إبراهيم فريحات أستاذ مشارك في حل النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا وعضو في المجموعة الأكاديمية الفلسطينية.
English
في خطوة كانت متوقعة للأسف، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أواخر أبريل/نيسان تأجيل الانتخابات التي طال انتظارها والتي كان من المقرر إجراؤها ابتداءً من تصويت برلماني في 22 مايو/أيار، تليها انتخابات رئاسية في 31 يوليو/تموز.
وعلى الرغم من أن ذلك كان قرار نابع من عباس، إلا أنه ألقى باللوم في التأخير إلى أجل غير مسمى على رفض إسرائيل السماح لمئات الآلاف من الفلسطينيين في القدس الشرقية، التي ضمتها إسرائيل بعد حرب عام 1967، بالمشاركة في الانتخابات، مشيرًا إلى أنها ستؤجل "إلى حين ضمان مشاركة القدس وأهلها في هذه الانتخابات."
أدان كل حزب سياسي فلسطيني تقريبًا على الفور خطوة عباس، واندلعت احتجاجات في الشوارع في مدن في الضفة الغربية وغزة بعد الإعلان مباشرة. وسرعان ما رفضت حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى عرضه بتشكيل حكومة وحدة وطنية في غضون ذلك.
وعلى الرغم من تصرفات إسرائيل في القدس ومزاعم عباس نفسه، كان هناك سبب واضح آخر للتأجيل، ألا وهو، الاستطلاعات الضعيفة للرئيس البالغ من العمر 85 عامًا في الانتخابات الرئاسية، إلى جانب احتمالات خسارة كتلة فتح التي يتزعمها عباس لمقاعد في المجلس التشريعي الفلسطيني لصالح قائمتين منشقتين جديدتين من أعضاء فتح الساخطين.
زعيم فتح المسجون مروان البرغوثي، الذي شكل أصدقاؤه وحلفاؤه واحدة من تلك القائمتين الانتخابيتين الجديدتين، حصل بشكل مريح على نقاط أعلى من عباس في جميع استطلاعات الانتخابات الرئاسية التي أجريت حتى الآن تقريبًا.
أدى تأجيل الانتخابات، الذي هو من الناحية العملية إلغاء للانتخابات، إلى سقوط النظام السياسي الفلسطيني في عالم من عدم اليقين، مع تعزيز الاستبداد الزاحف تحت حكم عباس والسلطة الفلسطينية غير الخاضعة للمساءلة بشكل متزايد والتي تدعمها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
كان من المفترض أن تكون هذه الانتخابات الأولى في الأراضي المحتلة منذ عام 2006. لكن بدلًا من ذلك، تم إعاقة التحول الديمقراطي مرة أخرى.
يضاعف قرار وقف الانتخابات من أوجه القصور في النظام السياسي الفلسطيني، لا سيما قضية الشرعية السياسية لقيادته في رام الله.
عباس هو الذي أعلن عن الانتخابات الفلسطينية في يناير/كانون الثاني، "بعد سنوات من الشلل"، بحسب أحد العناوين الصحفية. وبعد أربعة أشهر، كان عباس هو من قرر تأجيلها.
هو في الواقع، حوّل السياسة الفلسطينية إلى حكم فردي، يتخذ فيه قرارات وطنية بغض النظر عن المؤسسات الفلسطينية مثل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمجلس المركزي أو المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية.
عندما تكون الانتخابات امتيازًا للقائد، وليست حقًا طبيعيًا لمواطنيها، فهذه ليست ديمقراطية بل ديكتاتورية.
وأدى تحرك عباس الأحادي الجانب فقط إلى تعميق الانقسامات داخل السياسة الفلسطينية، بما يتجاوز الاستقطاب القائم بين فتح وحماس.
عندما بدأ التسجيل في الانتخابات في مارس/آذار، سجلت 36 مجموعة للترشح، وانقسمت فتح إلى ثلاث قوائم انتخابية منفصلة بقيادة عباس والبرغوثي ومحمد دحلان، حليف عباس في السابق والذي طُرد من فتح في عام 2011 ويعيش الآن في المنفى في الإمارات العربية المتحدة.
تضم كتلة البرغوثي أيضًا قادة بارزين في فتح مثل ناصر القدوة، ابن شقيق ياسر عرفات، الذي طُرد على الفور من اللجنة المركزية لفتح بسبب قراره بالانضمام إلى القائمة المنافسة. وخلّف هذا التأجيل استياءً عميقًا بين جميع المعنيين وزاد من الانقسامات الداخلية في فتح.
ومما يثير القلق أيضًا أن الإلغاء الفعلي للانتخابات قد يؤدي إلى نفور جيل كامل من الشباب الفلسطينيين الذين لم تتح لهم الفرصة مطلقًا لممارسة حقهم في التصويت، نظرًا لأن آخر انتخابات جرت قبل 15 عامًا.
لم يكن لجيل يتراوح عمره بين 18 و33 عامًا أي رأي في اختيار رئيسه، فعباس هو كل ما يعرفونه. كيف يمكن أن تظهر ديمقراطية فلسطينية سليمة في مثل هذا الوضع؟
الداعمون الدوليون للسلطة الفلسطينية بدورهم، لم يساعدوا العملية الانتخابية، خاصة مع ازدواج معاييرهم في طريقة تعاملهم مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان بين إسرائيل وفلسطين.
فقد وصف مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قرار عباس بأنه "مخيب للآمال للغاية" وقال إنه "يجب تحديد موعد جديد للانتخابات دون تأخير".
وعلى الرغم من أنه دعا إسرائيل إلى "تسهيل إجراء مثل هذه الانتخابات في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية"، إلا أن الاتحاد الأوروبي لم يفعل أي شيء آخر حيال حرمان إسرائيل للفلسطينيين في القدس الشرقية من حقوقهم الأساسية في التصويت.
في الواقع، وفقًا لمسؤول فلسطيني كبير تحدثتُ إليه كان منخرطًا بشكل مباشر في التفاوض بشأن قضايا الانتخابات مع ممثلي الاتحاد الأوروبي في القدس، رفض مسؤول أوروبي رفيع وضع البعثة الدبلوماسية لبلاده كمكان اقتراع عندما طلبت منه السلطة الفلسطينية ذلك.
وقال ذلك المسؤول الأوروبي: "لا يمكننا القيام بذلك إلا إذا وافقت إسرائيل"، وبالطبع، إذا وافقت إسرائيل على السماح للفلسطينيين المقدسيين بالتصويت في انتخاباتهم، فلن تكون هناك حاجة للتفاوض حول ما إذا كانت البعثات الدبلوماسية الأوروبية أو أي بعثات دبلوماسية أجنبية أخرى يمكن أن تكون أماكن اقتراع في القدس الشرقية.
في الأثناء، كانت الولايات المتحدة غير منخرطة بشكل ملحوظ. فعلى عكس نهجه القوي للتراجع عن الأضرار الدولية التي تسبب بها دونالد ترامب—من اتفاقية باريس للمناخ إلى الاتفاق النووي الإيراني—يظل الرئيس جو بايدن غير مبال بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
إن وعد بايدن "بالدفاع عن الديمقراطية عالميًا"، كما ورد في خطابه الأول حول السياسة الخارجية في فبراير/شباط، يتبخر تمامًا عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الديمقراطية الفلسطينية.
وكان ذلك واضحًا في رد فعل وزارة الخارجية الأمريكية غير المبالي تجاه تأجيل الانتخابات. وكرّر المتحدث باسمها عدة مرات في إيجاز صحفي: "إن إجراء انتخابات ديمقراطية هو أمر يقرره الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية".
لقد أرسلت لامبالاة بايدن رسالة خاطئة إلى السلطات الإسرائيلية، التي قرأتها على أنها حصانة لأفعالها في القدس. وهذا واضح في التصعيد ضد أكثر من 1,000 فلسطيني معرّضون لخطر فقدان منازلهم في حي الشيخ جراح، حيث تحاول إسرائيل إخلائهم قسرًا والسماح للمستوطنين الإسرائيليين بالانتقال إليها.
هذا الصمت الأمريكي، سواء تجاه إسرائيل التي تحرم الفلسطينيين في القدس الشرقية من حقهم في التصويت أو طردهم من منازلهم، لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف في القدس وحولها، بينما يقوّض بشدة مصداقية بايدن وقيادته على الصعيد الدولي.
لكن لا يزال هناك مجال للعمل على الصعيد الدولي، يتعين على زعيم الاتحاد الأوروبي أن يوضح بجلاء أنه في حين أنهم ضد تأجيل الانتخابات، فإنهم يعارضون أيضًا حرمان إسرائيل للفلسطينيين في القدس الشرقية من حقهم الأساسي في اختيار ممثليهم.
وفي واشنطن، من المفهوم أن أولويات بايدن هي الوضع المحلي في الولايات المتحدة بسبب جائحة كورونا وخاصة بعد التجربة المؤلمة لترامب الذي هدد صراحة الديمقراطية الأمريكية من خلال التحريض على أعمال الشغب في الكابيتول بعد هزيمته في الانتخابات.
ومع ذلك، فإن عدم اكتراث بايدن بمبدأ ديمقراطي أساسي مثل صناديق الاقتراع في فلسطين سيقوّض بشكل كبير رسالته العالمية لما أسماه "التحالفات الديمقراطية".
إن الوضع المتدهور في القدس يضيف فقط إلى الصورة المؤذية لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش المؤلف من 220 صفحة، والذي يوثّق جرائم الفصل العنصري واضطهاد الفلسطينيين في المناطق التي تسيطر عليها السلطات الإسرائيلية.
علينا أن نتذكر أنه في عام 2014 حذّر جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، خلف أبواب مغلقة من أن إسرائيل تخاطر بأن تصبح "دولة فصل عنصري" إذا لم تتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين قريبًا. وبعد سبع سنوات، يجب ألا يستمر بايدن في تجاهل هذه الحقيقة.
ثم هناك القيادة الفلسطينية، بدءًا من عباس، والذين يجب أن يدركوا أنهم لا يستطيعون الاستمرار في البقاء في مناصبهم مع هذا العجز الهائل في الشرعية الديمقراطية. يجب احترام الإرادة الشعبية للفلسطينيين.
ويجب تشكيل لجنة وطنية شاملة لوضع خارطة طريق جديدة بمواعيد محددة لكل من الانتخابات التشريعية والرئاسية، والتي يجب على السلطة الفلسطينية الالتزام بها. يجب أيضاً الانتهاء من الانتخابات في إطار زمني مدته ستة أشهر.
ثانيًا، بدلًا من القيام بمحاولة أخرى لتشكيل حكومة "وحدة" يديرها عباس، يجب تشكيل حكومة تكنوقراط لا تتضمن أي تمثيل حزبي سياسي لإدارة السلطة الفلسطينية حتى تلك الانتخابات.
ثالثًا، عندما يتم إجراء الاقتراع، يجب إرسال مجموعات مراقبة دولية لضمان أن تكون الانتخابات نزيهة وحرة، وهناك حاجة أيضًا إلى منح المنظمات غير الحكومية المحلية السلطة الكاملة للإشراف على عملية الانتخابات بأكملها.
وأخيرًا، يجب تمكين لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية من أداء واجباتها دون تدخل أو ترهيب من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في غزة وإسرائيل في القدس.
لقد تأخرت الانتخابات الفلسطينية لفترة طويلة، وعباس زاد من ذلك التأخير. حان الوقت لإدلاء الفلسطينيين بأصواتهم.