مايراف زونسزين هي كبيرة المحللين في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية في مجموعة الأزمات الدولية.
English
في الأسابيع القليلة الماضية، كانت القدس الشرقية التي تحتلّها إسرائيل موقعًا للعديد من الهجمات العنيفة التي خرج فيها فلسطينيون، وكثير منهم من المراهقين، لطعن إسرائيليين، ثم دفعوا حياتهم، في معظم الحالات، ثمنًا لذلك. في الشهر الماضي، طعن فلسطيني، يبلغ من العمر 16 عامًا فقط، ضابطا شرطة من حرس الحدود في البلدة القديمة بالقدس، وتم قتله بإطلاق النار عليه. وفي 4 ديسمبر/كانون الأول، طعن رجل فلسطيني يبلغ من العمر 25 عامًا إسرائيليًا أرثوذكسيًا بالقرب من بوابة العامود، ثم حاول على ما يبدو طعن ضابطا شرطة من حرس الحدود الإسرائيليين، لكنهما أطلقا النار عليه عدة مرات، حتى بعد أن سقط على الأرض ولم يعد يبدو أنه يشكل تهديدًا.
حرمته الشرطة من الرعاية الطبية بينما كان يحتضر. ندّد عدد من أعضاء الكنيست اليساريين بحادثة الوفاة، حيث وصفوها بأنها عملية إعدام. تم استجواب ضابطي شرطة الحدود لفترة وجيزة حول سلوكهما، لكنهما تلقيا الدعم الكامل من الشرطة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية ورئيس الوزراء نفتالي بينيت.
ومع ذلك، فإن التركيز الشديد على التفاصيل الخاصة بهذا الهجوم بالقرب من باب العامود من قبل كل من وسائل الإعلام في إسرائيل وأعضاء الكنيست يتغاضى عن السياق السياسي الذي تحدث فيه مثل هذه الأعمال. وفي حادثة أخرى بعد أيام قليلة، قامت فتاة فلسطينية تبلغ من العمر 14 عامًا بطعن امرأة إسرائيلية وإصابة جارتها بجروح طفيفة في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، وتم اعتقالها من قبل الشرطة الإسرائيلية في وقت لاحق. وهي ابنة إحدى العائلات الفلسطينية العديدة التي تعرضت لخطر الإخلاء في حي الشيخ جراح. لكن في وسائل الإعلام الإسرائيلية، هي ببساطة "إرهابية." وكما غرّد صحفي إسرائيلي ينتقد التغطية في وسائل الإعلام الإسرائيلية، "لم تأتِ حادثة الطعن من فراغ."
إن التأطير من جانب واحد لهذه الحوادث العنيفة على أنها مزيد من الهجمات الإرهابية ضد الإسرائيليين الأبرياء، أدى، بطريقة غير مستغربة، إلى دعوات سريعة لتشديد الأمن والمزيد من حملات القمع ضد الفلسطينيين. فقد طالب وزير إسرائيلي بفحص أجساد الفلسطينيين الذين يدخلون البلدة القديمة من أجل خلق مناطق "معقمة." ولكن بغض النظر عن مدى بشاعة طعن المدنيين، فهذه نوبات عنف عرضية يكاد يكون من المستحيل التنبؤ بها أو منعها، حيث تتم من قبل ناس تم دفعهم إلى الحائط واقعًا ومجازًا.
لكن الأقل وضوحًا في النقاش العام الإسرائيلي هو كيف يتم إضفاء الطابع المؤسسي على العنف ضد الفلسطينيين، لا سيما عندما يأتي من أشخاص يرتدون الزي العسكري. يتجلى ذلك يوميًا في عدد لا يحصى من الطرق الروتينية التي لا تلتفت إليها نشرات الأخبار المسائية، ولكنها جزء لا يتجزأ من كل جانب من جوانب السياسة الإسرائيلية—من الإسكان والتعليم إلى جمع النفايات والثقافة وحرية التعبير والتجمع، وبالطبع، التمثيل السياسي. إن سياسة نزع الملكية تلك مبنية على الاستراتيجية الشاملة والطويلة الأمد المتمثلة في الحصول على أقصى قدر من الأراضي مع وجود أقل عدد ممكن من الفلسطينيين، واستبدال منازل الفلسطينيين بمنازل إسرائيلية، وحرمان شعب آخر من حريته.
يعرف الإسرائيليون، بالطبع، أن القدس الشرقية المحتلة كانت في بؤرة الأزمة في مايو/أيار، عندما تم التهديد بالإجلاء الجماعي للفلسطينيين في حي الشيخ جراح، ما جذب الاهتمام والضغط الدوليين. لكنهم قد لا يكونون على دراية بكل ما حدث على الأرض. تزامنت عمليات الطرد المخطط لها في الشيخ جراح مع شهر رمضان، والذي عادة ما يستقطب أعدادًا كبيرة من الفلسطينيين من القدس والضفة الغربية إلى الحرم المقدس، المعروف لليهود باسم جبل الهيكل وللفلسطينيين باسم الحرم الشريف.
قامت الشرطة الإسرائيلية بتقييد الوصول إلى الأماكن المقدسة الإسلامية وقابلت المتظاهرين بوحشية عند باب العامود والمسجد الأقصى—حيث بدأت الانتفاضة الثانية عام 2000، بعد أن قام رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون بزيارة استفزازية متعمدة للمسجد. في الربيع الماضي، أضافت الاستفزازات القومية الإسرائيلية اليمينية المتطرفة إلى الوضع المتقلب، بينما كان الفلسطينيون بالفعل غاضبين من إلغاء السلطة الفلسطينية للانتخابات، بزعم أن إسرائيل ستمنع الفلسطينيين في القدس الشرقية من التصويت.
لكن سياسات القمع لا تزال مستمرة بعد أشهر، حتى في ظل حكومة ما بعد نتنياهو الإسرائيلية التي تدّعي أنها تريد الاستقرار والتي التقى وزراؤها بمسؤولين من السلطة الفلسطينية—بما في ذلك، للمرة الأولى منذ سبع سنوات، الرئيس محمود عباس. ومع ذلك، لا يزال السكان الفلسطينيون في حي الشيخ جراح يواجهون خطر الإخلاء حتى اليوم، وكذلك العائلات في حي سلوان القريب. كما أعلنت بلدية القدس عن خطط استيطانية جديدة في القدس الشرقية. وتستمر عمليات هدم المنازل ومداهمات الشرطة في الأحياء الفلسطينية مثل الطور والعيسوية.
لطالما كانت القدس الشرقية بؤرة ساخنة للتوترات والعنف في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. يشكل السكان الفلسطينيون 40٪ من سكان القدس، لكنهم ليسوا مواطنين في الدولة التي تحكمهم. إنهم يعيشون في عالم بيني صعب للغاية—يختلف عن وضع الفلسطينيين داخل حدود إسرائيل عام 1948، الذين، على الرغم من معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، لديهم حقوق معينة، ولكن يختلف وضعهم أيضًا عن وضع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذين يعيشون في عزلة ومحرومون من جميع الحقوق تحت السيطرة الإسرائيلية. القدس الشرقية، على عكس أجزاء أخرى من فلسطين، هي أيضًا مكان لا يوجد فيه تمثيل للفلسطينيين أو قيادة منظمة، حيث منعت إسرائيل السلطة الفلسطينية من العمل هناك.
الحكومة الإسرائيلية الجديدة، التي تضم العديد من الأطراف التي تدّعي دعم إقامة دولة فلسطينية كجزء من حل الدولتين، تعمل وكأن القدس قد تم إبعادها "من على الطاولة" منذ فترة طويلة وتعتقد أنه لا يتعين عليها دفع ثمن لذلك. (تفاخر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بأنه أبعد "القدس من على الطاولة" في المفاوضات من خلال الاعتراف من جانب واحد بالمدينة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى هناك).
في ظل حكومة بينيت الجديدة، كما كان الحال في الحكومات التي سبقتها، لا يوجد اعتراف أو مناقشة لمطالبات الفلسطينيين بتقرير المصير الوطني في القدس الشرقية، أو حتى حقوقهم كمقيمين في وجود خطط كبيرة لعميات البناء، بطريقة تأخذ احتياجات مجتمعاتهم في الاعتبار. وعلى نطاق أوسع، فإن معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية وكثير من الإسرائيليين لا يعتبرون ضم إسرائيل ذاته للقدس الشرقية في عام 1967، والذي لم تعترف به أي دولة أخرى في العالم، مصدرًا لنزع ملكية الفلسطينيين وطردهم المستمر—وبالتالي يؤدي ذلك إلى المقاومة من قبل السكان الفلسطينيين.
لم يتخذ الرئيس الأمريكي جو بايدن، منذ توليه منصبه، أي إجراء للتراجع عن الإجراءات التي تسببت في الضرر والتي تمت أثناء رئاسة ترامب، والتي قلبت عقودًا من السياسة الأمريكية من خلال اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل. بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، قامت إدارة ترامب لاحقًا بضم القنصلية الأمريكية القائمة في القدس الشرقية إلى السفارة، ما أدى فعليًا إلى خفض التمثيل الأمريكي للفلسطينيين في المدينة.
قال بايدن أنه سيعيد فتح قنصلية للفلسطينيين في القدس الشرقية، لكن إسرائيل شكّلت جبهة موحدة ضد هذه الخطوة، ما يجعل هذا الهدف بعيد المنال بشكل متزايد مع مرور كل يوم. لم يعيد بايدن تأكيد ما ذكره صراحةً العديد من الرؤساء الأمريكيين قبله: أن القدس الشرقية ستكون عاصمة لدولة فلسطينية مستقلة في المستقبل. مع وجود حكومة إسرائيلية عازمة على الحفاظ على سياسات تتماشى مع حلم إسرائيل اليميني المتطرف بـ "إسرائيل الكبرى،" من الصعب عدم النظر إلى عدم اتخاذ إدارة بايدن لأي إجراء بأنه قبول ضمني بضم إسرائيل للقدس الشرقية.
يشعر الفلسطينيون في القدس الشرقية بأنه تم التخلي عنهم ويدركون أنه يجب عليهم الدفاع عن أنفسهم. عندما يستيقظ المراهقون الفلسطينيون في الصباح ويقررون الخروج لطعن الإسرائيليين في شوارع عاصمة الدولة "غير المقسمة،" مدركين تمامًا أنه من المحتمل أن ينتهي بهم المطاف بالموت وأن عائلاتهم يمكن أن تدفع ثمنًا باهظًا للغاية، لا يمكن أن يكون الرد الإسرائيلي مجرد تعزيز قوات الأمن ومواصلة العمل كالمعتاد. قد يبدو هذا حلًا مقبولًا للإسرائيليين، خاصة عندما تقول حكومتهم أنه التكلفة الضرورية للسيطرة الإسرائيلية على القدس الشرقية وكذلك مشروع الاستيطان الآخذ في التوسع. لكن الفلسطينيين لن ينضموا إلى سلطة تعاملهم ببساطة على أنهم "إرهابيين" وأنهم أهدافًا للطرد. بدون عملية سياسية تعمل على تحقيق حق تقرير المصير للفلسطينيين، ومع استمرار نزع الملكية والقمع، فإن الصراع والعنف سوف يتفاقمان، لا سيما في القدس الشرقية. الإصلاح الجاد للسياسة هو فقط ما يمكنه أن يغير هذا الوضع المتقلب، لكن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا وعندما تواجه إسرائيل معارضة أكبر بكثير لأنظمتها في الهيمنة، في شكل تعبئة فلسطينية وضغط دولي.