ثاناسيس كامبانيس زميل أول ومدير سينشري إنترناشيونال، وهو مركز الأبحاث والسياسات الدولي التابع لمؤسسة القرن.
ملاحظة المحرر: هذا المقال مقتبس من ورقة بحثية تم تقديمها في ورشة عمل حول شروط المساعدة شارك في استضافتها DAWN مع مركز MIT للدراسات الدولية.
English
منذ أن أصبحت حقوق الإنسان من ضمن أجندات السياسة الخارجية، يتناقش الأمريكيون حول كيفية هيكلة برامج المساعدات لتعظيم نفوذ الولايات المتحدة وتعزيز القيم الأمريكية. ومع ذلك، فإن الكثير من هذه النقاشات ترتكز على سوء فهم عميق. لا يقتصر الأمر على مبالغة متلقي المساعدات في تقدير قيمتهم الاستراتيجية لواشنطن—خاصة في الشرق الأوسط، حيث تنفق أمريكا مبالغ كبيرة من مساعدتها—ولكن غالبًا ما يكون لدى صانعي القرار داخل الحكومة الأمريكية وجهات نظر متناقضة حول أهداف تلك المساعدات.
والنتيجة هي شكل سامّ لما أسماه هنري كيسنجر "الغموض البنّاء." تنظر حكومات الشرق الأوسط إلى المساعدات الأمريكية على أنها استحقاق يأتي من كونها شريكًا أمنيًا أمريكيًا. ويعتقد بعض قادة الولايات المتحدة، بدورهم، أن المساعدات تنمّي القوة الصارمة لأمريكا. ويرى مراقبون أمريكيون آخرون ومدافعون عن حقوق الإنسان أن المساعدات تخلق نفوذًا لصالح لولايات المتحدة لإقناع المستبدين في المنطقة باحترام الحقوق وتنفيذ الممارسات الديمقراطية.
لا عجب، بالنظر إلى هذا التفاوت في التوقعات، أن فرض شروط على تلك المساعدات، خاصة فيما يتعلق بمخاوف حقوق الإنسان، لا يؤدي أبدًا إلى إحداث إصلاحات ونادرًا ما يغير السلوك السياسي للأنظمة المتلقية—بغض النظر عن حجم حزمة المساعدات، أو مقدار ما يتم تعليقه منها، أو ما إذا كانت تلك المساعدات للاستخدام العسكري أو المدني.
تشير الأرقام إلى نتائج مخيبة للآمال. تغطي معظم المساعدات الأمريكية في الشرق الأوسط المساعدات العسكرية لثلاث دول: إسرائيل ومصر والأردن. لقد اتخذت هذه المساعدات وضعًا شبه دائم في واشنطن، على الرغم من أنها تشوه بشدة السياسة والاقتصاد في البلدان الثلاثة. الوضع أفضل قليلًا في الأزمات الإنسانية، وعلى الأخص الحرب في سوريا، حيث تعتبر الولايات المتحدة دولة سخية في التمويل، على الرغم من أنها لا تزال دولة شحيحة بشكل محرج بشأن قبول اللاجئين.
ومع ذلك، لم تدفع المساعدات العسكرية أو الإنسانية—ولا حتى مبيعات الأسلحة—البلدان إلى مراجعة حساباتها حول مصالحها الوطنية، أو نهجها في الحكم. بمعنى آخر، لا يتعلق الأمر بهم، وإنما يتعلق الأمر بنا.
الخطاب والواقع
يرى صناع القرار الذين يسمحون بنفقات المعونات الأمريكية الهامة هذه المساعدات من منظور سياسي، على أنها مكافآت للشركاء الذين يخدمون بعض المصالح الأمريكية المهمة. من ناحية أخرى، فإن أولئك الذين هم أكثر دراية بتفاصيل وتأثير برامج المساعدات هذه—المختصون الذين يصممون هذه البرامج ويشرفون عليها، والمراقبون في الكونغرس الذين يخضعون لعدة قيود، ومجموعة من المدافعين عن حقوق الإنسان—يفهمون تدفقات المساعدات الأمريكية على أنها السبيل الوحيد لتعزيز الأجندة الهامة حول الحقوق والحكم الرشيد، حيث يشمل ذلك كل شيء من حرية التعبير إلى الإجراءات القانونية الواجبة وإلى التعليم ومكافحة الفساد.
الغاية هي المفتاح لفهم الكيفية التي من المفترض أن تؤدي شروط المساعدات أغراضها، وأسباب عدم تأديتها لتلك الأغراض. الإجابة القصيرة هي أن الحكومة المانحة—في هذه الحالة الولايات المتحدة—ليست ملتزمة فعليًا بأي أجندة إصلاح مرتبطة بشكل رئيسي بتدفقات مساعداتها. تبذل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قصارى جهدها للتغاضي عن الانتهاكات الروتينية والمتوطنة للشروط المرتبطة بالمساعدات بموجب قوانين الولايات المتحدة. تتجاهل واشنطن أو تتغاضى تمامًا عن تلك الالتزامات القانونية المنصوص عليها في قانون المساعدات الخارجية وقانون مراقبة تصدير الأسلحة وما يسمى بقوانين ليهي حتى عندما تحجب الولايات المتحدة المساعدات، لا يبدو أن ذلك يغير سلوك الأنظمة.
ليس عليك سوى النظر إلى رد إدارة أوباما المحبط على انقلاب 2013 في مصر، والذي رفض البيت الأبيض بشكل محرج وصفه بانقلاب. أوقفت الحكومة الأمريكية مؤقتًا بعض عمليات نقل الأسلحة، والتي ادعى نظام عبد الفتاح السيسي أنها عائق خطير لعمليات مكافحة الإرهاب المحلية. لكن مصر لم تقدم أي تنازلات خلال عام ونصف العام من حرمانها من الأسلحة الأمريكية التي شعرت أنها تستحق الحصول عليها. بحلول ربيع عام 2015، استؤنفت المساعدات العسكرية الأمريكية—دون تغيير في سلوك مصر.
الإجابة الأطول حول جدوى الشروط المفروضة على المساعدات هي أنها لن تجبر الحكومات المتلقية على تغيير سياساتها، حتى لو اتبعت الولايات المتحدة أجندة إصلاحية تشمل استراتيجياتها الدبلوماسية والعسكرية واستراتيجيات المساعدات. إن تاريخ المساعدات الأمريكية كأداة للإصلاح يزخر بالفشل. لم يقم متلقو المساعدات طويلة الأجل مثل مصر والأردن والسلطة الفلسطينية ولبنان بأي إصلاحات طلبتها واشنطن مقابل مساعدات وفيرة.
قامت إسرائيل مرة واحدة فقط، ولفترة وجيزة، بتجميد النشاط الاستيطاني تحت ضغط الولايات المتحدة—وكان ذلك قبل ما يقرب من ثلاثة عقود. منذ ذلك الحين، ازداد الدعم الأمريكي باستمرار، غير مكترث بما إذا كانت الإدارة في واشنطن تدعم أو تعارض التوسع الاستيطاني الإسرائيلي المستمر والاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية. حتى في مناطق الصراع والدول الضعيفة، مثل العراق، حيث تم إنفاق معونات أمريكية ضخمة في بعض الأحيان بالاقتران مع مساعدات عسكرية وسياسية واسعة النطاق، لم يكن لها تأثير يذكر عندما يتعلق الأمر بتشجيع الإصلاحات أو تحفيزها.
خيال النفوذ
لماذا لا تؤتي هذه الأساليب ثمارها؟ لقد قامت الدول الثلاث: مصر وإسرائيل والأردن بعمل حساباتها بشكل صحيح في أن صناع القرار الحقيقيين في الحكومة الأمريكية لا يكترثون حقًا بأوضاع حقوق الإنسان التي يُفترض أنها مرتبطة بالمساعدات—أو على الأقل، ليس عليهم التعامل مع ردة الفعل السياسية في واشنطن إذا ما قطعوا المساعدات.
في العراق، الحكومات المتعاطفة مع أجندة الإصلاح—مثل حكومتي حيدر العبادي ومصطفى الكاظمي—ليست أكثر قدرة على تغيير آليات تقاسم السلطة الفاسدة من الحكومات المعادية للطلبات الأمريكية—مثل حكومتي نوري المالكي وعادل عبد المهدي. الحكم الرشيد بعيد المنال لأسباب لا يمكن للمساعدات الأمريكية تغييرها. لا يمكن للتهديد بوقف المساعدات، أو حتى إلغائها، أن يغير الحسابات الوجودية للفاعلين السياسيين الذين يعتمد بقاؤهم وقوتهم على نظام فاسد وعنيف. تستند هذه المفاهيم إلى خيال النفوذ الأمريكي الذي لا وجود له ببساطة.
على الرغم من وجود خطاب حول حقوق الإنسان والديمقراطية، والدفع الجاد ولكن غير الفعال في الغالب من قبل المدافعين عن وضع شروط يمكن من خلالها قطع المساعدات عندما ترتكب الحكومات المتلقية فظائع، فإن سياسة الولايات المتحدة من الناحية العملية متسقة تمامًا. قدمت الإدارات المتعاقبة ذات الأطياف السياسية المختلفة المساعدات للحلفاء والشركاء كمكافأة على الولاء المتصور في مسائل الأمن والاقتصاد والسياسة—ولكن ليس على أساس الحقوق أو الديمقراطية أو الحكم الرشيد.
يجب أن تفرّق النقاشات حول مزايا هذه السياسة بين المساعدات الإنسانية والمساعدات المدنية طويلة الأجل والمساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة. ولكن حتى مع الاعتراف بهذه الاختلافات في أنواع المساعدات، فمن الواضح أن النماذج الأربعة تفشل في خلق وسيلة لتوجيه سلوك الدولة بشكل بنّاء. لم تسفر عقود الأسلحة الضخمة مع المملكة العربية السعودية أبدًا عن نوع التأثير الذي يتخيله العديد من الأمريكيين—ولا حتى أثناء حرب اليمن، حيث كانت الولايات المتحدة تقدم دعمًا استخباراتيًا لوجستيًا حيويًا للضربات الجوية السعودية.
تتمكن السعودية من اختراق صف طويل من المسؤولين الأمريكيين بسبب استعدادها الثابت لتعديل إمدادات النفط لدعم المصالح الأمريكية، وبسبب دعمها لأولويات الولايات المتحدة في المنطقة، حتى عندما تكون تلك الأولويات مزعزعة للاستقرار، مثل الغزو والاحتلال العشوائي للعراق عام 2003، وتهميش الفلسطينيين و "الضغط الأقصى" على إيران. أصبحت تصرفات السعودية الأخرى، التي غالبًا ما تتعارض بشكل مباشر مع المصالح الأمريكية، مسألة ثانوية بالنسبة لواشنطن—سواء كان دعمًا للمتطرفين الدوليين في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أو المواجهة العسكرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العقدين الأوليين من القرن الحادي والعشرين. أو القمع غير المسبوق في عهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منذ عام 2015.
مبدأ لا ضرر ولا ضرار
هل هناك طريقة تجعل المساعدات الأمريكية أقل ضررًا؟ إنه لمن قصر النظر ومن المؤسف أن الولايات المتحدة تعطي الأولوية دائمًا للمصالح الأمنية قصيرة الأجل على حساب مسائل الحكم الرشيد طويلة الأجل، خاصة وأن فشل الدولة وسوء الحكم هو الذي أدى إلى تأجيج جيل آخر من الصراع في الشرق الأوسط وجعله دافعًا عالميًا لعدم الاستقرار. لكن سياسة المساعدات، للأسف، تعكس نظرة أمريكية ثابتة للعالم.
يشير تاريخ المساعدات في الشرق الأوسط، وعلى نطاق أوسع في مناطق الصراع والدول الهشة، إلى أنه من غير المحتمل أن يؤدي أي نهج إلى تحول جدي في الحقوق والحكم. لم يكن النهج الذي اتبعه مقدمو المعونة الرئيسيون الآخرون—بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبرامج الثنائية من قبل الدول الأوروبية الغنية واليابان—أفضل حالًا في تغيير ممارسات الحقوق والحكم في المنطقة.
الأنظمة المتلقية مهتمة بالمساعدات العسكرية أكثر من المساعدات المدنية. تعزز المساعدات العسكرية قوتهم بشكل كبير، أكثر من المنح الصغيرة للبرامج المدنية. ومن خلال تلك المساعدات الأمنية، تكون المقايضات واضحة. بالنظر إلى كيفية استخدام الأنظمة لقواتها الأمنية، فإن أي مساعدات عسكرية أمريكية هي موافقة أمريكية على المزيد من نفس الأمر—وليس، كما تصوّر بعض المراقبين والمدافعين، بأنها فرصة للولايات المتحدة للحصول على نفوذ أكبر، على سبيل المثال، في قرارات الاستهداف السعودية في اليمن أو معاملة مصر للمعتقلين.
لا تستطيع الولايات المتحدة من خلال المساعدات العسكرية إصلاح المؤسسات العسكرية الأجنبية. ما تقوم به المساعدات ببساطة هو تضخيم ما هو قائم، سواء كان جيدًا أو غير جيد. يكاد يكون من المستحيل تخيل مبدأ "لا ضرر ولا ضرار" في المساعدات العسكرية—وفي معظم الحالات، تشترك الولايات المتحدة ومتلقو المساعدات في بعض المصالح الإستراتيجية المشتركة بغض النظر عن علاقة المساعدات.
على النقيض من ذلك، تقدم المساعدات الإنسانية إطارًا مفاهيميًا وسجلًا أفضل في الممارسة العملية. كانت واشنطن المانح الأكثر سخاءً في العالم لجهود مساعدة المتضررين من الصراع السوري. مع الأخذ في الاعتبار أن هذه المساعدات لا تزال غير كافية، وتأتي إلى جانب فشل تاريخي محرج من قبل حكومة الولايات المتحدة في قبول عدد كبير من اللاجئين وطالبي اللجوء من سوريا، يمكن القول إن جهود المساعدات الأمريكية هناك هي نموذج لنهج أكثر صدقًا وقابلية للتطبيق. تنفق أمريكا أموال المساعدات هذه في السعي لتحقيق نتيجة—وهي الإغاثة الإنسانية—تراها في مصلحتها الخاصة.
وهي لا تفعل ذلك لأنها تعتقد أن نفقات المساعدات هذه ستقنع الحكومات أو الجهات الفاعلة غير الحكومية بطريقة ما بمراجعة مصلحتها الذاتية المتصورة وتبني سياسات جديدة على الأرض في سوريا تتوافق مع تفضيلات واشنطن، بدلًا من تفضيلاتها الخاصة. ففي سوريا، تنفق الولايات المتحدة على المساعدات الإنسانية في مناطق النظام نفس ما تنفقه في مناطق المعارضة، والجدير بالذكر أن العديد من جماعات المعارضة لديها ممارسات فظيعة في الحكم والحقوق. تهدف المساعدات الأمريكية بشكل أساسي إلى حماية المدنيين المعرضين للخطر—وهو هدف قابل للتحقيق—بدلًا من السعي وراء أهداف سياسية جديرة بالثناء ولكنها مستحيلة في النهاية.
نادرًا ما يؤدي الإكراه إلى إجبار الدول على مراجعة مصالحها التي تقوم بحسابها بشكل جيد. بالنظر إلى أن التهديدات الأمريكية بالغزو والعقوبات قد فشلت بالفعل في تحقيق أهدافها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ما مدى احتمالية نجاح المساعدات الحكومية؟