى فرق. كانت فرق الكشافة مكونة بشكل أساسي من أطفال تقل أعمارهم عن 16 عامًا، لذلك لن يتم مهاجمتهم بشكل مباشر من قبل الشرطة. لكن كانت هناك أيضًا فرق من رماة الحجارة والمدافعين المسلحين بزجاجات المولوتوف، متمركزة على أسطح المنازل والمباني المنخفضة. وعندما توغلت وحدات الأمن في عرباتهم المدرعة، أو على الدراجات النارية الضخمة التي رأيناها لأول مرة في حياتنا، أشعلنا النار في إحداها ورقصنا حولها بينما النيران تلتهمها، كما لو كنا نحتفل بانتصار عظيم. لكنه كان مجرد انتصار صغير.
تمت محاصرتنا في منطقتنا أكثر من مرة، وفي كل مرة كنا نظن أنها لحظة مرعبة لاعتقالنا، أو أسوأ من ذلك. ذات مرة، استحوذت الأسئلة على ذهني، وطرحتُ أحدها على أحد الزملاء المتظاهرين: "لماذا فعلنا كل هذا؟ ما الهدف؟"
أجاب: "ما الهدف؟ أريد سيدي بوزيد أن تصبح مدينة نيويورك!"
ما أسهل أن يتحول الحلم إلى كابوس، والثورة إلى مقبرة والنصر إلى هزيمة مريرة.
- حمادي الخليفي
لن أنسى تلك العبارة أبدًا. وقفتُ اليوم أدخن سيجارة رخيصة خارج محطة مترو أنفاق في بروكلين، أشاهد الرئيس قيس سعيّد يدمر كل شيء في تونس بسرعة الضوء عبر شاشة هاتفي. اعتقالات جماعية، وحلّ للمؤسسات، واستمرار انحطاط المشهد السياسي منذ استيلائه على السلطة في "انقلابه الذاتي" قبل نحو عامين. تخيلتُ حلم صديقي المتظاهر، الذي توفي بعد أيام قليلة من الثورة في حادث دراجة نارية عشوائي، بجعل سيدي بوزيد—مدينة عواصف البرد والصخور والسماء المرتفعة—مثل مدينة نيويورك—مدينة الزجاج والصلب والأسفلت. أنظرُ إلى السماء الآن، أتمنى أن تصبح نيويورك سيدي بوزيد، ولو لمدة ساعة، بكل وضوحها وهدوءها وأحلامها.
أتذكر كل المتظاهرين. لم نكن مجرد متظاهرين في ذلك الوقت. كنا متمردين، مقاتلين حقيقيين بأحلام عظيمة—أحلام اختفت جميعها اليوم في عهد قيس سعيّد. ذهب العديد من هؤلاء الثوار في مسارات متوازية: مات بعضهم في جحيم سوريا، ومات آخرون في جحيم البحر، وهم يحلمون بالوصول إلى إيطاليا، ومات بعضهم في مقاهي نائية منسية. وتوفي بعضهم في السجون، والبعض الآخر في منازلهم، وبعضهم على أعتاب مؤسسات في بلد يعاني من الموت السريري.
ما زلتُ أشعر بالأسف والندم والألم لأن كل تلك الأحلام، كل تلك النشوة، تبددت. حتى محاولاتي المختلفة لتوثيق الثورة في عام 2011 من خلال مقاطع الفيديو على الهاتف المحمول تحطمت عندما رفض أحد المتظاهرين إعادة هاتفي قبل حذف جميع مقاطع الفيديو تلك، خوفًا من الكشف عن هويته واعتقاله.
ما أسهل أن يتحول الحلم إلى كابوس، والثورة إلى مقبرة والنصر إلى هزيمة مريرة. أصبح الماضي المليء بأحلامنا حكاية بغيضة يتجنب الجميع في تونس الآن ذكرها. يهمس الناس خفية مرة أخرى في المقاهي بدلًا من الصراخ. لن يتحدثوا عن السياسة في ظل الدكتاتور التونسي الجديد قيس سعيّد.
أتمنى أن أسأل صديقي المتظاهر نفس السؤال مرة أخرى: لماذا فعلنا كل هذا؟ ما الهدف؟ هل سنعود إلى تلك الأيام في سيدي بوزيد؟