فريدريك ديكناتل المحرر التنفيذي لمجلة الديمقراطية في المنفى الخاصة بمنظمة (DAWN)
English
على الرغم من اتساع نطاق حملة القمع في إيران، بما في ذلك الإنذار المشؤوم الذي أصدره قائد الحرس الثوري الإسلامي يوم السبت الماضي بأنه سيكون "اليوم الأخير" للاحتجاجات، التي وصفها بـ "أعمال الشغب"، يواصل الإيرانيون المتحدّون النزول إلى الشوارع في عموم البلاد. ويوم الأحد، واجه الطلاب في بعض الجامعات الإيرانية الرائدة وابلًا من الغاز المسيل للدموع والنيران الحية من قوات الأمن. جاءت تلك الاحتجاجات في أعقاب المظاهرات الجماهيرية الأسبوع الماضي التي صادفت 40 يومًا على وفاة مهسا أميني، وهي امرأة كردية تبلغ من العمر 22 عامًا توفت في حجز ما يسمى بشرطة الآداب في طهران، ما أدى إلى اندلاع هذه الموجة الثورية من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، بقيادة نساء إيرانيات تحت شعار "امرأة، حياة، حرية"!
قال عالم الاجتماع آصف بيات، الذي يدرس عن كثب حركات الاحتجاج في الشرق الأوسط، لصحيفة يومية في طهران أنه:" يبدو الأمر كما لو أن إيران جديدة قد وُلدت—"إيران عالمية"، فالمتظاهرون هم مجموعة من الأشخاص المتنوعين الذين تفصلهم الجغرافيا ولكنهم متّحدون كثيرًا في المشاعر والهموم والأحلام". وأضاف: "يشعر الناس أن نظام رجال الدين المسنين حرمهم من الحياة الطبيعية. هؤلاء الرجال، كما يشعرون، يبدون منفصلين عن الناس ومع ذلك استعمروا حياتهم".
يمكن أن ينطبق هذا الوصف لإيران على العديد من الدول العربية، حيث يعكس قمع حقوق المرأة أيضًا قيودًا أوسع على الحقوق السياسية وحقوق الإنسان الأساسية الأخرى. إذن، كيف يمكن الشعور بالاحتجاجات المستمرة في إيران في تلك الدول العربية، من العراق المجاور إلى دول الخليج؟ إذا استرشدنا بالتاريخ، فهل تعتبر احتجاجات اليوم في إيران نذيرًا باحتجاجات أخرى في العالم العربي أيضًا سعيًا إلى الكرامة والحرية؟
لفهم التداعيات المحتملة خارج إيران، طرحت مجلة "الديمقراطية في المنفى" السؤال التالي على مجموعة واسعة من الخبراء والمراقبين، بما في ذلك الزملاء غير المقيمين في منظمة (DAWN): ما هي التأثيرات التي يمكن أن تُحدثها الاحتجاجات في إيران في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، سواء على الديمقراطية وعلى نشطاء حقوق الإنسان في الدول العربية وحكوماتهم القمعية؟
النضال من أجل المساواة والتمثيل
غالبًا ما يثير حدوث أي احتجاج مناهض للحكومة على نطاق واسع في بلد ما تساؤلات حول ما إذا كان لذلك تأثير الدومينو—بمعنى آخر، ما إذا كانت حركة الاحتجاج ستمتد إلى البلدان المجاورة. في جميع أنحاء العالم، انتشرت حركات الاحتجاج عبر الأقاليم، بما في ذلك الثورات الملونة لدول ما بعد الاتحاد السوفيتي وربيع أمريكا اللاتينية. بالطبع، الربيع العربي هو المثال الأكثر صلة بتأثير الدومينو في الاحتجاجات، حيث أثّر على كل بلد تقريبًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إنّ ذكرى الربيع العربي وزواله في نهاية المطاف الذي يتجسد في تراجع تونس نحو الاستبداد، هي في أذهان الجميع، من النشطاء والمستبدين على حد سواء. نتيجة لذلك، يمكننا أن نفترض بيئة أمنية مشددة في البلدان المجاورة.
في الوقت نفسه، تثير الاحتجاجات الإيرانية ردود فعل مختلفة في دول الشرق الأوسط الأخرى، اعتمادًا على القرب الثقافي أو الديني. على سبيل المثال، ألهمت الثورة الإيرانية عام 1979 حركات احتجاجية في العراق المجاور ذي الأغلبية الشيعية. الأمر المميز في هذه الحركة الاحتجاجية بالذات هو مدى تسليطها للضوء على التنوع العرقي والديني في إيران. الشابة التي أشعلت وفاتها هذه الحركة الاحتجاجية، مهسا أميني، هي كردية. بالنسبة للعراق، الذي لديه منطقة كردية شبه مستقلة، هناك خوف أقل من الاحتجاجات العرقية التي تجتاح البلاد، لكن تعاطف السكان الأكراد العراقيين بلا شك مع إخوانهم الذين يشاركونهم نفس العرق في البلد المجاور. ومع ذلك، تدهورت العلاقة السياسية بين الأحزاب الكردية العراقية والحكومة الإيرانية بسبب الهجمات على كردستان العراق في العام الماضي.
بالنسبة إلى النشطاء المؤيدين للديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن نضال الشعب الإيراني ليس مجرد نضال للنساء الساعيات إلى الحرية، بل هو أيضًا نضال الأقليات العرقية والدينية التي تسعى إلى المساواة والتمثيل في الأمة. على هذا النحو، فإن هذه الاحتجاجات مقنعة للنشطاء في جميع أنحاء المنطقة الذين لديهم تعريف شامل للديمقراطية. يواجه هؤلاء النشطاء مستوى أكبر من التدقيق من قبل الحكومات واهتمامًا أقل من السكان المحليين، الذين يهتمون في كثير من الأحيان بالمظالم الاقتصادية أكثر من قضايا المرأة أو قضايا المجموعات العرقية المختلفة. ربما ستذكّر هذه الاحتجاجات المنطقة بأن السعي لتحقيق الديمقراطية، مثل الديمقراطية نفسها، يجب أن يكون شأنًا شاملًا.
—مارسين الشمري، باحثة عراقية أميركية، وزميلة باحثة في مبادرة الشرق الأوسط في كلية هارفارد كينيدي، وزميلة غير مقيمة في مركز معهد بروكينغز لسياسة الشرق الأوسط.
*
تأثير الدومينو، من بداية الطريق إلى تونس
سيكون للاحتجاجات الإيرانية المستمرة تأثير كبير على الشرق الأوسط بأكمله، وليس فقط جيران إيران في الخليج. يلوح شبح الاضطراب الاجتماعي الأكبر في الأفق بالفعل بالنسبة للدول العربية القمعية، حيث أصبحت التكلفة المتزايدة للمواد الغذائية الأساسية والإصلاحات الاقتصادية المطلوبة المتعثرة أكثر إلحاحًا وأكثر إيلامًا. لم يرَ الناس في المنطقة في وسائل الإعلام الرسمية الخاصة بدولهم الاحتجاجات الإيرانية بالطريقة نفسها التي يراها الغرب، لكن لا يزال بإمكانهم الوصول إلى الأخبار والصور على وسائل التواصل الاجتماعي. قد تستلهم الجماهير العربية من الإيرانيين الذين يتحدّون الشرطة، وبالتالي لن يتنازلوا عن مطالبهم الخاصة حيث تتواصل الاحتجاجات بالفعل في العالم العربي. على الجانب الآخر، فإن الدول القمعية في مأزق بالفعل—هل يقومون بالقمع بقوة أكبر أو يقومون بتخفيف القمع أو عمل تنازلات لمشاعر قد تكون عابرة، في حين توجد هناك بيئة اقتصادية ارتفعت فيها تكلفة المعيشة إلى مستويات تهدد الوضع القائم.
في تونس، يقال أن قيس سعيّد كان يتودد إلى دول الخليج لمساعدته على مواجهة عاصفة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاضطراب الاجتماعي الأكبر والشروط القاسية من صندوق النقد الدولي ونقص الغذاء والاضطراب المتزايد في الدولة—وهي حالة تتناقض مع وعود سعيّد بتحقيق ازدهار أكبر واستقرار وأيام أفضل، مقابل تنحية المؤسسات الديمقراطية جانبًا وتكديس سلطة أكبر لنفسه دون مساءلة.
تخلق احتجاجات إيران إلحاحًا أكبر على الدولة التونسية، وغيرها من الدول المماثلة، للسيطرة على بيئة المعلومات وتقويض المنتقدين الذين يتحدّون الوضع الراهن. يجب أن نتوقع المزيد من الجهود من قبل الدول القمعية للسعي إلى تضليل وتحدي الرواية القائلة بأن التشكيك في سلطة الدولة أمر مثمر، أو أن البديل سيجعل الأمور أفضل، حيث أن الدولة نفسها تواجه العديد من المشاكل. يواجه معارضو القمع وأنصار الحريات تحديًا ليس فقط من خلال خطر الاستهداف من قبل دولة أكثر قسرًا وقمعًا، ولكن أيضًا بالحاجة إلى تقديم إجابات لسكان يائسين بشكل متزايد، وبيئة معلوماتية تعطي الأفضلية للمعلومات المضللة والدعاية الحكومية. إذا أدت الاحتجاجات إلى تنازلات كبيرة من قبل النظام الإيراني وفشله في مواصلة العمل بشكل متماسك، فقد يؤدي ذلك إلى موجة أخرى في المنطقة، وشعورًا بأن التغيير لا مناص منه.
—سيف الدين فرجاني، محلل سياسي تونسي يعيش في المملكة المتحدة. يكتب عن الشؤون الإقليمية لشمال إفريقيا، وبالأخص تونس وليبيا.
*
لحظة مشؤومة في الخليج
ردود الفعل في دول مجلس التعاون الخليجي على الاحتجاجات الإيرانية تختلف باختلاف علاقة حكوماتها مع إيران. في حين أن الحكومة السعودية مسرورة لرؤية منافستها في وضع صعب—وربما تساعد في إبقاء تلك الاحتجاجات هناك من خلال دعم البث الإذاعي المعارض في إيران—فهي أقل حرصًا على نشر الاحتجاجات أمام مواطنيها. وقطر، التي دافعت عن التغطية الإعلامية لاحتجاجات الربيع العربي، أكثر حذرًا في قطع علاقاتها المعقدة مع إيران. وبالتالي، هناك عرض إعلامي أقل، وشماتة أقل مما قد يتوقعه المرء.
بالنسبة للنشطاء والإصلاحيين الخليجيين، هناك تعاطف وذهول لشجاعة المحتجات في إيران. لكن هذه اللحظة ليست مواتية للقيام بموجة احتجاجات موازية. الانفتاح الحالي الموجه من الدولة السعودية غير مكتمل بل إنه يضر بالتمكين السياسي، لكنه أوجد بعض الحريات الاجتماعية للمرأة السعودية. وهذا يجعل الإغلاق الاجتماعي في إيران لا يطاق عند مقارنته بالخليج. المرأة والحياة والحرية هي ثلاثة أمور بانتظار أن يتم تحقيقها بشكل كامل في الخليج.
—كريستين ديوان، باحثة مقيمة رفيعة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن.
*
هل سينجح القمع؟
بعد ستة أسابيع من انطلاق الحركة الاحتجاجية الإيرانية، مدفوعة بوفاة مهسا "زينة" أميني، يبدو أن الاحتجاجات لا تزال تزداد قوة على الرغم من قمع النظام، حيث تقول جماعات حقوق الإنسان أن النظام قتل 233 متظاهرًا على الأقل، بينهم 32 طفلًا.
تستخدم طهران تكتيكات مماثلة لاستجابتها للمظاهرات الواسعة النطاق في عامي 2009 و 2019-2020، بما في ذلك إطلاق النار على المتظاهرين والإرسال القسري للطلاب المعارضين إلى مؤسسات الطب النفسي. ومع ذلك، هذه المرة، مع ظهور التكنولوجيا، تستخدم طهران أيضًا لعبة أطول تشمل التعقب والمراقبة والاختراق واستهداف القادة المفترضين وعائلاتهم—وهي تكتيكات مستخدمة حاليًا في العديد من دول ما بعد الربيع العربي لقمع ومنع الاحتجاجات المستقبلية.
والسؤال هل القمع سيستمر في النجاح، وهل تغير حركة الاحتجاج النسائية والشبابية أي شيء؟ تقل أعمار ثلثي سكان إيران عن 30 عامًا، وتحظى الاحتجاجات بدعم النقابات والطلاب وجماعات المجتمع المدني. ومع وجود مئات الضحايا، تخلق دورات الحداد الديني ثقافة الاحتجاج والتجمعات. لا يزال المتظاهرون صامدين، كما يتضح من استمرار المظاهرات على الرغم من تحذير رئيس الحرس الثوري الإيراني القوي للمحتجين من أن السبت الماضي سيكون "آخر يوم" لهم في النزول إلى الشوارع، في أوضح مؤشر على أن قوات الأمن قد تكثف حملتها الشرسة بالفعل على حالة الاضطراب الواسعة.
تراقب دول ما بعد الربيع العربي الوضع عن كثب. على مدى الأشهر العديدة الماضية، صعّد المدافعون عن حقوق الإنسان من الضغط على الحكومة المصرية لتحسين وضع الحقوق بشكل جذري في البلاد مع اقتراب قمة الأمم المتحدة للمناخ. تدعو المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي حاليًا إلى احتجاجات في القاهرة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث شهدت مصر انخفاضًا كبيرًا في قيمة العملة أثّر على اقتصادها وسكانها بشدة. خرج المتظاهرون في تونس إلى الشوارع هذا الأسبوع، حيث تعاني البلاد من نقص الوقود والغذاء بعد تحرك الرئيس قيس سعيّد لتوطيد سلطته السياسية. بعد مرور عام على انقلاب سعيّد، يواصل النشطاء التونسيون التعبئة على الرغم من حملات القمع المميتة.
بينما تراقب دول ما بعد الربيع العربي الاحتجاجات الشعبية المستمرة في إيران، فإنها تشهد أيضًا عودة المحتجين إلى ساحاتهم الخاصة. وبينما تظل النتائج غير معروفة، فإن ما أصبح واضحًا هو أنه على الرغم من القمع المتزايد في جميع أنحاء المنطقة، إلا أن هناك مجموعات متزايدة من النساء والشباب لا تزال صامدة.
—داليا فهمي، أستاذة مشاركة في العلوم السياسية بجامعة لونغ آيلاند وباحثة زائرة في مركز دراسة الإبادة الجماعية وحقوق الإنسان بجامعة روتجرز. وهي أيضًا زميلة غير مقيمة في منظمة (DAWN).
يمكن قراءة محتويات الطاولة المستديرة كاملة باللغة الإنجليزية هنا.