ديانا بوتو، محامية ومستشارة سابقة لفريق التفاوض الخاص بمنظمة التحرير الفلسطينية، كما أنها زميلة في منظمة (DAWN).
عندما دخلتُ مخيم جنين للاجئين، بعد أيام قليلة من الهجوم الإسرائيلي المميت في أوائل يوليو/تموز، غلبت عليّ المشاهد والروائح—وذكرياتي الخاصة. عند مدخل المخيم، كانت القمامة مكدسة، وهي أول علامة على تدمير إسرائيل لكثير من البنية التحتية للمخيم، بما في ذلك خطوط الصرف الصحي. كانت رائحة القمامة المتعفنة في الشمس الحارقة الممزوجة بمياه الصرف الصحي تملأ المكان. لكن كلما دخلت أكثر في المخيم المكتظ بالسكان والمباني، أرى الدمار بشكل أكثر وضوحًا. حفرت جرافات الجيش الإسرائيلي المدرعة D9 (التي بنتها شركة كاتربيلر في الولايات المتحدة) جميع طرق المخيم تقريبًا، والتي كانت تصطف على جانبيها السيارات المحطمة والمقلوبة والمكسورة. وبحسب مسؤولين محليين، فإن 80 في المئة من المنازل تضررت أو دُمرت. وفي أحد أطراف المخيم، كانت توجد مقبرة حديثة الإنشاء غير مسمية تضم قبورًا جديدة للفلسطينيين الـ 12 الذين قُتلوا في الغارة. قيل لي: "لم يعد هناك مكان في المقبرة القديمة".
لم يسعني إلا أن أتذكر مداهمة إسرائيل لجنين عام 2002 ، عندما حاصرها الجيش الإسرائيلي لمدة تسعة أيام خلال الانتفاضة الثانية، ما أسفر عن مقتل 52 فلسطينيًا وتدمير منطقة بأكملها من المخيم، ونتج عن ذلك تشريد أكثر من 4,000 لاجئ فلسطيني. في ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، كانت قسوة إسرائيل وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم واضحة في هجومها على جنين، مع وجود أدلة موثقة جيدًا على جرائم حرب. على سبيل المثال، فإن اثنين من ضحايا الغزو الإسرائيلي في عام 2002 هم رجلين على كرسي متحرك—أحدهما يلوّح بعلم أبيض تم إطلاق الرصاص عليه ثم دهسته الدبابات الإسرائيلية، والثاني سُحق تحت أنقاض منزله بعد أن رفض الجنود السماح لعائلته بإخراجه من المنزل قبل أن تدمره الجرافة.
وبعد إحدى وعشرين عامًا، روى سكان جنين مرة أخرى قصصًا مشابهة—عن قصف منازلهم، وعن تحطيم الجيش لجدرانهم لاقتحام منازل جيرانهم، وعن عمليات نهب واسعة النطاق، بما في ذلك سرقة حصالات الأطفال. قال لي يحيى، وهو شاب أعمى قانونيًا، كيف اقتحم جنود الاحتلال منزله في منتصف الليل، وقيّدوا يديه خلف ظهره وألقوه في عربة عسكرية، قبل أن يقتادوه لعدة أميال إلى قاعدة عسكرية إسرائيلية. رقد على الأرض، على بطنه، ويداه مقيدتان لساعات. وعندما تم الإفراج عنه أخيرًا، عاد إلى جنين، حافي القدمين، دون أي مساعدة—إلى نفس الوجهة التي سار فيها جده قبل 75 عامًا، عندما أُجبر على الخروج من حيفا أثناء النكبة.
وفي أحد أطراف المخيم، كانت توجد مقبرة حديثة الإنشاء بلا تسمية تضم قبورًا جديدة للفلسطينيين الـ 12 الذين قُتلوا في الغارة. قيل لي: "لم يعد هناك مكان في المقبرة القديمة".
- ديانا بوتو
لم يتم استثناء أحد من أكبر هجوم إسرائيلي في الضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية—ولا حتى الطاقم الطبي الذي يقوم بإسعافات أولية في جنين ولا ذوي الاحتياجات الخاصة ولا الأطفال ولا كبار السن. الكل في نظر إسرائيل أهداف مشروعة أو، في أحسن الأحوال، أضرار جانبية، كما كانت في عام 2002، عندما استخدمت القوات الإسرائيلية الفلسطينيين كدروع بشرية. أربعة من بين 12 فلسطينيًا قتلتهم إسرائيل في جنين كانوا أطفالًا—من بينهم صبي أعزل يبلغ من العمر 16 عامًا، أصيب برصاص قناص إسرائيلي في رأسه بينما كان يقف أمام مستشفى، وفقًا للوثائق التي جمعتها منظمة الدفاع عن الأطفال- فلسطين. ومع ذلك، يصر قادة العالم والمتحدثون باسمهم، بمن فيهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
لكن إسرائيل لا تستطيع أن تدّعي الدفاع عن نفسها أثناء غزوها لمخيم للاجئين. إنه يعادل القول بأن الشخص له الحق في اقتحام منزل شخص آخر لأنه يخشى أن تتم سرقة ممتلكاته. لماذا يحق لإسرائيل استخدام مروحيات أباتشي لقصف منازل الفلسطينيين؟ هنا تكمن المشكلة: لقد قلبَ الغرب الحقوق والمسؤوليات رأسًا على عقب، مدعيًا أن الفلسطينيين—الذين يرزحون تحت 56 عامًا من الاحتلال الإسرائيلي والحكم العسكري في الضفة الغربية—يجب أن يضمنوا أن يشعر الإسرائيليون "بالأمان" وهم يواصلون السرقة ونهب الاراضي الفلسطينية. قال السفير الأمريكي المنتهية ولايته لدى إسرائيل، توم نيدز، في مقابلة أُجريت معه مؤخرًا، لصحيفة وول ستريت جورنال: "أعتقد أن الشيء المهم بالنسبة لدولة إسرائيل الأمنية هو الحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية".
في غضون ذلك، فقدت السلطة الفلسطينية أي ادعاء بأنها تساعد الفلسطينيين. على مر السنين، حرص الرئيس محمود عباس على عدم قيام أفراد الأمن الفلسطيني بأي شيء لإحباط الهجمات الإسرائيلية على المدن والبلدات ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين. فأنت لا ترى قوات الأمن الفلسطينية في أي مكان عندما يقوم المستوطنون الإسرائيليون بإضرام النار في بلدات فلسطينية مثل حوارة أو ترمسعيا. ومع ذلك، تظهر تلك القوات بشكل سحري عندما يتحدث الفلسطينيون ضد عباس وحكمه.
قال لي أحد السكان: "نحن نعلم أنهم سيعودون. إنها مسألة وقت فقط قبل أن يمحونا من على وجه الأرض بالكامل—نحن آخر تذكير بالنكبة".
- ديانا بوتو
كان رد عباس على هجوم جنين روتينيًا، حيث وعد بقطع العلاقات الأمنية للسلطة الفلسطينية مع إسرائيل، تمامًا كما فعل بعد الغارة الإسرائيلية على جنين في يناير/كانون الثاني من هذا العام—لكنه لم يقطع تلك العلاقات بالطبع. بعد أكثر من أسبوع من الهجوم الإسرائيلي—وبعد أن ذهب وفد من الدبلوماسيين الدوليين إلى جنين—قرر عباس وزمرته أخيرًا الحضور إلى هناك، برفقة المئات من أفراد الأمن الشخصيين. قال بعض الكلمات التي لا معنى لها عن الوحدة الفلسطينية قبل أن يغادر على الفور. كانت هذه أول زيارة يقوم بها إلى جنين منذ 11 عامًا، مع العلم أن رام الله تبعد 60 ميلًا فقط. ولا عجب أن يسأل أحد السكان "أين هؤلاء الناس عندما كان المخيم يتعرض للهجوم؟" وهتف اخرون للمقاومة الفلسطينية في جنين.
عند الانسحاب من جنين، ادّعى الجيش الإسرائيلي أنه حقق أهدافه العسكرية. بالطبع، لم يحدث ذلك. لكنه حقق أهدافًا أخرى وهي ترهيب جيل آخر من الأطفال الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية للمخيم وإجبار الأونروا التي تعاني بالفعل من ضائقة مالية على إيجاد طرق لإعادة بناء المخيم مرة أخرى. قال لي أحد السكان: نحن نعلم أنهم سيعودون. إنها مسألة وقت فقط قبل أن يمحونا من على وجه الأرض بالكامل—نحن آخر تذكير بالنكبة.