ناصر العربي باحث سعودي متخصص في الاستبداد والتحول الديمقراطي في شبه الجزيرة العربية.
في عام ١٩٥٤ تقدم ناصر السعيد وعدد من المواطنين بمطالبة الحكومة السعودية لتشكيل نظام سياسي ملكي دستوري، وتمت كتابة مقترح لشكل أولي عن طبيعة النظام السياسي الدستوري الذي يحافظ على مكانة الأسرة الحاكمة ويضمن حقوق الشعب ويسهم في بناء دولة حقوق ومؤسسات. وحيث أن الدولة في تلك الفترة لازالت في طور التشكل لبناء دولة حديثة، فقد كانت تكلفة التحول أسهل وأيسر لأن معظم مؤسسات الدولة لم تكن موجودة بعد باستثناء قطاعات صغيرة مثل مكتب المالية ووزارة الخارجية والمديرية العامة للتعليم. في تلك الحقبة كانت المجتمع المحلي منشغل بنفسه بعيدا عن تأثير وسطوة الدولة، ومعتمداً على رزقه من الكفاح اليومي في الرعي والصيد والزراعة وقليل من التجارة.
في عام ١٩٥٤ تقدم ناصر السعيد وعدد من المواطنين بمطالبة الحكومة السعودية لتشكيل نظام سياسي ملكي دستوري، وتمت كتابة مقترح لشكل أولي عن طبيعة النظام السياسي الدستوري الذي يحافظ على مكانة الأسرة الحاكمة ويضمن حقوق الشعب ويسهم في بناء دولة حقوق ومؤسسات. وحيث أن الدولة في تلك الفترة لازالت في طور التشكل لبناء دولة حديثة، فقد كانت تكلفة التحول أسهل وأيسر لأن معظم مؤسسات الدولة لم تكن موجودة بعد باستثناء قطاعات صغيرة مثل مكتب المالية ووزارة الخارجية والمديرية العامة للتعليم. في تلك الحقبة كانت المجتمع المحلي منشغل بنفسه بعيدا عن تأثير وسطوة الدولة، ومعتمداً على رزقه من الكفاح اليومي في الرعي والصيد والزراعة وقليل من التجارة. ولم تكن الدولة قد تحولت إلى دولة نفطية بعد، وإن كانت أكوام الحديد والمعدات شركات النفط الأمريكية تتراكم على سواحل المنطقة الشرقية، لكن لم يكن للنفط تأثير في بنية النظام الاجتماعي، وربما في مناطق الهامش لم يسمع أحد بعد عن النفط.
بنية الدولة على مكاتب إدارية موروثة من البنية الإدارية في الحجاز، حيث حل في هذه المؤسسات الحكومية الناشئة ممثلين للملك عبدالعزيز ثم لأولاده من بعده، ومع الوقت تحولت هذه المكاتب إلى جهاز إداري بيروقراطي تابع لوزارة الداخلية، وله وظيفه محدده، وهي الأشرف على المجتمع المحلي، وعقد اجتماعات دورية مع بعض الجهات الحكومية و حلقة وصل بين المركز (العاصمة) والأطراف، وأيضا هي مرجع للمواطنين لبعض القضايا. تطور شكل مؤسسات الدولة مع الملك سعود ثم فيصل وبفضل مداخيل النفط التي ساهمت في بناء المؤسسات الحكومية ومشروعات البنية التحتية مثل الكهرباء والماء والطرق.
طول العقود الماضية لم يكن الإصلاح السياسي في شقة الإداري حريصاً على بناء منظومة لدولة تحكمها التشريعات والقوانين والمؤسسات بدل حكم الفرد الواحد أمر جاداً لأي من الحكام السابقين وصولاً إلى ولي العهد الحالي. وكأن الإصلاح السياسي هو ترف وليس ضرورة مصيرية يتم من خلالها تحديد مستقبل الأجيال القادمة. ربما كانت هناك مناورات بين أجنحه الأسرة الحاكمة في اللعب بورقة الإصلاح كما حدث مع سعود ثم عبدالله وأخير سلمان وأبنه محمد. لكن هذي المناورات كانت لأجل إضفاء شرعية خادعة للمجتمع حول صورة مزيفة عن الملك القادم. وعد سعود عدد من الإصلاحيين بالتحول إلى دولة ملكية دستورية، ولم يتم هذا، ثم أتى بعد زمن الملك عبدالله وقال للمرحوم الدكتور عبدالله الحامد والدكتور متروك الفالح والأستاذ علي الدميني المعروفين بـ الإصلاحيين الثلاثة حال خروجهم من السجن، رؤيتكم (الملكية الدستورية) هي رؤيتي. مات الخاطب والمخطوب ولم يتحقق شيء. ثم أتى سلمان الذي أوهم كل الإصلاحيين أنه على وفاق مع رؤيتهم حتى أن الدكتور أحمد التويجري تحمس وكتب واهماً وعن ثقة أن الملك سلمان هو ملك مجدد الدولة السعودية الرابعة، وانتهى به بعد الزمن بعد عامين إلى السجن.
لماذا الإصلاح السياسي ضرورة حتمية، هل هو لأجل البنية التحتية وحفظ أموال الشعب، حتما لا، المال يذهب ويعود والبنية التحتية يمكن التباطؤ في بنائها، لكن الإصلاح السياسي هو حتمي لأجل الإنسان الذي يعيش في هذا البلد أو أي بلد، حيث أن البلدان المستبدة تتغير سيكولوجية الفرد فيها، يتغير مزاجه وتتغير أخلاقه، ويتحول مع الوقت إلى كائن غريب حتى يصل به الحال أن يهلل للقرارات القمع والجريمة المنظمة من قبل الحكومة. الإنسان الذي يعيش في بلدان تحكمها أنظمة ترعب مواطنيها مواطن غير سوي وناقص الأهلية النفسية، حيث هو يخاف من مواجهة الحقيقة ويخاف أن يخالف مزاج الدولة، لهذا لا مناص من أن يساير المزاج السياسي حتى يكون إيقاعاً وصدا لها.
للاستبداد ماسي كبرى، لكن أعظمها وأكثرها بشاعة هي تعطيل الإنسان وتحجيم دوره في الحياة إلى درجة الرتابة القاتلة للإبداع والتفكير والعمران. تتعطل الكفاءات وتحجم القدرات والعقليات النابغة في مجتمعات الاستبداد ولا يبقى على السطح إلى الانتهازيين والفاسدين والمنتفعين من المستبد. من كتب عليه أن يعيش في مجتمعات يحكمها القمع السياسي فهو يشيخ قبل عمره، وتتحول الحياة إلى رماديه ربما يستوي معها الموت والحياة، حيث لا شيء في تلك المجتمعات يبعث على الأمل. فالنفوس دمرت والأرواح شوهت والعقول تعطلت وهذا غاية منى المستبد أن يحول شعبه إلى قطيع لا يريد منهم إلى أن يكونوا مجرد أرقام لا قيمة لها.
الإصلاح السياسي هو الأولوية القصوى، ولا بديل عنها مهما أنفقت الحكومة الحالية من أموال على تحسين صورتها أمام الرأي العام الغربي بشكل رئيسي وبشكل ثاني على الرأي المحلي لأن الأخير ليس ذو قيمة من وجه نظر محمد بن سلمان الذي يتعالى على المجتمع وينظر له نظرة أنه متخلف ورجعي ويحتاج إلى تحديث وتطوير وإعادة الهندسة الاجتماعية. السنوات التي يقضيها المستبد في تدمير بنية الإنسان العقلية والسلوكية نحتاج إلى ضعفها لإعادة هذا الإنسان إلى رشده وصوابه. الإنسان الذي يفرح بأخبار قتل الصحفي جمال خاشقجي وسجن لجين الهذلول وسلمان العودة وعصام الزامل وجميل فارسي هو نتيجة تنشئة سياسية فاسدة. لهذا إذا أردنا إنسان راشد وعاقلاً فل نبحث عن نظام سياسي عادل يتبنى نموذج دولة المؤسسات والحقوق وليس دولة الفرد الواحد، الذي ربما يكون مجرم وسوف يلاحق في المحاكم على جرائم اقترفها بسبب طيشه وجهله.
لا مناصب من أن دولة الفرد الواحد سوف تقود إلى المزيد من الدمار لبنية الدولة السياسية والاقتصادية لكن ليس هذا هو المقلق في الأمر وإن كان هذا أمراً حتمياً وحاصل الأن، لكن الأكثر حرجاً وخطراً هو في تدمير جوهر وكينونة الإنسان الذي تفسد أخلاقه وسلوكياته، لأن هذه الشخصيات التي أفسدها النظام السياسي سوف تجلب الطوفان والدمار للدولة ولا أجل و أوضح مثال على المشهد السعودي الحالي ابتداء من رأس الهرم محمد سلمان مروراً بسعود القحطاني و العسيري ومطرب والطبيقي وغيرهم من ٢٠ شخص الذين تورطوا في اغتيال المرحوم جمال خاشقجي وغيرهم مئات من المنتفعين الذين يمثلون السعودية الجديدة أو السعودية العظمى كما يحلو لهم.