أميد معماريان مدير التواصل لدى منظمة الديمقراطية للعالم العربي الآن «DAWN».
إذا فشلت المحادثات في فيينا في إحياء الاتفاق النووي الإيراني، الذي أعلن الرئيس دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة منه بشكل أحادي، في انتهاك للاتفاق، فهل ستتولى إسرائيل زمام الأمور بنفسها وتهاجم إيران؟ نعوم تشومسكي يقول أن إسرائيل "قد تفعل ذلك".
في مقابلة مع الديمقراطية في المنفى، قال تشومسكي: "إنهم يتحدثون باستمرار عن هذا الأمر – حول امتلاك القدرة على مهاجمة إيران بحرية، بغض النظر عن الإتفاقيات التي يتم إبرامها". وقال أن "نتنياهو تحدث عن ذلك علناً، لكن الشيء نفسه ينطبق على الحكومة الحالية. إنهم يفكرون في ذلك بالتأكيد ويطورون القدرة".
وأضاف أن ما إذا كانت إسرائيل ستقصف في نهاية المطاف المنشآت النووية الإيرانية فذلك "يتوقف على الولايات المتحدة". وستحتاج إسرائيل إلى ضوء أخضر من واشنطن. وقال "إذا أمرتهم الولايات المتحدة بعدم القيام بذلك فإنهم سينفذون الأوامر. عليك أن تتبع الأوامر الأمريكية، خاصة عندما تكون دولة عميلة".
تحدث اللغوي والناقد المفوه للسياسة الخارجية الأمريكية إلى الديمقراطية في المنفى وسط جولة أخرى من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في فيينا، والتي فشلت حتى الآن في إحراز تقدم لإنقاذ الاتفاق النووي. قال تشومسكي إن تهديد إيران مبالغ فيه، وأن هناك حلاً أفضل لمنع سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط – إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في المنطقة بأسرها – فقط إذا كانت الولايات المتحدة ستدعمه.
وتعبيراً عن اتساع كتاباته السياسية طوال عقود من الإنتقادات اللاذعة للقوة الأميركية، من فيتنام إلى العراق، تحدى تشومسكي أيضا الإجماع المتزايد على تهديد الصين للولايات المتحدة ومصالحها. وقال " إن الأمر يستحق النظر عن كثب ورؤية ما هو التهديد الصينى بالضبط ". وأضاف إن "التهديد الصيني هو في الأساس وجوده الذي لا يمكن للولايات المتحدة أن تتسامح معه إذا أرادت السيطرة على العالم بأسره".
في ما يلي أبرز ما جاء في المقابلة. لقراءة النص الكامل باللغة الإنجليزية، انقر هنا.
ما هي التهديدات الرئيسية التي تواجهها الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، وما الذي يبقيك مستيقظا ً ليلاً؟
إن التهديدات الرئيسية التي تواجهها الولايات المتحدة هي، أولا وقبل كل شيء، التهديدات التي نواجهها جميعاً: تدمير البيئة التي يمكن أن تحافظ على حياة البشر؛ والخطر المتزايد للحرب النووية؛ وتهديدات الأوبئة غير المنضبطة. ولا تتخذ الولايات المتحدة موقفاً مفيداً بشأن هذه الأمور بل موقفاً ضاراً.
تدعي الولايات المتحدة أنها تواجه تهديداً من إيران ومن الصين، ولكنها تهديدات مزعومة. عندما تفكر بالأمر و تسأل نفسك ما هو التهديد بالضبط ، فإنه سرعان ما يختفي. وفي حالة إيران، من المفترض أن التهديد هو أنها تطور أسلحة نووية. حسناً، كانت هناك طريقة لمنع ذلك، وهي الإتفاق المشترك (خطة العمل الشاملة المشتركة) التي انسحبت منها الولايات المتحدة ودمرتها. ويمكن التعامل مع التهديد الإيراني المزعوم من خلال إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط . الجميع يؤيدون ذلك، بما في ذلك إيران. فالولايات المتحدة تمنع ذلك، لأنه سيتعين عليها فتح الأسلحة النووية الإسرائيلية للتفتيش، ولن تسمح الولايات المتحدة بذلك. لذا، يمكن التغلب على التهديد المزعوم، إذا كنت تصدق ذلك، ولكن السياسة الأمريكية تمنعه.
ماذا عن تهديد الصين؟ من المفترض أن يكون هذا هو التهديد الأكبر، ويجدر بنا النظر عن كثب ورؤية ما هو التهديد الصيني بالضبط. هناك الكثير من الأشياء التي يجب إدانتها حول السلوك الصيني. هناك قمع داخلي في الصين، وهو أمر قاس للغاية في المقاطعات الغربية. هناك تحركات صينية لتأكيد السيطرة شبه الكاملة على هونج كونج. كما قامت الصين بتعزيزدفاعاتها العسكرية في الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، والذي يعد انتهاكاً للقانون الدولي. الولايات المتحدة ليست في وضع قوي للاعتراض على ذلك، لأنها القوة البحرية الوحيدة التي لم تصادق على قانون اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وترفضه. هذه كلها مشاكل خطيرة، لكنها لا تشكل تهديداً للولايات المتحدة.
في الواقع، عندما تنظر إلى التهديدات، فإن أفضل تحليل قرأته هو تحليل رئيس وزراء أستراليا السابق بول جون كيتنغ. لقد قيم مختلف الإدعاءات حول تهديد الصين، وخلص أخيراً إلى أن التهديد الصيني هو وجود الصين، وفي اعتقادي أن استنتاجه واقعي. الصين موجودة ولن تنفذ الأوامر الأمريكية، على عكس أوروبا، التي تنفذ مطالب الولايات المتحدة. عندما تفرض الولايات المتحدة عقوبات على إيران، تعارضها أوروبا، لكنها تطيعها في النهاية. أوروبا تطيع الأوامر الأمريكية ، بينما ترفضها الصين. لا يمكن تخويف الصين، على عكس الآخرين. لذلك يوجد تهديد الصين.
إن تهديد الصين ببساطة هو وجودها، وهو ما لا تقبله الولايات المتحدة إذا أرادت أن تهيمن على العالم بأسره.
قال الكثيرون في دوائر السياسة الخارجية، بمن فيهم أنت، إن الرئيس بايدن التقط العديد من سياسات ترامب الخارجية. لماذا يحدث هذا؟ هل توقعت أن يحدث هذا لا سيما عندما يتعلق الأمر بدول مثل إيران والمملكة العربية السعودية ومصر وإسرائيل؟
حسناً، كان لترامب إنجاز رئيسي واحد في السياسة الخارجية، وهو اتفاقيات إبراهام، التي أضفت الطابع الرسمي على العلاقات التي كانت ضمنية لسنوات عديدة بين الدول الأكثر رجعية في منطقة الشرق الأوسط. وكانت العلاقات الأمريكية المصرية، والإسرائيلية المصرية متينة بالفعل. قد تكون ديكتاتورية السيسي هي الأقسى والأكثر وحشية في تاريخ مصر. وكما قال الرئيس ترامب، كان السيسي هو "ديكتاتوره المفضل" وهو أيضا ديكتاتور إسرائيل المفضل. إذاً، هذه العلاقة ثابتة.
وقد حولت اتفاقيات إبراهام العلاقة الضمنية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة الى علاقة رسمية. كما اضطرت البحرين إلى الانضمام بسبب الضغط السعودي. وأجبر السودان على الانضمام تحت التهديدات الأمريكية، لذا فهو جزء منه. ومع وجود الديكتاتورية العسكرية الجديدة في الخرطوم، أصبح جزءاً طبيعياً أكثر من التحالف. وانضم المغرب إلى هذه المجموعة وتلقى للتو أول شحنة من الأسلحة الإسرائيلية لتقوية العلاقة. هذا تحالف توفر فيه إسرائيل القوة، بالتكنولوجيا العسكرية وما إلى ذلك، كما هو الحال في مبيعاتها الأخيرة إلى المغرب، وكذلك إلى الأعضاء الآخرين في التحالف. المملكة العربية السعودية عضو ضمني، وليس رسمي.
بايدن تسلم هذه السياسات الى حد كبير ولم يقدم على أي تغيير. وفيما يتعلق بالصين، فإن مواقفه أكثر استفزازاً وقسوة من مواقف ترامب. وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، هناك بعض التغييرات. سحب بايدن تدابير ترامب التي لم تخدم أي هدف. لقد كانت تدابير وحشية وغيرمبررة، في محاولة لسحق وتعذيب شعب ضعيف بقدر المستطاع. هذه هي شخصية ترامب. لذا، سحب بايدن تلك التدابير. فعلى سبيل المثال، قطع ترامب شريان الحياة الذي بالكاد يمكن الناس في غزة من البقاء على قيد الحياة، بالكاد: شريان الحياة الأونروا. قطع ترامب ذلك الشريان في عمل وحشي غير مبرر. لقد استعاد بايدن بعض الأشياء الأخرى من هذا القبيل. ولكن، بصرف النظر عن ذلك، إنها إلى حد كبير استراتيجية ترامب.
إذا لم تنجح المفاوضات النووية، هل ستهاجم إسرائيل بالفعل المنشآت النووية الإيرانية، كما كانت تتحدث منذ سنوات عديدة؟
قد تفعل ذلك. في الواقع، إذا تابعت تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم كبار المسؤولين العسكريين، فإنهم يتحدثون باستمرار عن هذا الأمر – حول امتلاك القدرة على مهاجمة إيران بحرية، بغض النظر عن الاتفاقيات التي يتم إبرامها. تحدث نتنياهو عن ذلك علناً، لكن الشيء نفسه ينطبق على الحكومة الحالية. إنهم يفكرون في ذلك بالتأكيد ويطورون القدرة. ما إذا كانوا سيفعلون ذلك، لا نعرف. قد يفعلون ذلك. وهذا يعتمد، مرة أخرى، على الولايات المتحدة. إذا أمرتهم الولايات المتحدة بعدم القيام بذلك، فسينفذون الأوامر. عليك أن تتبع أوامر الولايات المتحدة، لا سيما إن كنت دولة عميلة وليس لديك أي دعم آخر في العالم. لكن هذا يعتمد على البيت الأبيض.
إذا تراجعت الولايات المتحدة وقالت إننا لا نهتم، يمكن لإسرائيل أن تفعل ذلك. وكما يحدث عندما يقتلون عالماً نووياً إيرانياً، أو حين يقومون بأعمال تخريبية في منشآت إيرانية، أو عندما يقصفون سوريا، أو يهاجمون لبنان أو أي شيء آخر. في الواقع، إنها مفتوحة وعلنية.