أجرى فريق DAWN مقابلة مع أحد القضاة البارزين في السعودية حول قضايا تشغل بال الكثير من الناس في السعودية وخارجها، مثل اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، و استقلال القضاء، المحكمة الجزائية المتخصصة (محكمة الإرهاب) ومواضيع أخرى.
أجري الحوار يوم الاثنين 27 يوليو 2020، وحفاظا على أمن القاضي وسلامته، قررنا عدم نشر اسمه.
سؤال: ما هو رأيكم في طريقة تعامل النيابة العامة مع قضية الصحافي جمال خاشقجي والمعتقلين السياسيين بفندق ريتز كارلتون في قضايا "الفساد" -كما تسمّى- التي وجهت إليهم؟
تعامل رديء وفي قضية الريتز (قضايا الفساد) لم تكن لها حدود مسؤولية والأمر الملكي نص على أن يكون النائب العام تحت عباءة ولي العهد، في قرار غبي وكارثي يكشف عن رؤية المسؤول المستبد لجهاز النيابة وأنه لا يعتبرها إلا ذراعا له يتسلط به كيفما اشتهى وأراد وأنها تحت عباءة طويل العمر، ولا يمكن بأي حال أن تأتي فوقه لأنه مخلوق منزه عن الشر والفساد!
سؤال: وقضية خاشقجي؟
قضية خاشقجي لا تطهرها مياه زمزم. فكما شاهد الجميع مجموعة حقيرة تسيء للسعوديين أمام العالم ثم تلقى هذا السيناريو الهزيل في المحاكمة أمر مخجل ويكشف أن هناك من تحاول النيابة التستر عليه من المجرمين الكبار المتلبسين في القضية.
ليست قضية خاصة أبدا ليكون حكمها القصاص وإنما هي إجرام منظم ومخترق لأجهزة، ولا أعرف مهزلة أكبر من أنك تطالب بقتل سلمان العودة، وعوض القرني، وعلى العمري في سياق لوائح اتهام ساقطة ثم تسكت عن جريمة مثل جريمة قتل خاشقجي وتجعلها حق خاص للورثة لا تعني الدولة ولا الناس!
سؤال: شهد القضاء السعودي عددا من التغييرات في الآونة الأخيرة، هل هذه التغييرات حقيقية وتؤثر بشكل مباشر في كيفية عمل القضاء السعودي؟
أنا أختلف في توصيفك وسؤالك. التغييرات في المجال القضائي حقيقةً لم تكن في الآونة الأخيرة. التغييرات التي طبعت كثير من المجالات التي نراها الآن كقضاة كانت في عهد الملك عبداللهوتحديداً بصدور نظام القضاء عام (1428)هـ.
لو نظرت إلى نظام القضاء هذا ستجد فيه من التحولات الأساسية عن شكل القضاء في السابق: أولاً، تفعيل الاستئناف كدرجة ثانية للتقاضي وهذا شيء لم يكن مقنّناً بهذا الشكل، وثانياً، المحاكم المتخصصة المتنوعة وهو شيء طال انتظاره والمطالبة به.
هذا على صعيد، وعلى صعيد آخر، تم تغيير وجوه القضاء السابقين على مستوى وزارة العدل : تم تغيير عبدالله آل الشيخ. على مستوى مجلس القضاء : تم تغيير صالح اللحيدان.
لو راقبت الوضع قبلهما، ستجد أنهم صنعوا تقاليد مستقرة للقضاء يصعب مخالفتها قبل ذلك الحين، وحتى قبلهما في زمان الشيخ الحركان والشيخ عبدالله ابن حميد والشيخ ابن جبير، كانت الأنظمة لا تتحدث ولا تتطور بل ولا يحظى العدل والقضاء بأي ميزانية أو دعم أو رغبة في التطوير وجاء مكانهما محمد العيسى وصالح بن حميد وبعد شهور معدودة تسيّد المشهد محمد العيسى بالكامل وهو وزير العدل ورئيس المجلس ومعه سبعة مليارات مخصصة لتطوير القضاء.
وفي رأيي أنه لم يوفق أبدا في التطوير ولذلك يرى العديد من القضاة بأنه كان همه الوحيد أن تسجل بهرجات عدلية باسم الملك عبدالله، وكما قد سمعت قد جمع العيسى مادة كتاب كبير عن "إنجازات القضاء في عهد الملك عبدالله" إلا أنه لم ينشر رغم طباعته وتم التحفظ عليه، وأقيل العيسى من الوزارة والمجلس وانتهى مشروعه داخل الأروقة العدلية.
على المستوى المادي و كسائر موظفي الدولة كان زمان الملك عبدالله زمانا جيدا حصلت فيه على ترقيتي للاستئناف مثلا كزملائي كلهم، وكانت خارج الدوامات والانتدابات تصرف دائما وإن كانت تتأخر بعض الشي، وبالمجمل فقد كان الوضع المادي مجزيا رغم أن القضاة كانوا يتطلعون لأكثر من ذلك.
سؤال: هل هناك ثقة بين القيادة السياسية والقيادة القضائية في المملكة؟
أبدا لا توجد ثقة أو ربما كانت ثم تلاشت حتى الآن لم تقبل السياسة السعودية تطبيق دخول لجان قضائية تحاكم البنوك أو الإعلامين وغيرهم تحت القضاء ولا يزالوا يشككون في تقاطع مصالح القضاء مع مصالحهم الذاتية ولا يريدون له أن يتجاوز مكانه، وكذلك منصب رئيس مجلس القضاء مشغول بالتكليف من سنوات طويلة وتطور القضاء الموضوعي والأخلاقي من سيء لأسوأ. إنهم يطورون تقنيته كخدمة مجتمعية تشبه مراجعات المرور أو البلدية وهذا كاف في نظرهم دون أن يكون له حضوره الفاعل!
جيلي من القضاة كانوا يجتمعون مع الملك فهد ومع الشيخ ابن باز المفتي العام وقتها، بشكل دوري وكان القضاة داخل المشهد مشاركين بما يرونه من واقع عملهم الآن قطعوا أواصرهم مع الجميع!
بعد السماح بعمل محاميات في المملكة، كيف تنظرون إلى احتمال تعيين قاضيات في المستقبل؟ وكيف تعتقدون أن قضاة المملكة سينظرون لمثل هذا الأمر مستقبلا؟
يمكن وصول المرأة لقضايا الأحوال الشخصية وربما المدنية، لكن عمل القضاء متعب وبالكاد على أنوثة المرأة السعودية التي تربت في مجتمع يحترمها ويلاطفها أن تستطيع القيام بمتطلبات مثل هذا العمل.
تجربتهن في المحاماة لا أعتبرها ناجحة حتى الآن، ولا أظن التيار الغالب من السعوديين يقبل وصولها للقضاء، ولايراه مناسبا لها لاسيما وهي لم تصل بعد للوزارة ولا الجيش ولا إمارات المناطق ولا ولاية العهد وغيرها من المناصب.
سؤال: هل القضاء السعودي مستقل وهل يستطيع القاضي ألا يشعر بالخوف والقلق ؟
سأقولها لك بوضوح وكلّي حرقة: استقلال القاضي السعودي كذب وأطرح عليه هذه الإشكالات:
لماذا يتم الاختيار فقط من الكليات الشرعية الدينية وتهمل التخصصات القانونية وهل كانت المدرسة الدينية أكثر طوعا وانقيادا بيد الساسة؟!
لماذا لا يرقّى أي قاض في أي مرتبة إلا بعد عرض ملفه على رئاسة أمن الدولة والتحقق من سيرته؟ ألا يعد ذلك ابتزازا؟ وإذا كان يمكن أن يكون مقبولا في أول التعيين، فلماذا يتم تكراره مع كل ترقية وابتزاز القضاة فيه؟ وهناك العشرات الذين حرموا من الترقية بسبب هذا المسح الأمني، للأسف الشديد والإشاعة والوشاية فيه قد تقتلك وتقطع دروبك.
في نظام القضاء السعودي المنشور محاسبة القاضي وتأديبه تكون بأحد أمرين توجيه اللوم أو الإعفاء فقط. لماذا أضاف وزير العدل وفريقه عقوبة النقل التأديبي وعقوبة المنع من العلاوة التي تضرر بها كثير من القضاة وصارت شكلاً من أشكال الابتزاز ظاهر في حملهم على ما يراد منهم !
عانينا والله من بذل أنفسنا وأرواحنا في رئاسة محاكم والاجتماع في لجان ودراسة ملفات وكان جزاؤنا في الأخير الإقصاء، بل والاتهام والتخوين، لأن العمل وفق الهوى وعلى كل مسؤول جديد أن يجلب معه فريقه الجديد!
سؤال: ماهي الأحداث تحديداً التي تعتقد أنها أثرت على استقلال القضاء في السعودية وعلى استقلالك كقاض؟
قبل سنوات حدث إعفاء بالكامل لأعضاء المحكمة العليا جميعا بما فيهم الرئيس وتعيين قضاة جدد وهذا تصرف سيء جدا طال أعلى محكمة في البلد وشوه سمعة سيرة استقلال القضاء وزادها سمعة سيئة في الحقيقة.
أيضا في أكبر اعتداء على استقلال القضاء جرى سجن مجموعة قضاة عددهم يقارب العشرة عدة شهور بتوجيه من الديوان الملكي من دون توفير أي حصانة لهم، و أهينوا بالسجن والتوقيف، منهم معالي وكيل وزارة العدل ومستشار الوزير وقضاة استئناف. وقد أفرج عنهم وعادوا كلهم للعمل بعدما تبين خطأ القرار بسجنهم، لكنها كانت رسالة واضحة لعموم القضاة بأنهم تحت الطلب في أي لحظة ولا كرامة لهم ولا حصانة وهي أكبر فاجعة مرت على استقلال القضاء في نظري منذ تأسيس الدولة السعودية.
قاضيان في حفل لم يقفا للسلام الملكي و اقتيدا للسجن وأهينا لعدة شهور، قبل أن يسمح لهم ولي العهد مجددا بالعودة لعملهم ويطلق سراحهم هكذا بدون محاكمة ولا تقدير لمرجعهم وكأنهم خدم في بلاط سموه. هذا أمر كارثي، فزعنا منه جميعاً داخل السلك القضائي، وننظر بالريبة لكل تعاملات الديوان الملكي مع القضاء.
يتم التدخل في أحيان مختلفة من قبل أي من المسؤولين وأمراء المناطق في توجيه قضية معينة. صدرت عدة أوامر ملكية في التأكيد على منع القضاة من أي حضور إعلامي أو حتى في السوشل ميديا واعتبار ذلك جريمة وفيه إهانة ظاهرة لهم ولحريتهم في التعبير، وخوفا من تكرار ظاهرة خطاب القضاة المائتين قبل عدة سنوات الذين وجهوا خطابا للملك وقتها بضرورة إصلاح القضاء. القضاة الذين كانوا آنذاك مائتين هم الآن ربما بالآلاف!
يمارس ولي الأمر صلاحياته المطلقة في العفو عن العقوبات التعزيرية دون قيد أو شرط، ويستغلها النافذون حوله لتخليص أقاربهم المتورطين في أي قضية ولا يكون معها للأحكام القضائية أي قيمة!
أيضاً، لا يوجد قانون مدني صريح وواضح في تسبيب الأحكام وهذا يؤثر سلبا على استقلال القضاء وحمايته من هوى القاضي المنحرف أو الموجّه.
وزير العدل، العضو في مجلس الوزراء يرأس مجلس القضاء، وهذا عيب جوهري لم تستطع الحكومة السعودية أن تصلحه من عدة أعوام ويهدم استقلال القضاء من رأسه.
إعلانات القبض على قضاة مرتشين وتهديد البقية بإمكان توريطهم وتشويه سمعتهم في قضايا مماثلة، يشكل ضغطا كبيرا على القضاة، ويخضعهم لهوى الموظفين في الديوان الملكي، وهو في الحقيقة لا يمت للحرب على الفساد والرشاوى بأي صلة، بل يمثّل عصا لتهديد القضاة، وتلفيق التهم عليه حيث لا يوجد جهة مستقلة موثوقة ومأمونة لمتابعة ومراقبة مثل هذه الادعاءات ومتابعتها.
سؤال: كانت المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا أمن الدولة (محكمة الإرهاب) التي تتعامل مع القضايا الأمنية والسياسية مثيرة للجدل دائمًا، كيف ترون عملها الآن، وكيف ينظر قضاة المحاكم الأخرى إلى قضاة المحكمة الجزائية المتخصصة هذه؟
محكمة من أسوأ المحاكم وعلى شهرة قضاياها فإن إنجازها من أبطأ المحاكم، وأحكامها ممنوعة من النشر ودخول مبنى رئاسة أمن الدولة أسهل من الدخول إليها.
والمحكمة المتخصصة بقضايا الإرهاب تحاط بسرية، وتقاد لها الضحية مكتوفة الأيدي ليتم تطبيق نظام الإرهاب الذي لا يرضاه الله ولا رسوله ولا المؤمنون. هذه المحكمة عبارة عن إدارة لتخويف الشعب وإرجافه وراح ضحيتها عشرات الأبرياء.
سؤال: ما هي أسباب هذه المشاكل والسمعة السيئة كما تراها للمحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا أمن الدولة؟
المحكمة الجزائية المتخصصة معنية بقضايا الإرهاب. تزيد الوضع السيء للقضاء والقضاة، وتصبغنا نحن جميعاً كقضاة بلوثة سيئة بسبب الآتي:
تعيين قضاة فيها ممن عليهم قضايا تأديبية ثابتة في ملفاتهم بمجلس القضاء وسيرتهم مهزوزة ليسهل ابتزازهم وهذا شيء غريب ومشهور يحدثك به أي قاض هناك!
لا يطرح خيار المحكمة المتخصصة بقضايا الإرهاب في حركة النقل السنوية للقضاة مثل سائر المحاكم وإنما ينتقى لها قضاتها باختيار مسيء لاستقلال القضاة، وهذا أيضاً شكل آخر لابتزاز القضاة فيها.
يتمتع قضاتها بمكافآت مالية تحت بند خارج الدوام، أو الانتدابات المتكررة، ولذا ترى من عمل بها لا يود الخروج منها وأحيانا تصرف لهم مكافآت مليونية كما يقول لي بعض القضاة فيها.
أحكامها هي الأحكام الأسوأ والأكثر جرأة على الأحكام المخيفة حتى مع عدم ثبوت التهم بمجرد دخولها تحت وصف فضفاض للإرهاب ولذلك تجد أن تسبيب أحكامها ضعيف كما يلاحظ العديد من الزملاء.
سؤال: ما هو رأيكم في عمل النيابة العامة الحالية والمدعي العام؟
سأقولها لك بكل وضوح: عمل سيء تحركه هاشتاقات تويتر، وتؤثر فيه الدوائر المقربة من ولي العهد وقد حصلت تدخلات لم تحصل في تاريخ العمل النيابي السعودي، والنائب العام بشكله الحاضر صورة ليس أكثر.
جهات الضبط التي تستقبل الجرائم في لحظتها الأولى أكثر صدقا من النيابة وأقرب للواقع لكن النيابة بتوجيهات من يتحكم فيها تتدخل دائما لتغيير كل شيء لصالحها وتهدد من لا يسير وفق رغباتها.
سؤال: يعتقد البعض أن المدعي العام أصبح الآن أكثر استقلالية مما كان عليه في الماضي عندما كان مكتبه مرتبطًا مباشرة بوزارة الداخلية، هل توافق على ذلك؟
كنت أظن ذلك في البداية، لكن تبين بأنه كلام للاستهلاك الإعلامي العالمي ولو جعلوا النائب العام تحت وزير العدل ما تغير شيء.
لا يوجد استقلال أبدا.
المتابعون يعرفون أن النائب للنائب ش ش يتلقى توجيهاته المباشرة من الديوان ويتحرك وفقها وأن النائب سعود المعجب صورة فقط وأن رقابة النيابة لا تصل أبدا لتجاوزات المستشار تركي آل الشيخ -مثلاً- ولا تستطيع أن تحاسبه ولا باقي رفاق طويل العمر.
*This interview was conducted on July 27, 2020 by DAWN*