جون هيرش هو مدير البرامج في منظمة (DAWN)
English
قبل 11 عامًا بالضبط، فرّ زين العابدين بن علي، الحاكم المستبد في تونس الذي استمر في الحكم لفترة طويلة، من البلاد، خاضعًا للضغوط السياسية الناتجة عن الاحتجاجات الجماهيرية التي تطالب باستقالته وإنهاء نظامه الفاسد والقمعي. وبينما كانت تلك لحظة سعيدة لتونس، أثبتت السنوات التالية أنها صعبة للغاية، حيث كان الاقتصاد التونسي المتعثر والعنف السياسي والاضطرابات الاجتماعية تهدد بعرقلة انتقال البلاد إلى الديمقراطية.
لكن على الرغم من الصعاب الكبيرة، أكملت تونس هذه العملية الانتقالية، وصاغت دستورًا جديدًا في عام 2014 وأجرت انتخابات برلمانية في وقت لاحق من ذلك العام—وهو إنجاز حصلت من خلاله أربع منظمات تونسية، تُعرف معًا باسم رباعي الحوار الوطني، على جائزة نوبل للسلام لعام 2015 بشكل مشترك. على الرغم من الديمقراطية الهشة، إلا أن تونس ظلت قصة النجاح الوحيدة للربيع العربي، حيث ظهرت كحكومة ديمقراطية وحيدة بعد موجة الاحتجاجات الشعبية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تغيّر كل هذا في يوليو/تموز الماضي، عندما استولى الرئيس قيس سعيّد على كامل السلطة من خلال انقلاب ووضع البلاد على طريق العودة إلى الحكم الاستبدادي. سعيّد، أستاذ القانون الدستوري المتقاعد، فاز في الانتخابات الرئاسية لعام 2019 بأغلبية ساحقة، حيث شارك كشخص من خارج النخبة السياسية وتعهد بإنهاء الفساد المستشري الذي كان سمة مميزة لحكم بن علي، الذي استمر من عام 1987 حتى عام 2011. رغم كل انتصارات الثورة التونسية، إلا أنها لم تخلّص البلاد من الفساد المتجذر الذي ينخر البلاد، وارتفعت شعبية سعيّد حيث وعد بتركيز محدد على إنهاء الفساد. لكن بعد توليه منصبه، واجه سعيّد صعوبات للوفاء بوعده وأصبح محبطًا بشكل متزايد من البرلمان الذي رفض سياساته والدستور الذي حدّ من سلطاته.
في 25 يوليو/تموز، وجّه سعيّد ضربة لخصومه بفرض تدابير طارئة لإقالة رئيس الوزراء وتعليق عمل البرلمان وتولي سلطة تنفيذية واسعة، بما يتجاوز بكثير ما يسمح به الدستور التونسي. بالنسبة للكثيرين، كان هذا هو تعريف "الانقلاب الذاتي"، وهو وصف يُطلق عندما يستولي الرئيس على جميع السلطات من خلال تعليق أو إغلاق البرلمان وفروع الحكومة الأخرى، والذي غالبًا ما يتم بدعم من المؤسسة العسكرية. في 24 أغسطس/آب، مدّد سعيّد تعليق عمل البرلمان إلى أجل غير مسمى. ثم، في 22 سبتمبر/أيلول، ذهب إلى أبعد من ذلك من خلال منح نفسه سلطة الحكم بموجب مرسوم رئاسي وإلغاء الأحكام الدستورية التي تتعارض مع الإجراءات التي اتخذها. مع تعليق البرلمان، وبعرقلته إنشاء محكمة دستورية، على الرغم من نص الدستور التونسي لعام 2014 على إنشائها، لم يواجه سعيّد أي تحدّ مؤسسي وجمع بشكل فعلي جميع سلطات الدولة تحت يده.
بعد شهور من التحدي، خضع سعيّد أخيرًا للضغط المحلي والدولي لوضع خارطة طريق لإنهاء إجراءات الطوارئ المفروضة واستعادة النظام الديمقراطي في تونس. أعلن سعيّد، الذي كشف النقاب عن خطته في 13 ديسمبر/كانون الأول، أن تونس ستجري استفتاءً لتعديل دستورها في 25 يوليو/تموز 2022، قبل إجراء الانتخابات البرلمانية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022. كما قال أنه سيعقد سلسلة من المشاورات العامة عبر الإنترنت لجمع الأفكار التي قد تستخدمها اللجنة بعد ذلك لصياغة التعديلات الدستورية. بعد أسابيع، قال سعيّد إنه سوف "يراجع" النظام القضائي، بما في ذلك تنظيم المحاكم والحقوق الممنوحة لأعضاء مجلس القضاء الأعلى، وهو هيئة مستقلة تشرف على تعيين القضاة وترقيتهم، وتُعنى أيضًا باستقلالية ونزاهة القضاء.
لم تفعل هذه الإعلانات الكثير لتهدئة المخاوف من حكم سعيّد الاستبدادي الذي من غير المعلوم متى سينتهي. ستؤدي هذه الخطة إلى إبعاد تونس عن المسار الديمقراطي، حيث ستسمح لسعيّد بالاحتفاظ بالسلطة المطلقة لبقية عام 2022. وسيظل البرلمان معلقًا إلى ما بعد انتخابات ديسمبر/كانون الأول، حيث أصدر سعيّد بالفعل مرسومًا رئاسيًا يمنحه السلطة الوحيدة لتعيين أعضاء اللجنة التي ستعمل على صياغة التعديلات الدستورية. بمعنى آخر، سيتحكم سعيّد في عملية التعديل الدستوري، وكذلك جوهر التعديلات نفسها من خلال اختيار أعضاء اللجنة.
كما أن المشاورات العامة عبر الإنترنت تعتبر مشكلة كبيرة أيضًا بحد ذاتها. لا تزال مخاوف السرية والخصوصية قائمة، وثلث التونسيين على الأقل يفتقرون إلى الوصول إلى الإنترنت. تسمح خطة سعيّد ببعض الطرق البديلة الغامضة الصياغة بحيث تكون هناك نقاشات بحضور شخصي، لكن قمع حكومته لحرية التعبير والهجمات الموجهة ضد خصومها السياسيين كان لها تأثير مروّع شديد على الحياة السياسية في تونس ومن شأنها القضاء على معظم الانتقادات خلال المشاورات العامة. ومع ذلك، يواصل سعيّد المضي قدمًا، وسيتم إطلاق المنصة الإلكترونية رسميًا في 15 يناير/كانون الثاني وستنتهي في 20 مارس/آذار.
بالإضافة إلى أوجه القصور هذه، أتبع سعيّد إعلان خارطة الطريق بهجمات أكثر جرأة على منافسيه السياسيين. قبل أسبوعين، في 31 ديسمبر/كانون الأول، اختطف رجال أمن بزي مدني من وزارة الداخلية نور الدين البحيري، عضو البرلمان البارز ووزير العدل السابق، من منزله دون مذكرة توقيف. نقل رجال الأمن البحيري إلى مكان لم يكشف عنه قبل نقله إلى المستشفى في 2 يناير/كانون الثاني، بسبب ظروفه الصحية الموجودة مسبقًا. لا يزال البحيري محتجزًا وتحت حراسة بالمستشفى، رغم أن الحكومة لم توجه له أي تهمة. في نفس اليوم الذي احتجزوا فيه البحيري، اختطف عناصر من الأمن أيضًا واعتقلوا فتحي البلدي، وهو مسؤول سابق بوزارة الداخلية، واحتجزوه في مكان مجهول حتى 4 يناير/كانون الثاني.
أدانت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب هذه التحركات ووصفت الإقامة الجبرية للبحيري بأنها "أقرب إلى الاعتقال التعسفي". كما وصفت العديد من جماعات حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة هيومن رايتس ووتش، اختطاف البحيري والبلدي بأنها اعتقالات تعسفية. في 11 يناير/كانون الثاني، أصدر مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بيانًا يحث المسؤولين التونسيين على "الإفراج الفوري عن الرجلين أو توجيه الاتهام إليهما بشكل صحيح"، مع الإشارة إلى أن هذه التطورات "عمّقت مخاوفنا الخطيرة بالفعل بشأن تدهور وضع حقوق الإنسان"، في تونس.
في غضون ذلك، كانت محكمة في تونس قد أعلنت في مطلع يناير/كانون الثاني مقاضاة 19 من المسؤولين السياسيين البارزين بتهمة ارتكاب جرائم انتخابية مزعومة، بمن فيهم راشد الغنوشي رئيس البرلمان ورئيس حزب النهضة، وهو الحزب السياسي الإسلامي، إلى جانب أربعة رؤساء وزراء سابقين والرئيس الأسبق منصف المرزوقي الذي يعيش الآن في باريس. تظهر عمليات الاختطاف والاعتقالات التعسفية والمحاكمات المستهدفة رغبة سعيّد المستمرة في إخضاع القضاء التونسي لإرادته وتكرار تكتيكات عهد بن علي.
كما أساء سعيّد استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لقمع المعارضة واستخدم المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين، غالبًا بتهمة "إهانة الرئيس." يعتبر تورط الجيش في انقلاب سعيّد المستمر مزعجًا بشكل خاص، حيث تجنب الجيش التونسي تاريخيًا إلى حد كبير التدخل في السياسة المدنية، حتى في عهد بن علي، وهو استثناء ملحوظ من العديد من الحكومات الاستبدادية في جميع أنحاء المنطقة.
كانت ردة فعل إدارة بايدن هزيلة منذ استيلاء سعيّد على السلطة في الصيف الماضي. فبعد إقالة سعيّد لرئيس الوزراء هشام المشيشي وتعليق عمل البرلمان، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانًا فاترًا مفاده أن الولايات المتحدة "تراقب التطورات عن كثب." كانت المكالمة الهاتفية التي تمت بين سعيّد ووزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين بتاريخ 26 يوليو/تموز غير حازمة كذلك، حيث حث بلينكن سعيّد "على الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تشكل أساس الحكم في تونس".
شعر عدد من المشرعين الديمقراطيين بالإحباط بسبب نهج إدارة بايدن المفرط الحذر، ما جعلهم يدفعون بالقضية في أواخر سبتمبر/أيلول من خلال مطالبة بلينكين بتحديد ما إذا كانت إجراءات سعيّد ترقى إلى حد الانقلاب وحث وزارة الخارجية على اتخاذ "خطوات دبلوماسية أقوى" من تلك التي اتخذتها في السابق. لم تتخذ وزارة الخارجية الأمريكية قرارها بتوصيف الانقلاب—وهو الأمر الذي يتطلب من الحكومة الأمريكية من الناحية القانونية تعليق المساعدات المالية لتونس—وبدلًا من ذلك قدمت وزارة الخارجية بيانًا هزيلًا مرة أخرى بعد تشكيل حكومة تونسية جديدة في نوفمبر/تشرين الثاني، والتي تفتقر إلى موافقة البرلمان على الرغم من أن تلك الموافقة منصوص عليها دستوريًا.
كانت استجابة وزارة الخارجية الأمريكية لخارطة طريق سعيّد مخيبة للآمال بنفس القدر، حيث رحبت "بالإعلان عن جدول زمني يحدد مسار الإصلاح السياسي والانتخابات البرلمانية، وأنها تتطلع إلى عملية إصلاح شفافة وشاملة لأصوات المجتمع المدني والسياسي المتنوع." في أحسن الأحوال، يعتبر هذا البيان مضللًا. فكما ذكر أنتوني دوركين من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "لم يفعل سعيّد أي شيء على مدى الأشهر العديدة الماضية يوحي بأن لديه أي رغبة في الشفافية أو شمول الأطراف الأخرى. سيكون من السذاجة أن نتوقع منه أن يغير مساره فجأة خلال العام المقبل بينما يقوم بتعزيز سلطته بدون هيئة تشريعية أو محكمة دستورية لكبح جماحه".
كان من شأن إصدار بيان أمريكي أقوى أن يربط شرعية خارطة الطريق بالمشاركة الهادفة لمجموعة واسعة من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. وبالمثل، فإن مثل هذه الرسالة لم تكن لتؤيد ضمنيًا خطة تسمح لسعيّد بمواصلة الحكم بدون البرلمان للأشهر الـ 12 المقبلة.
سمحت ردة فعل إدارة بايدن الباهتة على إجراءات سعيّد للبلدان الاستبدادية في المنطقة بممارسة نفوذها في تونس بحرية أكبر. فبعد استيلاء سعيّد على السلطة، عرضت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر دعمهم للانقلاب. وبحسب بعض التقارير عرضت السعودية والإمارات على سعيّد دعمًا ماليًا بقيمة 5 مليارات دولار إذا نجح الانقلاب. وفي الآونة الأخيرة، ذكرت تقارير أن هناك على الأقل مسؤول استخبارات مصري رفيع المستوى يعمل ضمن الأمن الرئاسي لسعيّد.
ومع ذلك، على الرغم من تلميحات مصر بتقديم المساعدة العسكرية والاستخباراتية، والأموال من السعودية والإمارات، تستمر شعبية سعيّد في الانخفاض بشكل حاد. وعلى وجه الخصوص، أظهر استطلاع للرأي أُجري في ديسمبر/كانون الأول أن شعبية سعيّد تراجعت 32 نقطة لتصل إلى 55 في المئة بعدما كانت 87 في المئة عقب الانقلاب الذي قام به في شهر يوليو/تموز مباشرة. ومن بين التونسيين غير الراضين عن سعيّد، يعتقد 73 في المئة أنه "ليس لديه خطة" لمعالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية المتداخلة في تونس.
من المؤكد أن انخفاض شعبية سعيّد يعود جزئيًا إلى الأوضاع الاقتصادية السيئة المستمرة في البلاد. لا يزال الدين العام التونسي قضية ملحة ويتطلب مساعدة خارجية. تتضمن خطة حكومية تم تقديمها إلى صندوق النقد الدولي في أوائل يناير/كانون الثاني تجميد التوظيف في القطاع العام وزيادة الأجور للسنوات الثلاث المقبلة. كما ستلغي الخطة دعم الطاقة وتعيد هيكلة المؤسسات العامة، بينما تتضمن مسودة ميزانية 2022 ضرائب جديدة. ستثبت هذه الإجراءات الاقتصادية أنها لا تحظى بشعبية كبيرة، لأنها ستزيد من تكاليف الوقود والكهرباء حتى في الوقت الذي يكافح فيه العديد من التونسيين لتلبية الاحتياجات الأساسية. ومن غير المستغرب أن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي لديه قوة على الأرض ويضم أكثر من مليون عضو، يعارض بشدة هذه الإجراءات.
بينما ورث سعيّد العديد من مشاكل تونس الاقتصادية، إلا أنه ساهم أيضًا في حدوثها وفاقمها من خلال قراراته. على سبيل المثال، شدّد مسؤولو صندوق النقد الدولي على أن الحكومة التونسية يجب أن توافق على حزمة إصلاح اقتصادي ذات مصداقية لتلقي المساعدة المالية لديون البلاد، ولكن أيضًا على سعيّد أن يعيد البلاد إلى نظام اقتصادي طبيعي وشامل. لا يبدو أن أي من النتيجتين محتملة، وفي وقت سابق من هذا العام، بعد أن خفضت وكالات التصنيف الدولية التصنيف الائتماني لتونس، ردّ سعيد باستخفاف قائلًا: "وكالات التصنيف لا يمكن أن تعطينا أي درجات يريدونها. نحن لسنا طلابهم، وهم ليسوا معلمينا".
قد يسجل خطاب سعيّد الشعبوي نقاطًا مع مؤيديه، لكنه لن يرضي المستثمرين الدوليين، ولن يخفف الضائقة المالية للعديد من التونسيين. بدلًا من ذلك، يبدو أن هذه الإجراءات تؤكد أن سعيّد ليس لديه خطة للتعامل بجدية مع مشاكل تونس الاقتصادية، بما في ذلك الفساد. إنّ الانعطاف الاستبدادي الذي يقوم به سعيّد الغير راغب في تقديم تنازلات وغير القادر على قبول الواقع الاقتصادي، يخاطر الآن بمنعطف أكثر حدة.