أفراح ناصر هي زميلة غير مقيمة في المركز العربي بواشنطن العاصمة. حصلت على جائزة حرية الصحافة الدولية من لجنة حماية الصحفيين وعملت سابقًا كباحثة يمنية في منظمة هيومن رايتس ووتش.
إنّ الجولات المستمرة من الضربات الجوية الأمريكية على أهداف حوثية في اليمن ردًا على هجماتهم على سفن الشحن في البحر الأحمر، وإعادة إدراج الحوثيين كمجموعة "إرهابية عالمية محددة بشكل خاص"، هي الأحدث في قائمة طويلة من الأخطاء في الإستراتيجية الأمريكية في اليمن. وكانت هذه الحسابات الخاطئة متوقعة وغير متوقعة. فمن ناحية، كانت هذه الأخطاء غير متوقعة، نظرًا للآمال في أن الولايات المتحدة—والمملكة المتحدة، التي شاركت في بعض عمليات قصف اليمن—قد تعلمت دروسًا هامة من الصراع الذي طال أمده في اليمن، والأهم من ذلك كله أن التحالف الذي تقوده السعودية الذي تدخل في اليمن عام 2015، بدعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، عانى للتغلب على التمرد الحوثي. في المقابل، كانت هذه الأخطاء متوقعة، في ظل عدم وجود أي تحول في الاستراتيجية من جانب الحكومتين الأميركية والبريطانية.
إنّ قرار إدارة بايدن بإعادة تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية وشن غارات جوية على اليمن هو دليل على الإهمال المستمر لأي اعتبارات استراتيجية لتعقيدات الصراع اليمني. فقد أجمع الخبراء والمراقبون في الشؤون اليمنية بالإجماع تقريبًا على شكوكهم حول فعالية هذه الضربات الجوية والتصنيف كجماعة إرهابية في ردع هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات بدون طيار على السفن في البحر الأحمر، والتي صوّرتها الجماعة المسلحة على أنها حملة للدفاع عن الفلسطينيين وإجبار إسرائيل لإنهاء حربها في غزة. تنبع هذه الشكوك من الاعتقاد المشترك بأن الولايات المتحدة، ومعها المملكة المتحدة، تكرر أخطاء الماضي في اليمن.
منذ عام 2015، ارتكبت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة سلسلة من الأخطاء الاستراتيجية من خلال دعمهما للحرب التي تقودها السعودية والإمارات ضد الحوثيين في اليمن. لقد عززوا عن غير قصد القدرات العسكرية للحوثيين وقوتهم على الأرض، ما ساهم في عدم الاستقرار العام في اليمن اليوم. ويبدو أن الغارات الجوية ضد الحوثيين هذا الشهر هي استمرار لهذه الأخطاء ومن غير المرجح أن تحقق هدفها المعلن المتمثل في "ردع" الحوثيين في البحر الأحمر.
يسيطر الحوثيون على حوالي نصف اليمن اليوم، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى الأخطاء التي ارتكبها التحالف الذي يقاتلهم منذ عام 2015، بعد استيلائهم على العاصمة صنعاء.
- أفراح ناصر
يسيطر الحوثيون على حوالي نصف اليمن اليوم، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى الأخطاء التي ارتكبها التحالف الذي يقاتلهم منذ عام 2015، بعد استيلائهم على العاصمة صنعاء. بدأ كل شيء عندما فشلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات معًا في منع الرئيس اليمني آنذاك عبد ربه منصور هادي، في عام 2016، من نقل مقر البنك المركزي اليمني إلى عدن، حيث فرت حكومته—وهي خطوة أدت إلى وسهلت بشكل مباشر سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة في صنعاء. كما أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللتين كانتا تزودان التحالف السعودي الإماراتي المشترك بالأسلحة والدعم اللوجستي لحربهما، لم تفعلا المزيد لوقف الاقتتال الداخلي بين الجماعات المسلحة اليمنية التي تقاتل الحوثيين على الأرض، والتي كانت اسميًا جزءًا من هذا التحالف. كان الجناح المسلح لحزب الإصلاح، وهو حركة إسلامية سنية، والمدعوم من السعودية، والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، المدعوم من الإمارات، في حالة حرب مع بعضهما البعض أكثر مما كانوا يقاتلون الحوثيين.
كما لم تعرب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أبدًا عن رفضهما العلني لدور الإمارات في تشكيل ميليشيات يمنية تعمل خارج الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا—والتي كان التحالف يحاول إعادتها إلى السلطة. كما أنهم لم يدينوا التحالف (والأهم من ذلك كله السعودية) لعدم تمويله الجيش اليمني بشكل كاف، الأمر الذي أضعف الحكومة اليمنية في قتالها ضد الحوثيين. وبين عامي 2016 و2018، وقفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة موقف المتفرج عندما استهدفت الغارات الجوية السعودية وحدات الجيش اليمني الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، ما قدم فائدة للحوثيين، الذين ظلت وحداتهم سالمة وتمكنت من السيطرة على قواعد الجيش السابقة.
وكما قال المحلل اليمني عبد الغني الإرياني، كانت هذه "أعظم هدية للحوثيين" من السعودية. ففي تلك السنوات، "عندما كانت الخطوط الأمامية ثابتة إلى حد كبير، قدم التحالف للحوثيين الفرصة لإكمال سيطرتهم العسكرية على شمال اليمن والتخلص من شريكهم السابق" صالح. وأوضح الإرياني: "هكذا، انتهى الأمر بالرياض، التي كان لديها منذ ما يقرب من قرن من الزمان هدف استراتيجي يتمثل في تقليل التهديد العسكري اليمني، إلى تسهيل تأكيد الحوثيين كقوة عسكرية مهيمنة في الشمال، وهي عملية تم استكمالها بحلول عام 2017"، قبل أن ينقلب الحوثيون على صالح ويغتالوه.
وبالمثل، لم تتخذ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أي إجراء عندما قتلت الإمارات، التي كان من المفترض أنها تدعم الجيش اليمني ضد الحوثيين، ما لا يقل عن 30 جنديًا يمنيًا في غارات جوية أثناء الاقتتال الداخلي في عدن بين الجيش وميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من الإمارات. وتجاهلت واشنطن ولندن إدانات الحكومة اليمنية لدولة الإمارات لدعمها الانفصاليين الجنوبيين والمساعدة في زيادة تفتيت اليمن، إلى حد أن هادي وصف الإمارات، بحسب ما ورد، بأنها دولة محتلة وليست دولة تساعد في التحرير.
وفي الوقت نفسه، فشلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في معالجة استخدام الحوثيين المساعدات الإنسانية الدولية لأغراضهم الخاصة، على الرغم من التحذيرات العديدة. يبدو أن واشنطن ولندن تجاهلتا التقارير الواردة من الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان التي تفيد بأن الحوثيين يعرقلون ويستولون على إمدادات المساعدات والأموال في المناطق الخاضعة لسيطرتهم من أجل مجهودهم الحربي. كما استخدمت قوات الحوثيين المساعدات المحولة، بما في ذلك المواد الغذائية، لتجنيد جنود من المجتمعات الفقيرة في اليمن، مستغلة يأسهم، أو بيع المساعدات لتحقيق الربح في السوق السوداء.
هناك عجز عميق في واشنطن عن الفهم والتعلم من الإخفاقات السياساتية في اليمن.
- أفراح ناصر
وبتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، فإن بايدن، الذي وعد "بإنهاء الحرب في اليمن"، يتّبع نهج دونالد ترامب. كما أنّ إدراج الحوثيين على أنهم "منظمة إرهابية أجنبية" والذي تعرض لانتقادات واسعة النطاق في الأيام الأخيرة لترامب في منصبه—وهو تصنيف أكثر خطورة من جماعة "إرهابية عالمية محددة بشكل خاص"—قد حال دون وصول المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها إلى اليمن. وعندما كان مرشحًا رئاسيًا، انتقد بايدن تصنيفهم كجماعة إرهابية، وألغى ذلك التصنيف في الأسابيع الأولى له كرئيس. ومع إعادة إدارة بايدن إدراجهم كجماعة إرهابية، فشلت الولايات المتحدة مرة أخرى في فهم آلة الدعاية الحوثية.
يستغل الحوثيون الظلم الأمريكي المتصور ضد الشعب اليمني لكسب التعاطف في الرأي العام المحلي والدولي. وبالنظر إلى التأثير الشديد الذي يخلّفه تصنيف الإرهاب على الجهود الإنسانية في اليمن، فإنه كلما أصبح الوضع الإنساني أكثر خطورة، كلما زادت الأدلة التي لدى الحوثيين لتقديم الولايات المتحدة على أنها عدو للشعب اليمني والسبب الجذري لمعاناته. ومثل هذا الوضع يجعل من السهل على الحوثيين جذب وتجنيد المقاتلين، ما يعزز قدراتهم العسكرية ويجعلهم يسيطرون على جزء كبير من اليمن.
كل هذه الأخطاء أدت إلى تفتيت الدولة اليمنية سياسيًا وعسكريًا، ما ساعد الحوثيين على تعزيز سلطتهم. وهي تتكرر، على الرغم من اعتراف بايدن نفسه بأن الضربات الجوية لن تردع الحوثيين، رغم أن ذلك كان تبريره الأولي لها. فقد قال بايدن في حوار مع الصحفيين في البيت الأبيض بشأن الضربات العسكرية في اليمن: "عندما تقول إنها تردع الحوثيين، هل تعني أنها ستوقفهم؟ لا. ولكن هل ستستمر الضربات؟ نعم".
هناك عجز عميق في واشنطن عن الفهم والتعلم من الإخفاقات السياساتية في اليمن. إنّ اتباع نهج أكثر استنارة ودقة يمكّن الشركاء اليمنيين ضد الحوثيين، وخاصة من خلال الضغط الدبلوماسي، أصبح أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى لمعالجة تعقيدات اليمن، بدلًا من الوقوع في دورة أخرى من التفجيرات والغارات الجوية غير الفعالة.