جون تيرمن هو زميل في منظمة (DAWN) والمدير التنفيذي وعالم الأبحاث الرئيسي في مركز الدراسات الدولية التابع لمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا. شارك في تأليف كتاب "جمهوريات الأساطير: السرديات الوطنية والصراع بين الولايات المتحدة وإيران" (مطبعة جامعة جونز هوبكنز).
English
سلّطت عمليات الإجلاء الأمريكية من كابول في أغسطس/آب بالصدفة الضوء على قلة اهتمام الأمريكيين بالمدنيين في مناطق الحرب. فجأة، اكتشفت وسائل الإعلام الأمريكية عشرات إن لم يكن مئات القصص عن أفغان يعيشون في كرب، ونساء يواجهن قمع حقوقهن، وفتيات حُرمن من التعليم مرة أخرى، أو ما هو أسوأ من ذلك.
أعرب كبار الصحفيين الأمريكيين مثل ريتشارد إنجل من شبكة NBC News عن حزنهم عن الانسحاب المفاجئ. وكتب على تويتر في 25 أغسطس/آب: "إنه لأمر محزن للغاية أن نشاهد ما يمكن أن يكون بين آخر الأفغان الذين يصعدون الطائرة ويغادرون بلادهم". وأضاف: "كان لدى الأفغان بعض الأمل. أما الآن يعيش الملايين في خوف. إنها نهاية مذلة للولايات المتحدة في أفغانستان".
كان هناك القليل من التركيز على الأمن البشري والتكاليف الفعلية للحرب على مدى عقدين من الزمن في أفغانستان. خصصت شبكات الأخبار الأمريكية الرئيسية بما في ذلك الشبكة التي يعمل فيها إنجل، ما مجموعه خمس دقائق من التغطية لأفغانستان في عام 2020.
هذا هو النمط القديم في الحروب الأمريكية، حيث تكون المصلحة العامة عالية وداعمة عند اندلاع الحروب، ولكن هذه المشاعر تغلب عليها اللامبالاة عندما تسوء الأمور وتظهر الشكوك في المصالح الأمريكية. لقد حدث ذلك في كوريا وفيتنام والعراق، ومنذ سنوات عديدة في أفغانستان، قبل أن تصبح أطول حرب تخوضها أمريكا.
قُتل ما يقرب من مليون عراقي في الحربين وأكثر من عقد من العقوبات التي عصفت بالبلاد لمدة 30 عامًا، بدءًا من عملية عاصفة الصحراء. يعتمد مثل هذا التقدير على دراسات استقصائية للأسر، حيث تقدم صورة دقيقة إلى حد ما عن الدمار الذي خلفته الحرب. في أفغانستان، لا نعرف مدى الخسائر—سواء في الوفيات والنزوح والإفقار والتفكك الاجتماعي—لأنه لم يقم أحد باستقصاء ذلك. هذا الأمر، في حد ذاته، هو أحد أعراض اللامبالاة. التقديرات باستخدام الأرقام في المشارح أو المعابر الحدودية دائمًا ما تكون منخفضة جدًا. إنّ الآثار الأقل قابلية للقياس الكمي مثل الأسواق المدمرة أو الطرق غير الصالحة للاستعمال أو المستقبل المسلوب للشباب تحتاج إلى النظر فيها، على الرغم من أنها الحقيقة اليومية لمعظم الأفغان.
أوضح الصحفي أناند غوبال هذه النقطة في تقريره الأخير من الريف الأفغاني في صحيفة ذا نيويوركر. كان الوجود الأمريكي في المناطق الريفية في البلاد، حيث يعيش أكثر من 70 بالمئة من الأفغان، عنيفًا بصورة وحشية. عندما قتلت المدفعية الأمريكية أو الضربات الجوية مدنيين أبرياء في القرى المعزولة—وهو ما كان أمرًا متكررًا—كان ذلك بمثابة ثروة لقيام طالبان بتجنيد الناس.
كانت دورات العنف التي لا نهاية لها تعني أن جماعة طالبان أصبحت تعج بالشباب المستعدين لمحاربة المحتلين والحكومة المركزية الفاسدة في كابول. قالت امرأة في إحدى القرى الريفية لغوبال: "هذه ليست حقوق المرأة عندما تأتون لتقتلونا وتقتلوا إخواننا وتقتلوا آبائنا". وقالت أخرى: "الأمريكيون لم يجلبوا لنا أي حقوق. لقد جاؤوا وحاربوا وقتلوا وغادروا".
كان الانهيار السريع للجيش الأفغاني والحكومة المدعومة من الولايات المتحدة "مفاجأة" فقط لأنه لم يُعرف سوى القليل عما كان يعاني منه معظم المدنيين الأفغان خارج حدود كابول والمدن الأخرى. ما كان معروفًا تم تجاهله من قبل المسؤولين الأمريكيين الذين حرصوا على جعل المهمة تبدو أكثر نجاحًا مما كانت عليه.
لم يحدث هذا الأمر للتو. إنه سمة أخرى من سمات التغطية الإعلامية الأمريكية القصيرة النظر لأفغانستان. رصدت الكاتبة آنا بادكن اليأس الذي يسيطر على الريف الأفغاني منذ عقد أو أكثر من الزمن. فقد ذكرت في عام 2014 في واحدة من رسائلها العديدة من أفغانستان هذه الرسالة من قرية كامبيراك: "الطريق إلى رفاهية المرأة يبدأ بالأمن الغذائي والبنية التحتية الفعالة وحكومة تحميها من العنف الطائفي".
وأضافت: "لكن لا شيء من هذا القبيل في الأفق. البلد يتجه نحو مزيد من إراقة الدماء. لا يزال الغذاء شحيحًا والبنية التحتية رديئة. المجتمع الأفغاني بشكل عام لا يرحب بتعليم المرأة. الطريقة التي ترى بها نساء كامبيراك الأمر أنه بغض النظر عن أي مجموعة من الرجال المسلحين يجوبون أرضهم المنقسمة، فستستمر النساء في البقاء على قيد الحياة بالطريقة التي اعتدن عليها لقرون، حيث أساءت إليهن وتخلت عنهن حكومات متعاقبة غير مبالية".
أخبرتني آنا بادكن منذ سنوات أنه بمجرد مغادرة الأمريكيين، ستتولى طالبان زمام الأمور بسرعة.
الكثير من صانعي السياسة الخارجية الأمريكية يرفضون هذه الفظائع التي لا تمحى من الخسائر البشرية من حروب أمريكا. يجب على القادة العسكريين والسياسيين معرفة ما يحدث على أرض ساحات القتال البعيدة.
لكنهم، بدلًا من ذلك، يميلون هم وغيرهم من المراقبين إلى النظر إلى هذه الحروب على أنها حلقة أخرى من الألعاب، على الصعيدين الدولي والمحلي. الثرثرة المهووسة حول "المصداقية الأمريكية" بعد عمليات الإجلاء الشهر الماضي من كابول هي مثال حي على التفكير السطحي الذي يهيمن على الخطاب العام.
إن تدمير هذه المجتمعات والأشخاص على مدى سنوات على يد القوات الأمريكية—أو بشكل غير مباشر من خلال المساعدات العسكرية، كما هو الحال مع الحرب التي قادتها السعودية في اليمن مؤخرًا—هو أشد الانتقادات الموجهة إلى هذه التدخلات، ولذلك يجب تنحيتها جانبًا وتسميتها "أضرار جانبية" في مخططات الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة. اللامبالاة الشعبية تدعم أوهام واشنطن بشأن التقدم الاجتماعي والحروب التي يمكن الانتصار بها.
من الصعب معرفة ما إذا كان الشعب الأمريكي سيهتم أكثر إذا عرف المزيد عن تلك التدخلات. لكن أحد العلاجات البسيطة هو أن يقوم الكونغرس بتمكين إحدى الجهات لاحتساب التكاليف البشرية للحروب في وقت حدوثها وعقد جلسات استماع منتظمة تتطلب مساءلة الرئيس عن عواقب خوض الحروب الأمريكية.
قال الرئيس الأمريكي السابق دوايت أيزنهاور ذات مرة: "أكره الحرب لأن الجندي الذي عاشها يعرف معاناتها، إنني أعرف ذلك لأني رأيت وحشيتها وعبثيتها وغبائها". إذا لم نشكك في وحشية الحروب وعبثيتها وغبائها قبل صعود آخر جندي إلى الطائرة الأخيرة، فلن نتعلّم شيئًا بينما نحكم على ملايين آخرين بحياة بائسة.