باسل الرفايعة هو صحافي أردني، مقيم في ولاية فيرجينيا الأميركية. عمل في صحف يومية عربية، منذ العام 1990، بينها "الرأي" و"الغد" الأردنيتين، و"النهار" اللبنانية، و"الحياة" اللندنية، و"الإمارات اليوم" التي تصدر في دبي، وهو من الكتّاب الأردنيين الناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان، والحريات العامة.
English
تخيل أن ينتهي بك الأمر في السجن، وتقضي شهوراً في الحبس الانفرادي، لمجرد نشر صورة على صفحتك في "فيسبوك"، فماذا لو أظهرت احتجاجًا على ظروفك السيئة في الحبس، من خلال الإضراب عن الطعام أياماً أو حتى أسابيع، واستمر اعتقالك تعسفيًأ بدون محاكمة، أو أي نوع من الحقوق الأساسية للمعتقلين السياسيين؟
هذا ما عاشه الناشط الحقوقي أحمد طبنجة الكناني في الأردن، لعشرة أشهر، إلى أن تمّ الإفراج عنه بكفالة، أواخر الشهر الماضي، وعلى نحو مفاجئ، قبل أيام من مغادرة الملك عبدالله الثاني الأردن الى الولايات المتحدة في زيارة تستغرق ثلاثة أسابيع، حيث سيكون أول زعيم عربي يلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض، في 19 تموز/يوليو الجاري. يعكس اعتقال أحمد الكناني، وما يزيد عن ألف معلم وناشط وأكاديمي وصحافي منذ احتجاجات الصيف الماضي، مستوى تقييد حقوق الإنسان في الأردن، أحد أبرز حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
كان الكناني واحدًا من آلاف الأردنيين الذين دعموا مظاهرات المعلمين للمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية. وأُعتقلَ أثناء مسيرة في مدينة إربد، شمال الأردن في أغسطس/آب 2020، بعدما التقط صورة لشرطي يحاول سحب هاتف من يد معلّمة وهي تصور المظاهرة. ونشرها على صفحته في "فيسبوك"، لتدهم الشرطة منزله، وتعتقله في اليوم التالي.
هذه هي المرة الثانية التي يُعتقل فيها الكناني، للسبب نفسه، فقد أوقفته السلطات في مارس/آذار 2019، عندما كان يستخدم هاتفه في بث حي لاحتجاجات أردنيين متعطلين عن العمل أمام القصر الملكي في عمان، وأطلقت سراحه، بعد أيام، ثم عادت وأوقفته بعد ذلك، لمدة شهر، على خلفية منشورات كتبها على "فيسبوك"، ووجهت له تهمة "إهانة جهة رسمية".
تعتبر منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير تضمن تفاصيل عن اعتقاله، أن "السلطات الأردنية تستهدف بشكل متزايد النشطاء السياسيين ومناهضي الفساد، بتهم تنتهك حرية التعبير".
وقد استغلت السلطات الإجراءات الطارئة المفروضة بسبب جائحة كورونا، في قمع النشطاء ومنتقدي السلطات والاعلام، وبلغت ذروتها في الإغلاق القسري الصيف الماضي لنقابة المعلمين التي ينتسب إليها أكثر من 130 ألف عضو، وهي أكبر نقابة عمالية مستقلة في البلاد.
لا تزال التدابير القمعية مستمرة. فقد اعتقلت السلطات الأردنية في الأسابيع الأخيرة نائب نقيب المعلمين ناصر النواصرة، وأعضاء آخرين في النقابة، بتهمة التخطيط لمسيرة تضامنية مع معلمين أُجبروا على التقاعد المبكر. فيما كانت الحياة السياسية مقيّدة في المملكة من قِبل الأجهزة الأمنية، قبل وصول كورونا بفترة طويلة.
يحدث ذلك، على خلفية عدم استقرار في مؤسسة الحكم، وخلافات داخل العائلة الحاكمة، فقد كشفت السلطات في نيسان (أبريل) الماضي عن مؤامرة مفترضة، اعتبرت إنها "تستهدف زعزعة استقرار النظام الملكي"، وقالت إن الأخ غير الشقيق للعاهل الأردني، وولي العهد السابق الأمير حمزة بن الحسين، ورئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد، تورطوا فيها، وفيما قدمت عوض الله وبن زيد للمحاكمة فيما يعرف ب "قضية الفتنة"، وصدر الحكم بحبسهما لخمسة عشر عاما، وضعت الأمير في الإقامة الجبرية.
التهم التي واجهها الكناني "التحريض على أعمال من شأنها إحداث الفتنة والإخلال بالنظام العام" و"الإساءة لدول عربية" تبعاً لقانون منع الإرهاب الأردني، ويُحاكم المتهمون بهما أمام محكمة أمن الدولة العسكرية، المقرر أن تنظر في قضية الكناني.
لا يُعرف سوى القليل من التفاصيل عن الاعتقالات التي طالت نشطاء سياسيين آخرين في إطار حملة القمع العام الماضي. فالصحافة اليومية تمتلكها الحكومة، والإعلام المستقل مقيد بأوامر قضائية مستمرة تمنع نشر أي تعليق أو رأي مناهض للسلطات، إلى جانب عشرات القوانين المصممة لقمع حرية الرأي والتعبير، بما في ذلك "قانون العقوبات" و"قانون منع الإرهاب" وقانون "الجرائم الإلكترونية" و"قانون الاجتماعات العامة".
كما باتت عائلات المعتقلين أكثر ترددًا وحذرًا في النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب المضايقات التي يتعرضون لها من قبل الأجهزة الأمنية. وكل ما يمكن عمله هو تقديم شكوى إلى "المركز الوطني لحقوق الإنسان" الذي تديره الحكومة، مثلما فعل أحمد الكناني، دون جدوى.
ونظرًا لإغلاق نقابة المعلمين العام الماضي، واعتقال قادتها ومئات من أعضائها وأنصارها، لم يكن مفاجئاً أن يصنّف مؤشر الديمقراطية الصادر عن مجلة "الإيكونيميست" البريطانية الأردن "كدولة استبدادية" في الأعوام الأخيرة. وأن يتراجع الأردن من "حر جزئيًا" إلى "غير حر" في أحدث إصدار لتقرير الحرية حول العالم، لمؤسسة فريدوم هاوس.
تنظر السلطات الأردنية إلى نقابة المعلمين على أنها مظهر غير مرغوب فيه من مظاهر الربيع العربي، وقد أُضطرت إلى السماح بتأسيسها تحت ضغوط الاحتجاجات الجماهيرية في عام 2011، التي طالبت بـ "الإصلاح" وليس "إسقاط النظام" كما كان عليه الحال في مصر وتونس وسوريا وليبيا واليمن.
لاحقاً، اندلعت أكثر من أزمة بين الحكومة الأردنية، ونقابة المعلمين التي سعت إلى تحسين الظروف المعيشية لمنتسبيها، ففي العام 2019، نظّم المعلمون إضرابًا لمدة شهر، طالبوا فيه بزيادة مالية قدرها 50% على رواتبهم الأساسية، كانت الحكومة وعدت بها في 2014.
يبلغ متوسط راتب المعلم في المدارس الحكومية الأردنية حوالي 500 دولار شهريًا، أي مايعادل تقريبًا خط الفقر في الأردن. ويتقاضى معلمون في مدارس خاصة رواتب لا تزيد عن 200 دولار في الشهر، وسط غياب الرقابة الحكومية الفعالة على أوضاع المعلمين في القطاع الخاص.
على الرغم من الموافقة السابقة على زيادة أجور المعلمين، إلا أن الحكومة أوقفت صرفها العام الماضي بسبب الأزمة الاقتصادية بعد تفشي جائحة كورونا. ما اعتبره معلمون مخرجًا للحكومة، التي اتهمت في المقابل النقابة باستغلال المطالب المعيشية لتحقيق أجندة سياسية أوسع. ذلك أن بعض أعضاء نقابة المعلمين ينتسبون إلى جماعة "الإخوان المسلمين " المغلقة بقرار قضائي، منذ العام الماضي.
الحملة الرسمية على النقابة، طالت أيضاً نشطاء ومعارضين وصحافيين متضامنين، اعتقلتهم السلطات، وأضفت شكوكا على صدقية الحكومة في ضمان حرية الرأي والتعبير، والعمل السياسي دون قيود، على الرغم من إجرائها انتخابات نيابية في ظل الوباء العام الماضي، لم تزد نسبة المشاركة فيها عن 29 في المئة فقط.
في هذه الأجواء، يحمل الملك عبدالله الثاني أفكاراً مفترضة عن الإصلاح السياسي إلى واشنطن، بعد أسبوعين من تشكيل لجنة ملكية لـ "تحديث المنظومة التشريعية"، يرأسها رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي، وتتألف من 92 عضواً، ومهمتها اقتراح قوانين جديدة بشأن الانتخابات والأحزاب السياسية.
الولايات المتحدة هي أكبر مانح للمساعدات الثنائية الى الأردن، ب 1.5 بليون دولار سنويا، ونظرا للأزمة الاقتصادية الخانقة الناجمة عن الجائحة، وصلت نسبة البطالة في الشهور الثلاثة الأولى من العام الحالي إلى 25 في المئة، و50 في المئة بين الشباب، في حين بلغت المديونية نحو 37.2 بليون دولار، أي ما يعادل 85 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وبينما لا يتوقع كثيرون أنّ يضغط بايدن على الملك عبدالله في ملف الحقوق والحريات، أو أن يتم ربط المساعدات الاقتصادية بمدى التقدم في هذا المجال، سيظل أحمد الكناني ومئات الناشطين الذين تعرضوا للاحتجاز منذ العام 2019 ينتظرون إصلاحاً جوهرياً، يمنحهم حقوقهم الأساسية في النشاط السياسي وحرية التعبير، وفقاً للدستور الأردني.