محمد أبو لبدة، الذي يبلغ من العمر 27 عامًا، نجا من خمس حروب في غزة. يحاول محمد الآن هو وعائلته مغادرة المنطقة المحاصرة إلى بلجيكا، حيث تعيش أخته.
كتب أبو لبدة على صفحة GoFundMe التي أطلقها مؤخرًا لمحاولة دفع تكاليف هروب عائلته: نحن عائلة عادية، اعتدنا أن نعيش بسلام، وقلوب مليئة بالحب، في منزلنا الصغير الدافئ. قال لي محمد: أنا فقط أحاول النجاة من هذا الجنون. لقد فقدنا كل شيء، منزلنا ووظائفنا. لم يبق شيء.
هذه هي القصيدة الأولى من عدة قصائد جديدة لأبو لبدة والتي سيتم نشرها في مجلة الديمقراطية في المنفى، وقد ترجمها عن العربية صالح أبو شمالة.
فريدريك ديكناتيل، المحرر التنفيذي
*
أن تكون غزّيًا (١):
دَعكَ مما يطلقونه عليك من ألقاب، وبما يغرقونك به من صفات سامية، لست جبّارًا ولا شجاعتك منقطعة النظير، ولم يكنْ صمودك أسطوريًا كما يتحدّثون..
لتواجه نفسك بالحقيقة، تتبع حياتك منذ بدايتها، وارجع بذاكرتك قليلًا إلى الوراء. القدر اختارك لتولد في هذه البقعة، ووجودك في هذه البلاد ضيّقة المساحة.. واسعة الجرح يتطلب منك أن تتنازل عن الكثير.
ستنفق الكثير من عُمرك باحثًا عن حياة، عن أي حياة، وفي رحلتك هذه ستستأنس الوجع، تصادق الخوف، تقامر بما حصلت عليه من إنسانية في سبيل النجاة فقط.
كغزّي، أنتَ لست كبقية البشر، ومعاييرك مختلفة تماماً عنهم، ولا يمكن بشكل من الأشكال أن تقارن شخصًا يعتبرُ الكهرباء رفاهية، والماء النظيف إكسير حياة بأي شخص آخر.
كل ما وصفوك به قد يبدو إيجابيًا ويدعو للفخر، إلا أنه ليس كذلك، فأنت اعتدت الموت والألم، وحديثك عن الأشلاء والجثث يمرُ بين ثنايا الحديث بيسر كأنه نميمة عابرة.
مشكلتك كغزّي هو أنّ نظرتك للحياة مختلفة تمامًا، فأنتَ لا تبحثُ إلا عن لقمة عيش بسيطة، وسقف بيت من "الإسبست" أو "ألواح الزينقو"، وبطارية تضيء ليلتك التي لم تزرها الكهرباء يومًا.
لا أبالغ إن قلت بأنك السبب في كل هذا! أنت من غيّرت مفاهيم الحياة وتنازلت عن الكثير الكثير من بشريتك تحت عنوان القناعة والرضا، أنت من عوّدتهم على رؤيتك تنهض وتنفض من على جسدك الغبار في كل مرة تسقط فيها على الأرض.
أنت من تسلّحت بسلاح الصبر، وشيّدت بيتًا من رضا، أنت من أغدقت في تعابير التسليم للقضاء والقدر واخترت أن تنزف دمك بدلًا من أن تذرف دمعك.
كغزّي، أسطوريتك التي يتكلمون عنها، وشجاعتك التي يتغنون بها كانت بالنسبة لك هو أنك اعتدت.. وإن أخطر ما قد يصيب الشخص منا هو أن يعتاد، أن يتقبل ويتأقلم، أن يرضى بالقليل، وألا يطلب غير الستر، أسطوريتك نبعت من تنازلك عن صفاتك الإنسانية وقبولك بأدنى معاييرها، أو حتى بدونها..
يتبع…