DAWN’s experts are the driving force behind the organization’s mission and vision. Our experts complement our research work and bolster our advocacy efforts.

No posts found!

Read all the latest articles from the DAWN team of Experts and Contributors.

نهاية صحيفة الديلي ستار: خسارة للبنان وللعالم العربي

Avatar photo

رامي خوري هو مدير المشاركة العالمية في الجامعة الأمريكية في بيروت، وزميل أول غير مقيم في مبادرة الشرق الأوسط في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، وكاتب عمود معروف دوليًا. يمكن متابعته على تويتر هنا @ramikhouri

English

عندما توقفت صحيفة الديلي ستار، الصحيفة اللبنانية الرائدة باللغة الإنجليزية، عن الصدور وقامت بتسريح جميع موظفيها في وقت سابق من هذا الأسبوع، عادت لي ذكريات حياتي كلها أمام عيني—وكذلك تاريخ العالم العربي منذ خمسينيات القرن الماضي الذي سطّرته الصحيفة وعكسته بطرق عديدة جدًا. كانت صحيفة الديلي ستار جزءًا من كامل حياتي المهنية في الصحافة، والتي شملت وظيفتي الأولى كمراسل فيها في عام 1973 وأحدث وظيفة لي في الصحافة كمحرر تنفيذي لها من عام 2003 إلى عام 2005.

عندما بدأت وظيفتي الأولى بعد التخرج من الكلية في عام 1973، كنت أتوق إلى كتابة مقالات تخيلت أنها ستحقق السلام والازدهار في الشرق الأوسط والعالم بأسره. لم تكن بدايتي كما توقعت، ففي أول يوم لي في صحيفة الديلي ستار، في مكتبها قبالة ساحة رياض الصلح في قلب بيروت، كلفني رئيس تحرير الصحيفة آنذاك، جهاد الخازن، بكتابة مقالة عن مشكلة الصراصير في المدينة. كان على قضايا السلام العالمي والعدالة أن تنتظر.

وحرصًا مني على إظهار ما يمكنني فعله، بحثتُ عن الصراصير في كل زاوية من حياتها المخيفة. تحدثتُ مع علماء الأحياء في الجامعة الأمريكية في بيروت، وممثلي الشركات الأجنبية التي باعت أسلحة الدمار الشامل الكيماوية التي تقتل الحشرات والآفات المنزلية، ومسؤولي البلدية في مدينة بيروت المكلفين بالصرف الصحي، والمواطنين الذين شاركوا معي اشمئزازهم من هذه الوحوش الصغيرة القوية. قضيتُ ساعات في المكتبة وقمتُ بعدة رحلات إلى المنطقة الواقعة أسفل مصعد شقتي، حيث وجدت الصراصير المقيمة هناك بأمان، والتي قامت بزيادة أعداد أفراد عائلاتها وخططت للقيام بهجمات إرهابية في منازلنا.

بعد أسبوع من البحث، كتبتُ مقالتي الأولى كصحفي محترف بدوام كامل حيث أحاطت المقالة القرّاء بكل ما يحتاجون لمعرفته حول الصراصير، وربما بعض الأشياء التي لم يرغبوا بمعرفتها. وأنا فخور بالقول بأن تلك المقالة لا تزال من الطراز الأول في فئة صحافة الصراصير. والآن، وأنا أتذكر ارتباطي الشخصي بصحيفة الديلي ستار الذي دام 50 عامًا، تعود بي الذاكرة للأسباب التي جعلت تلك الصحيفة الصغيرة تلعب مثل هذا الدور الضخم في المجال العام العربي منذ تأسيسها في عام 1952 حتى هذا الأسبوع. كان هذا بسبب موقعها وإدارتها ولغتها والقيادة الحثيثة لموظفيها الذين غالبيتهم من الشباب.

بفضل قوة الشخصية والأهداف المهنية للراحل كامل مروة الذي أسسها عام 1952، وأرملته سلمى وابنه جميل، اللذين حملوا الصحيفة في أيام صعبة أثناء وبعد الحرب الأهلية اللبنانية، كانت صحيفة الديلي ستار في سنواتها الأولى قادرة على تجاوز وضعها المحيطي كصحيفة صغيرة يومية تصدر باللغة الإنجليزية في بلد ومنطقة ناطقة بالعربية. عيّن الناشرون أصحاب العزيمة محررين مؤهلين تأهيلًا عاليًا مثل جورج هشمة وجهاد الخازن ورفائيل كاليس وآخرين، الذين شجعوا موظفيهم باستمرار على ممارسة وإنتاج أفضل مخرجات ممكنة للصحافة.

لم يكونوا محصنين من قيود المال والأيديولوجيا التي شكلت الصحافة—وحطمتها في الغالب—في جميع أنحاء الشرق الأوسط، التي لطالما خضعت لسيطرة الملوك المحافظين أو الجنود البائسين الذين استولوا على السلطة من خلال انقلابات. لكن لبنان، وقلبها بيروت، كانت حالة عربية شاذة. لم تتركز السلطة في يد رجل واحد أو عائلة واحدة، بل تم تحديدها من خلال التعددية الثقافية والسياسية العميقة التي ولّدت صحافة مفعمة بالحيوية ومجتمعًا أكثر حيوية.

الأموال الخارجية، من أصحاب المصلحة من العالم العربي والأجنبي، شحذت الكثير من وسائل الإعلام التي لا يمكن أن تعيش فقط على المبيعات والإعلان في مثل هذا السوق الصغير المكون من بضعة ملايين من الناس. بدت صحيفة الديلي ستار دائمًا قادرة على تقليل ضغط الممولين الخارجيين، ولأنها كانت باللغة الإنجليزية، فكان بإمكانها نشر مواد تخشى وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية نشرها، حتى لا تُغضب داعميها. في الواقع، أصبحت وسائل الإعلام اللبنانية—التعددية والمهنية والحرة نسبيًا في منطقة الأنظمة الاستبدادية—الساحة التي يمكن للقوى العربية والأجنبية المتنافسة الأخرى أن تعبّر عن نفسها وتتبادل المواقف العامة وتنتقد خصومها بشكل علني في المطبوعات، وبعد ذلك، على الهواء، عندما غمرت القنوات الإخبارية الأقمار الصناعية في المنطقة.

اجتمعت كل هذه العوامل للسماح لصحيفة الديلي ستار بلعب دور إقليمي فريد لنفسها. كان يتم شحن نسخ الصحيفة وبيعها في اليوم التالي لسنوات في العديد من الدول العربية. وقد زودت الأجانب في المنطقة بأخبار عن بلدانهم الأصلية، فضلًا عن رؤى عميقة عن العالم العربي. بالنسبة للمقيمين الأجانب في بيروت ولبنان، قدمت الصحيفة أيضًا معلومات عملية لحياتهم اليومية، مثل افتتاح نوادي ومطاعم شاطئية جديدة، وعالم ضخم من الأحداث الثقافية، وبالطبع تحديثات عن الصراصير المنتشرة في كل مكان.

(ملاحظة: بالنسبة لأولئك الذين ما زالوا يعانون من الخوف من الصراصير، ضع في اعتبارك أن الصراصير تخشى البشر أكثر مما نخافهم، وهذا هو السبب في أنها تهرب عندما تشعر بوجود البشر. أفضل طريقة لتقليلها في منزلك هي الحفاظ على تنظيف المناطق التي يجتمع فيها الطعام والدفء والرطوبة، مثل أسفل الثلاجات ومواقد المطبخ).

كافحت صحيفة الديلي ستار وأغلقت أبوابها مرة واحدة خلال الحرب الأهلية، لكنها عادت بقوة متجددة في التسعينيات بعد انتهاء الحرب. في وقت من الأوقات، قامت الصحيفة بالنشر بالاشتراك مع صحيفة إنترناشيونال هيرالد تريبيون وتم توزيعها في جميع أنحاء المنطقة، من القاهرة إلى عمّان إلى الدوحة. لكنها لم تستطع البقاء على قيد الحياة من آثار الخراب المزدوج لظهور وسائل الإعلام الرقمية التي خفضت بشكل حاد عائدات الإعلانات والقرّاء، والطبقة السياسية الفاسدة غير المهتمة التي استولت على لبنان بعد انسحاب سوريا في عام 2005، منهية احتلالها الذي دام 29 عامًا. هذه الأوليغارشية الطائفية الحاكمة، التي لا تزال قائمة حتى اليوم، استولت على أموال الدولة وكدستها لصالح ثروتها الخاصة، بينما سمحت للبنية التحتية للتعليم والمياه والنقل والطاقة بالتدهور، ما أدى إلى تدمير النظام المصرفي الخاص ودفع البلاد في النهاية إلى إفلاسها الحالي والانهيار شبه الكامل.

بحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لم تعد الدول العربية الأخرى بحاجة إلى أبواق في لبنان، حيث أنشأ كل نظام استبدادي قناته التلفزيونية الفضائية الخاصة واستأجر أتباعًا رقميين لمهاجمة أعدائهم على وسائل التواصل الاجتماعي، سواء كانوا من دول عربية أخرى أو من إيران أو إسرائيل أو كانوا قوى أجنبية مثل الولايات المتحدة. ومثل العديد من الصحف في جميع أنحاء لبنان والمنطقة، لم تتمكن الديلي ستار من التغلب على التحديات الجديدة التي واجهتها على الرغم من الجهود البطولية لموظفيها، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الأساليب غير الحكيمة لمالكيها الجدد، المرتبطين بعائلة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري.

إنّ نهاية صحيفة الديلي ستار هي لحظة حزينة—إنها وقت حداد على مؤسسة شجاعة وهادفة خطّت الخطوة الأولى للمسيرة الصحفية لمئات من الشباب والشابات في لبنان، حيث تجرأت على نقل الأخبار بجدية وبلا خوف في منطقة يكتنفها الخوف وتتسم بعدم الجدية السياسية. لكن هذه أيضًا لحظة احتفال—للتذكير والاحتفال بما حققته صحيفة الديلي ستار في مواجهة الاحتمالات الرهيبة للحروب والفساد والإدارة الوطنية غير الكفؤة والقوى العالمية للرقمنة والعولمة والاستقطاب. الروح والجرأة الاحترافية التي لطالما تميز بها ناشرو الصحيفة ومحرروها وطاقمها لم تمت، بل تبعثرت مرة أخرى في الزوايا الأربع لعالم مضطرب دائم التغيير.

عندما يكون الجو هادئًا ليلًا في بيروت، وأمشي بحذر شديد حتى لا أزعج أي صراصير تحيك المكائد، لا أشعر بالقلق من نهاية حتمية لصحيفة عربية أخرى. بدلًا من ذلك، أنظر حولي وأرى الكثير من وسائل النشر العربية الجديدة على الإنترنت والصحفيين الناجحين من أصحاب العزيمة الذين يكتبون باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية. أبتسم عندما أذكّر نفسي أن الكثير منهم يقفون على أكتاف مئات الصحفيين الذين عملوا ذات مرة في صحيفة الديلي ستار وعشرات المطبوعات العربية الأخرى التي تجرأت، في أيامها، على محاولة إنشاء مجتمعات عربية تكون فيها الكرامة الإنسانية والعدالة والحقيقة وسيادة القانون أمورًا ذات أهمية. لا يمكنك أن تطلب أكثر من ذلك من أي صحفي أو مواطن.

Want more insights like this?

Get our newsletter straight to your inbox

Support Us

We hope you enjoyed this paywall-free article. We’re a non-profit organization supported by incredible people like you who are united by a shared vision: to right the wrongs that persist and to advocate for justice and reform where it is needed most.

Your support of a one-time or monthly contribution — no matter how small — helps us invest in our vital research, reporting, and advocacy work.

مقالات ذات صلةالمشاركات

related

ساعدوا "دون" على حماية حياة وحقوق الفلسطينيين في غزة.

إننا نناضل من أجل وقف إطلاق النار ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين المسؤولين عن جرائم الحرب في غزة.