English
لم يكن من المفترض أن تسير الأمور على هذا النحو. الغضب العالمي من القتل الوحشي للصحفي السعودي جمال خاشقجي، المقيم في الولايات المتحدة، على يد أتباع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في اسطنبول قبل أربع سنوات، جعل الكثيرين يعتقدون أن هذه المرة، أخيرًا، سوف تقوم الحكومات الديمقراطية بقيادة الولايات المتحدة بمحاسبة السعوديين عن جرائمهم.
ولكن مع تلاشي وعود معاقبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، انتشرت العواقب المروعة (والمتوقعة جيدًا) للفشل في اتخاذ إجراءات مناسبة. أطلقت الحكومات المسيئة العنان لملاحقة منتقديها في جميع أنحاء العالم، ليس فقط بقتل الصحفيين وسجنهم في بلدانها، ولكن أيضًا بنشر قمعها في الدول الغربية. ما زلنا ندفع وسنواصل دفع ثمن ترك محمد بن سلمان بدون عقاب.
بعد مقتل خاشقجي، أسرعت 28 دولة على الأقل حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، في معاقبة كل مسؤول حكومي سعودي متورط في جريمة القتل. وعلى الرغم من عدم معاقبة محمد بن سلمان في أي من الحالات، إلا أن العقوبات—التي عادةً ما تتمثل بحظر السفر وتجميد الأصول—شملت اثنين من كبار مستشاري محمد بن سلمان، وهما سعود القحطاني واللواء أحمد عسيري.
وفّر مقتل خاشقجي أيضًا الدفعة الدراماتيكية التي احتاجتها العديد من الحكومات للإعلان عن حظر على مبيعات الأسلحة للسعودية، وهو الأمر الذي كان بالفعل يمثل عبئًا سياسيًا في مواجهة سنوات من جرائم الحرب السعودية في اليمن باستخدام الأسلحة الغربية. لم يتحدث أي زعيم غربي بشكل نقدي وواضح مثل جو بايدن، الذي وعد خلال الحملة الانتخابية ليس فقط بإنهاء مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية عندما يصبح رئيسًا، ولكن وعد كذلك بجعل السعوديين "يدفعون الثمن" لقتل خاشقجي وأنه سيجعلهم "منبوذين".
يبدو أن جريمة القتل قد جعلت مخاطر مثل هذه الجريمة واضحة للزعماء الغربيين أكثر من أي وقت مضى. فما لم يتخذوا إجراءات جادة لمعاقبة المملكة العربية السعودية على هذا العمل الشنيع المتمثل في القمع خارج الحدود الإقليمية، فإن ذلك سيكون بمثابة الضوء الأخضر للطغاة والمستبدين في جميع أنحاء العالم لاستهداف منتقديهم في أرجاء المعمورة، بما في ذلك من يعيشون في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. في نهاية المطاف، إذا كان ولي العهد السعودي الذي هو ليس حتى رئيس دولة قد أفلت من قتل كاتب سعودي يعمل في عاصمة أكبر قوة عظمى في العالم، فمن سيكترث بمنعهم من مهاجمة المنفيين السياسيين الأقل شهرة في جميع أنحاء الغرب؟
ومع ذلك، كان من الصعب رفض أموال النفط السعودية التي يسيطر عليها محمد بن سلمان، من خلال المشتريات الباذخة التي قام بها ليس فقط من صناعات الأسلحة الغربية، ولكن الصناعات في جميع المجالات—من التكنولوجيا إلى الرياضة والترفيه والخدمات المصرفية الاستثمارية والبناء وبالطبع الاستشارات. ومرة تلو الأخرى، تراجعت المملكة المتحدة وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وهولندا ورفعت الحظر الذي فرضته على مبيعات الأسلحة للسعودية. كان أكبر الرابحين من ذلك الولايات المتحدة، حيث وافق الرئيس بايدن على مبيعات أسلحة تزيد عن 3 مليارات دولار في أغسطس/آب الماضي بعد رحلته إلى السعودية ولقاءه المحرج مع محمد بن سلمان.
وإذا لم يكن ذلك كافيًا، فإن رغبة محمد بن سلمان في مقايضة حنفية النفط السعودية مقابل تطبيعه مع إسرائيل أسكت أي حديث حول مساءلته عن مقتل خاشقجي. وإذا لم تكن صورة بايدن وهو يصافح محمد بن سلمان بقبضة اليد في الرياض وكأنها إشارة عفا الله عما سلف واضحة بما فيه الكفاية، فإن تناول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الطعام مع ولي العهد في قصر الإليزيه في باريس جعل الأمر واضحًا وضوح الشمس. كل ما يهم هو المال والنفط، تحدثنا بما فيه الكفاية عن العدالة والمساءلة، والآن عدنا إلى العمل كالمعتاد مع القاتل السعودي.
لكن المجتمع المدني بدأ للتو في دفع فواتير هذا الفشل، من خلال تصعيد كبير في أعمال القمع خارج الحدود الإقليمية والهجمات على الصحفيين من قبل الطغاة في جميع أنحاء العالم، ناهيك عن إطلاق العنان للقمع الداخلي. وفي حين أرسلت دول مثل إيران عملاء لاستهداف النشطاء في نيويورك، التقط حلفاء إقليميون للولايات المتحدة، على وجه الخصوص، الإشارة الواضحة من العواقب الهزيلة والقصيرة الأمد التي واجهها محمد بن سلمان.
فقد نشرت مصر جواسيس ضد المصريين الأمريكيين في نيويورك ونيوجيرسي، واحتجزت رهائن من أفراد عائلاتهم بل وسجنتهم في القاهرة. وتواصل السعودية نفسها مضايقة وتهديد ومهاجمة المنتقدين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا، من خلال إصدار حظر سفر على أقارب المنتقدين في المملكة.
كما اعترفت إسرائيل أخيرًا، بعد الكذب لأشهر وإلقاء اللوم على الفلسطينيين في مقتل الصحفية الفلسطينية الأمريكية البارزة شيرين أبو عاقلة أثناء تغطيتها لمداهمة عسكرية إسرائيلية في الضفة الغربية، أن قناصًا إسرائيليًا أطلق النار عليها—لكنها حاولت محو الحادثة ورفض أي مسؤولية عن المخالفات. في الواقع، لقد كان من المحزن أن آخر دفاع لمحمد بن سلمان حول جريمة خاشقجي هو، تذكير بايدن في الرياض بفشله في محاسبة إسرائيل على مقتل أبو عاقلة.
يمكننا أن نشعر ببعض الارتياح لأن المنظمات غير الحكومية تتدخل، بأفضل ما في وسعها، للقيام بالعمل الذي فشلت حكوماتنا في القيام به: محاسبة المنتهكين الذين يُطلق عليهم الآن لقب "الشركاء"، في حماية المجتمع المدني والدفاع عن أعز حرية لدينا وهي حرية التعبير. لا تزال منظمة (DAWN)، التي أسسها جمال خاشقجي، تتابع دعوى قضائية ضد محمد بن سلمان في الولايات المتحدة بتهمة قتل خاشقجي، بالإضافة إلى شكوى جنائية ضد محمد بن سلمان قدمناها مؤخرًا إلى النيابة العامة الفرنسية في يوليو/تموز. فبينما تتهاوى حكوماتنا على النفط السعودي والمال السعودي، تعمل مجموعات المناصرة بميزانياتها الضئيلة بجد لسد الفجوة ومعالجة الأضرار التي تلحق ببلداننا من أجل تدليل الديكتاتوريين الأثرياء مثل محمد بن سلمان.
نريد من حكوماتنا أن تؤدي مهمتها الأكثر أهمية: حماية شعبنا وحرياتنا وديمقراطيتنا، وليس بيعها لمن يدفع أعلى سعر مقابل ما يسمى بالمصالح القومية وأرباح الشركات. كلنا نعرف أن مقتل خاشقجي قبل أربع سنوات تم على يد محمد بن سلمان والمملكة العربية السعودية. فقد جاء ذلك في التقييم الاستخباراتي للحكومة الأمريكية. لكن ماذا عن المخاطر المتزايدة للقمع خارج الحدود الإقليمية على الأشخاص في بلداننا بسبب الفشل في محاسبة محمد بن سلمان؟ هذه مسؤولية تقع على عاتق حكوماتنا وقادتنا، بدءًا بجو بايدن.