مايكل سفارد محامي إسرائيلي في مجال حقوق الإنسان ومؤلف كتاب "الجدار والبوابة: إسرائيل وفلسطين والمعركة القانونية من أجل حقوق الإنسان"، وهو زميل في منظمة (DAWN).
إنّ الرأي الاستشاري الشامل الذي صدر يوم الجمعة الماضي عن محكمة العدل الدولية في لاهاي والذي يتألف من 83 صفحة بشأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، يشكل زلزالًا قانونيًا كما يقال. فقد ذكرت المحكمة بشكل صريح أن الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وسيطرتها عليها غير قانوني (وهذا يشمل القدس الشرقية) بالنسبة للإسرائيليين وغيرهم الذين نسوا أن الحوض المقدس يقع تحت الاحتلال. وقررت المحكمة أن إسرائيل ملزمة قانونًا بإنهاء هذا الاحتلال المطول. وبهذا وضعت محكمة العدل الدولية حدًا للكذبة الإسرائيلية الكبرى التي تسعى إلى التمتع بصلاحيات المحتل العسكري ولكن دون الخضوع للقيود والالتزامات المفروضة على المحتل بموجب القانون الدولي.
كما قررت محكمة العدل الدولية أن إسرائيل تنفذ عمليات نقل قسري للمجتمعات والأفراد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة—وهي جريمة حرب، وحتى أنها تعتبر جريمة ضد الإنسانية عند ارتكابها بشكل ممنهج أو على نطاق واسع، وبالتالي تفوق خطورتها جرائم الحرب. ووجدت المحكمة أن إسرائيل لا تمنع أو تعاقب عنف المستوطنين بل أنها تصادر الأراضي العامة وتستعمرها عبر تخصيصها للمستوطنين، حيث أنها ضمت القدس الشرقية وضمت أجزاء كبيرة من الضفة الغربية وخاصة المنطقة (ج) بموجب اتفاقيات أوسلو، والتي تشكل حوالي 60 في المئة من أراضي الضفة الغربية في انتهاك مباشر لحظر واضح ومركزي بموجب القانون الدولي. ولعل الأمر الأكثر خطورة هو أن المحكمة قررت أن إسرائيل تدير نظام فصل عنصري وربما حتى نظام تمييز عنصري في الأراضي المحتلة. بالإضافة إلى كل ذلك فقد وجدت المحكمة أن إسرائيل ملزمة بتعويض الضحايا الفلسطينيين نتيجة لهذه الأخطاء بما في ذلك إعادة الأراضي والممتلكات حيثما أمكن والتعويض حيث يكون الاسترداد غير عملي.
إنّ هذا بالفعل زلزال قانوني، فكل ما زعمته منظمات حقوق الإنسان وزعمه الباحثون القانونيون، سواء في إسرائيل وفلسطين أو في مختلف أنحاء العالم، لسنوات عديدة أصبح الآن مصدقًا عليه من قِبَل أعلى مؤسسة قانونية دولية في العالم.
وضعت محكمة العدل الدولية حدًا للكذبة الإسرائيلية الكبرى التي تسعى إلى التمتع بصلاحيات المحتل العسكري ولكن دون الخضوع للقيود والالتزامات المفروضة على المحتل بموجب القانون الدولي
- مايكل سفارد
ولكن الزلازل في القانون الدولي أشبه بالزلازل التي تحدث بالحركة البطيئة، فخلافًا لمحاكم الدول التي تسري أحكامها على الفور، فيُسجن شخص ما أو يتم إيقاف سريان سياسة حكومية عن العمل، فإن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية يخترق الواقع السياسي ويؤثر عليه ببطيء على نحو تدريجي. وبالتالي ربما يكون الأمر أشبه بسحابة تتحرك ببطء وتحجب ضوء الشمس بدلًا من الزلزال.
لذلك في اليوم التالي لنشر رأي المحكمة، ربما شعرتَ أن شيئًا لم يتغير في الأساس. وأن الاحتلال لم يتحرك قيد أنملة، وأنه ما زال متماسكًا ومستقرًا كما كان قبل صدور هذا الرأي الاستشاري في لاهاي. ولكن الأمر في الحقيقة ليس كما يبدو، فتأثير هذا الرأي سيتجلى في توابعه.
سوف ينعكس هذا القرار على المحامين والمستشارين القانونيين وغيرهم ممن سيبدؤون الآن في تقديم المشورة والتوجيه للحكومات والوكالات الدولية وغيرها من الكيانات التي يخدمونها استنادًا إلى القانون الدولي وترجمة قرارات محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي إلى حظر بعض الأعمال والالتزامات بتنفيذ أعمال أخرى لها علاقة بإسرائيل. على سبيل المثال فقد أوضحت محكمة العدل الدولية أن التزام الأطراف الثالثة (أي كل بلدان العالم والأمم المتحدة) لا يقتصر على عدم الاعتراف بالوجود الإسرائيلي غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل إنها ملزمة أيضًا بالامتناع عن أي عمل قد يساعد أو يساند إسرائيل في إدامة هيمنتها هناك كما جاء في الرأي الاستشاري للمحكمة الذي نص على "عدم تقديم المساعدة أو المساندة لإسرائيل في الحفاظ على الوضع الناتج عن وجودها الاستيطاني والغير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة". وبدلًا من ذلك سيتعين على الدول أن تراجع كل تعاملاتها مع إسرائيل وتتأكد من أن علاقاتها التجارية أو الدبلوماسية لا تساعد أو تساند إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر في جهودها التوسعية ومشروعها الاستعماري، وإذا لم تفعل فإنها بذلك ستنتهك القانون الدولي بشكل صارخ.
كل ما زعمته منظمات حقوق الإنسان وزعمه الباحثون القانونيون، سواء في إسرائيل وفلسطين أو في مختلف أنحاء العالم، لسنوات عديدة أصبح الآن مصدقًا عليه من قِبَل أعلى مؤسسة قانونية دولية في العالم.
- مايكل سفارد
وهذا هو السبب وراء كون رأي محكمة العدل الدولية بمثابة زلزال قانوني. ففي الأسابيع والأشهر المقبلة سوف تضطر بلدان مختلفة إلى إعادة النظر في طبيعة علاقاتها مع إسرائيل من النواحي التجارية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. ومن الواضح أن واجبها يتلخص في التمييز بين إسرائيل عند حدود الخط الأخضر—خطوط الهدنة لعام 1949—والمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولكن عندما تقوم الحكومة الإسرائيلية نفسها بمحو الخط الأخضر فإن التغييرات في العلاقات قد تصل أيضًا إلى تل أبيب.
وعندما تعمل نفس المؤسسات الإسرائيلية في الضفة الغربية وفي إسرائيل (سواء الجيش الإسرائيلي أو سلطة الأراضي الإسرائيلية أو سلطة الآثار، التي قد تمتد سلطتها لتشمل الضفة الغربية بموجب مشروع قانون جديد تقدمت به الحكومة الحالية) فقد يكون من الصعب على دولة أخرى أن تنفذ مشروعًا مشتركًا معها. وحتى إذا كان هذا المشروع محصورًا جغرافيًا في الخط الأخضر، فإنه قد ينتهك حظر محكمة العدل الدولية بعدم تقديم المساعدة أو المساندة في الحفاظ على الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني. وحتى إذا كان من الممكن إجراء هذا التقسيم الدقيق بهذه الطريقة، فقد تفضل بعض الدول تجنب الصداع المتمثل في ضمان بقاء آثار تعاونها التجاري أو الثقافي مع إسرائيل في إسرائيل.
إنّ القوة الخاصة التي يتمتع بها القانون تسمح له في بعض الأحيان بالعمل كورقة رابحة فوق العقبات التي تخلقها المصالح السياسية. فالقانون، في وضوحه ونطاقه، قادر في بعض الحالات على إحداث عمل أو منع عمل كان من الممكن أن يتحدد بخلاف ذلك فقط من خلال الإرادة السياسية الضيقة أو غيابها. وفي هذه الحالة فإن موقف القانون الدولي من احتلال إسرائيل كما أعلنت محكمة العدل الدولية يشكل لاعبًا جديدًا وقويًا ينضم إلى السياسة والاقتصاد والقوة العسكرية من بين أمور أخرى في مصفوفة القوى التي ستحدد مصير هذا الصراع. وبالنسبة للقادة السياسيين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك واشنطن، والذين يجدون صعوبة في انتقاد السياسة الإسرائيلية والذين ساعدوا في إدامة الاحتلال الإسرائيلي سواء بالفعل أو عدمه، فإن لديهم الآن سبب لتغيير المسار، حيث يمكنهم القول: "ليس لدينا خيار، إنها مسألة قانونية، هذا ما يمليه علينا القانون".