زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مصر نهاية الأسبوع الماضي كجزء من جولته في الشرق الأوسط، ويقول إنه استغل يومين في القاهرة لإثارة قضية سجناء سياسيين معينين مع حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي الاستبدادية. كان من بين آلاف السجناء الذين ذكرهم بلينكن على ما يبدو علاء عبد الفتاح، المواطن المصري البريطاني المسجون منذ عام 2014 والمحتجز في سجن طرة سيئ السمعة على مدار العامين الماضيين. علاء، وهو مهندس برمجيات ومدوّن يبلغ من العمر 41 عامًا، كان شخصية رئيسية في احتجاجات الربيع العربي عام 2011 التي أطاحت بالديكتاتور السابق حسني مبارك. بعد اجتماع استمر ساعة مع السيسي، سُئل بلينكن في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية المصري سامح شكري عن سبب رفض مصر للدعوات الدولية للإفراج عن معتقلين مثل علاء، بما في ذلك من واشنطن، التي تزود مصر بـ 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية كل عام.
قال بلينكن عن نظام السيسي: "لا أستطيع أن أجيب عن سبب قيام الحكومة بأشياء معينة أو عن عدم قيامها بذلك. هذه الأمور من اختصاصها".
قامت إدارة بايدن بوقف 10 بالمئة من المخصصات السنوية في الخريف الماضي بسبب سجل السيسي السيئ في مجال حقوق الإنسان وسجنه الروتيني حتى لمعارضين معتدلين. بسبب تسليط الضوء العالمي على مصر التي استضافت مؤتمر المناخ في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، أطلقت حكومة السيسي سراح عدة مئات من السجناء السياسيين في إشارة لإظهار حسن النية. ردًا على ذلك، أفرجت واشنطن عن 75 مليون دولار لمصر، أي أكثر من نصف المبلغ المحظور. لكن كما وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش، حتى مع خروج 500 معارض من السجن في ذلك الخريف، كانت الحكومة تعتقل سجناء رأي آخرين. وبمجرد انتهاء مؤتمر المناخ، تم إعادة اعتقال بعض أولئك الذين تم إطلاق سراحهم في وقت سابق. لا يزال آلاف سجناء الرأي يقبعون في سجون مصر. الرقم الدقيق لعدد المعتقلين لا يزال غير معروف.
دخل علاء في إضراب عن الطعام عام 2022 حيث خشي أفراد أسرته أن ينتهي بوفاته، قبل أن ينهي الإضراب في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني. في الأسبوع الماضي، في 25 يناير/كانون الثاني، الذكرى السنوية الـ 12 لبداية احتجاجات 2011 التي أدت إلى سقوط مبارك، أقام أنصار وأفراد أسرته وقفة احتجاجية لعلاء خارج السفارة المصرية في لندن. وكان علاء قد اعتُقل في خريف 2013، عقب الانقلاب العسكري الوحشي الذي قام به السيسي، بتهمة تنظيم مظاهرة دون إذن من الحكومة. أقر البرلمان المصري الخانع هذا القانون القاسي في أعقاب ذلك الانقلاب على الرئيس المنتخب الوحيد لمصر الحديثة، محمد مرسي. في عام 2015، ظهرت أشرطة تشير إلى تورط السيسي وبقية الضباط الكبار في الجيش المصري في تنظيم احتجاجات شوارع ضخمة شارك فيها ملايين المتظاهرين في يونيو/حزيران 2013 في محاولة لإسقاط مرسي. ومن المفارقات القاتمة أن حكومة السيسي تحتجز علاء بسبب احتجاجه مع بضع عشرات آخرين على دستور 2013 المعاد صياغته، والذي صاغته لجنة تابعة عينها السيسي ليحل محل الدستور الذي صوت غالبية المصريين لصالحه السنة السابقة لذلك.
علاء هو الوجه الأكثر شهرة من بين آلاف السجناء السياسيين الذين يتعرضون بانتظام لسوء المعاملة والتعذيب من قبل سلطات السجون المصرية وقوات الأمن، وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، "بما في ذلك العنف الجنسي المنهجي لانتهاك كرامتهم مع الإفلات شبه الكامل من العقاب". حتى الأطفال لم ينجوا. عندما اندلعت احتجاجات صغيرة في القاهرة ضد السيسي في عام 2019، ردت حكومته بمحاكمة أكثر من مئة شخص بشكل جماعي، بمن فيهم المراهقون. في الشهر الماضي، حكمت محكمة الإرهاب الخاصة في القاهرة على 22 من هؤلاء القاصرين بالسجن لمدد تتراوح بين 5 و 15 عامًا لنشرهم مقاطع فيديو على اليوتيوب ونشر رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بالاحتجاجات. كما أصدرت نفس المحكمة أحكامًا على نحو 39 بالغًا، حيث لا يمكن استئناف تلك الأحكام. لم يرتكب المتهمون، بالطبع، أي أعمال إرهابية. لكنها كانت إشارة أخرى على تكلفة الاحتجاج في مصر السيسي.
كما أن نظامه يهدد الصحفيين بسبب نشرهم أي أخبار من شأنها "التشهير" بمصر، بينما يقوم بحجب مئات المواقع الإلكترونية بشكل تعسفي. في أغسطس/آب الماضي، نشرت مدى مصر، وهي منصة إخبارية تحظى باحترام كبير وتعد من الأصوات الإعلامية المستقلة الوحيدة المتبقية في مصر، تقريرًا يحتوي على فضائح عن حزب مستقبل الأمة، الذي يدعم بقوة نظام السيسي. رد الحزب بدعوى قضائية، لكن تم أيضًا استخدام وسائل أقل مدنية. في أوائل سبتمبر/أيلول، اتهم المدعون رئيسة تحرير مدى مصر، لينا عطا الله، بإدارة "موقع إلكتروني غير مرخص". كما اتهموها وثلاثة صحفيين آخرين في مدى مصر—رنا ممدوح وسارة سيف الدين وبيسان كساب—بـ "نشر أخبار كاذبة" والتشهير بأتباع حزب مستقبل الأمة.
ليس فقط المعارضة السياسية أو الصحافة نفسها ما يحاول نظام السيسي حظره. على الرغم من عدم وجود قانون رسمي ضد المثلية الجنسية في التشريعات في مصر، إلا أن السلطات كثيرًا ما تقاضي أفراد مجتمع الميم بموجب قانون "الفسق والفجور" الغامض الذي صدر في الأصل ضد الدعارة. تستخدم الدولة المراقبة الإلكترونية لمضايقة مجتمع الميم، بل إنها تضع شرطة سرية لإيقاع الناس بتطبيقات المواعدة للمثليين. هذا الهوس بالحياة الخاصة للمواطنين المصريين هو جزء من مطالبة الحكومة بتطابق الرأي السياسي.
تتجه حملة السيسي للسيطرة على المجتمع المصري الآن إلى عالم الخيال. فينما يُلبس ديكتاتوريته زخارف الماضي الفرعوني لمصر، فإن السيسي يحلم أيضًا بعاصمة جديدة لامعة في الصحراء على بعد حوالي 28 ميلًا شرق القاهرة. البناء جارٍ بتكلفة عشرات المليارات من الدولارات، وذلك جزء فورة بناء غير مكتمل ومدفوع بالديون. يخطط السيسي لتجهيز العاصمة الإدارية الجديدة—موطن الوزارات الحكومية التي تم نقلها بعيدًا عن المتظاهرين المحتملين في القاهرة—بـ 6000 كاميرا ستراقب سكان المدينة المستقبليين على مدار 24 ساعة في اليوم. على الرغم من انتشار مثل هذه الكاميرات في كل مكان أيضًا في بريطانيا، فمن المحتمل أن يكون لنظام السيسي أهداف شريرة أكثر من السلامة العامة في نشر هذا النوع من المراقبة الجماعية. سوف يتعرض سكان ما يوصف بأنها "مدينة ذكية" بشكل روتيني لانتهاك خصوصيتهم دون إذنهم، على الأرجح بحثًا عن المعارضين.
إنّ رؤية علاء عبد الفتاح لوجود مصر مختلفة، بالإضافة إلى رؤية ملايين الشباب المصريين، قد تعرضت هي نفسها للسجن من قبل نظام رقابة واسع النطاق. إنّ دعم الولايات المتحدة لهذه الدولة البوليسية—التي تختلف قليلًا عن دولة ميانمار أو غيرها من الدول المنبوذة دوليًا—هو أمر مخزٍ. التوبيخ اللطيف ليس كافيًا لتغيير ثقافة الإفلات من العقاب في قصور السلطة في القاهرة.
اتصلتُ بعلاء ذات مرة عندما كنت في القاهرة، قبل سجنه. لم يكن لديه الوقت لنلتقي لأنه كان في طريقه إلى الإسكندرية لإحياء ذكرى خالد سعيد، البالغ من العمر 28 عامًا والذي تعرض للضرب حتى الموت على أيدي الشرطة المصرية في 6 يونيو/حزيران 2010. وسرعان ما تم إطلاق صفحة على الفيسبوك بعنوان "كلنا خالد سعيد" حيث قام الآلاف من الشباب المصريين بتبادل المعلومات حول قضيته والتعبير عن الغضب من انتهاكات الشرطة المتفشية في عهد مبارك. ساعد الغضب الشعبي على مقتل سعيد في تأجيج انتفاضة 2011 التي أطاحت ليس فقط بمبارك بل بوزير داخليته المكروه حبيب العادلي، الذي أدار دولة مبارك البوليسية. أصبح خالد سعيد صرخة حاشدة في ميدان التحرير. لم أكن أعلم حينها أننا سنقول يومًا، نحن المهتمون بحقوق الإنسان في مصر، أننا كلنا علاء عبد الفتاح.