أصدرت إدارة بايدن في 3 مارس/آذار الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي، والذي يحدد رسميًا أولويات السياسة الخارجية للإدارة.
كما كان عليه الحال مع الإدارة السابقة، من المرجح أن تنخفض أهمية الشرق الأوسط بعد آسيا وأوروبا. ومع ذلك، يوكد الدليل المؤقت للإدارة على عزمها "تنشيط وتحديث التحالفات والشراكات [الأمريكية] حول العالم."
تحتاج الشراكات الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل خاص إلى التحديث، ويمكن لإدارة بايدن اغتنام الفرصة لإعادة تقييم علاقاتها مع الشركاء التقليديين. قد تكون البداية الجيدة في هذا السياق هي رفع مستوى الاستقرار الإقليمي باعتباره المصلحة الأساسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ومتابعة هذا الهدف بأدوات تتجاوز التعاون العسكري.
دخلت الولايات المتحدة تاريخيًا في شراكة مع فاعلين في الشرق الأوسط لتشكيل كتلة من الدول ضد دول أخرى لمواجهة التهديدات القائمة، كما ورد في تقرير تحليلي حديث صادر عن مؤسسة راند. على سبيل المثال، في سبعينيات القرن الماضي، فضّلت إدارة نيكسون العمل مع إيران والمملكة العربية السعودية باعتبارهما "الركيزتين التوأمين" للاستراتيجية الإقليمية للولايات المتحدة والحصن ضد النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط.
علاوةً على ذلك، أقامت واشنطن أيضًا علاقة خاصة مع إسرائيل، حيث عملت هذه العلاقة على مواجهة الدول المؤيدة للسوفييت والقوميين العرب، مثل مصر وسوريا. وعلى الرغم من تطور البيئة الإستراتيجية، إلا أن النهج الأمريكي ظل ثابتًا: بناء كتلة واحدة من الدول لمواجهة وعزل أخرى، سواء كان ذلك في عراق صدام حسين أو إيران ما بعد ثورة 1979.
واليوم، تعاني الشراكات الإقليمية للولايات المتحدة التي أقيمت خلال الحرب الباردة من هذا التفكير الموروث. وكمثال على ذلك، تواصل الولايات المتحدة ضمان السلام بين "دول المواجهة" في الصراع العربي الإسرائيلي على الرغم من حقيقة أنه لم يعد هناك تهديد فعلي من هذه الدول. فقد قامت كل من مصر والأردن بتطبيع العلاقات مع إسرائيل منذ عقود ولم تعد تنوي المخاطرة بحرب عربية إسرائيلية أخرى.
تشكل إسرائيل ومصر والأردن أكبر 3 متلقين للمساعدات الأمريكية الثنائية في المنطقة وتمثل 81٪ من التمويل العسكري الأمريكي العالمي الخارجي. المشكلة ليست أقل حدة في الخليج، حيث يوجد نفس التركيز على تسليح المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من خلال المبيعات العسكرية الخارجية. يمثل هذان البلدان ما يزيد بقليل عن 50 في المئة من جميع عمليات نقل الأسلحة الأمريكية إلى الشرق الأوسط. على الرغم من أن هذه الدول تتمتع بشراكة ذات قيمة مع الولايات المتحدة، فقد حان الوقت لواشنطن لتحديث أسبابها المنطقية لهذه الاستثمارات.
حققت شراكات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعض الفوائد. فعندما غزا عراق صدام الكويت عام 1990، انضمت تسع دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لطرد القوات العراقية من الكويت. في الآونة الأخيرة، سهّلت العلاقات القوية مع دول المنطقة أيضًا الوصول إلى القوات الأمريكية التي تشن عمليات ضد ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق وسوريا وإقامة قواعد لها هناك والتحليق فوق أجوائها.
ومع ذلك، فقد تكبّدت شراكات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أيضًا تكاليف باهظة. أولاً وقبل كل شيء، قبلت الولايات المتحدة مخاطر تشويه السمعة عندما عقدت شراكات مع أنظمة متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان.
يمكن القول إن أوضح مثال على ذلك هو العلاقة طويلة الأمد بين الولايات المتحدة والسعودية، والتي تم تسليط الضوء عليها منذ أن أطلقت الأخيرة تدخلها العسكري في اليمن عام 2015، والذي قدمت له الولايات المتحدة في البداية دعمًا عسكريًا واستخباراتيًا. تعرّضت إدارة السعودية لهذه الحرب لانتقادات واسعة النطاق بسبب سقوط ضحايا مدنيين من خلال الضربات الجوية ولإسهامها في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. اشتد التدقيق والإدانة للعلاقة الأمريكية السعودية في عام 2018 بعد مقتل المعارض السعودي المقيم في الولايات المتحدة جمال خاشقجي.
علاوة على ذلك، قد تتعرض بعض الشراكات الأمريكية لخطر الوقوع في شرك الصراعات الإقليمية، لا سيما مع إيران. أثارت الضربات الإسرائيلية ضد أهداف مرتبطة بإيران في سوريا والعراق، على سبيل المثال، مخاوف من أن هذه الإجراءات قد تتصاعد إلى حريق إقليمي أوسع، ما يجبر الولايات المتحدة على التدخل لصالح شركائها.
علاوة على ذلك، فإن تورط شركاء الولايات المتحدة في صراعات بالوكالة قد عرّض مصالح استراتيجية أمريكية رئيسة للخطر. والجدير بالذكر أن الدعم المقدم من الإمارات والسعودية ومصر والأردن لمحاولة القائد العسكري الليبي خليفة حفتر المشؤومة لغزو طرابلس قد خلق مساحة لروسيا لتوسيع وجودها العسكري على الجناح الجنوبي لحلف الناتو. علاوةً على ذلك، ذكر مكتب المفتش العام الأمريكي أن الإماراتيين ربما يموّلون وجود المرتزقة الروس في ليبيا، ما يستلزم نشر طائرات مقاتلة وأنظمة دفاع جوي عبر عدة قواعد في البلاد.
أخيرًا، شجع النهج التاريخي الأمريكي تجاه الشراكات الإقليمية أيضًا حرية الاستفادة من الضمانات الأمنية الأمريكية. في الواقع، لم يستثمر العديد من شركاء الولايات المتحدة في قدراتهم الدفاعية بالشكل المطلوب، مفترضين أن واشنطن ستتحمل تكاليف ضمان أمنهم وردع التهديدات الإقليمية.
حتى دول مثل السعودية—التي اشترت ما متوسطه 9.3 مليار دولار من المعدات العسكرية الأمريكية على مدى السنوات الخمس الماضية—ومصر—التي تتلقى ما يقرب من 1.3 مليار دولار من التمويل العسكري الخارجي السنوي—ليست لديها القدرة نسبيًا للتعامل مع مخاوفها الأمنية الأكثر إلحاحًا ما يُبرز العائد المحدود للاستثمار الأمريكي.
وبالتالي، فإن الدليل الاستراتيجي المؤقت لإدارة بايدن الذي يؤكد أنها لن تمنح شركاء الولايات المتحدة في المنطقة بعد الآن "شيكًا على بياض لتنفيذ سياسات تتعارض مع المصالح والقيم الأمريكية"، هو أمر جيد. ومع ذلك، فإن الخطوات الأولية في هذا الاتجاه، على الرغم من المديح، ليست سوى البداية.
يمكن للإدارة إعادة تقييم شراكاتها القديمة وتخصيص استثمارات أفضل في المنطقة لتحقيق فوائد استراتيجية طويلة الأجل. في تقرير مؤسسة راند المذكور أعلاه، أوصى المؤلفون بتخصيص المساعدات الأمريكية لاحتياجات الشركاء الأكثر إلحاحًا—تعزيز التنمية الاقتصادية والحوكمة الرشيدة والاستقرار، مع تقليل التركيز على شراء المعدات العسكرية المتطورة. بالإضافة إلى ذلك، يوصي المؤلفون بإعادة ضبط جهود الولايات المتحدة للتأكيد على الشراكات التي لها تأثيرات إقليمية تساعد على الاستقرار—مثل الكويت أو عُمان—والنظر في إنشاء مركز للدبلوماسية الإقليمية يمكن من خلاله للولايات المتحدة والشركاء الإقليميين حل النزاعات.
في الوقت الذي تعيد فيه إدارة بايدن تقييم الشراكات الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، قد يتهم شركاء الولايات المتحدة التقليديون واشنطن بالتخلي عنها. قد يردّون بالتهديد بالعمل من جانب واحد أو بالتحول نحو علاقات مع منافسي الولايات المتحدة الاستراتيجيين.
يكاد يكون من المؤكد أن بعضًا من ذلك سيكون مجرد جعجعة، لكن بعض التهديدات قد تكون حقيقية. في تلك اللحظات التي يواجه فيها صانعو السياسة في الولايات المتحدة خيار توتر العلاقة أو الاستمرار في العلاقة كالمعتاد، يجدر التذكير بأن الشراكات ليست الغاية—إنها وسيلة لتحقيق المصالح المشتركة للشركاء. عندما تستوفي هذه العلاقات هذه المعايير، عندئذٍ يجب أن تستثمر الولايات المتحدة فيها.
مصدر الصورة: واشنطن العاصمة—15 مارس/آذار: الرئيس الأمريكي جو بايدن يلقي خطابه في غرفة الطعام بالبيت الأبيض في 15 مارس/آذار 2021 في واشنطن العاصمة. أعلنت الإدارة يوم الاثنين أن جين سبيرلينج، المسؤول الاقتصادي الكبير السابق في آخر إدارتين رئاسيتين ديمقراطيتين، سيشرف على طرح حزمة تحفيز في مواجهة فيروس كورونا بقيمة 1.9 تريليون دولار والتي وقّع بايدن عليها الأسبوع الماضي. (تصوير درو أنجيرير/جيتي إيماجز).
Photo Credits: WASHINGTON, DC – MARCH 15: U.S. President Joe Biden delivers remarks in the State Dining Room of the White House on March 15, 2021 in Washington, DC. The administration announced on Monday that Gene Sperling, a former top economic official in the last two Democratic presidential administrations, will oversee the rollout of the $1.9 trillion coronavirus stimulus package that Biden signed into law last week. (Photo by Drew Angerer/Getty Images)